كلمة الإمام الخامنئي (دام ظله) بمناسبة عيد النوروز
2017
اللّهم صلّ على وليّك عليّ بن موسى الرّضا عدد ما أحاط به علمك، صلاةً دائمةً بدوام ملكك وسلطانك. اللّهم سلّم على وليّك عليّ بن موسى الرضا عدد ما أحاط به علمك، سلامًا دائمًا بدوام مجدك وعظمتك وكبريائك.
عدد الزوار: 75
كلمة الإمام الخامنئي في لقاء حشود الزوار في حرم الإمام الرضا (عليه السلام)
بمناسبة عيد النوروز للعام الهجري الشمسي الجديد 1396[1].
مشهد المقدسة 21/03/2017
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين،
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين
الأطهرین المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
اللّهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عدد ما أحاط
به علمك.
اللّهم صلّ على وليّك عليّ بن موسى الرّضا عدد ما أحاط به علمك، صلاةً دائمةً
بدوام ملكك وسلطانك. اللّهم سلّم على وليّك عليّ بن موسى الرضا عدد ما أحاط به
علمك، سلامًا دائمًا بدوام مجدك وعظمتك وكبريائك.
اللّهم كن لوليّك الحجّة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ
ساعة، وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا
وتمتّعه فيها طويلًا.
سنة جديدة ومرة أخرى، وفّقنا الله تعالى للحضور في جمعكم أيها الإخوة والأخوات في
ظلال الحرم المبارك لعليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) لنقوم، وضمن إبراز المودة
بالقلب واللسان لهذه الجماهير الحاشدة والمؤمنة والمتحمّسة، بعرض عدد من المسائل
الأساسية الهامة المتعلقة بقضايا البلاد والثورة. أشكر الله تعالى على هذا التوفيق.
إنّ هذه الحشود الغفيرة الحاضرة في هذا الرواق المطهّر[2] وفي أطراف هذا المكان،
سواء من المجاورين للمشهد المقدس أو الزوار الكرام الذين شدّتهم جاذبية هذا الإمام
العظيم لزيارة هذه المنطقة وهذه المحافظة وهذه المدينة، كلهم شوق ورغبة لأن يستمعوا
إلى حديث قلب الثورة والنظام في المسائل المتنوعة. أنا العبد لا يسعني في هذه
الفرصة المتاحة إلّا أن أتناول قسمًا مما ينبغي قوله، راجيًا أن تشمله الهداية
والرضا والقبول الإلهي.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! هذا العام هو عامٌ مهمٌّ للبلاد؛ سواء لحاجتها إلى
حركة اقتصادية هامة، وهذا ما على المسؤولين أن يفكّروا فيه ويتصدّوا له إن شاء
الله، أو لكوننا مقبلين على انتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات مجالس البلديات في
المدن والأرياف وهي الأخرى بالغة الأهمية أيضًا.
1395: تألّقٌ وانسجام وإبراز القوّة
في العام الماضي 1395 هـ.ش (2016م)، وعلى الرغم من المشاكل الاقتصادية
التي كانت البلاد تعاني منها، تألّق الشعب الإيراني في أمرين: الأول؛ التزامه
بمبادئ الثورة وقيمها والنظام الإسلامي، وهذا ما تجسّد في حضوره الحاشد في مسيرة
الثاني والعشرين من بهمن (11شباط) وفي التجمّعات التي تخصّ قضايا الثورة، وهو مظهر
التزام الشعب الإيراني وحماسه وعواطفه وتعلّقه بقضايا الثورة. والجانب الثاني؛
التزام الناس بالأمور الإيمانية والدينية. حيث أفادت التقارير الموثوقة التي رُفعت
من جميع أرجاء البلاد في شهر رمضان المبارك وفي شهري محرم وصفر وفي سائر المراسم
الدينية، أنّ اندفاع الناس ومشاركتهم وانجذابهم للمسائل الإيمانية كان أشد وأكبر من
أيّ وقت مضى. فقد فاق الحضور الجماهيري والهمم العالية كل الفترات السابقة سواء
فيما يخص قضايا الثورة أو فيما يرتبط بالمسائل الدينية. وهذا أمرٌ فائق الأهمية،
وذلك أولًا لأنّه يظهر للصديق والعدو اتّجاه حركة الشعب الإيراني وهويته، فمسيرة
الثاني والعشرين من بهمن لا تتعلق بتوجّه سياسي خاص، وكذلك جلسات شهر محرم وشهر
رمضان والاعتكاف ومسيرة الأربعين، بل ترتبط بكل أبناء الشعب الإيراني وبكل تياراته
وتوجهاته. وهذا إنما يدلّ على أنّ حركة الشعب الإيراني تتجه باتجاه ثوريٍّ ودينيّ،
أيًّا كانت التوجّهات والميول السياسية، وبذلك فهذا يعرض هوية الشعب الإيراني
للصديق والعدوّ؛ هذا أولًا. وثانيًا لأنه يُثبت للجميع الانسجام الشعبي العام
والوحدة الوطنية. إذا نظرتم إلى سنة 95 ه.ش من أولها إلى آخرها، لوجدتم هذين
المؤشرين المهمين قد تجلّيا في جميع القضايا: تضامن الناس وانسجامهم في الأمور
الأساسية للحياة على الرغم من اختلاف الآراء في المسائل الفرعية والسياسية
المتعددة، لكنهم متحدون ومنسجمون في الاتجاه الأساسي وهو اتجاه النظام والثورة، هذا
أولًا، وثانيًا انشداد الناس للثورة وللنظام ولقضايا الدين والإيمان، وهذا ما ثبت
للعالم، وظهر للصديق والعدوّ. هذا ما يرتبط بعام 1395.
..وأحداثٌ مريرة، وهمّة مبشّرة بالخير
شهد العام الماضي بالطبع أحداثًا مريرة أيضًا، آخرها حادثة رجال
الإطفاء الأعزاء الذين ضحّوا بأنفسهم وكانت حادثة مريرة. الأحداث المريرة موجودة
على الدوام، والأساس أن تكون همة الناس وعزيمتهم واتجاه حركتهم، مُبشّرة بالخير
وعلامة على التقدم، وبحمد لله هذا هو الواقع الموجود.
وهنا أقول إنّ هذه الحاجة الوطنية باقية على قوتها في هذا العام كذلك. ففي هذا
العام أيضًا ينبغي للشعب الإيراني أولًا إظهار وحدته الوطنية، وثانيًا إظهار
التزامه بالنظام والثورة والأمور الدينية، وكذلك استعراض اتّجاه حركته في وجه أعداء
إيران وأعداء الجمهورية الإسلامية وأعداء الشعب الإيراني، وعلى هذا الأساس قمت
باختيار البحث الذي سأطرحه اليوم.
بحث اليوم يتعرض لموضوعين: الأول يرتبط بالقضايا الاقتصادية للبلاد، وبالتأكيد
سأتناوله بعيدًا عن المصطلحات التخصصية، وأستعرض فيه ما ينبغي - باعتقادي - لأبناء
شعبنا الأعزاء معرفته والاهتمام به والسير في اتجاهه ومطالبة المسؤولين به، في
المسائل الاقتصادية. والموضوع الثاني، يتعلق بقضية الانتخابات، وسأذكر بعض المسائل
في هذا الخصوص.
الضغط الاقتصادي؛ وسيلة العدو لفصل الشعب عن النظام
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! القضية الاقتصادية هي أولوية في البلاد،
لا في هذا العام وحسب، بل منذ عدة أعوام. وهذه القضية تتصدّر أولويات البلاد
الفورية، وكانت الحاجة ملموسة إلى تحرك اقتصادي صحيح مبنيّ على برمجة سليمة، في هذه
السنوات الأخيرة، وقد أُنجزت أيضًا بعض الأعمال التي سأشير إليها.
