ليعتني المعلمون بقضايا التربية عنايتهم بالتعليم
وصايا القائد
ليعتني المعلمون بقضايا التربية عنايتهم بالتعليم
عدد الزوار: 165
من كلمته
في لقاء المعلمين بمحافظة فارس 01/05/2008
ليعتني المعلمون بقضايا التربية عنايتهم
بالتعليم
القضية الأخرى قضية الأنشطة التربوية التي أشرنا إليها. من أفضل
التقاليد التي سُنَّت في هذا البلد بعد الثورة - كان المرحوم الشهيد باهنر رحمة
الله ورضوانه عليه مؤسسها - هي المعاونية التربوية. وقد ألغاها البعض بذرائع معينة،
ولا نريد النظر للقضية بظن سيئ، لكنه كان ذوقاً سيئاً على كل حال. ألغوا هذا المركز
المختص بالأنشطة التربوية بحجة أن التربية يجب أن تتم من قبل المعلمين وبشكل متنوع
في صفوف الدرس وليس بشكل منفصل. نعم، أنا أيضاً أرى هذا. أرى أنكم رغم كونكم معلمين
تدرِّسون الفيزياء، أو الرياضيات، أو الهندسة، أو الأدب، أو العلوم الاجتماعية، أو
أي شيء آخر، بوسعكم أن تكونوا أيضاً معلمي دين وأخلاق ومربين أخلاقيين لطلابكم.
أحياناً قد يقول معلم الرياضيات أثناء حل جدول رياضي كلمةً تترك أثراً دائماً في
أعماق فؤاد الطالب. هذا ما ينبغي أن يعتبره الجميع واجبهم. وأقول لكم أيها الأعزة
الحاضرون هنا ولكل المعلمين مهما كنتم تدرِّسون: لا تغفلوا عن أن التربية أيضاً من
واجبكم، وما أفضل من أن توظفوا نفوذ المعلم والتأثير الروحي للمعلم على المتعلم
وتنوّروا قلوب طلابكم. كلمة عن الله، وكلمة عن الرسول، وكلمة عن القيامة، وكلمة عن
المعنوية والسلوك إلى الله ومحبة الله إذا صدرت عنكم بوصفكم معلم رياضيات، أو معلم
أدب، أو معلم الصف الأول أو الثاني الابتدائي، قد تمنح شخصية الطفل أو الحدث أو
الشخص الذي يسمعكم شكلاً حسناً بتأثير أكبر بكثير من مائة ساعة من الكلام بأشكال
أخرى. هذا شيء محفوظ في موضعه وهو واجب، لكنه لا ينفي أن يكون لنا في التربية
والتعليم قسم يهتم بنحو ملتزم ومسؤول بقضايا التربية.
• التعليم من دون تربية ضياع للأجيال
لأننا نعلم أن التعليم من دون التربية لن يؤدي إلى النتيجة المرجوّة.
التعليم من دون التربية تنـزل بالمجتمعات الإنسانية ذات الويلات التي بدأت
المجتمعات الغربية الآن تشعر بها بعد مرور مائة أو مائة وخمسين سنة أو أكثر. هذه من
الظواهر التي لا تتجلى تبعاتها بعد عشرة أعوام أو عشرين عاماً: تفتحون عيونكم فجأة
فترون أن جيلاً بكامله قد سُحق ولا يمكن إنقاذه. لدي حول هذا الموضوع معلومات وافرة
وإحصاءات مفزعة لا مجال لذكرها الآن، وقد ذكرتها في مناسبات معينة، اعترافات صريحة
وحاسمة. لا يُظن أن هذا كلام نجلس هنا ونقوله عن بعد. لا،؛إنه كلامهم هم. تحذيرات
يطلقونها هم لأنفسهم. لقد حدث هذا في الغرب وهو السيل الذي يهدم البيت من أساسه.
