كلمة الامين العام لحزب الله في إفطار التعبئة التربوية
2001
الخروج من الواقع الطائفي المر يحتاج إلى الترفع والتعاون
عدد الزوار: 184
كلمة
الامين العام لحزب الله في إفطار التعبئة التربوية 26-11-2001 ــ القسم الثقافي
الخروج من الواقع الطائفي المر يحتاج إلى الترفع والتعاون
المحاور الرئيسية
• بين الإنتماء الطائفي والإنتماء الديني
• "المتدين" يخاصم الظالم ولو كان من دينه
• "الطائفي" يعين الظالم لأنه من دينه
• إنتماؤنا إلى الإسلام خروج من غرائزنا الطائفية
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين ابي القاسم محمد بن عبد الله وعلى
آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين والشهداء
والمجاهدين في سبيل الله منذ آدم الى قيام يوم الدين.
اخواني واخواتي، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
أولا أرحب بالاخوة والاخوات والسادة والسيدات الاعزاء والاجلاء في حفلنا الرمضاني
هذا، واسأل الله سبحانه وتعالى ان يعيد هذه الايام وهذه المناسبات عليكم وعلينا
وعلى بلدنا وامتنا بمزيد من النصر والفرج والعز والقدرة على مواجهة الاخطار
والتحديات القائمة والآتية.
الإنسان هو المسؤول عما في الأرض من ظلم
هذه الليلة بحسب المناسبات التاريخية في شهر رمضان المبارك هي ليلة
استشهاد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)،
وارتحاله عن هذه الدنيا. بعد حياة عامرة بالجهاد والعطاء والعلم وتحمل المسؤوليات
الكبيرة والعظيمة. أنا في الحقيقة أريد ان آخذ كلمة واحدة من وصية هذا الامام
الكبير لادخل منها الى نقاش أو حديث حول مشكلة أساسية نعاني منها في لبنان وداخل
الأمة.. بكل الأحوال، في مثل هذه الليلة كانت لهذا الامام وصايا كبيرة ومهمة،
وبطبيعة الحال ان الامام في وصاياه سيركز على ما هو أخطر وأهم وأعظم. هو لن يتحدث
في الصغائر أو الأمور التي لا ترقى أهميتها الى مستوى أن تملأ وقت رجل يريد ان
يغادر الدنيا خلال ساعات.
من جملة ما قاله الامام عليه السلام وهو يوصي وخصوصا لولديه اللذين كانا يتحملان
مسؤوليات كبيرة بعد استشهاد الوالد، أعني الامامين الحسن والحسين عليه السلام، قال
لهما: "كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا". من
الواضح بأن رسالات السماء عموما ودعوات الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن كل
نبي ورسول منذ بدء الخليقة الى خاتم النبيين كان لديهم حساسية بالغة جدا من قضية
الظلم الذي هو من صنع الانسان. الطبيعة لا تظلم، حتى عندما تحصل براكين او زلازل او
فيضانات لا يمكن ان نقول ان الارض ظالمة، وان المياه ظالمة، وان الانهار ظالمة.
الظلم في هذه الارض يأتي ممن يملك الارادة والاختيار، والانسان هو الذي يملك
الارادة والاختيار والقدرة. وبالتالي نحن هنا عندما نتحدث عن الظلم ومواجهة الظلم
ورفضه ورفض معونة الظالمين ومواجهتهم، انما نتحدث في البعد الانساني والبشري. كما
قلنا في مناسبات قريبة ـ في الفكر الاسلامي وايضا في رسالات السماء ـ هذه القناعة
موجودة. هناك عوامل عديدة مؤثرة فيما يجري على الارض،. طبعا نحن لا نؤمن بنظرية
العامل الواحد. إنما نؤمن بنظرية العوامل المتعددة، ولكن نؤمن بأن العامل الاساسي
من بين هذه العوامل هو الانسان.