إنّ أولوية الشعب الإيراني اليوم هي المسألة الاقتصادية، والتفتوا جيدًا إلى أنّ
هذه القضية هي أولوية عند العدوّ أيضًا؛ أي إنّ أعداء الجمهورية الإسلامية اليوم،
وفي سبيل تحقيق أهدافهم بالنسبة لإيران والشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية،
يبحثون ويتابعون الأساليب الاقتصادية، وبتعبير أصحّ، يبحثون عن طرقٍ لتوجيه ضربات
اقتصادية للشعب. فإن العدوّ، ومن وراء الضغوط الاقتصادية، يهدف إلى ضرب معنويات
الشعب الإيراني ودفعه إلى الشعور باليأس والإحباط تجاه النظام الإسلامي والجمهورية
الإسلامية، وإلى إيجاد هوة بينه وبين النظام الإسلامي وتحقيق أهدافه عبر هذا
الطريق. وأقولها لكم بالطبع: منذ سنواتٍ طوالٍ وعدوّنا الجاهل الذي لا إيمان له
يبذل مجهوده ساعيًا لفصل الشعب عن النظام، ولكنه لم ينجح في ذلك، ولن ينجح أبدًا
بحول الله وقوته.
حسنٌ، العدوّ لا يُوفّق لذلك، ولكننا مكلّفون بطرح هذا البحث لأهميته ولفت نظر
المسؤولين إليه أكثر فأكثر ولإيجاد سبل التعاون والتواصل بين الناس والمسؤولين في
المجال الاقتصادي، لأن قضية الاقتصاد ومعيشة الناس قضية بالغة الأهمية، ولذلك فسوف
أستعرض عددًا من النقاط في هذا المجال. لقد أشرت إلى هذا الموضوع بالإجمال خلال
ندائي بداية العام يوم أمس مخاطبًا الشعب الإيراني، واليوم سأتوسّع قليلًا فيه.
يقول الإمام السجاد (عليه الصلاة والسلام) في دعائه لله تعالى: «وَنَعوذُ بِكَ مِن
تَناوُلِ الإِسرافِ وَمِن فِقدانِ الکَفاف»[3]، وفي هذا دلالة على أهمية القضية
الاقتصادية، حيث نجد الإمام يسأل الله ويتعوّذ به، من الإسراف ومن عدم توفر موارد
المعيشة لدى الناس بالمقدار الكافي. هذا مؤشر على أهمية الاقتصاد، ولذا يجب علينا
البحث في هذا المجال.
النظام الإسلامي قادر.. ونقاط الضعف تتعلّق بالإدارة
ولكن قبل التعرض للبحث الأصلي، أودّ التأكيد على نقطتين، وتذكيركم أنتم
الأعزاء الحاضرين هنا والذين سيستمعون إلى هذا الحديث فيما بعد.
النقطة الأولى هي أنّ العدو في إعلامه المكثّف يحاول أن ينسب النقص المعيشي
والاقتصادي الموجود في البلد إلى النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية؛ هذا هو
مخطّط العدو. فإنه يريد الإيحاء بأنّ النظام الإسلامي لم يكن وليس قادرًا على
معالجة المشاكل الاقتصادية الأساسية وحلّ العُقَد والمعضلات، محاولًا استغلال هذا
الأمر لضرب النظام الإسلامي. إنّ هذا الكلام نابع من ضغينة وعداوة وحقد تجاه هذا
النظام، وهو مخالفٌ للواقع، فقد قدّم النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية لإيران
وشعبها خدمات بارزة واستثنائية. ولو قارنّا أوضاع الشعب وأوضاع البلد بما قبل
الحكومة الإسلامية، أي بعهد نظام الطاغوت، لاتّضحت حينذاك عظمة وقيمة الخدمات التي
قدّمها النظام الإسلامي. نعم، هناك نقاط ضعفٍ؛ ونقاط الضعف هذه تتعلّق بإدارتنا،
وتعود إلى ضعف وعجز مديرين ومسؤولين ممّن يقومون بمهامهم في مختلف القطاعات. لكنّ
النظام الإسلامي قد أعدّ وربّى في داخله طاقات ومديرين استطاعوا القيام بإنجازات
كبرى للبلد على مدى هذه الأعوام التي تزيد عن الثلاثين؛ هذا في الوقت الذي كان
الشعب خلالها تحت وطأة ضغوط العقوبات الاقتصادية التي فرضها الأعداء عليه من كلّ
جانب.
إبداعات النظام الإسلامي:
أعرض هنا عدة نماذج، وبالطبع فهذه ليست سوى عيّنات، وإلا فإنّ قائمة
الخدمات التي قدّمها نظام الجمهورية الإسلامية قائمة تفوق هذا بكثير. التفتوا إلى
أنّ عدد سكان البلد قد تضاعف منذ بداية الثورة وحتى يومنا هذا ضعفين؛ أي وصل من نحو
أربعين مليونا إلى ما يقارب الثمانين مليون نسمة، غير أنّ الأرقام الدالّة على
الإنجازات التي تحققت في مختلف الميادين، لا تشير إلى ارتفاع ضعفين أو ثلاثة، وإنما
هي أرقام مذهلة وباهرة جدًا.
الأعمال التي تم إنجازها في البلد على صعيد البنى التحتية، إذا تمت مقارنتها
بالبلدان الأخرى من حيث المعيار والمقياس، هي في غاية العظمة حقًا. على سبيل
المثال: تضاعفت طرق البلاد خلال هذه المدة ستة أضعاف، وسعة الموانئ زادت عشرين
ضعفًا، والسدود السطحية - التي تخزن مياه الشرب ومياه الزراعة - ثلاثين ضعفًا،
وتوليد الطاقة الكهربائية أربعة عشر ضعفًا، والصادرات غير النفطية سبعة وخمسين
ضعفًا - ففي عهد الطاغوت قبل الثورة، كان التصدير مقتصرًا على النفط وبعض المنتوجات
القليلة الأخرى التي لا تعدّ تقريبًا ولا يحسب لها حساب، إلى جانب صادرات النفط،
واليوم قد بلغت الصادرات غير النفطية 57 ضعفًا -، والصناعات البتروكيمياوية ثلاثين
ضعفًا، والمنتجات الفولاذية خمسة عشر ضعفًا. هذه هي البنى التحتية التي يحتاج إليها
كلّ بلد يريد التحرك والتقدم في المجال الاقتصادي، وهي التي قد تم إنجازها في عهد
الثورة .
في مجال العلم والتقنية، تضاعف عدد طلاب الجامعات عما كان عليه في بداية الثورة
خمسة وعشرين ضعفًا. إذ كان عدد كل الطلاب في أول الثورة نحو مئتي ألفٍ، واليوم نجد
ما يقرب من خمسة ملايين طالب على مقاعد الدراسة الجامعية، فيما تضاعفت المقالات
العلمية ستة عشر ضعفًا، إلى غير ذلك من الأنشطة العلمية والتَقَنية الكثيرة الأخرى.
على صعيد التنمية الاجتماعية والإنسانية، المؤشرات مرتفعة جدًا. فالإحصائيات في
مجال الخدمات للناس، مثل الكهرباء والغاز والهاتف وإعمار القرى والأرياف، إحصائيات
مبشّرة وجيّدة جدًا. الأرقام في حقل الأنشطة العسكرية مذهلة، فالبلد الذي كان قبل
انتصار الثورة من الناحية العسكرية تابعًا بشكل كامل للخارج ولعدوٍّ كأمريكا، بلغ
اليوم من التقدم العسكري ما أبهر العدوّ أيضًا وأقلقه وأثار غضبه.
