يتم التحميل...

طرق تعزيز الإيمان بالله

التربية الإيمانية

بعد أن تبيّن أنّ الإيمان مراتب ودرجات، وأنّ الإنسان بمقدوره ارتقاء هذه المراتب بالعمل على تكامل إيمانه، يتبادر إلى أذهاننا السؤال الآتي:

عدد الزوار: 624

عوامل تعزيز الإيمان بالله عزّ وجلّ
بعد أن تبيّن أنّ الإيمان مراتب ودرجات، وأنّ الإنسان بمقدوره ارتقاء هذه المراتب بالعمل على تكامل إيمانه، يتبادر إلى أذهاننا السؤال الآتي: ما هي طريق الارتقاء بالإيمان، وبلوغ مراتبه العليا؟ وما الذي علينا فعله إن أردنا الارتقاء بإيماننا، والسموّ دائمًا في مراتب القرب والتكامل؟

للإجابة على هذا السؤال، حريٌّ بنا أن نتعرّف إلى الأمور التي تؤدّي إلى تبلور الإيمان، لكي نعمل على تعزيزه أكثر فأكثر في نفوسنا.

لا بدّ من معرفة عناصر الإيمان من أجل تقويتها بشكل تدريجيّ، فننطلق من العوامل الأكثر بساطةً، وبعد تعزيزها نتحوّل تدريجيًّا إلى العوامل الصعبة والأكثر تعقيدًا، فنعمل على تقويتها.

لقد أشرنا آنفًا أنَّ في الإيمان عنصرين على الأقلّ: أحدهما يتعلّق بمقولة العلم والمعرفة، والآخر بالعمل الصالح، وتقوية الإيمان. والارتقاء في مراتب الإيمان ودرجاته رهنٌ بتقوية هذين العاملَين.

تعزيز العلم والمعرفة
على الإنسان المؤمن أن يعمل على توطيد معرفته وعلمه أكثر فأكثر بالله سبحانه وتعالى وصفاته وأفعاله، كي يزداد إيمانًا، كما أنّ تعميق المعرفة والارتباط بالنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام مؤثّرٌ في ازدياد الإيمان أيضًا، فكلّما تحوّلت معرفته الإجماليّة بهذه الأصول الدينيّة إلى معرفة تفصيليّة، يغدو متعلّق الإيمان أكثر شفافية ووضوحًا بالنسبة إليه، ويكون بمقدوره الإيمانُ به بسهولة أكثر.

وللحصول على علم ومعرفة تفصيليّة بمقدّمات الإيمان، ينبغي القيام بأعمال عدّة لإنجاز هذا الأمر، ولكن ثمّة عملان ربّما يكونان الأهمَّ من بين سائر الأعمال، هما:

1- البحث عن الأدلّة الواضحة:
ينبغي أن نسعى لأن نعثر على أدلّة وبراهين أكثر وضوحًا وإتقانًا على الأمور التي نؤمن بها لنتعلّمها، عملًا بوصيّة الإمام أَبي جَعْفَرٍعليه السلام: "يَا أَبَا حَمْزَةَ، يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ فَرَاسِخَ فَيَطْلُبُ لِنَفْسِهِ دَلِيلًا، وَأَنْتَ بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَجْهَلُ مِنْكَ بِطُرُقِ الْأَرْضِ، فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ‏ دَلِيلًا"1.

إنّ اكتساب العلم، وإيجاد الأدلّة على متعلّقات الإيمان، أي العلم بالله والعلم بالقيامة والعلم بالحَسَن والقبيح، هي من آليّات تكامل الإيمان وسبل تعزيزه. ومن هنا، فإنّ طلب العلم يحظى بأهمّيّة فائقة. وقد خُصَّ العلم والعالِم وطالب العلم بمكانة وأهمّيّة متميّزة في المعارف الإسلاميّة. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"2. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم رأس الخير كلّه، والجهل رأس الشرّ كلّه"3. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا قال: "طالب العلم تَبسط له الملائكةُ أجنحَتها رضًى بما يطلب"4.