ولذلك نجد ان الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن
الكريم وكل الكتب السماوية ينسب ما يجري على الارض الى الانسان:
"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس".
الناس هم الذين يوجدون الفساد ويملأون الارض بالحروب، والناس هم الذين يقيمون
السلام ويوطئون ويوطدون العدل وأسسه. والناس هم الذين يظلم بعضهم بعضا. المسألة عند
الانسان بالدرجة الاساسية. ولأن رسالات الانبياء جاءت لهذا الانسان ولانقاذه
وتربيته، فان أخطر ما في هذا الانسان هو ظلمه: ظلمه لنفسه، ولأخيه الانسان والناس
من حوله. ولذلك كنا نجد بان رسالات الانبياء كلها كانت تتعاطى بدرجة عالية من
الاهمية والاستنفار والتمركز حول قضية الظلم الذي يمكن ان يمارسه الانسان. واعتبرت
ان هدفها المركزي هو تربية الانسان تربية الهية انسانية اخلاقية صحيحة تمنعه من
ممارسة الظلم بالدرجة الاولى.
إلتباس مفاهيمي بين "الطائفي" و"الديني"
ما اريد ان أدخل اليه في المسألة التي تعنينا في لبنان بشكل أساسي
لأقول: أن التأكيد على هذه الوصية يمكن ان يمثل شاهدا او مثالا جليا وواضحا على ما
يمكن ان يُميَّز به بين ما هو طائفي وبين ما هو ديني؛ سواء كان هذا الديني اسلاميا
ام مسيحيا. يعني هناك التباس قوي ما زال موجودا في لبنان وفي المنطقة. الانتماء
الطائفي والديني. وهنا طبعا نحتاج الى المزيد من الوضوح في هذا الامر ورفع هذا
الالتباس، لاننا شئنا ام ابينا نحن نشهد في المنطقة، صحوة دينية كبرى ونهضة، خصوصا
على المستوى الاسلامي، وحضورا قويا وبارزا للحركات والاحزاب والتيارات الاسلامية.
وهذا بكل الاحوال سواء قرأناه بشكل إيجابي او سلبي هو ظاهرة قوية وموجودة اليوم،
وبالتأكيد تركت آثارا كبيرة على العالم والمنطقة خلال السنوات القليلة الماضية،
وستترك آثارا كبيرة وعظيمة على العالم والمنطقة خلال السنوات بل العقود المقبلة.
وبالتالي سواء كنا من المؤيدين او المحايدين، هذه الظاهرة لا نستطيع ان نتنكر لها،
ونحن بحاجة الى فهمها واستيعابها. وان كنا من المؤيدين نحن بحاجة الى ترشيدها والى
الاستفادة من هذه الظاهرة في الاتجاه الصحيح الذي يخدم امتنا وبلدنا وقضايا امتنا
وبلدنا. ولا يمكن لاحد على كل الاحوال ان يتجاهل هذه الحقيقة البارزة والحاضرة بقوة
في هذه المرحلة.
لا اريد الاطالة في المثل ولكن أريد ان اقول ان هذا المثل - وأنا سوف أدخل الى
التطبيق مباشرة لاوضح الفكرة - يضع حدا فاصلا وواضحا بين الانتماء الديني والانتماء
الطائفي.
أ ــ الإنتماء الطائفي حالة قبلية تحركها الغريزة
الانتماء الطائفي يعني الانتماء العشائري والقبلي. لكن اذا كنت انتمي
الى العائلة الفلانية علي أن أسأل ماذا يجمع العائلة او العشيرة او القبيلة. يجمعها
هذا الناسب لها :عقليتها وعاداتها وتقاليدها ومصالحها وعداواتها وتحالفاتها
واحقادها وصداقاتها. الطائفة هي قبيلة أكبر ولكن الطائفة هي محكومة بنفس العقل
القبلي والعشائري والعائلي، ولكن في دائرة أوسع. وتتحرك بهذ الغريزة والخلفية.