هذه كلّها من إبداع النظام الإسلامي وإنجازاته. سبق أن ذكرتُ أني لو أردتُ استعراض
هذه القائمة، لكانت قائمة طويلة جدًا، ولكانت أعلى وأكثر مما ذكر. وبالطبع فإنّ
الثورة لا تتوقّف، ومسيرة التقدم لا تتوقف. ثمة أعمال كثيرة لا بد من القيام بها
وسوف تنجز بحول الله وقوته. وقد تم تحديد تلك الأعمال التي يجب تحقيقها مستقبلًا،
في السياسات العامة للنظام الإسلامي.
إدارةٌ غير ثورية؛ سببُ الانحراف
حسنٌ، لدينا آفات ونقاط ضعفٍ وهي ليست قليلة. وأنا العبد على اطلاع على
نقاط ضعف أعمال مسؤولي البلاد -بما فيهم أنا الحقير– في المجالات العامة للشعب على
مدى الأعوام. هناك نقاط ضعف كثيرة ترتبط بإدارتنا ولا علاقة لها بالحركة العامة
للنظام الإسلامي. كلما كنا نتمتع بإدارة ثورية فاعلة نشيطة تقدّمت الأمور، وأينما
كان لدينا إدارة ضعيفة خاملة يائسة غير ثورية ولا حيوية توقّفت الأعمال أو انحرفت.
هذه المسألة الموجودة، هي معضلة ومشكلة ونقطة ضعف، يجب على مديرينا إن شاء الله أن
يكونوا أكثر اندفاعًا وكفاءةً وأن يبذلوا مزيدًا من الجهود، وهذا ما سوف يتحقق بحول
الله وقوته. إنني أقول بكل حزم: إذا أصبحت إداراتنا في مختلف قطاعات البلد متديّنة
وثورية وفعالة، ستُعالَج مشاكل البلاد كلها، إذ انه ليس لدينا مشكلة لا حلّ لها في
البلاد. هذا فيما يخص النقطة الأولى.
طاقاتٌ كامنة وكفاءات.. وأملٌ بالمستقبل
النقطة الثانية هي أنّ طاقات البلد كبيرة وقوية جدًا؛ قدراتنا وكفاءاتنا
كثيرة جدًا؛ أي إنّنا حينما نُعلن أملنا بالمستقبل، ونقول يجب إنجاز هذه المهام، أو
نقول إنّه سيتم إنجازها، فهذا بالاستناد إلى هذه الطاقات والقدرات الكامنة في
البلد. فإن بلدنا سواء من حيث الموارد الإنسانية، أو الطبيعية -بما فيها الموارد
الجوفية والسطحية ومختلف الإمكانيات الأخرى- يعد من البلدان الثرية. فمن حيث
الطاقات الإنسانية - وكما ذكرنا - إن وجود خمسة ملايين طالب جامعي هو ثروة عظيمة
للبلد، هذا بالإضافة إلى أنّ لدينا نحو عشرة ملايين خرّيج جامعي، يمكنهم القيام
بأعمال مختلفة. ولدينا في البلد أيضًا 33 مليون شابٍّ في عمر العمل والإنتاج - أي
تتراوح أعمارهم ما بين 15 و40 سنة -، وهذا يعني أنّ بلدنا بلد شاب يمتلك القدرة على
تحقيق الإنجازات. بحسب أصحاب الرأي والعلم والتخصص، تعتبر أفضل فترة للإنسان من حيث
قدرته على العمل - رجلًا كان أو امرأة - هي الفترة ما بين 15 و40 عامًا، وبلدنا من
هذه الجهة ينعم بوضعٍ ممتاز بحمد لله، حيث يوجد 33 مليون نسمة من سكانه في هذه
الأعمار، وهم قادرون على إنجاز الأعمال، وحمل الأعباء الثقيلة على كواهلهم.
كذلك بالنسبة للموارد الجوفية أيضًا، نحن من البلدان المتقدمة في العالم. فقد سبق
أن ذكرتُ أنّ سكان البلد يشكّلون نحو واحد بالمئة من سكان العالم، لكن جميع مواردنا
الرئيسة تفوق نسبة الواحد بالمئة، فالبعض منها اثنان بالمئة، والبعض ثلاثة بالمئة،
والبعض الآخر خمسة بالمئة، وهذا دليل على أننا أقوياء وأيدينا مبسوطة من حيث
الموارد. في مثل هذا اللقاء نفسه، الذي يُعقد في بداية العام - قبل سنة أو سنتين-
قلتُ إنّنا نحتلّ الصدارة في العالم من حيث امتلاكنا لاحتياطيّ النفط والغاز معًا؛
أي أنّ بلدنا يعتبر أفضل وأغنى بلدان العالم في هذا المجال، وأننا نتبوّأ المرتبة
الأولى في ذلك. وفي الآونة الأخيرة وصلتني إحصائيات تفيد بأننا نتصدّر العالم حتى
في احتياطيّ الغاز لوحده؛ أي لا يوجد بلد يمتلك النفط والغاز بمقدار ما يمتلكه
بلدنا، ولا توجد دولة في العالم تمتلك الغاز لوحده بمقدار ما نمتلكه، وهو اليوم
يشكّل أحد منابع الطاقة الهامة. ومن هنا فالبلد هذا بلدٌ ثريٌّ، وليس من العبث أن
نجد أعداءنا - أي القوى المتسلطة، أمريكا وأمثالها- قد نظروا بعين الطمع إلى هذا
البلد ويريدون الهيمنة عليه. وبالطبع فإنّ هذه أمنيتهم الدائمة، وهي وهْمٌ لن يتحقق
أبدًا وسيأخذونها معهم إلى قبورهم!
الاقتصاد القويّ طريقُ العزّة والاقتدار
حسنٌ، لنشرع الآن بالبحث في الشأن الاقتصادي، فالوقت ضيّق، وعليّ التعرض
للمسائل المطلوبة ولو بشكل مختصر.
التفتوا! ماذا نريد نحن لبلدنا ولشعبنا؟ إلى أين نريد أن يصلا؟ نحن نريد للشعب
الإيراني تحقيق الأمن القومي، نريد العزة الوطنية، السلامة العامة، والرفاه العام،
التقدم الشامل في كل الأبعاد، الاستقلال عن القوى المتسلطة في العالم، نريد تفتح
الاستعدادات وازدهار الطاقات، نرید التخلص والنجاة من الآفات الاجتماعية - كالإدمان
على المخدرات والفساد وما شاكلهما -. هذه هي الأمور التي نريدها للبلاد ونسعى
لتحقيقها في مجال المسائل المادية. إنما ينعم الشعب بالاستقرار والراحة إذا تمتع
بهذه المسائل في داخل بلده. حسنٌ. كيف يمكن تحقيقها؟ وبأي طريقة يمكن تأمين العزة
الوطنية، والأمن القومي، والاقتدار الوطني، والتقدم الشامل؟ إنني أقول: لا يمكن
التوصّل إلى هذه الأهداف ما لم يتمتّع البلد باقتصادٍ قويٍّ. نحن بحاجة إلى اقتصاد
قوي وإنتاج قوي يسير في ظل إدارة قوية. نحن نحتاج إلى اقتصاد مقتدر، يبعث الثقة،
وبالاعتماد على النفس، فلا نضطر إلى مدّ أيدينا إلى الآخرين، ونملك القدرة على
الاختيار، والحركة، والمبادرة، والتأثير على سعر النفط، وتقوية العملة الوطنية،
ورفع القوة الشرائية لدى الناس. من دون اقتصاد قوي كهذا، لن نصل إلى عزة دائمة ولا
إلى أمن مستمر، ولذا لا بد من العمل على تحقيق هذه الأهداف، هذه هي أهمية الاقتصاد.
