عظمة شخصيّة النبي (صلّى الله عليه وآله)
مِنْ كَلَامٍ لَأمير المؤمنين (عليه
السلام) قَالَه وهُوَ يَلِي غُسْلَ رَسُولِ اللَّه (صلّى الله عليه وآله)
وتَجْهِيزَه:"بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّه، لَقَدِ انْقَطَعَ
بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ، مِنَ النُّبُوَّةِ والإِنْبَاءِ
وأَخْبَارِ السَّمَاءِ،...ولَوْلَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ ونَهَيْتَ عَنِ
الْجَزَعِ، لأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤونِ، ولَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلًا
والْكَمَدُ مُحَالِفاً ... بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ".
إن عظمة النبي (صلّى الله عليه وآله) تتجلى في شخصه وفي رسالته، فهو من ناحية شخصه
يمثل الكمال الإنساني الذي لا يصل إليه أحد من البشر، ورسالته هي الرسالة الخاتمة
التي هي أكمل الشرائع والرسالات السماوية.
ونشير إلى إحدى الصفات النبوية على مستوى شخصه والتي تشكل الأسوة والقدوة، وهذه
الصفة تعود إلى علاقته بهذه الدنيا والتي تمتاز بالزهد فيها والتخلي عنها، لأنه
العارف بحقيقتها والعالم بأن ما عند الله خير وأبقى، ويصف ذلك أمير المؤمنين (عليه
السلام) فيقول:"قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وصَغَّرَهَا، وأَهْوَنَ بِهَا
وهَوَّنَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللَّه زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً، وبَسَطَهَا
لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وأَمَاتَ
ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ،
لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً. بَلَّغَ
عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً، ونَصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً، ودَعَا إِلَى الْجَنَّةِ
مُبَشِّراً، وخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً".
والمنطلق في تعامل الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع هذه الدنيا بهذا النحو اتِّباع
الإرادة الإلهية، فالبغض لها واحتقارها لأنها كذلك عند الله، قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) واصفا الرسول (صلّى الله عليه وآله) بذلك:"قَضَمَ الدُّنْيَا
قَضْماً، ولَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً،
وأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ
يَقْبَلَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللَّهً سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ،
وحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ".
والله عز وجل جعل النبي قدوة وأسوة في ذلك للناس، فهكذا ينبغي لأتباع النبي (صلّى
الله عليه وآله) أن يكون تعاملهم مع هذه الدنيا، يقول (عليه السلام):"ولَقَدْ
كَانَ فِي رَسُولِ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) كَافٍ لَكَ فِي الأُسْوَةِ,
ودَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وعَيْبِهَا, وكَثْرَةِ مَخَازِيهَا
ومَسَاوِيهَا, إِذْ قُبِضَتْ عَنْه أَطْرَافُهَا ووُطِّئَتْ لِغَيْرِه
أَكْنَافُهَا".
فإذا كانت الدنيا شيئا حقيرا فحرمانها لأحد لا يكون فيه المهانة له بل الكرامة
والعزة، وهذا ما كان مع رسول الله فالله عز وجل لم يعطها لنبيه مع أنه عظيم المكانة
لديه: قال (عليه السلام):"ولَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ, صَلَّى الله
عَلَيْهِ وآلِهِ, مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وعُيُوبِهَا: إِذْ
جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ، وزُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ
زُلْفَتِهِ. فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ: أَكْرَمَ اللَّهُ مُحَمَّداً
بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ: أَهَانَهُ، فَقَدْ كَذَبَ, واللَّهِ
الْعَظِيمِ, بِالإِفْكِ الْعَظِيمِ، وإِنْ قَالَ: أَكْرَمَهُ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ
اللَّه قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ، وزَوَاهَا عَنْ
أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ. فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ، واقْتَصَّ أَثَرَهُ،
ووَلَجَ مَوْلِجَهُ، وإِلَّا فَلَا يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
2017-11-14