ب ــ الإنتماء الديني علاقة ترتكز على معتقدات دينية
الانتماء الديني هو انتماء الى دين وفكر. عندما نتحدث عن الانتماء
الاسلامي يعني نحن نتحدث عن الانتماء الى الدين الذي جاء به رسول الاسلام محمد بن
عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم). عندما نتحدث عن الانتماء المسيحي الديني من
المفترض ان نكون نتحدث عن انتماء المسيحي الفلاني الى تعاليم السيد المسيح (عليه
السلام). قد يكون هناك انتماء اسلامي قبلي - وسوف اتكلم عن الاسلامي باعتبار
انا مسلم - يعني انتماء اسلامي طائفي؛ يعني، انا انتمي الى قبيلة المسلمين، وقد
يكون هناك انتماء اسلامي ديني؛ يعني انا انتمي الى الاسلامي الذي جاء به نبي
الاسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).
الحد الفاصل بين الإنتماء الديني والإنتماء الطائفي
أ ــ "المتدين" يخاصم الظالم ولو كان من دينه
هناك فرق كبير بين الامرين. الوصية التي اوصى بها امير المؤمنين يمكنها
ان تضعنا امام الفارق: "كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا".
لم يقل كونا للظالم غير المسلم خصما، وكونا للمظلوم المسلم عونا. هو لم يقل شيئا من
هذا. هذا الظالم أيا يكن، الذي يلحق الاذى بالآخرين ويظلمهم ويصادر حقوقهم ويعتدي
عليهم، سواء كان مسلما او غير مسلم؛ الى أي دين أو طائفة انتمى، أو اية قبيلة او
عشيرة او عائلة، سواء كانت تربطك معه رابطة القرابة والنسب والرحم او الجيرة او
الانتماء المناطقي او الطائفي او الوطني او القومي او الديني الخ. طالما هو يظلم
انت يجب ان تكون خصما له في الظلم الذي يمارسه. في المقابل، عندما نطالب بمعونة
المظلوم، أيا يكن هذا المظلوم، اذا كان حقا هو مظلوما وكان معتدى عليه فيجب ان نقف
الى جانبه، ويجب ان نعينه ونسانده. في المنطق الديني ، ان تكون اسلاميا ـ كما يصطلح
الان ـ ان تكون اسلاميا يعني ان تكون مسلما، وان تكون مسلما يعني ان تتبع تعاليم
نبيك، لا ان تنتمي الى قبيلة المسلمين.
لكن هذا إشكال نشأ فصار يجب علينا ان نميز بين المسلم والاسلامي. ان تكون منتميا
دينيا يعني في بعض الالتزامات التي يجب ان تلتزم بها هي ان تكون خصما للظالم وعونا
للمظلوم. سواء انتمى هذا الظالم الى طائفتك ام لا، يجب ان تكون خصما له، وسواء
انتمى هذا المظلوم الى طائفتك ام لا، الى منطقتك وعشيرتك وعائلتك ام لا يجب ان تكون
عونا له.
ب ــ "الطائفي" يعين الظالم لأنه من دينه
في المنطق الطائفي الامور ليست كذلك. في المنطق الطائفي الحاكم ليس هو
الدين، لا محمد ولا المسيح. الحاكم هو مصلحة الطائفة، وعندما نتحدث عن مصلحة
الطائفة احيانا، تتداخل او تختلط علينا الامور بين مصلحة زعماء في الطائفة ومصلحة
الطائفة، مصلحة احزاب في الطائفة ومصلحة الطائفة، مصلحة اشخاص ومواقع قوى في
الطائفة ومصلحة الطائفة. واحيانا قد تصبح مصلحة الطائفة هي مصلحة زعيم او حزب او
تنظيم في الطائفة. وهذا امر خطأ. على كل في الانتساب والانتماء الطائفي المسألة
هكذا. وبالتالي أنا مع ابن طائفتي ولو كان ظالما، وانا خصم لمن لا ينتمي الى طائفتي
ولو كان مظلوما. ليس فقط لا اعينه ولا اساعده وامده، بل اعين عليه. وهذا يتناقض
بالمطلق مع منطق الانتماء الديني والاسلامي. هذا مثل وضح.