كذلك فلا يمكن تحقيق هذه المطالب دون اتّحاد وطني، ودون الارتباط العام للشعب
بالنظام، ودون توفر ثقافة ثورية، ودون وجود مسؤولين ذوي شجاعة ونشاط ومثابرة. كل
هذه أمور ضرورية ومطلوبة، ولا بد من تأمينها، ونحن يمكننا تحقيقها. إذن فواحدة من
مشاكلنا الأساسية حاليًا هي قضية الاقتصاد.
المشكلة الأساس: الركود والبطالة
حسنٌ، لقد طرحنا "الاقتصاد المقاوم" وتحدثنا بشأنه، وأخذ الأعزاء
والمسؤولون في السلطة التنفيذية وغيرها من قطاعات البلاد، بمتابعة الأمر ووضع خططٍ
وإنجاز أعمالٍ برغبة واهتمام، حسنٌ، هذه أعمال جيدة سأشير إلى بعضها، لكن ما هو
مشهود لنا اليوم وماثل أمام أعيننا هو أنّ ثغراتنا الاقتصادية هي ثغرات كبيرة.
إحداها مشكلة البطالة، خاصة بطالة الشباب، وبالأخص بطالة الشباب الخريجين
المتعلمين. هذه مشكلة وثغرة، يجب حلّها وتأمين فرص العمل. قضية معيشة الطبقات
الضعيفة، نحن نتابع المعلومات دائمًا، ومطّلعون على أوضاع الناس في مختلف أرجاء
البلاد، الناس يعانون من مشاكل على المستوى المعيشي؛ البطالة وصعوبات المعيشة،
وهناك المشاكل العديدة التي تستتبعهما في المجالات الثقافية والاجتماعية.
حسنٌ، لقد أشرنا إلى أنّ العدوّ يركّز أيضًا على هذه المسائل ويروّج لها إعلاميًا.
يرى المحلّلون الاقتصاديون والمنظّرون في المسائل الاقتصادية أن المشكلة الأساس
تكمن في الركود والبطالة، والحق معهم. فإن إحدى المشاكل هي قضية البطالة، والأخرى
قضية الركود في الإنتاج وضعف الإنتاج المحلي. حسنٌ، هذه القضايا لها حل في الاقتصاد
المقاوم، غير أنّ الاقتصاد المقاوم هو منظومة، فإذا استطعنا تقسيم هذه المنظومة إلى
أجزاء، والعمل وتركيز الاهتمام على قسم من أقسامها الهامة في كل مرحلة زمنية،
لحصلنا على نتائج جيدة منها بكل تأكيد.
تقدّمٌ غير كافٍ
لقد تم القيام بإنجازات جيّدة في العام الماضي. يجدر بنا أن نذكر ونثمّن
الجهود التي بذلها المسؤولون الكرام. في أوائل السنة الماضية، أكّدت في هذا اللقاء
نفسه على الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وأخذ المسؤولون قرارًا بدعم هذه المشاريع،
وخصّصوا ميزانيةً تُقدّر بخمسة عشر ألف مليار تومان لتنشيط نحو عشرين ألف مشروع
صغير وتفعيله وإخراجه من حالة الركود، وبادروا إلى هذا الأمر أيضًا. كان هناك قدر
من التأخير ولكنهم قاموا بالعمل أخيرًا وتم إنجازه، وكان عملًا جيدًا، غاية الأمر
أنّ المطلوب في كل عملٍ جيّد هو الإشراف والاستمرار. فإن لم يكن هناك إشراف تام
واهتمام ودقة كافية في متابعة العمل، فإنه لا يصل إلى غايته، أو لا يحقق المستوى
المطلوب. طلبت توضيحًا من القائمين على هذا الأمر، وتحرّيتُ المسألة ميدانيًا بطرق
مختلفة، وعلمت أنّ العمل حقّق تقدّمًا ولكنه ليس متناسبًا مع الميزانيات التي
خُصّصت له. كان هناك تقدم وتحققت نتائج ولكنها ليست كما كان متوقعًا لها. يجب أن
نعمل بحيث تؤتي تدابير المسؤولين وسياساتهم التنفيذية نتائجها النهائية المطلوبة.
لدينا اليوم مشاكل عديدة في بعض المؤشرات. بعض المؤشرات الأخرى. مؤشر التضخّم - على
سبيل المثال - يشير إلى الانخفاض وهذا جيد، فيما يشير مؤشّر البطالة إلى الارتفاع،
وهو يعني ازدياد البطالة. وهذه أرقام رسمية يُدلي بها المسؤولون أنفسهم. كان النموّ
الاقتصادي إيجابيًا، لكن النمو في الاستثمار سلبي، وهذه من النواقص والعيوب
الأساسية والكبرى. أو أننا على سبيل المثال تقدّمنا في بعض القطاعات -كقطاع النفط-،
فيما تراجعنا في قطاعات أخرى – كقطاع المناجم والسكن- وهذا يعني أن الإحصائيات
الرسمية لا تُقنِع الإنسان في أنّ الحركة العامة متجّهة نحو معالجة المشاكل
الاقتصادية.
نظرةٌ للمستقبل: التركيز على الإنتاج المحلّي
حسنٌ، فلنعبر الماضي وننظر إلى المستقبل. إنّ الذي أنظر إليه تجاه
المستقبل كنقطة أساسية ذات أولوية عبارة عن الإنتاج الوطني والمحلي الداخلي. إن
توصيتي وطلبي ومطالبتي هي التركيز على الإنتاج الداخلي والذي هو كلمة مفتاحية.
ونقول هذا ليعمد المسؤولون المحترمون أولًا إلى الاهتمام به والتركيز عليه لكونه
كلامًا يُطرح على مسمع أبناء الشعب الإيراني، وثانيًا ليطالب الرأي العام به،
وتتوجه مطالبات الناس نحو هذا الاتجاه المطلوب لدينا ونتعرض له اليوم. ذلك أنني
أشعر بأن اقتصاد البلد حاليًا يقوم على أساس الإنتاج الوطني والمحلي، وهذه كلمة
مفتاحية تتفرع منها عناوين فصول متعددة. إذا تمكّنا من تحقيق ازدهار الإنتاج
المحلي، ستتوفر فرص العمل، وتزول أو تنخفض مشكلة البطالة، فإن بطالة الشباب تعتبر
واحدة من مآسي بلدنا في هذا اليوم، ونسبة البطالة عالية.
لقد ذكرت هنا عدة خصائص، وبالطبع فإنّ كلًّا منها يحتاج
إلى بحث مطوّل، وليس بمقدوري الآن سوى الاكتفاء بفهرستها وذكر عناوينها. من هذه
الفصول:
- توفير فرص العمل.
- من الفصول الأخرى المتشعبة من الإنتاج: تفجّر مواهب وقابليات الشباب وإبداعاتهم.
حين ينتعش سوق الإنتاج ويزدهر، تتفجّر طاقات ومواهب الشباب وتنزل إبداعاتهم الى
الميدان.
- والثالث عدم استهلاك العملة الهامة - فإنّ عملة البلد تتسم بالأهمية -، وعدم
إنفاقها في شراء البضائع الاستهلاكية.
