يتم التحميل...

رحماء بينهم

ربيع الثاني

رحماء بينهم

عدد الزوار: 203

رحماء بينهم


عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ".

إنّ المتبادر إلى الأذهان حين الحديث عن الحاكم والولاية هو السلطة والتحكّم بالأمور بما يوحي أنّ قوام الحكم هو القوّة والقدرة على اتّخاذ القرارات الصعبة ومواجهة الأحداث القاسية ممّا يستدعي أن يكون الحاكم ذا بطش وسلطان نفسي وشخصية صلبة, وهذا الأمر وإن كان صحيحاً جزئيّاً ولا بدّ منه في بعض الجوانب وبحكم الضرورة لإنفاذ الأحكام وإدارة العباد والبلاد إلّا أنّ المدرسة العلويّة التي تستقي مناهجها وقيمها من الإسلام الصافي توازن بين القدرات التي ينبغي أن يتحلّى بها الحاكم الناجح والمقتدر وعلى رأس هذه القدرات هو النظرة الأبويّة للرعيّة باعتباره مسؤولاً عنهم قبل أن يكون والياً وسلطاناً عليهم ممّا يؤهّله لأن يرقى إلى مستوى القيادة الدينية والتي هي فرع من فروع النبوّة والإمامة فيكون للرعيّة مربياً ومرشداً وحامياً وناصراً كحرصه على أبنائه وأحياناً أشدّ حرصاً خاصّة للضعفاء منهم.

وعليه، فإنّ هذه النظرة تستلزم منه أن يُعلّمهم قبل أن يؤدّبهم وأن يُرشدهم قبل أن يُحاسبهم وأن يكون بهم رحيماً ورؤوفاً قبل أن يظهر لهم سطوته وقدرته. كما عليه أن يعرف أنهم يخطئون ويزلّون ويسرعون في ارتكاب الأخطاء. وعليه أن يتمهّل قبل الحكم عليهم وأن يرأف بهم وأن يفتش لهم عن الأسباب والمعاذير طالما هناك مندوحة شرعيّة أو عقلية. ثمّ إنّ المطلوب أن تكون محبّتهم في قلبه صادقة قبل أن يظهرها عواطف وأحاسيس يشعرون بها, وهذه مسألة غاية في الأهمية إذ إنّ هناك فرقاً كبيراً بين حاكم ومسؤول عن الناس يُظهر لهم الودّ والاحترام من أجل أن يكسب رضاهم وآخر تشرَّب حبّ الرعيّة في قلبه فهو يحترمهم؛ ولذا كان قوله (عليه السلام):"وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ", لأنّهم نظراء له في الخلق أو إخوة له في الدّين فحينئذٍ تصبح الرابطة بينه وبينهم عاطفية وقلبية تدعوه إلى تحمّل عثراتهم وتدعوهم إلى الصبر على أحكامه.

إنّ الفجوة الحاصلة عادةً بين الحاكم والرعيّة في الغالب تعود إلى الخوف وقلّة الثقة خاصةً من جهة الرعيّة التي ترى في الحاكم مستغلّاً ومستفيداً من موقعه لتحصيل مكاسب معنويّة أو ماديّة ولا نعتقد أنّ هناك نهجاً في العالم يرقى إلى النهج الذي خطّه الإمام (عليه السلام) في إيجاد علاقة متينة إلى حدّ الأخوّة بين الحاكم والمحكوم وهذا يؤسّس لفهم طبيعة الحكومة الدينية الحقّة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

2018-01-03