الأديان لا تتحمل مسؤولية ممارسات وسلوكيات أتباعها
الظالمة
الممارسة والسلوكيات التي نقوم بها كمسلمين او مسيحيين طوال التاريخ او
في الواقع الحاضر ستجعل الفكرة مشوشة أكثر. وسوف يخلط النموذجين ويضيعهما. أنا أقول
بأنه قد يكون هناك كثير من المسلمين الطائفيين وليسوا مسلمين دينيين محمديين منتمين
الى رسالة النبي الاصيلة. وقد يكون هناك الكثير من المسيحيين الطائفيين ولا ينتمون
الى تعاليم السيد المسيح، وهذا امر واضح.
أ ــ لا يجوز تحميل الإسلام مسؤولية أحداث11 أيلول
وأمثالها
وبكل الاحوال لا يجوز خصوصا في مثل هذا الزمن ان نحمل سلوك وممارسات
الافراد وتبعات هذا السلوك للاديان السماوية، كما يجري في مثل هذه الايام في
العالم. لو قام بعض المسلمين ببعض الاعمال التي يختلف حولها الناس: هل هي ارهابية،
اجرامية، رد فعل مشروع، رد فعل غير مشروع، وكما حصل في 11 أيلول وغيره وقبله وبعده؟
ولكن بكل الاحوال، لا يجوز ان نحمل الاسلام والرسالة الاسلامية وهذا الدين السماوي
مسؤولية ما يمكن ان يقوم به مسلمون هنا او هناك، سواء أصابوا ام اخطأوا.
كذلك ، اليوم لا يجوز كلما حصل شيء في مكان من العالم ان نقول انظروا: هذا هو
الاسلام وهذا هو الدين؛كما يجري الان في الولايات المتحدة الاميركية ليحملوا نبي
هذا الدين مسؤولية ما قد يقوم به بعض الافراد المنتسبين او مسؤولية ما يمكن ان تقوم
به وهو أمر وارد. مسؤولية ما يمكن ان تقوم به أجهزة مخابراتية معادية هدفها إلصاق
الكثير من هذه الاعمال بالمجموعات الاسلامية، وخصوصا انه يوجد بعض المجموعات
الاسلامية التي يمكن "تركيب" التهمة عليها. وفي هذه الايام يمكن ان تحصل أي عملية
في أي مكان، ولا يكون علاقة لتنظيم القاعدة بها، وقد يقوم به جهاز مخابرات فلاني،
ولكن بعد ثوان قليلة نجد بان الاعلام في العالم كله يتهم تنظيم القاعدة. وقد يحلو
لبعض المسؤولين في القاعدة أيضا، اذا اعجبتهم العملية ان يصدروا بيانا بتبني هذه
العملية ويكون في واقع الحال ليس لهم اي علاقة بها. هناك قد تحصل احيانا عمليات في
المقاومة ـ وانا اتحدث عن الشيء الشريف الذي ليس فيه نقاش ـ وقد تأتي اسرائيل وتقول
انتم الذين قمتم بهذه العملية، قد يحلو لنا الامر ونتبنى العملية ونحن لم نقم بها.
هناك اخطاء تحصل من هذا النوع.
