النظافة
آداب إسلامية
لا يختلف عاقلان في أن طبع النظافة طبع مجبول في داخل النفس الإنسانية التي تحمل فطرة بيضاء نقية، لم تتلوث بأسباب الفساد الخلقي، فإن العقل يعتبر النظافة من الأمور الخيِّرة في الإنسان والإنسان بفطرته محب للخيريقول الله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ...
عدد الزوار: 90
الإسلام والنظافة
لا يختلف عاقلان في أن طبع النظافة طبع مجبول في داخل النفس الإنسانية التي تحمل فطرة بيضاء نقية، لم تتلوث بأسباب الفساد الخلقي، فإن العقل يعتبر النظافة من الأمور الخيِّرة في الإنسان والإنسان بفطرته محب للخير يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾(العاديات:8)، كما أن المجتمعات الإنسانية تشير بأصابع الاستحقار والازدراء لمن لا يتحلى بالنظافة، وهذا ما يراه كل من الناس في داخله، فحب النظافة أمر فطري يحث عليه العقل ويجعل المتحلي به محبوباً بين الناس.
ولكن ما هو رأي الدين الإسلامي الحنيف في مسألة النظافة العامة؟
وهل اعتبرها أمرا ثانويا وغير مهم؟، أم أنه اعتبرها ضرورة؟
وهل في الإسلام ادابٌ للنظافة ينصحُ بها المسلم؟
سنحاول أن نجيب على هذه الأسئلة المهمة في الصفحات المقبلة إن شاء اللَّه تعالى.
إن الدين الإسلامي الحنيف، هو دين الفطرة وبالتالي فإن جل الأحكام التي أتى بها توافق الفطرة السليمة ومن هنا أولى الدين الإسلامي مسألة النظافة اهتماما خاصاً، حتى أن بعض الأحاديث الشريفة جعلت النظافة من الأمور التي بني عليها الإسلام، ففي الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "تنظفوا بكل ما استطعتم، فإن اللَّه تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف"1.
وفي حديث اخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الإسلام نظيف فتنظفوا، فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف"2.
وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ما يحث أمته على النظافة، ويأمرهم بها، ومن المحفوظ عنه في ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يبغض الرجل القاذورة فقيل: وما القاذورة يا رسول الله؟ قال: الذي يتوقف3 به جليسه"4.
كما أن الدين الإسلامي أمر بالنظافة فإن كل الأنبياء عليهم السلام أمروا الناس بها ففي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: من أخلاق الأنبياء التنظف5.
أثر النظافة على المسلم
بعد أن عرفنا رأي الإسلام في النظافة واهتمامه بها، من خلال الأحاديث الشريفة، نعلم أن الدين الإسلامي العظيم أراد للإنسان المؤمن أن يكون متميزاً من حيث مظهره الخارجي بحيث يعطي الانطباع الملفت للنظر الى اهتمام الإسلام بشؤون الحياة الفردية للإنسان.
فكما أراد الإسلام تميز المسلم من خلال المظهر أراد أيضاً أن يبعده عن مواضع الانتقاد أو الاحتقار، الذي تسببه القذارة، لأن المجتمعات الإنسانية بشكل عام تحتقر الإنسان المتقذر وتنفر منه، وإن الأمم التي يكون حالها التقذر لا محالة سائرة إلى الهلاك لأن المتقذر إنسان لا يشعر بالمسؤولية، فلو كان كل المجتمع كذلك فإن الهلاك حليفه الدائم والملازم، ولذا ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "هلك المتقذرون"6.
ماذا ننظف؟
لم يكتفِ الإسلام بأن أمر أتباعه بالاهتمام بالنظافة، بل أرشدهم إلى التفاصيل الخاصة التي ينبغي التركيز عليها في هذه المسألة ومن الأمور التي أكد عليها هذا الدين العظيم:
1- نظافة الإنسان
فلا بد أن يبدأ الإنسان من خلال نفسه فينظفها ومن الأمور التي ورد فيها الإهتمام الخاص:
أ- الأظافر: فقد أولاها الإسلام اهتماماً خاصاً فأمر بقص الأظافر ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: " من السنة تقليم الأظفار"7.
كما أن لتقليم الأظفار فوائد كثيرة واثارا عظيمة ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تقليم الأظفار يمنع الداء الأعظم ويدر الرزق"8.
ومن الاثار المعنوية التي تترتب على إطالة الأظفار ما ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن أستر وأخفي ما يسلط الشيطان من ابن ادم أن صار يسكن تحت الأظافير"9.
كما نبه الإسلام إلى عادة سيئة ونهى المسلمين عنها وهي عادة تقليم الأظفار بالأسنان ففي حديث المناهي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تقليم الأظفار بالأسنان10.
ب- البدن: فإن البدن الذي يفرز العرق ويلاقي الأوساخ في العمل، يستحق أن يحظى بفرصة ليزيل عنه الأقذار، كما أن الناس الذين نجالسهم من حقهم أن لا نؤذيهم برائحة البدن القذر والمتعرق، ففي الرواية الإمام علي عليه السلام: "تنظفوا بالماء من النتن الريح الذي يتأذى به، تعهدوا أنفسكم، فإن الله عز وجل يبغض من عباده القاذورة الذي يتأنف به من جلس إليه"11.
ومن حق هذا البدن أن يكون طاهراً أيضاً من النجاسات ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: طهِّروا هذه الأجساد طهَّركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه ملك في شعاره، ولا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: "اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً12".
