الإيمان وعلاقته بالمعرفة
التربية الإيمانية
الإيمان بالله يحصل في النفس من خلال التصديق المنطقيّ والاستدلاليّ، إلى جانب الإدراك والإحساس الفطريّ الذي يحصل بإرشاد الأنبياء الإلهيّين، وشرط تحققّه هو عدم وجود الموانع، ولو بنحو نسبيّ.
عدد الزوار: 259
حقيقة الإيمان
الإيمان بالله يحصل في النفس من خلال التصديق المنطقيّ والاستدلاليّ، إلى جانب
الإدراك والإحساس الفطريّ الذي يحصل بإرشاد الأنبياء الإلهيّين، وشرط تحققّه هو عدم
وجود الموانع، ولو بنحو نسبيّ.
وإذا عمل الإنسان بلوازم الإيمان، التي هي تنفيذ القوانين الإلهيّة، وبذل تمام
قدرته بإخلاص في تنفيذ هذه القوانين في حياته الفرديّة والاجتماعيّة، فسيحصل على
مرتبة أعلى، إلى أن يصل إلى اليقين، كما يقول الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ
الإيمان يبدو لُمظة بيضاء في القلب، فكلّما ازداد الإيمان عظمًا ازداد البياض، فإذا
استُكمل الإيمانُ ابيضَّ القلب كلّه"1.
والإيمان أمرٌ اختياريّ، يجب أن يتحقّق باختيار الإنسان نفسه. والشاهد على
اختياريّة الإيمان هو أنّ الله تعالى يأمرنا به، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ﴾2،
﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَ﴾3. فإذا كان
الإيمان أمرًا جبريًّا وخارجًا عن إرادتنا، فلا معنى لأمرنا به.
إنّ الإيمان بشيء يتبلور في القلب عندما نقرّر ونتعهّد بالالتزام والعمل بلوازمه،
بعد إدراكنا لحقيقته. أمّا إذا علمنا بشيء ولكن لم نعزم على الالتزام بلوازمه، فهنا
يكون لدينا علم فقط، ولا يتحقّق الإيمان.
ويكفي لبيان حقيقة الإيمان ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:
"الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان"4.
وعن الإمام عليّ عليه السلام قوله: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا
عليّ، اكتب، فقلت: ما أكتب: فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وَقَرَ
في القلوب، وصدّقته الأعمال"5.
ما هو متعلّق الإيمان؟
من الأسئلة المهمّة التي يجدر طرحها فيما يخصّ الإيمان هي مسألة متعلّق الإيمان،
بأيِّ شيء علينا أن نؤمن؟
إنَّ الله تعالى بيَّن متعلّق الإيمان في العديد من آياته الكريمة، منها قوله
تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾6.
الوارد في هذه الآية أنَّ متعلّق الإيمان هو الإيمان بالله ويوم القيامة والملائكة
والكتاب السماويّ والأنبياء عليهم السلام. والإيمان بسائر الأمور التي تقدّم ذكرها
هو في الواقع من لوازم الإيمان بالله وآثاره. وإذا ما آمنا بالله، فيجب أن نؤمن
بصفاته أيضًا. ومن صفات الله الحكمة، ومقتضى حكمة الله بعث الأنبياء.
وعليه، فإنَّ الإيمان بالله يثمر الإيمان بالأنبياء، والإيمان بالأنبياء يورث
الإيمان بالكتب السماويّة التي يأتي بها الأنبياء من عند الله، كما أنّ لازم
الإيمان بالأنبياء القبول بالملائكة والإيمان بوجودهم، لأنّهم واسطة الوحي الإلهيّ،
ومن لوازم الإيمان بالله والأنبياء والكتب السماويّة الإيمانُ بالمعاد ويوم
القيامة.
ومن الموارد القرآنيَّة الأخرى حول متعلّق الإيمان نذكر:
- ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾7.
- ﴿مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ﴾8.
- ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾9.
- ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ
عَلَيْكُمْ﴾10.
- ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَ﴾11.
- ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾12.
هذه النماذج القرآنيّة يعضدها الكثير من الروايات الشريفة، منها قول رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "أربع لم يجد رجلٌ طعم الإيمان حتّى يؤمن بهنّ: أن لا إله
إلّا الله، وأنّي رسول الله بعثني بالحقّ، وأنّه ميّت ثمّ مبعوث من بعد الموت،
ويؤمن بالقدر كلّه"13.
التبعيض في الإيمان
المقصود من التبعيض في الإيمان أن يؤمن المرء ببعض الحقائق والأحكام الإلهيّة،
وينكر أو يكفر ببعض، كالإيمان ببعض الأنبياء عليهم السلام وإنكار بعض، أو كالإيمان
ببعض الأحكام وإنكار بعضها. ويُعتبر التبعيض في الإيمان من مصاديق الكفر، فمَن يكفر
بالمعاد ويؤمن بالنبوّة مثلًا هو كافرٌ.
وللدلالة على هذه الحقيقة نعرض آيتين من آيات القرآن الكريم، يقول سبحانه في واحدة
منهما: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن
يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ
بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ﴾14، وفي الآية الأخرى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ
وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ
الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾15.
يصرّح القرآن في هذه الآيات الشريفة أنَّ مَنْ يؤمن ببعض مضمون الوحي والرسالة
وينكر بعضًا منه هو الكافر حقًّا، لأنَّ مقتضى الإيمان بالله تعالى هو الإيمان
الكامل بجميع صفاته وأسمائه ورسله وملائكته، وبجميع مضامين الوحي والرسالات
السماويّة.
وإذا كان المِلاك في قَبول بعض الحقائق الإيمانيّة وإنكار بعض، موافقتُه لهواه،
فهذا في الحقيقة عبادة للنفس وليس عبادة لله! وهذا الإنسان يسعى لإرضاء نفسه، وليس
لطاعة الله وعبادته.
والذي يؤمن في باطنه بأنّ بعض تعاليم الإسلام وأحكامه ليست صحيحة، وأنّ القرآنَ
شأنه كسائر الكتب خاضع للانتقاد، فهو كافر في الحقيقة، وهذا الكفر كفر باطنيّ يجتمع
مع الإسلام الظاهريّ.
والذي يستبطن الكفر هو من أهل جهنّم والنيران، وإنْ عومل في الدنيا معاملة المسلم
حسب الظاهر، لأنّ التلفّظ بالشهادتين هو الملاك في ترتب الأحكام الظاهريّة للإسلام،
فإذا تلفّظ شخص ما بالشهادتين، واعتنق الإسلام ظاهريًّا، لن يترتب خلل في الأحكام
الظاهريّة، وإن لم يؤمن في باطنه، كالمنافقين في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله
وسلم حيث كان صلى الله عليه وآله وسلم يعلم بأنّهم لم يؤمنوا بالإسلام في قلوبهم،
لكنّه كان يتعامل معهم ظاهريًّا كسائر المسلمين.
إنّ أوّل مراتب الإيمان هو أن نؤمن، بدون أدنى نقص وبدون أي قيد أو شرط، بجميع
مضامين الوحي الإلهيّ الذي نزل على جميع الأنبياء، وبكلّ مضامين الشريعة الإسلاميّة
وما نزل على النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
فتلك هي أدنى مراتب الإيمان كما ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: "أدنى ما
يكون به العبد مؤمنًا أن يعرّفه الله تبارك وتعالى نفسَه، فيقرّ له بالطاعة،
ويعرّفه نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم فيقرّ له بالطاعة، ويعرّفه إمامَه وحجّته في
أرضه وشاهدَه على خلقه فيقرّ له بالطاعة". قال سليم: قلت له: يا أمير المؤمنين، وإن
جهل جميع الأشياء إلّا ما وصفت؟ قال عليه السلام: "نعم، إذا أُمر أطاع، وإذا نُهي
انتهى"16.