ب ــ لا يجوز تحميل المسيحية مسؤولية جريمة ناكازاكي
وهيروشيما
تماما كما أنه لا يجوز لنا ان نحمل مسؤولية وتبعات اكبر جريمة ارتكبت في
تاريخ الانسانية على ما يبدو؛ كل الانسانية. ولكن هي اكبر جريمة ايضا ارتكبت في
القرن العشرين، وهي جريمة القاء القنابل الذرية على ناكازاكي وهيروشيما، والتي قتلت
مئات الآلاف وشردت مئات الآلاف والحقت اضرارا ما زالت قائمة الى الآن، بمئات
الآلاف. والذي رمى هذه القنابل هو مسيحي، فهل يجوز ان نحمل السيد المسيح عليه
السلام ونقول ان المسيح ارهابي لان أسمه سجل بعد مئات السنين على هوية بعض اتباعه؛
رجال أمروا وصنعوا والقوا القنبلة الذرية على ناكازاكي وهيروشيما. هذا غير صحيح
وغير منطقي وغير منصف. وفي الحد الأدنى في العالم الاسلامي لم يقل احد شيئا من هذا
القبيل. وبالرغم من كل المظالم التي الحقتها قوى غربية تنتسب بالهوية الى المسيحية
لم نعتبر كمسلمين ان العداء يأتينا من المسيحية، وانما من أشخاص ينسبون انفسهم الى
المسيحية ولكن يتصرفون طبق اهوائهم ومصالحهم ونزواتهم وحساباتهم الخاصة.
إنتماؤنا إلى الإسلام خروج من غرائزنا الطائفية
بكل الاحوال ما اريد ان اصل اليه واقوله، نحن بحاجة الى هذا التمييز
الأكيد. أي تحرك طائفي هو مؤذ ومؤلم وضار، لأنه تحرك قبلي وعودة الى ان تحكم حياتنا
الوطنية عقلية الجاهلية والتخلف والعصبيات. لكن عندما نتحدث عن حركة اسلامية وعن
تيار اسلامي، انما يفترض ـ وانا صريح معكم ـ لنكون حركة اسلامية بالانتماء الصادق
والصحيح، ان نخرج من طائفيتنا ومن هواجسنا ومن غريزتنا الطائفية لاننا ولدنا عليها
وتربينا في مجتمع كل ما فيه يُربي طائفيا، وان نترفع ونرتفع من طائفيتنا لنكون
بمستوى انتمائنا الاسلامي.
الإنتماء الإسلامي إنتماء إنساني يتسع "للوطنية"
و"القومية"
وعندما نتحدث عن الانتماء الاسلامي انما نتحدث عن الانتماء الانساني.
هذا الانتماء الاسلامي الانساني الذي يمكن ان يتسع له اي مكان، يمكن ان يتسع له
الوطن؛ فهنا اشكالية "الوطني" و"الاسلامي"
محلولة. ويمكن ان تتسع له الامة ولو بالمعنى القومي؛ فهنا مشكلة
"القومي" و"الديني" محلولة. كان دائما مطلوب ان
نضع "الوطني" في مواجهة
"الديني"، وان نضع
"القومي"
في مواجهة "الديني"،.وحتى
"العائلية" نضعها في مواجهة "الديني".
هذا خطأ، الانتماء الديني هو انتماء انساني بالدرجة الاولى، هو انتماء الى فطرة
الانسان لان الدين هو هذه الفطرة. وبالتالي يمكن للانسان الذي ينتمي دينيا انتماء
صادقا ومخلصا، ان يكون انسانا فوق الحسابات والتعقيدات والنزاعات الطائفية، وفوق
التعقيدات والخصومات والحسابات الفئوية والحزبية، وفوق كل حسابات ضيقة، يمكن ان تقف
في طريقه.
المقاومة الإسلامية في لبنان: لقاء الإنتماء الديني
بالإنتماء الوطني
هنا يلتقي الانتماء الديني بالانتماء الوطني، وهنا كانت قضية المقاومة
الاسلامية في لبنان.
