الإيمان والتقوى يمنحان القدرة على الصمود في ساحات الجهاد
ثقافة إسلامية
الإيمان والتقوى يمنحان القدرة على الصمود في ساحات الجهاد
عدد الزوار: 105
من كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله لدى لقائه جمع من طلاب الجامعات والاتحادات الطلابية
2/7/2016
الإيمان والتقوى يمنحان القدرة على الصمود في ساحات الجهاد
القسم الأول: غالبًا ما تعقد الجلسة الطلابية في أوائل شهر رمضان،
ولكنها انعقدت هذا العام في أواخره وفي اليوم السادس والعشرين منه. وهذا من جانب
أفضل، لأنكم أنتم الشباب قد اكتسبتم بعد قضاء هذه الأيام المرتفعة الحرارة والطويلة
بالصيام مزيدًا من اللطافة والنورانية، إن شاء الله وبتوفيقه تجلّت لديكم معنويات
أكثر؛ هذا أمرٌ في غاية الأهمية. ولربما يخطر في الأذهان أنّ لنا أحاديث جمة وقضايا
كثيرة اقتصادية واجتماعية وقضية الاتفاقيات النفطية والاتفاق النووي "برجام"-
والقضايا التي تردّدت على ألسن السادة وهي هامة بأجمعها - وإذا بكم تطرحون حديث
المسائل المعنوية والصيام ونورانية القلب. أقول لكم إنّ هذه المسألة أهم منها
كلّها. ذلك إنكم ولمعالجة المشاكل بحاجة إلى الجهاد والنضال الذي سأتناول الحديث
بشأنه إن اتسع الوقت إن شاء الله. والنضال والجهاد هذا متوقف على وجود قوة ذاتية
داخلية. يصمد في ساحة الكفاح من كان يتمتع بتلك القوة الذاتية، وعندها يمكنه أن
يعرف ويميّز بشكل صحيح ويسير باتجاه فهمه وإدراكه إن كانت القوة الذاتية فيه فاعلة
وقوية. هذه القوة الداخلية هي الإيمان.
المؤمنون في معركة الأحزاب مثالا
ولهذا تقرأون في سورة الأحزاب: (وَلَمَّا
رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا
وَتَسْلِيمًا)1. قضية الأحزاب كانت بالغة الأهمية. ولو أردنا
في مقام المقارنة تشبيه الجبهة المعادية للجمهورية الإسلامية حاليًا بالصدر الأول
من الإسلام، فالوضع الآن يشبه معركة الأحزاب. ذلك أنكم تشاهدون اليوم بأن كل عبيد
الدنيا والمتسلّطين والظالمين وأهل القوة والجور والطغيان في جميع أنحاء العالم،
وبمختلف مستويات القوى، قد اصطفوا مقابل الجمهورية الإسلامية وراحوا وما زالوا
يهاجمونها من كل حدب وصوب، وهذا ما حدث بذاته في معركة الأحزاب أيضًا. فإن جميع
سكان المدينة يومذاك، نساءً ورجالًا وصغارًا وكبارًا وأطفالًا، لربما لم يبلغوا
عشرة آلاف نسمة. وقد قامت الأحزاب -وهم كفار ومشركو مكة- باختيار نخبة رجالهم
المقاتلين من جميع الأقوام المتواجدة في تلك المنطقة، حتى بلغ عددهم عشرة آلاف
مقاتل، وهجموا على المدينة، وهذه لم تكن بالقضية البسيطة السهلة. حيث قالوا نقتحم
المدينة، ونبيد أهلها عن بكرة أبيهم، بما فيهم ذلك الذي يدّعي النبوة - أي النبي -
وأصحابه، ونُنهي الأمر دفعة واحدة. على الرغم من أنّ النبي كان دأبه نقل أي حرب
تقع، إلى خارج حدود المدينة وعدم البقاء فيها، غير أن هذه الحادثة كانت مهيبة
ومرعبة وسريعة لدرجة، لم تسنح الفرصة للنبي أن ينظّم قواته ويعبّئهم خارج المدينة،
واضطرّ إلى حفر خندق على أطرافها، ما أدى إلى أن تُعرف المعركة بمعركة الخندق. كانت
واقعة مهمة جدًا. حسنًا، لقد واجه المؤمنون هذا الحدث. فقد انقسم أولئك الذين كانوا
يعيشون تحت لواء النبي إلى فريقين: فريقٌ نُقل عنهم، قبل عدة آيات من الآية التي
تلوتها، في نفس سورة الأحزاب، قولهم: (وَإِذْ يَقُولُ
الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)2، حيث وعدنا بالنصر؛ تفضلوا:
هذا جيش العدوّ قد أقبل للقضاء علينا. فقد استولى عليهم اليأس والإحباط واستحقار
الذات أمام العدو، وظهرت في نفوسهم ميول قلبية خفية تجاه العدو. لكنّ الفريق الآخر
الذي كان يشكّل الأكثرية، قال كلا، ليس الأمر كما يزعمون،
(هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ)، حيث
أخبرونا أنّكم إذا نزلتم إلى الساحة، سيستنفر عوامل الكفر والاستكبار بأجمعهم
لمعاداتكم: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)، وتحقق ما وعداه من مجيء العدو وهجومه،
وبدلًا من أن يثبّط هذا الأمر معنوياتهم: (مَا زَادَهُمْ
إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)3 لله، وعزمًا وجزمًا
للمواجهة والمجابهة. وهذا بسبب الإيمان. فلو قوي الإيمان في القلب وتجذّر، فلن تصعب
مواجهة كل هذه المشاكل التي ذكرتموها - والتي أنا على اطلاع عليها، بل على علم
بأكثر منها - وسيسهل التصدي لها، غاية الأمر أنّ للمواجهة طريقها وأسلوبها.