هكذا هو العلم من دون التربية. حينما يتقدم العلم في مجتمع يفتقر إلى التربية،
ستكون النقطة الأساسية ضياع الجيل الإنساني، ناهيك عن القنبلة الذرية، والأكدار
السياسية المتنوعة، وصنوف الكذب والدجل، والأنانيات الاقتصادية للكارتلات والطبقات،
فلكل هذه الظواهر حكايتها المستقلة الناجمة بدورها عن هذا السبب. إذن قضية الأمور
التربوية مهمة جداً، وعلى شكل معاونية ومؤسسة قوية ورصينة وكفوءة.
في أساليب التعليم: لاعتماد محورية
التفكير بدلا من محورية الذاكرة
من الأمور التي تعلمناها قضية التربية والتعليم. كان لديهم
أساليب جيدة في التربية والتعليم وتعلمناها منهم. المدارس الابتدائية كانت أفضل من
الكتاتيب؛ الابتدائية والثانوية وهذه التقسيمات كانت جيدة ومفيدة ونحن لا نرفضها؛
ولكن بأي مقدار وكيف وبأي توجه؟ هذا ما لم نتفطن إليه وأخذنا الأمور دون تمحيص.
قالوا لتكن ستة صفوف بهذا النحو وستة صفوف بذاك النحو فأخذنا عنهم هذه الصيغة. بعد
ذلك غيروا أسلوبهم فكان لديهم خمسة صفوف، فثلاثة، و... الخ فأخذنا عنهم هذا أيضاً.
هذا غير صحيح. كانت لديهم كتب مدرسية قالوا اعتمدوها فاعتمدناها وتراكمت علينا.
أسلوب تنظيم التربية والتعليم من حيث الشكل والمضمون أسلوب مقتبس تماماً. هذا غير
صحيح. ينبغي أن ننظر ونرى ماذا نحتاج وأين هي مواطن النقص والخلل في هذا الأسلوب
المعتمد. لهذا الأسلوب عيوبه ومنها محورية الذاكرة بدل محورية التفكير. نظام
التربية والتعليم عندنا يعتمد محورية الذاكرة، وعلى الطلاب أن يحفظوا الأشياء
دائماً.
وأقول لكم بين قوسين إن الذاكرة ليست سيئة للحفظ. لا إشكال أبداً أن يحفظ التلاميذ
ويقرأوا الكتب بكثرة.. هذا شيء جيد لأن هذه المعلومات تبقى. طبعاً، قد لا يفهمون
البعض منها. كنا نذهب لمدرسة ابتدائية تختلف مناهجها عن المناهج المألوفة في
التربية والتعليم. كانوا يعلموننا هناك "كلستان". ولا أزال أتذكر بعض عبارات
"كلستان"وأشعاره منذ ذلك الحين. حينما كنا نقرأ كلستان لم نكن نفهم معانيه، وبعد
ذلك بدأنا تدريجياً نفهم معنى تلك الأشعار والجملات. هذه حالة جيدة. قد لا يفهم
الإنسان بعض الأشياء بدقة، لكن هذه المحفوظات تمهد لنشاط الذهن. المحفوظات جيدة.
لكن محورية الحفظ حالة سلبية. ينبغي أن يكون التفكير هو محور الجهد والسعي حتى لو
ترافق مع الحفظ. هذا خلل كبير ينبغي إصلاحه.
من الذي سيصلح هذا إن لم نصلحه نحن اليوم؟ لقد ولت فترة الاستحالة الثقافية، وفترة
التغريب على حد تعبير المرحوم آل أحمد، وفترة الحيرة والانبهار حيال مظاهر الحضارة
الغربية. لقد ظهرت لنا ولكثير من سكان العالم اليوم بواطن ذلك الوجه الزاهي البراق
المزين الممكيج بشدة؛ اتضحت لنا مواطن قبحه ونقصه ودمامته. نعلم اليوم أشياء كثيرة
لم نكن نعلمها قبل خمسين سنة. الشعب الإيراني اليوم على معرفة بكثير من هذه
الحقائق.