2- المحافظة على العلم المكتسب:
يجب أن نولي المزيد من التوجّه للموارد التي عرفناها، ونحيطَها بالعناية الدائمة كي لا ننساها، فإنّ الكثيرين يغفلون عن هذا الأمر. فنحن نتصوّر أنّنا عندما نعالج قضيّة، ويتّضح الجواب عنها أمامنا، فقد انتهى الأمر، ولم تعد أمامنا أيّ مشكلة ومسؤوليّة، في حين أنّ الأمر ليس كذلك، إذ ينبغي الحفاظ على هذه النتائج العلميّة المكتسبة والمحصَّلة.

من أسرار التأكيد على تكرار الألفاظ والمفاهيم في العبادات الشرعيّة هو أنْ تكون هذه العلوم والمعارف عرضة لاهتمامنا الفكريّ دائمًا. ففيما يخصّ ذكر "الله أكبر"، مثلًا، ثمّة افتراضان:

بأن نتوجّه مرّة واحدة في حياتنا إلى هذا الأمر ونثبت بالدليل والبرهان أنّ الله أكبر من كلّ شيء، أو أنّ الله أعلى وأعظم من أن يوصف، وأن تكون حقيقة صفاته ممكنة الإدراك، وفي هذه الحالة لن يكون للتكبير تأثير يُذكَر على روحنا وشخصيّتنا وسلوكنا.

والافتراض الآخر هو أن نكرّر هذا الذكر عدّة مرّات بوعي وتوجّه، بل وحتّى في كلّ صلاة وكلّ يوم، وسيكون حينها لذكر "الله أكبر" تأثيرات ملموسة جدًّا في حياتنا.

ومن هنا، وبما أنّ الله سبحانه وتعالى يريد تكامل الإنسان، فقد اختار الافتراض الثاني، فنحن نقول في بداية كلّ صلاة "الله أكبر"، ومن المستحبّ تكرارها عند الهويّ للركوع، وكذلك بعد رفع الرأس من السجود، وفي التسبيحات الأربعة. والخلاصة، إنّ هذا الذكر يتكرّر في عدّة موارد من الصلاة الواحدة.

إذًا، لتعزيز المعرفة والعلم، لا بدَّ من القيام بأمرين: البحث عن أدلّة وبراهين واضحة ومتقَنة، والمحافظة على تلك المعرفة حيّة طريّة. والأمر الأوّل يحظى بمزيد من الأهمّيّة، حيث تكثر وتزداد الشبهات العقائديّة على مدى العصور، ونحن نواجه مثل هذا الوضع في زماننا الراهن، إذ نشهد كلّ يوم شبهة تُثار في جريدة أو كتاب أو درس... حول الله أو القرآن أو النبيّ أو الأحكام أو معارف القرآن. ولو اكتفينا في هذا الزمان بما تعلّمناه لمرّة واحدة من علم واستدلال، فمن المحتمل جدًّا أن نعجز عن المقاومة في مواجهة عواصف الشبهات، وسوف تتزعزع قواعد عقائدنا، ويعترينا الشكّ إزاءها، وفي مثل هذه الحالة سوف يضعف الإيمان رويدًا رويدًا، وبالتالي يزول نهائيًّا.

تعزيز العمل الصالح
العامل الثاني لتقوية الإيمان هو تعزيز العمل الصالح، فمن خلاله يترسّخ الإيمان ويتجذّر في النفس لينمو ويقوى، ومعه يصبح الإنسان مؤهَّلًا للدخول إلى الجنَّة. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "الإيمان لا يكون إلّا بعمل، والعمل منه، ولا يثبت الإيمان إلّا بالعمل"5. ويمكننا تعزيز العمل الصالح من خلال تقوية الإرادة الإنسانيّة التي لا تُكتسب بالعلم والمعرفة فقط، بل تحتاج إلى التمرين والممارسة، ومن هنا جاءت الرياضة الشرعيّة، أي أنّ الإنسان يقوم بمجموعة من التمارين لتوطيد الأبعاد المعنويّة لديه.

