صلح الحسن عليه السلام
شهر الله
إنَّ المحطة الأساسية في حياة الإمام الحسن عليه السلام كانت صلحه مع معاوية، وهو ما نقاربه من خلال الإضاءات الآتية:
عدد الزوار: 766
الوضع العام قبل الإمام الحسن عليه السلام
من أقوال الإمام علي عليه السلام في مجتمع الكوفة
"ذهب والله أولو النُهى والفضل والتقى الذين كانوا يقولون فيصدِقون، ويُدعَون
فيُجيبون، ويلقون عدوَّهم فيصبرون، وبقيت لي حثالة قوم لا يتّعظون بموعظة، ولا
يفكِّرون في عاقبة"1
"يا أهل الكوفة، كلّما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلّكم، انجحر كل امرئ منكم في
بيته وأغلق عليه بابه انجحار الضبّ قي جحره... ماذا منيت به منكم، عميٌ لا يبصرون،
وبكمٌ لا ينطقون، وصمٌّ لا يسمعون. إنا لله وإنا إليه راجعون"2.
بيعة الإمام الحسن عليه السلام
جاء الخوارج وشرطوا في بيعته حرب أهل الشام فقبض الإمام الحسن عليه السلام يده عن
بيعتهم، وأرادها على السمع والطاعة، وعلى أن يحاربوا من حارب، ويسالموا من سالم.
وقد أجروا محاولة فاشلة مع الإمام الحسين عليه السلام وفي النهاية بايعوا الإمام
الحسن عليه السلام.
خيارات الإمام الحسن عليه السلام:
1- القتال حتى النصر.
2- القتال حتى الشهادة.
3- الصلح.
الإمام الحسن عليه السلام والقتال حتى النصر
عمل الإمام الحسن عليه السلام على إعادة القوّة العسكرية واستنهاض جيشه عبر خطوات
هي:
1- زاد المقاتلين مئة مئة.
2- هدَّد معاوية بالحرب، فأرسل إليه: "وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيِّك، سرتُ إليك
بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين"3.
3- جمع عشرين ألفاً على أكثر المصادر، وأرسل ابن عمه عبيد الله بن العباس الذي قتل
رسول معاوية (بسر بن أرطأة) ولديه، مع إرسال نائبه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري
على رأس اثني عشر ألف مقاتل إلى معسكر مسكن.
مشاكل واجهت حركة الإمام الحسن عليه السلام في تحقيق الانتصار
1- كان عدد جيش الإمام الحسن عليه السلام 20 ألف، بينما عدد جيش معاوية 60 ألفاً
أو 68 ألفاً.
2- خيانة عبيد الله بن العباس وهو القائد الأول على جيش مسكن، إذ أرسل له معاوية
مليون درهم، وكلاماً أنَّ الإمام الحسن عليه السلام سيضطر إلى الصلح، فخير لك أن
تكون متبوعاً، ولا تكون تابع، ففرَّ مع ثمانية آلاف مقاتل.
3- انتشار شائعة في الجيش مفادها أنَّ قيس بن سعد القائد الثاني على جيش مسكن قد
قُتل فانفرو، فنفروا إلى سرادق الإمام الحسن عليه السلام، فنهبوا متاعه حتى نازعوه
بساطاً كان تحته4.
4- محاولة اغتيال الإمام الحسن عليه السلام؛ إذ دسّ معاوية إلى أربعة من أفراد جيش
الإمام الحسن عليه السلام رسائل تحوي جوائز قتل الإمام الحسن عليه السلام وهي: 100
ألف أو مليون درهم، وجند من جنود الشام، وبنت من بنات معاوية. فبلغ الإمام الحسن
عليه السلام ذلك، فالتمَّ بدرع، فجاءه سهم وهو يصلّي، فثبت في لامته.
5- محاولة ثانية لقتل الإمام الحسن عليه السلام من الخوارج، فقد كان الإمام الحسن
عليه السلام على فرسه أو بغلته، فتقدَّم أحدهم بسيفه، وضربه على فخده، حتى وصلت
الضربة إلى العظم، وقال له: "أشركت كما أشرك أبوك"5.
6- فتنة الوفد الشامي، إذ أرسل معاوية وفداً معه رسالات بعض أصحاب الإمام الحسن
عليه السلام لمعاوية، فكان موقف الإمام الحسن عليه السلام أن وعظهم، فخرجوا قائلين:
"إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، وسكَّن به الفتنة، وأجاب إلى الصلح"6.
خلاصة الاتجاهات الموجودة في جيش الإمام الحسن عليه السلام
1- جواسيس لمعاوية.
2- خوارج.
3- شكَّاكون: متأثّرون بدعوة الخوارج لا هنا ولا هن، يغلب على طابعهم الانهزام.
4- جنود المنتصر.
5- أصحاب الإمام الحسن عليه السلام.
لماذا عرض معاوية للصلح؟
السبب الأول
"دعا معاوية إلى الصلح، وأشهد على دعوته أكبر عدد ممكن من الناس في الشام والعراق
وفي سائر الآفاق الإسلامية حتى يلقي مسؤولية الحرب على الإمام الحسن عليه السلام
ويقول للناس: إني دعوت الحسن للصلح، ولكنَّ الحسن أبى إلا الحرب، وكنتُ أريد له
الحياة، وأراد لي القتل. وأردتُ حقن الدماء، وأراد إهلاك الناس"7.
