يتم التحميل...

التوكّل على الله

ذو القعدة

"يَعْمَلُونَ فِي الشُّبُهَاتِ ويَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ، الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا والْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، مَفْزَعُهُمْ فِي الْمُعْضِلَاتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، وتَعْوِيلُهُمْ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ، كَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِه، قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ"

عدد الزوار: 202

التوكّل على الله


من كلام لأمير المؤمنين (عليه السّلام) في بيان الأسباب التي توجب هلاك الناس: "يَعْمَلُونَ فِي الشُّبُهَاتِ ويَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ، الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا والْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، مَفْزَعُهُمْ فِي الْمُعْضِلَاتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، وتَعْوِيلُهُمْ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ، كَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِه، قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ"[1].

من المزالق الخطرة التي يقع فيها الإنسان فتجرّه إلى غضب الله عز وجل، أن يعتدّ بذاته ويتّكل على نفسه، فإنّه بذلك يُعطي الشّيطان الفرصة ليُهيمن عليه فيقودَه إلى المهالك، قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): "وإِيَّاكَ والإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وحُبَّ الإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ"[2].

- ويترتّب على هذه الصّفة أمور:

1- الاعتداد بالرّأي فلا يرى لمن هو فوقه فضلًا عمّن هو مثله، حقًّا في الرّأي ولا صوابًا في القول، وهكذا يعتمد في كلّ حادثة على رأيه وتعظُمُ مساوئ ذلك، عندما يصبح المركوز في نفسه، وبتعبير الإمام (عليه السّلام): "إمام نفسه"، فهو يقود ولا ينقاد لغيره.

ومثل هذا الشّخص، يصبح بلا قائد يهديه للهدى،إذ يقول الإمام (عليه السّلام) واصفًا هذا الصّنف من النّاس: "وهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ، ويَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ، بِلَا سَبِيلٍ قَاصِدٍ، ولَا إِمَامٍ قَائِدٍ"[3].

ويترتّب على ذلك انقلاب المعايير لديه، فيصبح معيار المعروف والمنكر، ما يراه هو، وليس الواقع والحقيقة.

2- عدم الاستماع لغيره، فلا يستفيد من آرائهم حتّى بنحو الاستماع إليها، وأخذ الصّحيح منها والمفيد لما فيه مصلحة ما أُوكل إليه من مهامّ ووظائف.

ولذا يوصي الإمام (عليه السّلام) مالك الأشتر في عهده، أن يُبقي معه جماعة صالحة تُرشده إلى الحقّ بالاستماع إليهم يقول (عليه السّلام): "والْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ والصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ، ولَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْه، فَإِنَّ كَثْرَةَ الإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ"[4].

3- والاعتداد بالذّات يحول بين الإنسان وبين الاستفادة حتّى مما لديه من عقل، فعقله يهديه إلى المشورة وملاحظة آراء النّاس وأفكارهم، ولكنّ هوى الذّات يحول بينه وبين ذلك، ولذا ورد عن الإمام (عليه السّلام) قوله: "عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ"[5].

- من هنا على الإنسان المؤمن أن يبقى على الدّوام متذكّرًا لأمرَين:

1- أنّه مهما علا شأنه وبلغ من العلم والموقعية، عليه أن يحفظَ روح التّواضع في نفسه، فيبحث عن مُعتمَد موثوق يرجع إليه، فيأمن على نفسه وعلى من يتبعه من مخاطر الإندفاع وعدم التدبّر.

إنّ الزّهو مرض يجعل الإنسان يستخفّ بغيره، فيترفّع عن الإستماع إليه أو قبول نصحه، خلافًا للتّواضع لا سيّما أمام النّاصح الشّفيق.

2- أن يُدرك تمامًا، أنّه وفي خطّ ولاية من أَوكل الله عزّ وجلّ إليهم الأمر، ليس عليه أن يعتمد في خياراته إلّا على الرّجوع إليهم، لأنّ ذلك هو الذي يأمن به النّاس من التشتّت والإختلاف بما يؤدّي الى الصّراع والتّقاتل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين


[1] نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، ص121.
[2] المصدر نفسه، ص443.
[3] المصدر نفسه، ص213.
[4] المصدر نفسه، ص430.
[5] المصدر نفسه، ص507.

2017-08-17