- واستثمار المدّخرات الراكدة لمن يملك أموالًا مدّخرة، فانتعاش الإنتاج في البلد،
يؤدي إلى تفعيل المدخرات الراكدة وتوليد ثروة في البلد.
- ونهضة التصدير؛ فالإنتاج يؤدي إلى قفزة ونقلة نوعية في التصدير وكذلك إلى إنتاج
ثروة في البلد.
- من الفوائد الأخرى الحدّ من التسابق في التفاخر بالماركات الأجنبية؛ فإنّ واحدة
من مصائبنا الاجتماعية والأخلاقية الكبرى في هذا الوقت هي التفاخر بالماركات
الأجنبية، حيث التباهي بأنّ هذا الثوب، وهذا الحذاء، وهذه الحقيبة، وهذه السلعة، من
صناعة الشركة الفلانية الأجنبية المعروفة، ونتفاخر بهذا أمام بعضنا بعضًا، ويبدأ
سباقٌ في ذلك. يمكننا في الحقيقة الحدّ من هذه الآفة والمعضلة الثقافية أو التخلص
منها عبر ازدهار الإنتاج في البلاد.
- من فوائد الإنتاج زوال المشاكل والآفات الاجتماعية أو التقليل منها؛ فإنّ البطالة
تؤدي إلى الفساد، وإلى التأخير في الزواج، وإلى الإدمان على المخدرات، فإن تم
القضاء على البطالة ستزول هذه الآفات أيضًا. الإنتاج بمقدوره أن يكون علاجًا لها.
- وإيجاد الحيوية والنشاط الوطني، فإنّ الإنتاج بنفسه إذا انطلق في البلد، سيولّد
نشاطًا عامًا وطنيًا وهو بحد ذاته يعدّ عاملًا مهمًا في تقدم البلاد.
- واستثمار طاقات المناجم في البلاد – وللأسف نحن متخلّفون جدًا في هذا المجال -
بحيث يكون بمقدورنا استثمار الموارد الإلهية التي وهبها الله لهذا الشعب.
هذه عدة عناوين وفصول، ولو تأملتم وفكرّتم في ذلك لتوصّلتم إلى فصول أخرى، وهي كلها
من نتائج وآثار وثمار ازدهار الإنتاج في البلد.
نعم، الإمكانيّات موجودة!
حسنٌ، نحن نذكر الإنتاج الوطني والداخلي، ونطرحه ككلمة واحدة، ولكنه
يحتاج إلى مجموعة من الإمكانيات، فهل نمتلك هذه الإمكانيات أو يمكننا الحصول عليها؟
جوابي أنا العبد: نعم. نحن نمتلك اليوم هذه الإمكانيات؛ بعضها بالفعل، والبعض الآخر
يمكننا الحصول عليه. هذه الإمكانيات بشكل أساسي هي: الطاقات الإنسانية، والمهارات،
ورؤوس الأموال، وأدوات العمل اللازمة والمتطورة. هذه هي الأمور المطلوبة لتحقيق
إنتاج ناجح في البلد. وباعتقادي أننا نملك الآن في البلد بعض هذه الوسائل
والإمكانيات، ويمكننا إيجاد بعضها الآخر في البلاد، دون بذل مجهود وعناء كبير.
بالنسبة للطاقات الإنسانية، فقد ذكرنا أنّ 33 مليون نسمة من سكّان البلد هم في سن
العمل؛ أي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و40 عامًا. علمًا بأن عدد القادرين على العمل
يفوق ذلك، حيث تُقدَّر أعمارهم ما بين 15 و65 سنة – وال65 تعتبر مثلًا فترة التقاعد
وعدم العمل - ويبلغ تعدادهم 55 مليون نسمة، لكنّ القوى العاملة من الشباب القادرين
على النزول إلى ساحة العمل، تقدّر بـ33 مليون نسمة على أقل التقادير. فإنّ لدينا
عشرة ملايين خريج جامعي، ولدينا ما يقرب من خمسة ملايين طالب جامعي، هؤلاء ثروة
للبلد. وقد أفادنا بعض الخبراء المطلعين أن بلدنا يدخل في عداد بلدان العالم الأولى
- حتى المتطورة والكبيرة منها - من حيث عدد المهندسين المتخصصين، أي أن إمكاناتنا
من حيث الطاقات الإنسانية كبيرة لهذه الدرجة.
صندوق التنمية الوطنيّة في خدمة الإنتاج الوطني
رؤوس الأموال؛ تعدّ من الأمور الضرورية للإنتاج. وغالبًا ما يقال إنّنا
لا نملك رؤوس الأموال الكافية لحثّ المنتِج على الإنتاج، وأنا لا أوافق على ذلك.
بالإضافة إلى الإمكانيات الشخصية المتوفرة لدى الأشخاص، استطاعت الحكومة إنشاء
صندوق التنمية الوطنية. وأودّ هنا أن أبيّن المراد من هذا الصندوق: قبل بضعة أعوام
أُدرج هذا الأمر ضمن السياسات العامة، وأُجبرت الحكومات على إدراج صندوق التنمية
الوطنية في جدول برامجها. ولكن ما هو صندوق التنمية الوطنية؟ إنه يعني إخراج نسبة
مئوية من عائدات نفط البلد -النفط الذي نقوم باستخراجه وبيعه دون إنتاج قيمة مضافة-
سنويًا بغية الحدّ من تبعيّة البلد للنفط اقتصاديًا. فارتأينا بادئ الأمر إيداع
عشرين بالمئة، ومن ثم إضافة ثلاثة بالمئة عليها في كل عام، ولو كنّا قد أضفنا هذه
النسبة إلى يومنا هذا، لكان من المفروض في هذا العام إيداع 36 بالمئة وادّخاره في
صندوق التنمية الوطنية، وبهذا المقدار سوف يتخلّص البلد من التبعية للنفط. ومواصلة
هذا المسير، سوف تؤدي في غضون عدة سنوات أُخَر، إلى فصل النفط عن اقتصاد البلد
بالكامل، وهذا يشكّل للبلد فرصة كبرى وفوزًا عظيمًا. فإنّ واحدة من مآسي بلدنا وبعض
البلدان الأخرى، هي تبعية اقتصادها للنفط، والنفط أيضًا لم يعد بيد البلدان المنتجة
له، وإنما هو بيد الدول المستهلكة وبيد القوى العالمية، فإنها هي التي تسعّر النفط،
ترفعه تارة وتخفضه أخرى، والمنتج للنفط في حقيقة أمره منفعل أمام القوى الكبرى في
هذا الخصوص. إن استطاع بلدٌ فصل اقتصاده عن النفط، وكان النفط من موارده، سيحقق
تقدّمًا مضاعفًا بكل تأكيد. وقد تأسس صندوق التنمية الوطنية لهذه الغاية. والذي حدث
أن مسؤولي الحكومة في سنة 1394 هـ.ش(2015م)، ونظرًا إلى انخفاض عائدات النفط، وذلك
بسبب قلة البيع وانخفاض السعر، طالبوا بضرورة الاستفادة من صلاحيات القائد لئلا
تضاف إلى الصندوق تلك العشرون بالمئة، وأن يأخذوا عشرين بالمئة لا أكثر، فوافقنا
على ذلك وسمحنا للحكومة بأن تدّخر في الصندوق عشرين بالمئة فقط.