السبب الثاني
خُيَّل له أنَّ تنازل الإمام الحسن عليه السلام عن الحكم سيكون معناه في الرأي
العام تنازله عن الخلافة، فيصبح الخليفة الشرعي في المسلمين. ولكن هل تحقق ذلك له؟
الجواب يتضّح من التصريحات الآتية:
1- دخل على معاوية سعد بن أبي وقاص، فقال له: "السلام عليك أيها الملك "فضحك له
معاوية وقال: "ما كان عليك يا أبا اسحق لو قلت: يا أمير المؤمنين". قال: "أتقولها
جذلان ضاحكاً، والله ما أحبّ أنّي وليتُها بما وليتَها به"8 .
2- قال ابن عباس لأبي موسى الأشعري في كلام طويل: "وليس في معاوية خصلة تقرِّبه من
الخلافة"9.
3- وقال أبو هريرة: "الخلافة بالمدينة، والملك بالشام"10.
خيارات الإمام الحسن عليه السلام
خيار استمرار القتال
ورد أنّ الإمام الحسن عليه السلام قال مجيباً أحد أصحابه العاتبين: "والله لو وجدت
أنصاراً لقاتلت معاوية ليلي ونهاري"11.
وما يوضِّح الموقف ويجلي الصورة خطاب الإمام الحسن عليه السلام في جيشه:
"ألا وإنّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإنْ أردتم الموت رددناه
عليه، وحاكمناه إلى الله جل وعز بظبا السيوف، وان أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم
الرضا، فناداه القوم من كلّ جانب: البقية البقية"12.
لم يسجّل التاريخ أيَّة معارضة في ذلك الجيش الحاضر.
2- خيار الاستشهاد
للشهادة هدف، وكون الشخصية عظيمة لا يؤدِّي قتلها دائماً إلى تحقيق هدف الشهادة،
فعثمان قُتل ولم يُذكر شهيد، بينما "جون" العبد في كربلاء ذكر من أعظم شهداء
التاريخ.
3- خيار الصلح في أجوبة الإمام الحسن عليه السلام
ورد أنّ الإمام الحسن عليه السلام قال لحجر بن عدي: "وما فعلت ما فعلت إلا إبقاءً
عليك"13.
وقال لشيعته: "ما تدرون ما عملت، والله للذي عملت خير لشيعتي مما أطلعت عليه
الشمس"14.
وقال عليه السلام لهم: "ما أردت بمصالحتي معاوية إلّا أن أدفع عنكم القتل"15.
بنود الصلح
لم يتوقع معاوية أن يُمضي الإمام الحسن عليه السلام الصلح، لذا أرسل إليه سنداً
فارغاً ختم أسفله، على أن يملأ الإمام الحسن عليه السلام بما أراد من شروط، فإذا
بالإمام الحسن عليه السلام يشترط البنود الآتية:
1- تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله
وسلم وسيرة الخلفاء الصالحين.
2- أن يكون الأمر للحسن عليه السلام من بعده، فإذا حدث به حدث فلأخيه الحسين عليه
السلام، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد.
3- أن يترك سبّ أمير المؤمنين، والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكر علياً إلا بالخير.
4- استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو 5 ملايين درهم فلا يسلّمه، وعلى معاوية أن
يحمل للحسين عليه السلام سنوياً مليوني درهم.
5- تكفل عوائل شهداء الجمل وصفين.
6- أمن الناس"16.
المشكلة الأساس: عدم التسليم للقيادة المعصومة.
قال أحدهم للإمام الحسن عليه السلام: يا بن رسول الله، لمَ داهنت معاوية وصالحته،
وقد علمت أنّ الحق لك دونه، وأنّ معاوية ضالّ باغٍ؟ فقال عليه السلام: "يا أبا سعيد
ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماماً عليهم بعد أبي؟ قال: بلى . قال عليه
السلام: ألست الذي قال رسول الله لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قال:
بلى، قال عليه السلام: فأنا إذاً إمام لو قمت، وأنا إمام إذا قعدت...لولا ما أتيت
لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل"17.
* كتاب شهر الله، سماحة الشيخ أكرم بركات.
1 الكوفي، أحمد ابن أعثم، الفتوح، تحقيق علي شيري، ط1، بيروت، دار الأضواء،
1411هـ، ج4، ص237.
2 الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ،
ص 142.
3 الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج1، ص 567.
4 المصدر السابق، ص569.
5 المصدر السابق، ج1، ص569.
6 اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، (ل،ط)، بيروت، دار الأضواء، (لا،ت)، ج2، ص 215.
7 شرف الدين، عبد الحسين، صلح الحسن، (لا،ط)، (لا،ن)، (لا،ت)، ص 255، 256.
8 المصدر السابق، ص 268.
9 المصدر السابق نفسه.
10 شرف الدين، عبد الحسين، صلح الحسن، ص 268.
11 المصدر السابق، ص 218.
12 ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الفكر، 1415ه، ج13، ص
268.
13 الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج1، ص 571.
14 الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق مؤسسة آل البيتR لإحياء التراث، ط1،
مؤسسة آل البيتR لإحياء التراث، قم، 1417هـ ج2، ص 230.
15 شرف الدين، عبد الحسين، صلح الحسن، ص237.
17 المصدر السابق، ص259.
18 الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، ج1، ص 211.