ومِن فلسفة بعض الواجبات الشرعيّة وآثارها المهمّة تقويةُ الإرادة، كالصلاة الواجبة وصيام شهر رمضان. كما أنَّ سائر العبادات والواجبات الدينيّة وأعمال الخير إجمالًا تُعدُّ تمارينَ لتقوية إرادة السير نحو الكمال والقرب إلى الله.

إنّ إرادة التقرّب إلى الله، في الحقيقة، هي نوع من الحركة الذاتيّة، وهي أمر اختياريّ من شأنها تقدُّم روح الإنسان نحو مقصدها، وفي تقوية إرادة القرب من الله واستمرارها يحصل تغيّر تدريجيٌّ في داخل الإنسان، ويتوجّه قلبه نحو الله، ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفً6.

وهذا التوجّه يعني عزم الانسان على إحداث تغييرٍ في داخله، وتلك هي الحركة التكامليّة للروح. وكلّما تجلّت هذه الإرادة في صورة وهيئة أعمال متعدّدة، ستتّخذ تلك الحركة مدًى وسِعةً وسرعةً أكثر.

من هنا، إنّ أوّل عمل ينبغي على الإنسان القيام به خلال مسيرة حياته، ولغرض سلوك طريق القرب الالهيّ، هو أن يحدّد اتّجاه حركته، والطريق بطبيعة الحال لها اتّجاهان ليس أكثر: أحدهما الله، والآخر الشيطان، الجنّة أو النار، النور أو الظلام، وبمقدور الإنسان أن يتحرّك نحو الله، ﴿فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلً7.

وبعد تحديد الاتّجاه الصحيح، تبدأ مسيرة القرب من الله عزّ وجلّ، وتبدأ التحدّيات، فلكي نجعل القلب يسلِّم للحقيقة، يتعيّن علينا إضعاف الرغبات والأهواء التي تخلق التزاحم في قلوبنا، ونعمل بشكل عامّ على إضعاف الحالات التي لا تنسجم مع الاعتقاد والقرب من الله.

من هنا، ولغرض تقوية العنصر الثاني، يتعيّن علينا السعي لكبح جماح النفس وضبطها وإضعاف منفِّرات الإيمان بالله، وهو ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى توفير مقدّمات. ولإنجاز هذه المهمّة، لا بدّ من مباشرة الأعمال البسيطة والتقدّم تدريجيًّا. فإذا أرهق الإنسان النفس، منذ البداية، بالأعمال والممارسات الثقيلة، فإنّه حتّى لو نجح لأيّام عدّة، لكنّه لن يستطيع الاستمرار، وستطغى النفس وتجمح أكثر فأكثر، فيجب أن نقمع ونضعِّف الأهواء الحيوانيّة والشيطانيّة في نفوسنا تدريجيًّا لأنّها تُضِلُّ الإنسان عن اتّباع سبيل الله، كما ورد في قوله تعالى ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ8.

وطبقًا لبرنامج منظَّم ومدروس، نجعل النفس تشتاق للأنس بالله والذكر والقرآن والمناجاة. ولا بدَّ للمؤمن دومًا من طلب العون من الله تعالى للوصول إلى العمل الصالح والدخول في زمرة الصالحين، كما ذكر أبو عبد الله عليه السلام في دعائه "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيَّ لِقَاءَكَ، وَاجْعَلْ لِي فِي لِقَائِكَ خَيْرَ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، وَلَا تُؤَخِّرْنِي مَعَ الْأَشْرَارِ، وَأَلْحِقْنِي بِصَالِحِ مَنْ مَضى‏، وَاجْعَلْنِي مَعَ صَالِحِ مَنْ بَقِيَ، وَخُذْ بِي سَبِيلَ الصَّالِحِينَ، وَأَعِنِّي‏ عَلى‏ نَفْسِي‏ بِمَا تُعِينُ بِهِ الصَّالِحِينَ عَلى‏ أنفسهم"9.