المؤمنون في معركة أحد مثال معكوس
هذا في مقابل تلك الآية القرآنية التي تلوتها لدى لقائي بمسؤولي النظام
في أوائل شهر رمضان: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا
كَسَبُوا)4. ففي معركة أحد لم يتمكن البعض من الصمود
والاستقامة، وتركوا الساحة، وبدّلوا النصر إلى هزيمة. حيث كان المسلمون قد انتصروا
في هذه الغزوة، لكن غفلة عدد قليل منهم أو خيانتهم أو انشدادهم إلى الدنيا وقصر
نظرتهم، أدى إلى أن يتبدّل ذلك الانتصار إلى هزيمة وانكسار. ويقول الله إنّ أولئك
الذين تسبّبوا في وقوع هذا الحدث، (إِنَّمَا
اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا)، وتعرضوا لهذا
المنزلق بسبب أعمال كانوا قد اقترفوها من قبل. أعزائي: هذه هي نتيجة اقتراف الذنوب،
والغفلة عن الذات، وعدم مراعاة التقوى. إذا أردنا الصمود والاستقامة أمام جبهة
الاستكبار، وأن نصل إلى تلك العزة، وذلك الشرف والاقتدار الذي يليق بالجمهورية
الإسلامية، والذي وعدتنا به الثورة الإسلامية، فإننا بحاجة إلى أن ندقق في
سلوكياتنا الشخصية الدقة الكافية، وأن نحافظ على التقوى. هذه هي حاجتنا.
إتباع الشهوات يفسد القلوب ويزلزل الأقدام في مواقع
الجهاد
يشير القرآن في موضعين إلى انحطاط الأمم التي آمنت أولًا، ثم أصيبت
بالانحطاط في أجيالها اللاحقة. فيقول في سورة مريم:
(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ)، أي إنّ الأسلاف جاهدوا وآمنوا، ثم جاء من
بعدهم خلْفٌ - و«الخلْف» بسكون اللام هي الضدّ في المعنى من «الخلَف» بفتحها،
فالخلْف هو الجيل الفاسد، والخلَف هو الجيل الصالح، وهنا يقول:
(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) - (أَضَاعُوا
الصَّلَاةَ) أولًا، (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) الشخصية، (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ
غَيًّ)5. فإن هذين العاملين - إضاعة الصلاة واتّباع الشهوات
- يسوقان تلك القوات التي يجب عليها الصمود والثبات في مقام الجهاد والنضال، والذي
من المؤكّد أن يؤدي صمودهم هذا إلى النصر، يسوقانهم إلى الضعف والوهن والخواء. وهذا
هو السبب من كل تأكيدي على عدم إقامة الرحلات الطلابية المختلطة وتكراري لهذا
الموضوع. وللأسف فقد سمعت مرة أخرى أنها تقام، وهذا ما أشار إليه أحد الإخوة هنا
أيضًا، وكانت قد بلغتني التقارير في ذلك، وعلى مسؤولي الجامعات أن يجيبوا على هذا
الأمر. فإن الطالب الجامعي هو الطاقة المولّدة للأمل في البلد، وهو الذي يمكنه
الوقوف أمام المشاكل، فهو شاب وهو عالم ويجب عليه أن يتولى إدارة البلد في
المستقبل، وهو الذي ينبغي له أن يكون بصيرًا واعيًا، ليقوم بتعزيز خندق الصمود أمام
الطامعين والانتهازيين وغيرهم، فلا بد أن يكون هذا الخندق منيعًا قويمًا. أما لو
اتّبع الشهوات، فلا يمكنه ذلك. أنا العبد لست إنسانًا متزمّتًا حتى يخال البعض أنّ
كلامي هذا نابعٌ عن تزمّت. كلا، وإنما القضية أن الاختلاط بين الجنسين ليس بالأمر
المطلوب في الرؤية الإسلامية. نعم، لا إشكال في أن يجتمع الرجل والمرأة في الجلسات
الرسمية للبحث والنقاش، كما في مجلس الشورى الإسلامي، وطاولة المفاوضات، والمجالس
الاستشارية، وأما في الاجواء التي لا حد ولا قيد لحالات الاختلاط فيها، فهي تلحق
الضرر، وتفسد القلوب.
