الشعر ثروة وطنية والشعراء مدعوون لمواكبة إحتياجات البلاد
ثقافة إسلامية
الشعر ثروة وطنية والشعراء مدعوون لمواكبة إحتياجات البلاد
عدد الزوار: 67
كلمة
الإمام الخامنئي في لقائه بالشعراء الإيرانيين 15/09/2008
الشعر ثروة وطنية والشعراء مدعوون لمواكبة إحتياجات البلاد
الشعر ثروة
وطنية ينبغي مضاعفتها
لقد تطور الشعر في هذا البلد حقاً. إذن، نحن نمتلك اليوم هذه الثروة
الوطنية لكن علينا أن نضاعفها. و مضاعفتها مهمة تقع على عاتق الأجهزة المسؤولة و
كذلك على عاتق الشعراء أنفسهم و أصحاب القرائح. أي إن عليكم أيها الإخوة و الأخوات
أصحاب القرائح أن تشعروا بالمسؤولية، فهذه نعمة أعطيت لكم و عليكم شكرها. و شكرها
في أن لا تضيعوها و لا تسمحوا بزوالها، بل تحافظوا عليها و تضاعفوها و تفجروا هذا
الينبوع أكثر فأكثر. و
كيفية الإستفادة من هذه الثروة
عندئذ يأتي الدور للطور الثالث و هو أين وكيف نستخدم هذه الثروة.
اعتقد أن الشعر كسائر أنواع الفن لا يمكن تأطيره و تقييده. هذا ما نعرفه جيداً و
نوافقه. الأنضباط غير ممكن في عالم الفن بنفس معناه الدارج في شؤون الحياة الأخرى.
لا يمكن توقع مثل هذا الانضباط و لا هو ضروري أساساً. أرى أنه لو أردنا إشاعة مثل
هذا الانضباط في الفن و بشكله الدارج والضروري في قضايا الحياة المختلفة، لنسفنا
الفن و أضعناه. إذن، ليس هذا الانضباط هو ما أرمي إليه. لكن تقع على الشاعر نفسه
مسؤوليات، و الذين يستطيعون توفير أرضيات ميل الشاعر نحو مجالات معينة تحتاجها
البلاد، تقع عليها أيضاً مسؤوليات.
أ ــ لتنمية الشعر الأخلاقي
شعبنا اليوم بحاجة لأشياء يمكن إشباعها بلغة الفن و منها لغة الشعر. ثمة
سجايا كثيرة نحتاج حالياً إلى جعلها أخلاقاً وطنية في بلادنا. لا نستطيع أن ننسى
أننا كنا نعيش لعدة قرون تحت أحذية الاستبداد. أفضل ملوكنا على مرّ التاريخ ممن قد
نفخر بأسمائهم كانوا من أقسى الناس وأشد الحكام ظلماً. نادر شاه أسطورة من حيث
البطولة و كبطل وطني، لكنه كان غولاً مرعباً لشعبه في زمن حياته. و كذلك الشاه
عباس. نحن نفخر بهؤلاء لأنهم أنجزوا أعمالاً كبيرة، و لكن لاحظوا كيف تعامل هؤلاء
مع أبناء بلدهم. لاحظوا كيف تعامل أفضلهم ممن يسمّون صالحين و أتقياء نسبياً، وكيف
تعامل من لم يكونوا أتقياء.
عشنا هكذا قروناً و تكوّنت لدينا طباع و صفات يجب إصلاحها و جعلها إسلامية. نحن
بحاجة للصفاء، و عدم التلّون، و روح الإخوة، بحاجة إلى أن يشعر كل واحد منا في
المجتمع بالأمن حيال جيرانه، و في محل كسبه وعمله، و في الشارع، و لا يشعر بعدم
الأمان. هذه أحوال غير متوفرة الآن. نحن بحاجة إلى القدرة على الإبداع و شجاعة
التجديد كسجية وطنية. و هذه ليست الآن من سجايانا الوطنية. قد يكون البعض على درجة
عالية في هذه السجايا و الخصال و نحن على استعداد لتقبيل أياديهم، لكن هذا لا يكفي.
يجب أن تتحول هذه الصفات الحسنة إلى سجايا وطنية. التراحم مع البعض، و الأمل
بالمستقبل، وإشاعة الأمل لدى الآخرين.. هذه سجايا إذا توفرت لدى شعب فسوف يطوي طريق
التكامل على أفضل وجه. نحن بحاجة لهذه الخصال. ما هي الوسيلة التي يمكن تأمين هذه
الصفات بها؟ لا يمكن توفيرها بالأوامر أو النصائح. يمكن الإيحاء بها عن طريق لغة
الفن بحيث تمتلأ الأجواء بها. إذن، الشعر الأخلاقي من احتياجاتنا اليوم.
