لماذا لم يف مجتمع الكوفة للإمام الحسن (عليه السلام)؟
وفاء وإباء
لماذا لم يف مجتمع الكوفة للإمام الحسن (عليه السلام)؟
عدد الزوار: 190
لمعرفة طبيعة المجتمع الذي تولى الإمام الحسن عليه السلام زمامه بعد استشهاد والده
أمير المؤمنين (عليه السلام) لا بأس بمقارنته بمجتمع الشام الذي كان يحكمه معاوية
بن أبي سفيان، ليتبين حجم المظلومية التي تعرض لها الإمام عليه السلام مع مجتمع لم
يعرف قيمة للخلافة الإلهية ولم يف لمتطلبات هذه الخلافة:
1ـ إن المجتمع العراقي متفكك، محكوم بالعصبيات القبلية، لا يمتلك قضية يدافع عنها
ويقاتل لأجلها بقوة وجدية، وهذه كانت طبيعة الإنسان العربي على العموم, ذلك أن
البحث عن الغنائم لا يعني أكثر من السعي إلى ترف العيش ورغده، ظنا من الباحث عنها
أنه, بالمال والمكسب المادي, يحقق سعادته وراحة باله. فإذا تعارض ذلك مع الإبقاء
على حياته، خصوصا إن خاب أمله في تحصيلها، كما حصل للعراقيين مع علي(عليه السلام)،
آثر الدعة والبقاء، على الإقدام وارتكاب الأهوال، وإن كان في ذلك كرامته وعزته.
وهذا بخلاف أهل الشام الذين وجدوا في معاوية ضالتهم، وحقق معاوية فيهم أمانيه،
فأخلصوا له وارتبطوا به، لما يرونه في هذا الارتباط من تحقيق لآمالهم، وإشباع
لرغباتهم، في تحصيل المال والجاه والسلطان، خصوصا إذا كان هذا الارتباط بمعاوية لا
يؤثر سلبا على رؤيتهم للحياة والدين، بل يخدمها ويتماهى معها.
2- إن العراقيين لما كانوا يفتقدون الهدف النبيل، والغاية الشريفة من قتالهم
وحروبهم، فإن من الطبيعي أن تفتر هممهم، وتتهاوى عزائمهم، مع ويلات الحرب ومآسيها،
ويتأكد ذلك عندما لم يروا المكاسب التي كانوا يرجونها مع الانتصار لعلي(عليه
السلام)، فكان ذلك قمة الخلاف بين مبدأ العراقيين ومبدأ علي(عليه السلام) في
الحياة، ما جعلهم ينقمون على الحرب، ويسعون بالتالي إلى التسليم والدعة، في ما
يزعمون، وإن لم يتحقق لهم ذلك من الناحية الواقعية، فإن معاوية قد أذلهم وأظهر كل
جبروته فيهم من بعد.
وأما أهل الشام فإن هدفهم في طور التحقق، وغايتهم في معرض التنفيذ، بعدما لم
يتقيدوا بقوانين هذا الدين، ولم يكن لهم من هم سوى تحصيل الغنيمة، وهي غاية تتوافق
مع مطامح العراقيين، إلا أن الفرق بينهما هو أن أهل الشام قد اتفقت غايتهم مع
قائدهم الجديد، فأعطاهم ذلك دفعا قويا في القتال تحت لوائه ورايته، بخلاف ما كان
عليه حال أهل العراق مع إمامهم وقائدهم.
3- لقد وجد العراقيون أن الامتيازات التي حصلوا عليها أثناء خلافة عمر بن الخطاب،
لا يمكن استرجاعها، أو المحافظة على ما بقي منها، إلا مع معاوية، خصوصا وأنهم قد
اطلعوا، بدون شك، على موقف عمر منه، والمدائح التي كان يطلقها بحقه، إلا أنهم ومن
ناحية أخرى كانوا قد التزموا بمبايعة علي(عليه السلام) في الخلافة، والالتزام
بالبيعة من طبيعة العربي أصلا، فلا يأمنون بالتالي على أنفسهم إن هم نقضوا بيعتهم
وانحازوا إلى صف معاوية، بعدما تأججت الصراعات بين أهل العراق وأهل الشام على أكثر
من صعيد، الأمر الذي أدى إلى تذبذب واضح في مواقفهم، وطريقة معالجتهم للأحداث
والمشاكل، لأن لازم ذلك أنهم قد وقعوا بين أمرين أحلاهما مر، فمن ناحية لا يمكن خوض
الحرب إلى جانب علي(عليه السلام)، إذ لا أمل لهم في الحصول على مغنم أو مكسب
يرجونه، ومن ناحية أخرى لا يضمنون تحصيل ذلك، إن هم تركوه وانحازوا إلى صف معاوية،
وأهل الشام معه، فآثروا الراحة والدعة، والابتعاد عن الحرب، طلبا للسلامة، وبحثا عن
النجاة.
إن هذه الصفات تبدو ظاهرة وواضحة في أهل العراق من خلال قراءة كلمات أمير
المؤمنين(عليه السلام) الحاكية عن وصف حالهم، واليأس منهم، وهي كثيرة ومبثوثة في
مختلف خطبه وكلماته في نهج البلاغة وغيره، وقد وصل به الحال إلى أن يتوجه إلى الله
عز وجل بقوله: "اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني، فأبدلني خيرا منهم
وأبدلهم شرا مني".
وأما أهل الشام فلم يتغير أي شيء يؤثر على تماسكهم في موقفهم وقناعاتهم، بل إن
التطورات التي حصلت في صفين وما بعدها من غارات وحملات على البلاد الواقعة تحت سلطة
علي(عليه السلام)، قد قوت عزيمتهم، وزادت من تصميم على الثبات إلى جانب معاوية، وقد
يكون ذلك بعضا من الثأر من العراقيين، الذين كانوا في الأساس من المقاتلين الذين
تحققت الكثير من الفتوحات على أيديهم، خصوصا وأن الشاميين يرون في أنفسهم أقدم
وأعرق في تحكيم النظام على مجتمعهم من العراقيين الذين هم بقايا القبائل العربية إن
صح التعبير، وهي ميزة يرون أنها تؤهلهم للانتقام منهم بقوة، في محاولة إعادة
الاعتبار لأنفسهم وقوتهم، دون أن يؤدي ذلك إلى إثارة المسلمين ضدهم من جديد، إن هم
أظهروا أنهم فئة منهم.