المقاومة الاسلامية التي تحسَّس البعض من تسميتها في السنوات الاولى، وكنا نقول
ايها السادة الكرام: نحن في كلمة الاسلامية هنا لا نتحدث عن مقاومة طائفية. نحن
نتحدث عن الهوية الفكرية والايمانية لهذه المقاومة. ان هويتها الايمانية يجعلها
مقاومة فوق الطوائف، وفوق المناطق، وحتى فوق الاقطار بالمعنى القطر الضيق. ويجعلها
مقاومة تدافع عن الامة، ومقاومة تدافع عن الانسان في لبنان، في المنطقة، وفي الامة،
بمعزل عن انتمائها المناطقي او الطائفي او الوطني او القومي، وكان الحرص على هذا.
البعد الإيماني للمقاومة وتربية المجاهدين على المحبة
والرحمة
لذلك عندما يخرج مجاهدوا المقاومة ليقدموا التضحيات الجسيمة كانت هذه
خلفياتهم ومنطلقاتهم. هم تربوا منذ البداية: أنكم تدافعون عن كرامة الناس والانسان،
التي لها مكانة عالية عند الله سبحانه وتعالى. انتم تدافعون عن أعراض وعزة ومستقبل
الناس واولادهم واحفادهم. ولذلك، ميزة المقاومة عندما تنطلق من فكر ديني ايماني من
هذا النوع ـ وانا اتحدث هنا عن الفكر الاسلامي ـ انها لا تربي في الانسان المقاتل
بُعْد الشدة فقط. وفي الميليشيات وحتى في الجيوش النظامية، في الاعم والاغلب تتركز
التربية على جانب الشدة والقسوة والقدرة على التعايش مع الظروف الصعبة، وأكل
الحيوانات أحيانا وهي حية الخ. يركزون في شخصية المقاتل على هذا البعد القاسي، هذا
البعد الذي فيه صلابة لانه من المفترض ان يكون شديدا وصلبا وقاسيا في مواجهة
المعركة وتحدياتها. لكن التربية الايمانية حتى عندما تتوجه لتربية المقاتلين، هي
تربي فيهم بعد الشدة في مواجهة المحتلين والمغتصبين والمعتدين، ولكن في نفس الوقت
وفي نفس الدرس ونفس الموقف ونفس اللحظة لا يغيب عنها ان تربي فيهم عامل المحبة
والرحمة لأولئك المعتدى عليهم، والمحتلة أرضهم، والمضطهدين الذين ندافع عنهم.
• التربية الإيمانية سلّمت لبنان من مؤامرة الإقتتال
الطائفي حين التحرير
ان غياب او بعد الرحمة وبعد المحبة في تربية المقاتل هو الذي يحوله بعد
انتهاء عملية التحرير الى عنصر تفجير في مجتمعه. اما حضور بُعْد المحبة والرحمة في
عملية التربية للمقاتل هو الذي لا يحوله الى عنصر تفجير في مجتمعه بعد انجاز
التحرير وانتهاء المعركة، بل يبقيه عاملا ايجابيا وعنصرا فاعلا وحاضرا لمواصلة عمله
لنفس الاهداف التي كان يعمل لها في السابق مع تبدل الوسائل والوسائط واساليب
العمل.
لذلك عندما نتطلع الى ما جرى في الشريط الحدودي المحتل، اثناء عملية التحرير ـ وهذا
طبعا انجاز يجب دائما ان نتحدث عنه في لبنان، وللأسف هو أمر منسي في لبنان ـ نقول
ان انجاز تحرير سنة 1985 لم نشعر به كلبنانيين، لان في كل منطقة خرج منها
الاسرائيليون بلا قيد او شرط (وهو انجاز) حصل اقتتال داخلي فيها بعد لحظات ودقائق،
حيث تحول العرس الى جنازة. من الطبيعي الا نشعر بالفرح والاعتزاز والا نشعر
بالانجاز اصلا.