و قد يكون الشعر الأخلاقي في أرقى درجات الجودة. انظروا إلى تاريخ الأدب عندنا.
سعدي الشيرازي في قمة الشعر الأخلاقي و شعر المواعظ والنصيحة. و كذلك فردوسي، و
نظامي، و سنائي، و ناصر خسرو. و هكذا هم الكثير من شعرائنا الكبار. ثم إن جامي هو
أيضاً كذلك. و في الفترة الأخيرة، خلال عهد الأسلوب " الهندي " لدينا واعظ قزويني
على هذا النحو. واعظ قزويني كان واعظاً يرتقي المنابر و يعظ، و شعره من الناحية
الفنية في القمة و جيد جداً و ذو مضامين رصينة ضمن إطار المدرسة الهندية. وصائب
نفسه. لو جمعتم من عدة آلاف بيت لصائب: غزلياته الأخلاقية والوعظية فقط، لكانت
ديواناً كبيراً.
وأنتم الآن تنظمون أشعاراً في القضايا الدينية تسمونه الشعر الديني. إنه شعر يعنی
فقط بقضايا الأئمة عليهم السلام و أهل بيت الرسول، و هذه حالة جيدة جداً، أي إن هذا
الموضوع قطب عاطفي جيد جداً. و هذه إحدى خصائص التشيع أن يكون له هذا البعد العاطفي
و هذه العواطف المتدفقة والحب إلى جانب البعد البرهاني و العقلي المتين الموجود في
عقائدنا، إذ لا يتمتع أي من المذاهب الإسلامية بمتانة العقائد الكلامية للشيعة سواء
في أصول الدرجة الأولى أو في أصول الدرجة الثانية.. العواطف الملحوظة في أشعاركم
أنتم الشباب و التي يستمتع الإنسان بها حقاً حينما يقرأها. هذا الشعر الديني جيد.
إنه صناعة نموذج و إشارة إلى النماذج الواقعية للحياة استمداداً من الأئمة ( عليهم
السلام ) أو من شخصيات المعصومين بدل هذه النماذج المصطنعة و الزائفة التي يطرحونها
اليوم بمختلف صنوف الوسائل على الشعوب و ليس على شعبنا فقط؛ من قبيل الممثلين و
أناس تافهين يعدونهم نماذج.. نساءً و رجالاً، و شخصيات الرقص و الاستعراض.
إذن الشعر الديني جيد، و أنا لا أشك إطلاقاً في أن ما تقومون به في مجال قضايا
الأئمة و التوسل و إبداء الحب و المودة و الرثاء هو ممارسة جيدة لكنها لا تكفي.
جانب مهم من شعرنا الديني يمكن أن يتركز على القضايا العرفانية والمعنوية. و هذا
بحد ذاته بحر عظيم. لاحظوا شعر مولوي. لو افترضنا أن أحداً غير قادر على " ديوان
شمس " بسبب لغته و حالته الخاصة، و كثيرون منا غير قادرين، و إذا اعتبرناه بعيد
المنال إلى حد ما، فهناك " المثنوي " الذي يقول هو نفسه إنه: أصول أصول أصول الدين.
و الحق أن هذا هو رأيي. ذات مرة سألني المرحوم الشيخ مطهري ما هو رأيك في المثنوي
فقلت له هذا. قلت له أعتقد أن المثنوي هو ما قاله هو عن نفسه: أصول أصول أصول
الدين.. فقال إن هذا صحيح تماماً و أنا أيضاً أرى هذا. طبعاً اختلفنا في الرأي
قليلاً حول حافظ الشيرازي. أو " بيدل " في الفترة المتأخرة.. ذلك الديوان العظيم و
البحر العميق الذي يصنعه "بيدل" و كم في هذه المفاهيم التوحيدية من العرفان . و قد
أنجز السيد كاظمي عملاً جيداً يتعلق بمختارات من غزليات بيدل و قد تصفحت قدراً
منها.. هو طبعاً أختار بعضها و قد لا تمثل حتى عشر غزليات بيدل، لكنه عمل جيد على
كل حال. مهما يكن من أمر فإن شعر بيدل و هو من منتجات المدرسة الهندية، يعد من
الأعمال الفنية المعقدة القوية الدالة على مهارته. و قد لا يستمتع القارئ كثيراً
ببعض أِشعاره بسبب هذا التعقيد الفني، لكنها أشعار فنية حقاً و تدل على متانة
شاعرية هذا الرجل غير الإيراني، و الذي يظهر أن لغته الأم ليست الفارسية. لا أدري
هل كانت لغة الأم لدى بيدل هي الفارسية؟ كانوا يتحدثون الفارسية في دلهي؟ ... نعم،
على كل حال، أجيبوا أنتم لاحقاً عن هذه الأسئلة؛ و لكن كان يتحدث الفارسية بكل هذه
الطلاقة.. بحر من العرفان. مكان هذه الأحوال خالٍ في أشعار شبابنا اليوم. و هي ليست
بالأمور التقليدية. أي لو أراد شخص تقليد عبارات حافظ أو عبارات مولوي أو عبارات
بيدل بعينها، و ذكر تلك المفاهيم بنفس تلك الألفاظ التقليدية من دون أن يكون قد غار
في أعماقها، فلن يكون للشعر طعم، أو لذة، أو فائدة ينبغي فهم الشيء و تنضيجه في
الذهن، ثم التعبير عنه بلغة الفن والقريحة التي يمنّ الله بها و هي متاحة لكم و
الحمد لله.