الإيمان مراتب ودرجات
للإيمان مراتب ودرجات متعدّدة، وليس المؤمنون على حدٍّ سواء في إيمانهم بالله.
ويمكننا الاستدلال على هذه الحقيقة من خلال الآيات القرآنيّة والروايات والأحاديث
الشريفة. ومن الآيات القرآنيّة نذكر:
- ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ﴾17.
- ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾18.
- ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَان﴾19.
- ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا
إِيمَانًا وَتَسْلِيمً﴾20.
استنادًا إلى مثل هذه الآيات، فإنَّ أصل القول بأنَّ الإيمان على درجات وهو خاضع
للزيادة والنقصان، أمرٌ يقينيّ ولا مجال للشكّ فيه، ولكن ما هي مراتب الإيمان؟
لقد أشارت الروايات الشريفة إلى تفصيل ذلك الأصل، وذكرت درجات الإيمان المتعدّدة
بشكل عامّ. فثمّة رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيها: "إنّ الإيمان عشر
درجات، وإنَّ سلمان في العاشرة، وأبو ذرّ في التاسعة، والمقداد في الثامنة"21.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم، يصعد منه
مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لستَ على شيء، حتّى ينتهي
إلى العاشر، فلا تُسقِط مَن هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك
بدرجة، فارفعه إليك برفق، ولا تحملنّ عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنَّ من كسر مؤمنًا
فعليه جبره"22.
ومن الواضح أنّ مثل هذه الروايات في مقام بيان الأقسام والمراتب العامّة للإيمان،
ولا تتعرّض للمراتب والتقسيمات التفصيليّة له. فالإيمان يمكن تقسيمه إلى ما لا
نهاية، كما ينقسم جزءٌ من خطّ إلى أجزاء أصغر، ثمَّ إلى ما لا نهاية.
من هنا، ليس مبالغة إذا ما قيل إنّ مراتب الإيمان من الكثرة بحيث تميل إلى مراتب
كثيرة جدًّا، فتلك الرواية - مثلًا - التي تقول إنّ الإيمان عشر درجات، يمكن افتراض
الكثير من المراتب الجزئيّة ما بين كلٍّ من هذه المراتب العشر المذكورة فيها.
علاقة الإيمان بمعرفة الله
للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أنّ الإيمان بالله يعني أن نعلم بأنّ الله موجود،
ولكن من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم يتّضح خطأ هذه النظريّة. فالقرآن لا يرى
التماثل بين المعرفة والإيمان، بل يستفاد من القرآن أنّ المعرفة أوسع مدًى من
الإيمان، فلا يُستنتَج من القرآن الكريم والروايات الشريفة أن كلّ مَن علم بوجود
الله آمن به، أو إذا ما تبيّنت له نبوّة نبيّ من الأنبياء فذلك يعني إيمانه بذلك
النبيّ، بل على العكس، القرآن الكريم يُشير إلى موارد متعدّدة حيث علم بعض الناس،
بل أيقن بالنبوّة ووجود الله، لكنّه أصرَّ على كفره وجحوده: يقول تعالى عن آل
فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّ﴾23،
فهذه الآية صريحة بأنَّ أولئك كانوا يعلمون تمام العلم أنّ الله موجود وأنّ موسى
عليه السلام نبيّ ذلك الإله، لكنّهم، ونظرًا لروح التعالي والظلم التي كانوا عليها،
كانوا ينكرون هذه القضيّة. وفي آية أخرى يخاطب موسى عليه السلام فرعون قائلًا:
﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ﴾24. وتدلّ أداتي التأكيد "اللّام" و"قد" في الآية الكريمة، أنّ فرعون
كان يعلم أنّ هذه المعجزات التي تحقّقت على يدي موسى عليه السلام لم تنزل إلّا من
عند الله مالك الملك وربّ السماوات والأرض.