وجاء في موضع آخر من القرآن في سورة الأعراف: (فَخَلَفَ
مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى)6.
فإن عبارة (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) ،
قد تكررت في القرآن مرتين وفي موضعين، وهذا هو الموضع الثاني، حيث يقول:
(وَرِثُوا الْكِتَابَ)، أي إنّهم وصلوا إلى
الحقائق، ولكنهم راحوا يلهثون وراء طلب الدنيا، و(يَأْخُذُونَ
عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى).
بالإيمان والتقوى نتابع الطريق ونزيل العقبات
هذه مشاكل، يجب في الدرجة الأولى التصدي لمعالجتها، وهذا ما يمكنكم أنتم
الشباب القيام به. فإن وصيتي لكم أيها الشباب الأعزاء، وأيها الطلبة الجامعيون، هي
الاهتمام بالتقوى والعفة الشخصية، والالتزام بها، وعدم نسيان تلاوة القرآن يوميًا
بكل تأكيد؛ ولو صفحة أو نصف صفحة. فاقرأوا ما تيسر من القرآن في كل يوم، وأوثقوا
صلتكم به. هذه الأدعية تنطوي على مضامين عالية رائعة، وتوطّد علاقتكم بالله سبحانه
وتعالى، وهذا هو أصل القضية. وما رأيتم من إمامنا الخميني العظيم أنه وقف صامدًا،
رغم أنه كان في بادئ الأمر وحيدًا، ثم التحق به أبناء الشعب خواصهم وجماهيرهم، فقد
وقف منذ أن كان وحيدًا صامدًا، وكان يقول حتى آخر لحظة لو أعرض الجميع عني، سأتابع
هذا الطريق. كما قال الله لنبيه: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)7، وجاهد ولو بقيت
وحيدًا، نعم (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ)8،
ولكن يجب عليك المتابعة حتى ولو بقيت فريدًا، وهذا كله ناجم عن الإيمان، فلو قوي
الإيمان في فردٍ، فسيتابع طريقه حتى ولو بقي وحيدًا. وحينئذٍ فإن هذه المشاكل التي
قد تظهر هنا وهناك، من همزٍ ولمزٍ: أحدهم يقول كلمة هنا، وآخر يعترض على أمرٍ ما
هناك، لا تعدّ عائقًا يمنع من مواصلة الطريق.
إقرأوا القرآن حتمًا، إقرأوا الأدعية، إهتموا بالصحيفة السجادية، الدعاء الخامس
فيها بالغ الأهمية. إن أدعية الصحيفة السجادية رائعة بأسرها، ولكني لو أردت
توصيتكم، فسأوصيكم بالدعاء الخامس والدعاء العشرين المعروف بدعاء مكارم الأخلاق،
وكذلك الدعاء الحادي والعشرين. ولحسن الحظ فقد تُرجمت أدعية الصحيفة السجادية كلها
ولحسن الحظ فإن لدينا اليوم ترجمات جيدة للصحيفة السجادية. هذه الأدعية مفعمة
بالمضامين التي تقوّي قلوبكم، وتثبّت أقدامكم، وتمكّنكم من المضيّ قُدمًا. حسنًا,
الحمد لله، ها أنتم قد وُفّقتم لإدراك شهر رمضان أيضًا.
1- سورة الأحزاب، الآية 22.
2- سورة الأحزاب، جزء من الآية 12.
3- سورة الأحزاب، جزء من الآية 22.
4- سورة آل عمران، جزء من الآية 155.
5- سورة آل عمران، جزء من الآية 155.
6- سورة مريم، الآية 59.
7- سورة الأعراف، جزء من الآية 169.
8- سورة الأنفال، جزء من الآية 65.