القرآن ونماذج من عناصر تعزيز الإيمان
أشارت الآيات القرآنيّة في العديد من الموارد إلى تعزيز الإيمان وترسيخه في النفس، منها:

1- إرادة المؤمنين وتأثيرها في ازدياد إيمانهم:
من الموارد التي جرت الإشارة فيها إلى زيادة الإيمان وتعزيزه، هذه الآية الكريمة ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ10. وهناك آية أخرى في سورة الأحزاب تشابه هذه الآية، تقول: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمً11.

نزلت هذه الآية في معركة الأحزاب. فبعد ظهور الإسلام، قام المشركون وأعداء الإسلام بمختلف المؤامرات للقضاء على هذا الدِّين الجديد والفتيّ، وبطيِّ صفحة الإسلام والمسلمين، وكان من أهمّ مؤامراتهم ومخطّطاتهم تدبير معركة الأحزاب. وقد اتّحد في هذه المعركة أعداء الإسلام كافّة من مشركين ووثنيّين ويهود ونصارى ومنافقين، واجتمعوا تحت قيادة واحدة، وتضافروا لكي يطووا بساط الإسلام والمسلمين في هذه المرّة، وحشدوا في هذه الحرب إمكانيّاتهم وطاقاتهم كافّة، واستعانوا، بالإضافة إلى ذلك، بالحرب النفسيّة. هذه الاستراتيجيّة الرائجة اليوم في العالم كانت يومذاك ذات طابع بسيط.

كان أعداء الإسلام في عهد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على معرفة بهذا الأسلوب، وكانوا يستخدمونه. وتعويلًا على هذا الأسلوب، أشاع أولئك - لغرض زعزعة قلوب المسلمين وإرعابهم - أنّ جيش العدوّ وإمكانيّاته في هذه المرّة في غاية القوّة والكثرة، وإنّ هزيمة الإسلام والمسلمين أمر حتميّ في هذه المعركة، وأخذت الأفواه تتناقل هذه الشائعة، وأصبح هذا الكلام يُسمَع في كلّ الأرجاء، من أنّ هذه الأيّام هي الأيّام الأخيرة من حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وما أسرع أن يُقتل صلى الله عليه وآله وسلم على أيدي جيوش الأعداء، ويفنى الإسلام والمسلمون.

فخلقت هذه الشائعة جوًّا ثقيلًا لضعاف الإيمان، واستحوذ عليهم الرعب، وأذعنوا مسبقًا بهزيمتهم وهزيمة الإسلام، ولكن كان هنالك مؤمنون، وقفوا كالطود الشامخ، ولم تستطع هذه الإشاعات زرع الوهن والضعف فيهم، بل أدّت إلى أن تقوى أرواحهم، وأصبحوا أكثر قوّة واندفاعًا من ذي قبلُ، وأكثر استعدادًا لمواجهة العدوّ ومجاهدته. يقول القرآن الكريم بهذا الخصوص: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فلقد كان الناس يقولون لهم: إنّ الأعداء قد اجتمعوا عليكم بأسرهم، واتّحدوا ضدّكم، ومن المحتّم أنّكم لن تستطيعوا المقاومة في مواجهتهم، وأنّ هزيمتكم مُسَلَّمٌ بها، فكان ردُّ فعلهم إزاء هذا الكلام ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَان وَقَالُواْ ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فهم ليسوا ثابتين فقط ولم يخافوا ولم تتدنَّ معنوياتهم، بل ازدادوا إيمانًا. ونتيجة لصمود هذه الثلّة من المسلمين، كانت الإمدادات الإلهيّة الغيبيّة تتوالى عليهم، وكانت النتيجة في هذه المعركة: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ12.