ج- الأسنان: ولو أردنا أن نحصي ما جاء من الروايات الشريفة في الأسنان والاهتمام بها ونظافتها للزمنا كتاب كامل، ولكن نشير باختصار إلى بعض الاداب التي وردت في تنظيف الأسنان، فقد ورد الأحاديث الكثيرة التي تأمر المسلمين باستعمال السواك وهو عود كان يستعمل في السابق في تنظيف الأسنان وغالباً ما يكون من شجر الأراك الموجود في الجزيرة العربية ومن هذه الروايات:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من سنن المرسلين السواك13".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"14.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى ظننت أنه سيجعله فريضة"15، أي واجباً من الواجبات الشرعية وفي هذا الحديث تأكيد كبير على استحباب السواك، وليس من الضروري أن يكون السواك من الأراك، إلا أن بعض الروايات عبرت أن أفضل السواك الأراك، ولذا فإن فرشاة الأسنان التي نستعملها في هذا العصر يصدق عليها السواك أيضاً.
فوائد السواك
ورد في الروايات الكثير من الفوائد المرتجاة من السواك ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "في السواك عشر خصال: مطهرة للفم، ومرضاة للرب، ومفرحة للملائكة، وهو من السنة، ويشد اللثة، ويجلو البصر، ويذهب بالبلغم، ويذهب بالحفر"16.
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال: "في السواك اثنتا عشرة خصلة، هو من السنة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي الرب، ويذهب بالغم، ويزيد في الحفظ، ويبيض الاسنان، ويضاعف الحسنات، ويذهب بالحفر، ويشد اللثة، ويشهي الطعام، وتفرح به الملائكة17".
اداب السواك
ورد في الروايات الشريفة أوقات معينة يستحب فيها السواك كما انه ورد النهي عن استعمال السواك في أماكن معينة.
فمن الأوقات التي يستحب فيها السواك هو عند النوم وبعده ووقت السحر ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى العشاء الاخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات، ثم يرقد ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي، ثم قال: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة وقال في اخر الحديث: إنه كان يستاك في كل مرة قام من نومه"18.
كما يستحب السواك قبل الوضوء للصلاة ففي وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أنه قال: "يا علي اوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني ثم قال: أللهم أعنه وعد جملة من الخصال إلى أن قال وعليك بالسواك عند كل وضوء"19.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة"20.
كما يستحب السواك وتنظيف الأسنان والفم عند قراءة القران الكريم ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نظفوا طريق القران، قيل يا رسول الله وما طريق القران؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفواهكم قيل: بماذا؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: بالسواك"21.
ومما ورد في الروايات أيضا أن يتمضمض الإنسان بعد السواك ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من استاك فليتمضمض"22.
ومن الأماكن التي نهت الروايات عن استعمال السواك فيها الحمام وهو مكان الاستحمام والاغتسال، لا بيت الخلاء، ففي حديث المناهي قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن السواك في الحمام23.
2- نظافة البيوت
الأمر الثاني الذي أكد عليه الدين الإسلامي الحنيف هو نظافة البيت وملحقاته ومما أكدت عليه الروايات الشريفة بشكل خاص:
أ- الكنس: فقد أشارت الروايات إلى ضرورة كنس البيوت من الغبار والأوساخ وأشارت إلى أن أثر هذا الأمر أن ينفي الفقر ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "كنس البيوت ينفي الفقر"24.
ب- الجلي: فغسل الأواني التي يتناول فيها الإنسان طعامه أمر ضروري للغاية سواء على المستوى الصحي أو الديني وقد أكدت عليه الأحاديث حيث ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "غسل الإناء وكسح الفناء مجلبة للرزق25".
ج- القمامة: حيث ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تبيتوا القمامة في بيوتكم وأخرجوها نهاراً، فإنها مقعد الشيطان"26، كما أنها مقعد الأمراض والحشرات الضارة أيضاً.
د- حوك العنكبوت: فإن الروايات تشير إلى أنه بيت الشياطين كما أنه يورث الفقر ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "بيت الشياطين من بيوتكم بيت العنكبوت"27.
وعن الإمام علي عليه السلام: "نظفوا بيوتكم من حوك العنكبوت، فإن تركه في البيت يورث الفقر28".
ه- الثياب: فإن الثياب النظيفة، أمر لا يختلف اثنان في أهميته وأثره على النفس والمجتمع، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "النظيف من الثياب يذهب الهم والحزن، وهو طهور للصلاة29".
*مظهر المؤمن، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، آب 2005م، ص7-22.
1- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3303.
2- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3303.
3- الظاهر انها تصحيف من يتأفف كما ذكر الميرزا النوري في كتابه مستدرك الوسائل، جزء 3، صفحة 236.
4- مستدرك الوسائل الميرزا النوري، ج3، ص 236.
5- سنن النبي (ص) السيد الطباطبائي، ص154.
6- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
7- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص132.
8- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص 131.
9- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص 132.
10- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص 134.
11- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
12- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
13- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص 5.
14- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص 7.
15- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص 9.
16- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص 7.
17- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص8.
18- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص20.
19- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص16.
20- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص17.
21- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص22.
22- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص18.
23- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج2، ص25.
24- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
25- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
26- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
27- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
28- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3302.
29- ميزان الحكمة محمدي الريشهري، ج4، ص3303. 2013-01-31