ولذلك عندما تعود بنا الى التحرير الذي حصل في سنة 1985، وانسحاب القوات
الاسرائيلية من اكثر الاراضي المحتلة في لبنان لم نشعر بأهمية ذلك اليوم ولا بهجته
ولا فرحته، لانه كان يوم مصيبة على اللبنانيين الذين تقاتلوا هنا او هناك كطوائف او
احزاب. لكن في سنة 2000 المسألة اختلفت. الكثير ممن قالوا قبل وبعد الانسحاب ـ أن
أهم ما راهنوا عليه في الانسحاب هو أن المقاومة الاسلامية بالتحديد باعتبار انها هي
القوة الاساسية الفاعلة الحاضرة الميدانية ـ عندما ستدخل الى منطقة الشريط الحدودي
سوف تقوم بأعمال انتقامية واسعة لمختلف الطوائف. ولكن بطبيعة الحال قد يشعر ابناء
الشريط الحدودي المحتل الذي ينتمون طائفيا الى طائفة هذه المقاومة بالأمان، بينما
ستكون النتيجة هي تهجير ابناء الطوائف الاخرى. وبالتالي الاسرائيليون وهم ينسحبون
ويخرجون كانوا قد نصبوا كمينا ضخما للمقاومة ولبنان، لاعادة انتاج الحرب الاهلية
ولكن من بوابة الجنوب. من الذي أفشل الكمين؟ من الذي أحبط محاولات العدو؟ في
الحقيقة لا أقول القرار السياسي. لاننا في لبنان ـ خصوصا عندما نتحدث عن احزاب وقوى
سياسية ـ قد تتخذ القيادة قرارا، لكن الامور على الارض تسير بفعل العواطف والغرائز
والظروف العائلية والاجتماعية والميدانية في اتجاه آخر. وانما أقول الذي ضيع على
الاسرائيليين هذه الفرصة التاريخية هي التربية الاسلامية الايمانية لهولاء
المجاهدين الذين كانو يتربون خلال سنوات قليلة: انكم لا تدافعون عن المسلم الشيعي
في لبنان، او المسلم في لبنان ككل، انتم لا تدافعون عن ابن طائفة في لبنان او منطقة
محددة، انتم تدافعون عن شعبكم ووطنكم وبلدكم وكل فرد وكل شبر وكل موجود في هذا
البلد. ولذلك من الطبيعي عندما يدخلوا الى تلك المنطقة ان يعتبروا أنهم الان امام
الانجاز الذي تحقق بسيل دماء احبائهم الشهداء الذين سقطوا خلال سنوات طويلة، هذه هي
الارض تعود، هؤلاء هم الاهل يعودون. لا يجوز ان نعطي للعدو فرصة لان يفجر بلدنا من
جديد، ولا لكي يدمر انجازنا الانساني والتاريخي من جديد، وكان الذي كان.
الخروج من الواقع الطائفي المر يحتاج إلى الترفع والتعاون
ان المسألة الرئيسية اليوم ـ لاننا نقرأ في المجلات والصحف والدراسات
والتحاليل وايضا الوقائع تعزز هذه المقولة: ان بلدنا كلما قويت فيه المشاعر
والحسابات والانتماءات الطائفية ـ وطبعا هذا خطير جدا، قد نمر على هذا الكلام
ببساطة ـ ولكن هذا يؤسس لمستقبل سيء وأسوأ مما عانينا منه في الماضي. لان العودة
الى الخيارات الطائفية في البلد سيكون بعد كل التجارب الطائفية المُرّة دفعا للوطن
باتجاه الحائط المسدود الذي لا مخرج منه ولا مخرج فيه، وهذه ستكون مصيبة كبيرة.