2- ذكر الله وأثره في زيادة الإيمان:
يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانً13. في البداية، تصف الآية المؤمنين الحقيقيّين، وليس أولئك الذين يدّعون الإيمان بالظاهر، فكلمة ﴿إِنَّمَ من أدوات الحصر، وتفيد الحصر في اللغة العربيّة، فيقول: إنّما المؤمنون، أي المؤمنين الحقيقيّين هم: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، أي إنّ قلوبهم تهتزّ حينما يُذكر الله. فقد تبدُر منهم ذنوب، وبحلول ذكر الله يتذكّرون المعاصي التي ارتكبوها فيستحوذ الاضطراب عليهم، نتيجة معرفتهم بعظمة الله، ونحن بأجمعنا قد جرّبنا هذه الحالة نوعًا ما، فعندما نقف أمام شخصيّة كبيرة، يعترينا الاضطراب، وتزداد نبضات قلوبنا، ويستحوذ علينا الارتباك، وتنعقد ألسنتنا، وكلّ ذلك يحصل تأثّرًا بعظمة ذلك الشخص وهيبته، وهو لم يوجّه لنا توبيخًا أو تهديدًا، ولا مشكلة لنا معه، وإنّما هيبته وعظمته هي التي تترك مثل هذا التأثير فينا.

فالمؤمن الحقيقيّ يدرك العظمة الإلهيّة بما يتناسب مع معرفته، ولهذا السبب يستحوذ على فؤاده نوع من الاضطراب عندما يسمع باسم الله، ويتذكّر الله سبحانه وتعالى، ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ. فهل نحن كذلك؟ لو أنّ حقيقة نور الإيمان قد أشرقت على قلوبنا لاهتزّت أبداننا إذا ما ذُكر الله!

ويواصل القرآن الكريم عَرْضه للمزيد من علامات الإيمان والمؤمن الحقيقيّ، ومن بينها: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانً، فاستماع آيات الله من شأنها تقوية إيمانهم وزيادته. ويذكر القرآن علامة ثالثة أيضًا، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ14.

ما يُعدّ شاهدًا على بحثنا في هذه الآية الكريمة، هذا المقطع من الآية، الذي يصرّح بأنّ من الأمور التي تؤدّي إلى زيادة الإيمان وتعزيزه هو الاستماع لآيات الله والقرآن، فالذين تتميّز أرواحهم بالتأهّب للإذعان للحقيقة والتسليم أمام الله، وليس إيمانهم قشريًّا ولا سطحيًّا، يزداد إيمانهم بسماع آيات القرآن. بناءً على هذا، فإنّ إحدى الطرق لتقوية الإيمان هو التوجّه إلى آيات الله ومعانيها وحقائقها.

لو تأمّلنا في الموارد السابقة لأدركنا أنَّ الجامع ووجه الاشتراك لجميع هذه الموارد القرآنيّة هو أنّها أسباب تزيد في توجّه الإنسان نحو الله. وإذا ما ازداد توجّه الإنسان نحو الله سيدرك وجوده أكثر وبشكل أفضل، وبالتالي سيزداد إيمانه. كما ينبغي أن لا ننسى سنّة الله من أنّ الذي يتقرّب إلى الله خطوة واحدة فإنّ الله سيتقرّب إليه أضعافًا مضاعفة، ويهيّئ له مقوّمات قربه، ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَ15.

* التربية الإيمانية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- العلّامة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، قدّم له: السيّد مرتضى العسكري، - تصحيح السيّد هاشم الرّسولي، دار الكتب الإسلاميّة، 1404هـ - 1363 ش، ط2، ج2، ص320.
2- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج61، ص245.
3- م.ن.، ج 74، ص175.
4- جلال الدين السيوطي، الجامع الصغير، ج2، ص129.
5- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص81.
6- سورة الأنعام، الآية 79.
7- سورة المزّمّل، الآية 19، سورة الإنسان، الآية 29.
8- سورة ص، الآية 26.
9- الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص561.
10- سورة آل عمران، الآية 173.
11-سورة الأحزاب، الآية 22.
12- سورة آل عمران، الآية 174.
13- سورة الأنفال، الآية 2.
14- سورة الأنفال، الآية 2.
15- سورة الأنعام، الآية 160.
16- سورة الأنعام، الآية 79.

2017-05-22