لقد تأسّس هذا الصندوق من أجل أن يدفع المال إلى القطاع الخاص - أي إلى المنتج
الداخلي - ويمنحه القدرة على النهوض بعملية الإنتاج، وبهذا يتوافر رأس المال. فإن
تمكين القطاع الخاص عبر صندوق التنمية الوطنية، يعدّ أمرًا بالغ الضرورة. فلا بد من
النظر إلى هذا الصندوق كفرصة للبلاد، يمكن استثمارها في خدمة الإنتاج بل يجب أن
تكون كذلك. ومعنى ذلك أن المنتِج الداخلي يمكنه الانتفاع من هذا الصندوق عبر سياسات
الحكومات وبرمجتها الصحيحة. إذن، تلك هي طاقاتنا الإنسانية، وهذه هي رؤوس أموالنا.
أدوات العمل؛ البعض يقول إنّنا نفتقد للأدوات الحديثة والمتطورة، وأنا العبد أقول:
الشابّ الإيراني الذي يستطيع القيام بتخصيب اليورانيوم خلال مدة قصيرة وإيصاله من
ثلاثة ونصف بالمئة إلى عشرين بالمئة - ولقد كان هذا عملًا عظيمًا جدًا وتم إنجازه
في البلد، وسبق أن ذكرت في إحدى الخطابات العامة أن صعوبة عملية تخصيب اليورانيوم،
تكمن في تخصيبه ما بين ثلاثة أو ثلاثة ونصف إلى عشرين بالمئة، فإن استطاع بلدٌ
إيصال تخصيب اليورانيوم إلى عشرين بالمئة، سيتوافر له وبكل سهولة إمكانية إيصاله
إلى 99 بالمئة؛ فهنا تكمن المشكلة الأساسية. لكن علماءنا الشباب استطاعوا، في ظرف
مدة قصيرة نحن شهدناها، حلّ هذه العُقدة الصعبة، واجتياز هذا الطريق، وإيصال
التخصيب من ثلاثة ونصف إلى عشرين بالمئة - فالشابّ الإيراني الذي يستطيع الانطلاق
بهذه الحركة العظمى، أو الذي يتمكّن في مجال تصنيع الصواريخ والطائرات، على الرغم
من وجود العقوبات الدولية البالغة الشدة، أن يقوم بما يؤدي إلى تصريح ذلك الضابط
والقائد العسكري الصهيوني[4] بـ"أني أعادي الإيرانيين، ولكن لا أستطيع منع نفسي من
الإشادة بهذا العمل، فقد حققوا إنجازًا كبيرًا". فالشابّ الذي يستطيع تصنيع مثل هذه
الصواريخ والطائرات والأسلحة العسكرية المتطورة، وإلقاء الرعب في قلب العدوّ،
وإيصال تخصيب اليورانيوم من نسبة ثلاثة ونصف إلى عشرين بالمئة، ألا يمكن لهذا
الشابّ أن يقوم بتطوير صناعة السيارات وتسيير عجلتها أو تطوير أي مجال آخر؟ لماذا
لا يستطيع ذلك؟ إنّ شبابنا قادرون، وإن طاقاتنا الإنسانية، والعقل المفكر والوقاد
للشاب الإيراني العالم الموهوب، جاهز للقيام بهذه الأمور، وإن بوسعنا إنجاز الكثير
من هذه الأعمال. فلنفسح المجال للشباب، لأنهم قادرون على معالجة الكثير من مشاكلنا
وحلّ عُقدنا الكبرى.
إنّ جامعاتنا متعطّشة للتعاون مع أجهزتنا الصناعية. لقد أوصيت بالتعاون بين الصناعة
والجامعة منذ عدة سنوات، وقد تم العمل بها إلى حدّ ما، حيث نجد هنالك تعاونًا
جيّدًا جدًا في القطاعات العسكرية وفي بعض القطاعات الأخرى. فإن بإمكان جامعاتنا أن
تمدّ يد العون والمساعدة، وهذا ما ينفع الجامعات، ويساعد على تقدم المسيرة العلمية،
ويفيد صناعتنا كذلك. إذن لا توجد لدينا مشكلة في الإنتاج من حيث الإمكانيات، لأننا
نمتلك طاقات إنسانية، وبوسعنا إعداد أدوات عملٍ متطورة، وبمقدورنا استثمار رؤوس
الأموال عبر صندوق التنمية الوطنية وأمثاله وثروات الناس أنفسهم. وعلى هذا فالإنتاج
يمكن تطبيقه، وإمكانيات الإنتاج متوافرة في البلد.
لكن هناك مستلزمات مطلوبة؛
منها واجبات ومسؤوليات يجب علينا جميعًا أن نتحملها، أبناء الشعب وكذلك
المسؤولون في الحكومة وفي السلطة القضائية وفي السلطة التشريعية، عليهم واجبات ولو
قاموا بها، لانتعش الإنتاج وازدهر. وسأتعرض لعدد من هذه الواجبات، وأقول لاطّلاع
الرأي العام في هذا المجال: لا يوجد أمامنا طريق مسدود، ولا عقبة تحول دون حركتنا
وحثّ خطانا وتقدمنا للأمام، نحن قادرون على المضيّ قُدمًا، يجب علينا شد الهمة وضخ
الحركة أكثر في أنفسنا.
أحد المستلزمات هو الإدارة الكفوءة والملتزمة والمتدينة. على كبار المسؤولين في
البلد، أن يعيّنوا للقطاعات المرتبطة بالإنتاج إدارات ذات كفاءة ونشاط وحيوية ورغبة
واندفاع وقوة. هذه من الواجبات التي تقع على عاتق السلطات العليا في البلد.
من الأعمال الأخرى إشراك الناس في عملية الإنتاج. ينبغي للناس المشاركة في الإنتاج.
لقد أبلغنا قبل عدة سنوات سياسات المادة 44، وكل المحللين والخبراء في الشؤون
الاقتصادية قالوا بأنها تعتبر ثورة في العمل السياسي، حسنٌ، فليتابعوها وليعملوا
على مشاركة الناس في هذا العمل. استطاعت الجمهورية الإسلامية في الحرب والدفاع عن
البلد والحدود - وهو عمل غالبًا ما يقع على عاتق الحكومات والجيوش وليس من مسؤولية
الناس العاديين - ومن خلال إدارة صحيحة واختيار سليم، تعبئة الناس وإنزالهم إلى هذه
الساحة والانتصار في المعركة. حين خاض الناس ميدان الدفاع عن البلد والحدود - وهو
عملٌ يرتبط بالحكومات والجيوش - تمكّنوا من التقدم إلى الأمام. وإن كثيرا من
شخصياتنا العسكرية الكبيرة هي شعبية وتعبوية. كانوا تعبويين، وجاهدوا بأسلوب
التعبئة، واستشهدوا كالتعبئة. العمل الاقتصادي أولى بذلك، لأنه عملٌ شعبي، إذا
أنزلنا الناس إلى الميادين الاقتصادية ومارسوا أدوارهم في مجال الاقتصاد والإنتاج،
لتقدّمت الأمور في هذا المجال حتمًا ويقينًا. هذا أحد المستلزمات أيضًا.
منها أيضًا، مسألة التصدير التي ينبغي لمسؤولي الحكومة أن يكونوا فعالين مبادرين
فيها. فقد بلغني تقرير من المسؤولين الحكوميين يفيد للأسف بأن أغلب صادرات بلدنا،
بل أساس صفقاتنا التجارية من التصدير والاستيراد، فقط مع خمس أو ستّ دول، وهذا خطأ
ويخالف أصول الاقتصاد المقاوم. حيث أكّدنا على هذا أيضًا في بنود الاقتصاد المقاوم،
وجعلنا واحدة من سياساته: تنمية الصادرات واتساع رقعة البلدان التي يتم التصدير
إليها. أما أن نكتفي ونحدّ أنفسنا بخمس أو ست دول، فهذا أمر غير صحيح، ويتطلّب حركة
المسؤولين سواء في السياسة الخارجية أو في سائر الأقسام.