ينبغي أن نقوم بهذا اليوم. من الذي يجب أن يقوم به؟ المسؤول الرئيس هو التربية
والتعليم. وأقول لكم طبعاً: صحيح أنهم شكلوا لجنة في التربية والتعليم ومن الضروري
أن تنهض التربية والتعليم بذلك، ولكن - يا مسؤولي التربية والتعليم - الأصل هو
نتائج بحوث الخبراء. لا تحرموا أنفسكم إطلاقاً من الخبراء في المجلس الأعلى للثورة
الثقافية أو المؤسسات الأخرى. استفيدوا منهم وقدموا لشعب إيران وأجيال المستقبل
مشروعاً مدروساً ناضجاً يكون لكم من الباقيات الصالحات. هذه نقطة أعتقد أنها مهمة
جداً.
التعليم ليس مقدمة للجامعة بالضرورة: بلدنا يحتاج لشتى
أنواع الكفاءات
وأريد أن أقول من جهة أخرى: كما أن التربية والتعليم مسؤولة عن تخريج
أفراد متعلمين وكفوئين على كافة المستويات، فمن الخطأ التصور أن التربية والتعليم
هي بالضرورة مقدمة للجامعة. لا؛ البعض يربطون دنياهم وآخرتهم بالدخول إلى الجامعة.
سمعتم أن بعض الشباب ممن يرسبون في امتحان قبول الجامعات قد يلحقون الأذى بأنفسهم،
أو يصابون بالاكتئاب، أو يعنّفهم آباؤهم وأمهاتهم. لا يا سيدي: الجامعة طريق
التنمية العلمية والبحث العلمي، حسناً جداً، هذا شيء ضروري للبلاد. تعلمون أنني من
دعاة نشر العلوم وتعميقها ومن المصرِّين على هذا المعنى، لكن هذا لا يعني أننا لا
نحتاج إلى بائع جيد، وسائق جيد، وكاسب جيد، وتقني جيد. نحتاج على كافة مستويات
البلد إلى رجال ونساء لم يلتحقوا بالجامعات ضرورة، لكنهم بحاجة لتعليمات التربية
والتعليم. إذن ليست التربية والتعليم مجرد مقدمة ينتقل منها الطلبة إلى الجامعة.
لا، الجامعة مرحلة جيدة جداً وضرورية، بيد أن دائرة التربية والتعليم أوسع من
الجامعة بكثير. ينبغي أن تتركز هممكم على تنشئة أشخاص في التربية والتعليم يتمتعون
بالحد اللازم من الثقافة والعلم، ويكون للإنسان أينما عمل واشتغل هذا الحد من
الثقافة والعلم. والبعض لديهم القابلية والشوق فيلتحقون بالجامعة، والبعض لا
يلتحقون أو لا تتوفر لديهم الرغبة أو القابلية.
طبعاً هذا بمعزل عن قضية مراعاة العدالة. هناك ينبغي أن نتصرف بطريقة تكرس العدالة.
بمعنى أنه لو كان ثمة شخص لديه الرغبة والاندفاع والموهبة لكنه لا يمتلك الإمكانات
المادية، فعلينا مساعدته كي يستطيع الالتحاق بالدراسة. هذه هي العدالة. أي ينبغي
توفير الفرص للجميع. ذات مرة قلت - على المألوف - لشاب لم ينه دراسته: لِمَ لم تنه
دراستك وانتقلت للعمل والكسب؟ فرد بنحو مجمل غير واضح، لكنني أصررت عليه بعض الشيء
- وقد كان يعمل في مهنة جيدة - فقال لي بلهجته المشهدية: إن هذه المهنة تجري في
دمي. إذا كانت مهنة البيع في دمه فليذهب ويمارس البيع. ما الضرورة لأن يلتحق
بالجامعة. ما معنى إصراري لو أصررت عليه أن يلتحق بالجامعة؟ هذه هي النظرة الصائبة
للقضية.