إذًا، هذه الآية تصرِّح بأنّ فرعون كان متيقّنًا بوجود الله ونبوّة موسى عليه
السلام، ولكن هل كان مؤمنًا؟ والجواب أنَّه ليس منكرًا فقط ولم يؤمن، بل ظلَّ
مصرًّا على كفره، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم
مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾25. ثم إنّه، ولغرض خداع الناس، أمر وزيره هامان بأن يبني له
برجًا كي يبحث مِن أعلاه عن الله عزّ وجلّ في السماء، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا
هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ
السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبً﴾26.
ومن الحوادث التاريخيّة الدالّة على عدم الملازمة بين المعرفة والإيمان، واقعة
المباهلة التي حدثت في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حيث جاءت مجموعة من
النصارى الذين كانوا يعيشون في منطقة "نجران" لمحاورة النبيّ ومناظرته صلى الله
عليه وآله وسلم، وكان لهؤلاء في نجران قوّة وجاه ومركز اجتماعيّ وعلميّ ذائع الصيت،
وكان يعيش بينهم كبار علماء النصارى، فأغراهم هذا الرصيد العلميّ، وظنّوا أنّهم
قادرون على التغلّب على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في البحث والمناظرة، وظنوا
أنَّهم قادرون أن يثبتوا له صلى الله عليه وآله وسلم حقّانيّة المسيحيّة ووجوب
اتّباعها. وافق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على المناظرة، وعلى العكس ممّا
كانوا يتصوّرون في البداية، فإنَّهم غُلبوا وعجزوا أمام النبيّ صلى الله عليه وآله
وسلم في المحاورة، ولم يكن لديهم ما يقولون، لكنّهم، رغم ذلك، رفضوا اعتناق
الإسلام، فبان كذِب دعواهم، ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا
وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ
اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾27.
بناءً على هذا، ليس من الضرورة أن يكون هنالك إيمان إذا ما وُجدت المعرفة، ولكن في
المقابل لا بدّ من وجود نوع من العلم والمعرفة كي يحصل الإيمان، فالإنسان يعجز عن
الإيمان بشيء وهو جاهل به جهلًا تامًّا.
فمجرّد علم الإنسان - مثلًا - بأنّ الله موجود، أو اتّضاح حقّانيّة وصدق دعوة نبيّ
الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم بالنسبة إليه، لا يُعدُّ كافيًا لإسعاده، بل
بالإضافة إلى العلم، عليه أن يؤمن بقلبه أيضًا، ويعمد إلى العمل بلوازم هذا العلم،
ولهذا السبب يتعذّر الإيمان دون عمل.
* التربية الإيمانية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الفيض الكاشاني، المحجة
البيضاء في تهذيب الأحياء، صحّحه وعلّق عليه: عليّ أكبر الغفاري، دفتر انتشارات
اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، لا.ت، ط2، ج5، ص108.
2- سورة النساء، الآية 170.
3- سورة التغابن، الآية 8.
4- نهج البلاغة، ص508.
5- ميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، بيروت - لبنان، مؤسّسة آل البيت
عليهم السلام لإحياء التراث، 1408هـ - 1987م، ط1، ج5، ص111.
6- سورة البقرة، الآية 177.
7- سورة البقرة، الآية 285.
8- سورة المائدة، الآية 69.
9- سورة الأعراف، الآية 158.
10- سورة الأنعام، الآية 54.
11- سورة التغابن، الآية 8.
12- سورة التغابن، الآية 11.
13- ميزان الحكمة، ج1، ص201.
14- سورة النساء، الآيتان 150 – 151.
15- سورة البقرة، الآية 85.
16- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص415.
17- سورة الأنفال، الآية 2.
18- سورة الفتح، الآية 4.
19- سورة آل عمران، الآية 173.
20- سورة الأحزاب، الآية 22.
21- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج99، ص292، ح2.
22- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص45.
23- سورة النمل، الآية 14.
24- سورة الإسراء، الآية 102.
25- سورة القصص، الآية 38.
26- سورة غافر، الآيتان 36 – 37.
27- سورة آل عمران، الآية 61.