من المستلزمات الأخرى، أمن الاستثمار؛ وهو عملٌ يرتبط بالسلطة القضائية والقوات
الأمنية، حيث ينبغي لهم أن يعملوا على المحافظة على الأمن في عملية الاستثمار.
ومن الأعمال الهامة استقرار السياسات وعدم تغيير القوانين بصورة مستمرة، وهذا يعود
إلى مجلس الشورى الإسلامي. فعلى النواب أولًا حذف المقررات الزائدة والمعرقلة
للعمل، وثانيًا خلق حالة من الثبات والاستقرار في القوانين، فلا ينبغي في كل يوم
سنّ قانون جديد يصعب الاستثمار ويربكه.
إنّ قضية الأمن الاقتصادي والأمن في الاستثمار التي ذكرتها، قضية بالغة الأهمية.
لقد قصّرنا في هذه المجالات أحيانًا. فلنفترض في منطقة من مناطق البلاد، تنطلق
عملية استثمار وترتفع الأصوات وتتدخل الإذاعة والتلفزيون وتبثّ دعاياتها من أجل
الترويج لها، ويقوم الناس بإنفاق كل ما لديهم من ذهب ومال ومدخرات في هذه العملية،
ثم يتضح بعد ذلك أنها لم تكن سوى عملية نصب واختلاس! هذا يعارض الأمن الاقتصادي.
يجب المحافظة على الأمن في الإنتاج. إذن فهذه من الواجبات اللازمة المؤكدة لعملية
الإنتاج.
من المسائل الأخرى البالغة الأهمية في قضية الإنتاج الداخلي، الشعور بالمسؤولية لدى
عموم الناس. أنا العبد إلى جانب الناس، وأعرض مطالبهم، ولكن على أبناء شعبنا
الأعزاء أن يعلموا بأنّ المهمة لا تقع فقط على عاتق المسؤولين وحدهم، بل تقع على
عاتق الناس أيضًا. فإن تأكيدنا على الإنتاج الداخلي، يستتبع بالطبع، توقّع
الاستهلاك الداخلي كذلك. لماذا لا يولي الناس اهتمامًا كبيرًا للمنتوجات المحلية؟
بالتأكيد ولحسن الحظ، هناك بعض الأعمال التي تم إنجازها في الآونة الأخيرة والحمد
لله، وهناك بعض المتاجر التي لا تعرض إلا البضائع المحلية. فليرجّح المستهلك
الإيراني السِلَع الداخلية، ولا يلهث وراء الأسماء والماركات الأجنبية؛ هذه هي أحد
التوقّعات.
ومن التوقّعات الأخرى أن يفتّش شبابنا الأعزاء حقًا عن العمل، وأن يتجنّبوا
التكاسل وانعدام المسؤولية. إن من الأمور التي تقع حقًا على عاتق عامة الناس،
الشعور بالمسؤولية، وهذا واجب في أعناقهم. وإنّ من الأمثلة على انعدام المسؤولية،
ما يقوم به بعض المصدّرين في عددٍ من السلع والبضائع الخاصة للتصدير - وهذا ما
وصلنا خبره - مما يدعو إلى تشاؤم الزبون الأجنبي تجاه منتوجاتنا المحلية، كأن يضعوا
- على سبيل الفرض - البرتقال الكبير والجيّد في أعلى الصندوق والبرتقال الصغير
والرديء في أسفله. فلا بد أن تمثل صادراتنا حسن الأداء وصحة العمل الإيراني، وإلا
فهو انعدام للمسؤولية. إذ من الواضح أن إرسال البضائع الرديئة سيدمر سوق التصدير.
أنا العبد أدعو كل الموفّرين لفرص العمل أن ينزلوا إلى ساحة الإنتاج والعمل وأن
ينهضوا بمهامهم في هذا الشأن وإن شاء الله سيقومون بهذا.
ثمة قضيتان هامّتان في مجال الإنتاج: الأولى قضية الاستيراد، والثانية قضية
التهريب. سبق أن ذكرتُ ونبّهتُ على هذا الأمر، واليوم أُعيده أيضًا: أنه يجب النظر
إلى استيراد البضائع التي تُصنع مثيلاتها محليًا بالمقدار الكافي على أنه حرام
شرعًا وقانونًا. ينبغي عدم استيراد ما يتم تصنيعه في الداخل. وأما أن نرى بضائعنا
الاستهلاكية من الطعام إلى اللباس، من أدوات المنزل، إلى الحقائب والأحذية
النسائية، وصولًا إلى أدوات المدرسة من الدفاتر والأقلام ونحوها، تُستورَد من
الخارج، فهذا ما يبعث على الخجل! حيث يشعر الإنسان بالخجل أمام المنتج المحلي،
وأمام من يصدّر البضائع إلينا من الخارج. فلا ينبغي لنا السماح باستمرار هذا المسير
بهذه الطريقة، مع الإمكانيات المتاحة في بلدنا، ولنقف أمام الاستيراد بكل ما تنطوي
عليه الكلمة من معنى. فإنّ بعض السلع الأساسية ممكنة التصنيع محليًا، ومع هذا
تُستورد من الخارج، في حين يمكن إنتاجها في الداخل، حتى لو كنا نفتقدها ولا نصنّعها
اليوم، ولكنها قابلة للإنتاج. قبل بضع سنوات سمعتُ بأن العلف يتم استيراده، فقلتُ
وهل يُستورد العلف مع وجود كل هذه المراعي والمزارع وما شاكل؟! قالوا: يحتاج العلف
إلى المادة الفلانية التي لا تُصنَّع في الداخل. فقلتُ لهم: إذن صنّعوها! وهي مادة
زراعية - محددة وقد دوّنتها ولا أريد اليوم ذكر اسمها - يمكن تصنيعها في الداخل.
صنّعوها لئلا تُجبروا على استيراد العلف لأغنامكم من الخارج. إذن فالقضية الأولى هي
قضية الاستيراد وهي ذات أهمية بكبيرة.
والأخرى قضية تهريب البضائع وهي قضية فائقة الأهمية. حيث يقال إنّ الذي يُنفق في
عملية التهريب يعادل 15 مليار دولار، وهذا هو الحدّ الأدنى من الأرقام التي تُذكر
اليوم، ومع ذلك فهو رقم كبير جدًا، وقد قيل إنّ الأرقام المذكورة 20 و25 مليار
أيضًا! وهي تسدّد ضربة لاقتصاد البلد، فلا بد من منع التهريب. والقائمون على مكافحة
التهريب بالطبع، فلا يلتبس عليهم الأمر! فإننا نطالبهم بمكافحة عصابات التهريب.
وأنا أقول إنّ البضائع المهرّبة حين تدخل إلى البلد من مداخله الرسمية، فإنّ ذلك
الموظّف المتصدّي لهذا الأمر لا يرتكب خيانة، غاية الأمر أن هنالك تقصيرًا في
المسألة. حيث وصلني تقرير يفيد بأنّ ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف حاوية تدخل إلى البلد
يوميًا من الميناء الفلاني، ولا يُفتَّش منها إلا 150 حاوية! لماذا؟ إن لم يتم
تفتيش الباقي ودخلت البضائع إلى المخازن، فمن الواضح أنها ستحتوي على بضائع مهرّبة،
وتدخل إلى البلد من مداخله الرسمية! وأما ما يدخل عبر الحدود غير الرسمية أو من
المناطق الحرة فهو بحث آخر. فلا بد من الحؤول دون ذلك، وهذا ما نحن قادرون عليه.
