يتم التحميل...

أبو الفضل العباس عليه السلام أسدُ شط الفرات

محطات من محرم الحرام

قامت العصابة المجرمة التي تحمل شرور أهل الأرض وخبثهم باحتلال الفرات، ولم تبق شريعة أو منفذ إلاّ وقد وضع عليها الحرس، وقد صدرت إليهم الأوامر المشدّدة من قبل القيادة العامة

عدد الزوار: 117

قامت العصابة المجرمة التي تحمل شرور أهل الأرض وخبثهم باحتلال الفرات، ولم تبق شريعة أو منفذ إلاّ وقد وضع عليها الحرس، وقد صدرت إليهم الأوامر المشدّدة من قبل القيادة العامة بالحذر واليقظة كي لا تصل قطرة من الماء إلى عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله الذين هم من خيرة ما خلق الله.

ويقول المؤرّخون: حيل بين الحسين والماء قبل قتله بثلاثة أيّام[1] وكان ذلك من أعظم ما عاناه الإمام من المحن والخطوب، فكان يسمع صراخ أطفاله، وهم ينادون: العطش، العطش، وذاب قلب الإمام حناناً ورحمة لذلك المشهد الرهيب، فقد ذبلت شفاه أطفاله، وذوي عودهم، وجفّ لبن المراضع، وصوّر أنور الجندي هذا المنظر المفجع بقوله:
وذئاب الشرور تنعم بالماء***وأهـل النبيّ من غير ماء
يالظلم الأقدار يظمأ قلب الليث***والليث موثق الأعضاء
وصغار الحسين يبكون في الصحراء***يا ربّ أين غوث القضاء


لقد نزع الله الرحمة من قلوبهم، فتنكّروا لإنسانيتهم، وتنكّروا لجميع القيم والأعراف، فان جميع الشرائع والمذاهب لا تبيح منع الماء عن النساء والأطفال فالناس فيه جميعاً شركاء، وقد أكّدت ذلك الشريعة الإسلامية، واعتبرته حقاً طبيعياً لكل إنسان، ولكن الجيش الأموي لم يحفل بذلك، فحرم الماء على آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بعض الممسوخين يتباهى ويفخر لحرمانهم الحسين من الماء، فقد انبرى الوغد اللئيم المهاجر بن أوس صوب الامام رافعاً صوته قائلاً: «يا حسين ألا ترى الماء يلوح كأنّه بطون الحيات، والله لا تذوقه أو تموت دونه..»[2].

واشتدّ عمرو بن الحجاج نحو الحسين، وهو فرح كأنّما ظفر بمكسب أو مغنم قائلاً: «يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب فيه الحمير والخنازير، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنّم..»[3].

وكان هذا الوغد الأثيم ممن كاتب الإمام الحسين عليه‌السلام بالقدوم إلى الكوفة.

وانبرى جلف آخر من أوغاد أهل الكوفة وهو عبد الله بن الحصين الأزدي فنادى بأعلى صوته لتسمعه مخابرات ابن مرجانة فينال منه جوائزه وهباته، قائلاً: «يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً..».

فرفع الإمام يديه بالدعاء عليه قائلاً: «اللهمّ اقتله عطشاً، ولا تغفر له أبداً..»[4].

لقد تمادى هؤلاء الممسوخون بالشرّ، وسقطوا في هوّة سحيقة من الجرائم والآثام ما لها من قرار.
 
سقاية العباس لأهل البيت عليهم السلام:
والتاع أبو الفضل العبّاس كأشدّ ما تكون اللوعة ألماً ومحنة حينما رأى أطفال أخيه وأهل بيته وهم يستغيثون من الظمأ القاتل، فانبرى الشهم النبيل لتحصيل الماء، وأخذه بالقوة، وقد صحب معه ثلاثين فارساً، وعشرين راجلاً، وحملوا معهم عشرين قربة، وهجموا بأجمعهم على نهر الفرات وقد تقدّمهم نافع بن هلال المرادي وهو من أفذاذ أصحاب الامام الحسين فاستقبله عمرو بن الحجاج الزبيدي وهو من مجرمي حرب كربلاء وقد اعهد إليه حراسة الفرات فقال لنافع:
«ما جاء بك؟..».
«جئنا لنشرب الماء الذي حلأتمونا عنه..».
«اشرب هنيئاً..».
«أفأشرب والحسين عطشان، ومن ترى من أصحابه؟.».
«لا سبيل إلى سقي هؤلاء، انّما وضعنا بهذا المكان لمنعهم عن الماء..».


ولم يعن به الأبطال من أصحاب الإمام، وسخروا من كلامه، فاقتحموا الفرات ليملأوا قربهم منه، فثار في وجوههم عمرو بن الحجاج ومعه مفرزة من جنوده، والتحم معهم بطل كربلاء أبو الفضل، ونافع بن هلال، ودارت بينهم معركة إلاّ انّه لم يقتل فيها أحد من الجانبين، وعاد أصحاب الامام بقيادة أبي الفضل، وقد ملأوا قربهم من الماء.

لقد أروى أبو الفضل عطاشى أهل البيت، وانقذهم من الظمأ، وقد منح منذ ذلك اليوم لقب (السقاء) وهو من أشهر ألقابه، وأكثرها ذيوعاً بين الناس كما أنّه من أحبّ الألقاب وأعزّها عنده[5].
 
* المصدر: العباس بن علي عليهما السلام - بتصرف


[1] مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: ٨٩.
[2] أنساب الأشراف ٣: ١٨١.
[3] أنساب الأشراف ٣: ١٨٢، تأريخ ابن الأثير ٤: ٢٣٦.
[4] الصراط السوي في مناقب آل النبي: ٨٦.
[5] أنساب الأشراف ٣: ١٨١.

2017-09-27