القمار
لا تقربوا
رسم الإسلام منهجاً للإنسان في معيشته هو منهج العمل والكسب الحلال، فحثّ على التجارة والعمل حتّى ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبّل يد عامل، معتبراً أنّها يدٌ يحبّها الله.
عدد الزوار: 468
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾1.
﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ﴾2.
رسم الإسلام منهجاً للإنسان في معيشته هو منهج العمل والكسب الحلال، فحثّ على
التجارة والعمل حتّى ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبّل يد عامل، معتبراً
أنّها يدٌ يحبّها الله.
ففي الحديث أنَّ رجلاً صافح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بيد خشنة من أثر
العمل فقال: "هذه يد يحبها اللَّه ورسوله ... هذه يد محرمة على النار"3.
وحاولت الشريعة الحنيفة أن تبعد الإنسان عن الكسب الذي يعتقده أيسر إلا أنّ فيه
شائبة السلبيات والمخاطرة، ومن هذا الكسب السلبي القمار الذي أطلق عليه أسم ميسر من
اليسر، لأنه يأخذه دون جهد مع ما فيه من مخاطر وضّحها الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا
يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾4.
المقامر بين الربح والخسارة
إذا ربح المقامر فسينجر نحو الفساد وارتياد الملاهي، ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ
اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ﴾5، لأن كسبه من غير جهد يدفعه نحو ذلك، والمثل يقول:
"ما
جاءت به الريح، تذهب به الريح".
فمن لا يشعر بتعب المال لا يبالي به أين يذهب.
وإذا خسر المقامر فإنه سيحقد على الرابح الذي أخذ منه ماله بيسر، وقد لا يتوانى عن
أيّ عمل ينطلق من الحقد ولو كان جريمة كما يحصل في أحياناً كثيرة.
وفي هذا الاطار ذكر موقع ncbi الالكتروني أن الباحثين يقدِّرون ما يقارب نسبة ٣٠
إلى ٤٠٪ من جرائم القتل في الولايات المتحدة الأمريكية أنها تعود لأسباب مالية
ترتبط بطريقة أو بأخرى بإدمان القمار6.
ما هو القمار المحرّم؟
الإمام الهادي عليه السلام يجيب: "كلُّ ما قومر به، فهو الميسر"7.
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما الميسر"، فقال صلى الله عليه وآله
وسلم: "كلّ ما يقمروا به، حتى الكعاب والجوز"8.
قال أحدهم للإمام الصادق عليه السلام: "الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون؟
فقال عليه السلام: لا تأكل منه، فإنّه حرام"9.
حرمة القمار بالأدلة الثلاثة
قال الفقيه الكبير صاحب الجواهر في مقام حديثه عن حرمة القمار: "بلا خلاف أجده، بل
الإجماع بقسميه عليه، والنصوص مستفيضة أو متواترة فيه، بل فيها ما يقتضي كونه من
الباطل الذي نهى الله عن أكل المال به، وأنّه من الميسر الذي هو رجس من عمل الشيطان
فتتفق حينئذٍ الأدلّة الشرعيّة الثلاثة10 على حرمته، وحرمة المال الذي يؤخذ به"11.
مال القمار
يشير صاحب الجواهر في آخر كلامه إلى كون المال الناتج عن القمار هو مال سحت لا
يملكه الرابح، بل لا بدّ أن يرجعه إلى أصحابه، ولو بعد زمن طويل، فإن لم يتعرّف بعد
ذلك إلى صاحب المال، فإنّ حكمه عند ثلة من الفقهاء هو أنّه مال مجهول المالك، فلا
بدّ أن يؤدّيه من هو بحوزته إلى الحاكم الشرعيّ ليبذله في موارده الشرعيّة، كأن
يعطيه للمساكين.
وهذا الأمر يبقى في ذمّة من قامر حتى مرّت السنون، وكان قد صرف المال وأصبح الآن
فقيراً لا يملك شيئًا.
أدوات القمار مسلك الشيطان
في رواية عن الإمام الباقر عليه السلام بعد أن عدّد أنواع ادوات القمار:
"وكلّ هذا
بيعه وشراؤه، والانتفاع بشيء من هذا حرام..."12.
كما أفتى مشهور الفقهاء بحرمة التسلية بأدوات القمار كورق الشدّة حتى لو كان اللعب
في الكمبيوتر، كما أفتّى بذلك بعض الفقهاء13، والحكمة من ذلك أن الإسلام وضع
أسواراً محرّمة أمام المحرّم الأشدّ، كما حرّم النظر بشهوة، ولمس الأجنبية، والخلوة
كأسوار حرام أمام المحرّم الأشدّ وهو الزنا.
فلو كانت هذه الأسوار مباحة، فاقتحم النظرة والخلوة واللمسة على أساس الحلية،
فسيكون حاله بعد ذلك كحال من وصفه الشاعر بقوله:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له إياك
إياك أن تبتل بالماء14
وهكذا حال من يلعب بأدوات القمار عن تسلية، فإن انشداده إلى ذلك قد يشدّه إلى اللعب
بها قمارًا.
فضلاً عن أنّ ذلك يصدّه عن سبب سعادته المتحقّق بذكر الله والذي به تطمئن القلوب
﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾15 وهذا ما ألفت إليه القرآن الكريم
بقوله: ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم
مُّنتَهُونَ﴾16.
لقد أراد الإسلام للإنسان أن لا يترك نفسه لساحة لهوٍ تُفسد حياته وتحول بينه وبين
التركيز على الأولويات في هذه الحياة: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾17.
سواء على مستوى تزكيّة النفس أو الاهتمام بقضايا المجتمع والأمّة.
* لا تقربوا، سماحة الشيخ أكرم بركات، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة البقرة، الآية ٢١٩.
2- سورة المائدة، الآية٩٠.
3- مغنية، محمد جواد، في ظلال نهج البلاغة، ط١، لا،م-، انتشارات كلمة الحق، ١٤٢٧هـ،
ج٤، ص ٢٩٤.
4- سورة المائدة، الآية ٩١.
5- سورة المائدة، الآية ٩١.
6- موقع ncbi، مقالة بعنوان: The biopsychosocial consequences of patholigical
Gambling.
7- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج ١٧، ص ٣٢٦.
8- الحلي، الحسن، تذكرة الفقهاء، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام، ط١، قم،
١٤٢٢هـ، ج١٢، ص ١٤١.
9- الخميني، روح الله، المكاسب المحرّمة، ط٣، قم، مؤسسة إسماعيليان، ١٤١٠ه، ج٢، ص
١٥.
10- أي القرآن الكريم والسنّة الشريفة والإجماع.
11- النجفي، حسن، جواهر الكلام، تحقيق علي الآخوندي، ط٩، طهران، دار الكتب
الإسلامية، ١٣٦٨ هـ.ش، ج٢٢، ص ١٠٩.
12- الحر العاملي، محمد، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، ط١، مشهد،
مجمع البحوث العلمية، ١٤١٢هـ، ج٦، ص٦١.
13- الخامنئي، علي، أجوبة الاستفتاءات، ط٨، بيروت، الدار الإسلامية، ١٤٢٩هـ، ج٢، ص
١٩.
14- المظفر، محمد رضا، عقائد الإمامية، تحقيق حامد حفني داود، لا،ط-، قم، انتشارات
أنصاريان، لا،ت-، ص ٢٣.
15- سورة الرعد، الآية ٢٨.
16- سورة المائدة، الآية ٩١.
17- سورة الملك، الآية ٢.