ولقد ذكرتُ هذه القضية نفسها لرئيس الجمهورية المحترم ونبّهته إلى أنّ البعض من أهل
الخبرة والتخصص قالوا: هنالك آلات تقوم بتفتيش هذه الحاوية وهي في حال العبور دون
حاجة إلى إيقافها. فليقوموا بتأمين هذه الوسائل، إما عبر شرائها إن تطلّب الأمر أو
استيرادها أو تصنيعها. فإننا قادرون على منع التهريب. وهذه القضية هي الأخرى تتصف
بالأهمية. هذا ما نعنيه من مكافحة التهريب، لا التصدي للقضايا الجزئية، كأن يذهبوا
في سوق الرضا بمدينة مشهد إلى البائع الفلاني الذي يبيع خواتم من فضة قائلين له
إنّك قمت بتهريب هذه البضاعة، أو أن يذهبوا إلى الحدود عند العائلة الفلانية التي
تؤمن معاشها من خلال بضائع قليلة تذهب بها من هذا الجانب إلى ذلك الجانب من الحدود؛
ليس هذا هو المقصود، وإنما هو مواجهة حركات التهريب الضخمة.
لقد مضى الوقت وطال حديثنا، هنا أُنهي الكلام في الجانب الاقتصادي. بالطبع ما هو
ضروريّ من الحديث في هذا المجال طويل، ولقد قلنا للمسؤولين ما ينبغي قوله وسنقوله
بعد اليوم أيضًا إن شاء الله. وباعتقادي فإن نفس هذه المواضيع التي طرحت، يمكن
توسيعها وتوضيحها وتفصيلها وتبيينها، وهذا ما يجب القيام به على من هم أهلٌ لذلك.
ظاهرة الانتخابات؛ قوّةٌ واقتدار
وأما بالنسبة لقضية الانتخابات؛ أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
الانتخابات في بلدنا مسألة بالغة الأهمية، ولا يقتصر الأمر على الانتخابات
الرئاسية، بل يشمل انتخابات المجلس وانتخابات البلديات أيضًا، لأنّ الانتخابات
تمثّل أحد ركني سيادة الشعب الدينية. فإن سيادة الشعب الدينية ترتكز على ركنين؛
أحدهما رأي الناس والانتخابات. ونحن بفضل الانتخابات نتباهى ونفتخر أمام العالم.
وأما الأعداء فإنهم يتجاهلون الانتخابات ويرشقونها بالتهم قمعًا للشعب الإيراني
وللجمهورية الإسلامية، وهذا يدل على مدى أهمية الانتخابات[5]. فهي مدعاة للعزة
الوطنية، وتقوية الشعب الإيراني، وصيانة سمعته وكرامته. بالتأكيد، سوف أتحدث فيما
بعد حول الانتخابات إن شاء الله، ولكنّ الذي أريد قوله اليوم في هذا الجانب هو أن
الانتخابات ظاهرة تمنح القوة والاقتدار. لقد انجذب الناس والمنظّرون في العالم إلى
فكرة سيادة الشعب الدينية التي طرحت في الأوساط العالمية. ففي قبال المدارس
المختلفة كالليبرالية والشيوعية والفاشية وما شاكلها، أنزل الإمام الخميني العظيم
فكرة سيادة الشعب الدينية إلى الساحة، واستقطب بها الشعوب والخواص من النخب في جميع
أنحاء العالم. إن السيادة الشعبية الدينية هذه تقوم على أساس الانتخابات، ومن هنا
يجب على الشعب الإيراني أن يتألق في الانتخابات. إن ما أقوله وما يهمني أنا الحقير
بالدرجة الأولى هو المشاركة الجماهيرية الواسعة والحاشدة لكل من يسمح له القانون
الإدلاء بصوته. هذا هو أولى مطالبنا وأهمها.
..وعلى الناس أن يشخّصوا بأنفسهم
وأضيف في هذا الشأن أيضًا بأنه لا بد في الانتخابات من تطبيق القانون
بحذافيره. والنتيجة التي تخرج بها أصوات الشعب مهما كانت، هي المعتبرة والشرعية.
وأنا شخصيًا لا أتدخّل في الانتخابات، ولم أقل للناس ولا أقول لهم أبدًا: انتخبوا
فلانًا ولا تنتخبوا فلانًا. أنا لا أتدخّل إلا في موضع واحد وهو إذا أراد البعض
الوقوف في وجه أصوات الشعب وانتخابه وإلغاء آراء الناس عبر خلق المتاعب والعراقيل.
وكل من يحاول التلاعب بنتائج أصوات الناس، سأقف في وجهه، كما حصل في السنين الماضية
وفي الدورات السابقة: سنة 1997، وسنة 2005، وسنة 2009، وسنة 2013، وكان البعض منها
على مرأى من الشعب واطلع الناس عليها، والبعض الآخر لم يعلم الناس به ولكني أنا
الحقير اطلعت على مجريات أحداثها. ففي جميع السنوات التي ذكرتها، حاول البعض الوقوف
أمام الانتخابات، وفي سنة 2009 ظهروا إلى العيان ونزلوا إلى الشوارع، وفي السنوات
الأخرى عملوا بطريقة أخرى. فوقفت في كل هذه السنوات، وقلت بضرورة تنفيذ نتيجة آراء
الشعب مهما كانت. هذا هو الموضع الذي أتدخل فيه بشأن الانتخابات، وأقف في وجه كل من
يخالف ويعارض الانتخابات، وأما في سائر المواضع فلا أتدخل، بل لا بد من تطبيق
القانون بحذافيره، وعلى الناس أن يشخّصوا ويتحركوا بأنفسهم.
والذي أتوقّعه هو أنّ انتخاباتنا ستكون بتوفيق من الله حماسية ناجحة. راجين بإذن
الله أن تكون نتائج صناديق الاقتراع -سواء في انتخابات البلديات أو الانتخابات
الرئاسية- موضع رضا الله وسعادة الشعب الإيراني. وأنا أقول لكم: أجروا الانتخابات
بشكل جيد، فإنّ هذا سيؤدي إلى مجد الشعب وعزته وتقدمه، والعدوّ بالتوفيقٍ الإلهيٍّ
لا يستطيع ارتكاب أية حماقة.
اللهم! اجعل ما قلناه وما سمعناه لوجهك وفي
سبيلك وتقبّله منّا بكرمك.
اللهم! احشر أرواح شهدائنا الطيبة وروح إمامنا
الجليل الطاهرة مع الأرواح الزاكية لشهداء صدر الإسلام.
إلهنا! اجعل هذه الأرواح المطهّرة والمنوّرة
راضية عنا.
إلهنا! امنن علينا برضا ولي العصر (أرواحنا
فداه) واجعلنا من الجنود السائرين على هذا الدرب.
إلهنا! اجعل عواقب أمورنا خيرًا، واجعل
الشهادة لي أنا الحقير ولكل راغب فيها، المحطة الأخيرة من حياتنا.
والسلام علیکم ورحمة الله وبركاته
[1] تحدث في بداية
اللقاء حجة الاسلام السيد ابراهيم رئيسي (متولي شؤون الحضرة الرضوية المقدسة).
[2] رواق الإمام الخميني (قده) في الحرم الرضوي.
[3] الصحيفة السجادية؛ الدعاء الثامن.
[4] يوزي رابين؛ المدير الأسبق لبرامج الدفاع الصاروخي الصهيوني.
[5] يردّ القائد على الهاتفين "هيهات منّا الذلّة" قائلًا: التفتوا! إذا كان لا
بدّ من قولكم هيهات، فيجب أن تهتفوا:هيهات من عدم الانتخابات.