ب ــ لانتاج قصائد في قيم الثورة ومبادئها
وفي خصوص القضايا السياسية و الثورية أيضاً اعتقد أنه يجب العمل كثيراً.
هناك الكثير من الأعمال غير المنجزة. قضية الشهيد و الشهادة قضية لا تنتهي و لن
تنتهي في أي وقت من الأوقات و هي مستمرة و الحمد لله. و هناك الأشعار الجيدة التي
نسمعها و الحمد لله في كل مرة نجتمع فيها مع الإخوة و الأخوات، و الأشعار التي
أقرأها في مصادر أخرى، لكن قضايا الثورة لا تنحصر في قضية الشهيد. لدينا الكثير من
المفاهيم الثورية السامية. لقد طرحت الثورة أفكاراً جديدة في العالم، و هذا ليس
بالشيء القليل، و هناك طبعاً الضجيج و اللغو و التعتيم الإعلامي للأعداء ضد الثورة،
و لسنا نتوقع منهم غير هذا. لكن هذه هي حقيقة القضية: جاءت الثورة بشيء جديد أثبت
إلى اليوم أنه لا يموت. لم يستطيعوا القضاء على هذا الشيء مهما فعلوا، بل انتشر
أكثر و ترسخ و تجذر أكثر يوماً بعد يوم و تحدى القوى الكبرى و أحبط ضغوطها. لاحظوا
أي شعب في العالم، و أي بلد، و أية حكومة في العالم اليوم بوسعها الوقوف بصراحة
أمام شعارات الاستكبار و أهدافه العدوانية التوسعية، باستثناء شعب إيران؟ ليس ثمة
أي شعب آخر، و لا أية حكومة أخرى. و ما هذا إلا بفضل هذه الرسالة. هذه المتانة التي
أحرزتها بنية هذا النظام ببركة هذه الرسالة لا يمكن الاستهانة بها. هذا شيء على
جانب كبير من الأهمية. ينبغي إيصال هذه الرسالة. إنها رسالة العدالة.. إنها رسالة
المعنوية. إنها رسالة تكريم الإنسان بالمعنى الحقيقي للكلمة، و ليس التكريم
الأمريكي الغارق في الكذب و الدجل. هذه رسائل مهمة جداً، و يجب نقلها بصورة صحيحة،
و كما ذكرت لا يمكن استنساخ أي منها، و لا فائدة من تكرارها بطريقة ببغاوية. أي يجب
فهمها و إذابتها في الذهن و من ثم نقلها. ثروة الشعر العظيمة - و هي ثروة وطنية
باقية - ينبغي إنفاقها في هذه السبل. أنا طبعاً لا أوصي أبداً أي شاعر بأن لا ينظم
شعر الحب. واضح أن هذا غير ممكن. لكل شاعر على كل حال ميوله الذوقية الطبيعية. لكن
بوسعي أن أوصي بالحذر من الإفراط في هذا الجانب فلا تملأ هذه المضامين الفضاءات
الذهنية للشعر كلها، و لا يخرج مضمون الحب عن هالة حيائنا الإيراني - الإسلامي، و
لا يشيع الشعراء الشعر الإباحي كما أراد الأعداء دائماً. لتنظم قصائد الحب، لسنا
جافين إلى درجة أننا لا نحب مثل هذا الشعر، و لا متجمدين إلى درجة أننا لا نفهم مثل
هذا الشعر؛ بلى نفهمه، و يروقنا، و لكن يجب أن لا ننفق هذه الثروة الوطنية على هذا
الغرض الشعري فقط. إنها ثروة عظيمة جداً. لكن الوضع كان هكذا في الماضي و عمل
الكثيرون على هذه الشاكلة و تحليل ذلك يقتضي الكثير من الوقت.