السؤال الكبير الذي يجب ان نطرحه، ماذا نفعل لنخرج بلدنا من هذا الواقع الطائفي
المُرّ والقاسي؟ هناك ازمات عديدة: ازمة اقتصادية ومعيشية ومالية، وموضوع القطاع
التربوي، ومشكلة الموازنة والدَّين والانماء والحرمان. نعم هذه مشاكل قد تفجر البلد
في يوم من الايام. وبالتالي هي بحاجة الى معالجة جدية. مشكلة اخرى قد تفجر البلد في
يوم من الايام، هي هذا الجو الطائفي؛ جو الاحقاد والضغائن والعداوات والتعصب. ونجد
بأن انصار هذا الاتجاه وهذا العقل الطائفي يكثرون وينمون حتى بين النخب المثقفة
والواعية، وهذا خطير. يعني الاطباء الذين يجب ان يعالجون المرض هم اصبحوا مبتلين
ايضا بهذا المرض. ماذا يمكن ان نفعل بهذا الملف لمعالجته ومواجهته؟ لا يمكن ان نغض
النظر ونقول انه ليس هناك شيء من هذا القبيل. وفي نفس الوقت اقول: ليس صحيحا ان
نتعايش معه، لان التعايش مع هذا النوع من الامراض. نعم هناك امراض يمكن ان يتعايش
الواحد معها وهي غير فتاكة. اما التعايش مع هذا النوع من الامراض الفتاكة هذا معناه
انك تسير الى حتفك بملء ارادتك ووعيك دون ان تفعل شيئا. هذا بحاجة الى مواجهة. لكن
سواء في مواجهة هذا الملف او في مواجهة الملف الاقتصادي والاجتماعي الخ...، نحن
دائما ندعو الى تعاون وتكاتف، وقد نتجادل او نتخاصم او نتناقش بحدة في بعض الامور
لاننا هنا نحن نتحدث عن سلامة شعب ووطن ومصير. لكن في نهاية المطاف، العداوة
واستمرار الخصومة واللجوء الى خيارات (حربية) من هذا النوع هو كمن يستعجل الدمار
والخراب، هروبا من الدمار الآتي من بعيد. وهذا أمر لا يباشره أي عاقل على الاطلاق.
في هذا النوع من الملفات نحن بالتأكيد بحاجة الى ترفع وتعاون والى كل جهد وتخطيط،
وللأسف هذا من الامور الغائبة. في لبنان كلنا نتحدث عن مرض الطائفية وخطر ونمو
الشعور الطائفي، الى حد اننا نرى بان الامور باتت صعبة جدا، ولكن ليس هناك من يفعل
شيئا؛ حتى نحن. وليس هناك من يحاول ان يدرس ويخطط ويقدم برنامجا لمعالجة هذا الامر
الصعب والقاسي. استطيع ان اقول: باننا من خلال تجربة المقاومة حاولنا ان نبعد ما
يعزز هذا الخطر من خلال أداء المقاومة. ولكن في الداخل بالتأكيد هذا الاستحقاق هو
كبير وخطير وبحاجة الى كل جهد.
• في مواجهة الظلم نحن ننشد العدالة لا الانتقام
لكن يبقى أمر أريد أن اشير له في القسم الاخير من هذه الكلمة. هناك
مظالم كثيرة، ولكن في مواجهة هذه المظالم تختلف الاساليب والوسائل والادوات. احيانا
قد لا يكون مطلوبا منك ان تواجه الظالم بالكلمة القاسية منذ بداية الطريق. قد
تواجهه بالكلمة الطيبة، كما لو كان لك جار يظلم زوجته واولاده وتريد ان تمنعه من
الاستمرار بهذا الظلم. قد تكون الكلمة الطيبة مع هذا الجار كافية لمنعه من الظلم.
في مواجهة الظلم نحن نريد ان نأكل العنب لا ان نقتل الناطور. لكن هناك اناس يفكرون
بمواجهة الظلم بعقلية اننا نريد ان نقتل الناطور سواء اكلنا العنب ام لم نأكل
العنب. الاسلام هو يبحث عن العدالة ولا يبحث عن الانتقام. الاسلام يريد للظالمين ان
يرتدعوا من ممارسة الظلم. الاسلام يريد ان يشيع العدل بين الناس. قد تختلف الوسائل
والاساليب.