كلمة الإمام الخامنئي دام ظله عند لقاء مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية ــ الزمان:ــ 7/8/2011م.
تفكر ساعة
خير من سنة عبادة
يقول المرحوم الحاج ميرزا جواد الملكي التبريزي العارف المعروف والمشهور
والفقيه الكبير في كتابه الشريف المراقبات:"إنّ الصوم
هدية إلهية منّ الله تعالى على عباده وعلى المؤمنين بها". وبحسب تعبيره:
"الصوم ليس تكليفاً بل تشريف، يوجب شكراً بحسبه". فهذا التوجّه إلى فريضة الصوم
التي هي تكريمٌ إلهي للعباد يستوجب بحدّ ذاته شكراً. ثمّ يذكر فوائد عديدة للجوع
والعطش ممّا يلزم المؤمنون أنفسهم به في شهر رمضان وهي مستفادة من الروايات ونابعة
من القلب النوراني لهذا الرجل الجليل. ويقول إنّ هذه الخاصية أهمّ من الجميع. إنّ
هذا الجوع والعطش يمنح القلب صفاءً و يكون أرضية مساعدة للتفكّر حيث إنّ
" تفكّر ساعة خيرٌ من عبادة سنة ". وهذا التفكّر
هو نوع من المراجعة والرجوع إلى الباطن والروح والقلب فيؤدّي إلى ظهور الحقائق
بوضوح، ويفتح باب الحكمة على الإنسان. فيجب الاستفادة من هذا.
أ ــ العمر رأسمال الإنسان
فلنفكّر في أعمارنا. فالعمر هو الرأسمال الأساس لكلّ إنسان. إنّ جميع
الخيرات تتحقّق بواسطة العمر، هذه الساعات التي تمرّ علينا هي الرأسمال الذي يمكنه
أن يمنح الإنسان السعادة الأبدية والجنة الباقية. وعلينا أن نفكر بشأن هذا العمر
وننظر إلى انقضائه. فتصرّم ساعات حياتنا وأيام وليالي أعمارنا، ينبغي أن يكون
محسوساً عندنا. فلنتوجّه إلى تصرّم الزمان وانقضائه ؛ فالعمر ثلجٌ والشمس شمس تمّوز
وها هو الرأسمال يقلّ لحظة بلحظة في حين أنّ هذا الرأسمال هو كل ما لدينا من أجل
كسب سعادة الآخرة، فكيف نصرفه وفي أيّ طريقٍ نقضيه؟
ب ــ كل نفس ذائقة الموت
التفكّر بشأن الموت وعبور هذا العالم ولحظة خروج الروح من هذا البدن
وملاقاة ملك الموت: كل هذه أمور حتميّة لكلّ واحدٍ مناّ. كلّ نفسٍ ذائقة الموت،
فكيف سيكون حالنا في تلك اللحظة؟ وكيف سيكون حال قلوبنا عندها؟ فكلّ هذه مسائل
جديرة بالتدبر والتأمل. إنّ التفكّر في مثل هذه الأمور يُعدّ من التفكّر المطلوب
والأساس والضروريّ.
ج ــ غنى الأدعية بالحقائق والمعارف
وهناك مجالٌ آخر للتفكّر هو هذه الأدعية. فإنّ المضامين التي تحتويها
هذه الأدعية المأثورة فائقة الأهمية. وفي كتاب المراقبات يقول: "إنّ الحقائق
والمعارف التي وصلتنا في الأدعية عن المعصومين ^ لا يوجد عُشرٌ منها في جميع
الروايات والخطب التي وصلتنا عنهم (ع)، ما خلا تلك الروايات والخطب التوحيدية ".
فهذه الأدعية تتمتع بأهمية فائقة.
زينة المتقين
وها أنا أتعرّض لمقطعٍ من دعاءٍ لفت نظري؛ أعرض لجمل منه خلال عدّة
دقائق، فيكون تكراراً بالنسبة لمن سمعه سابقاً وتذكيراً للذين لم يسمعوه؛ وهو
الدعاء العشرون من الصحيفة السجّادية والمعروف بدعاء مكارم الأخلاق.
في بداية هذا الدعاء يقول عليه السلام: "اللّهم صلّ على
محمّد وآل محمّد وحلّني بحلية الصالحين وألبسني زينة المتقين"، فيطلب من
الله أن يجعله من عباده الصالحين والمتّقين؛ ثمّ يذكر بعدها خصائص للمتّقين نتعلّم
منها ما ينبغي قوله إذا طلبنا من الله أن يفيض علينا بحلية المتّقين وزينتهم. ففي
أيّ شيءٍ نحصل على زينة المتّقين وحلية الصالحين ونقترب منهم؟ في العادة، عندما
يأتي الحديث عن التقوى، فإنّ ما يتبادر إلى الذهن هو اجتناب المعاصي الفردية
بالإضافة إلى القيام بالعبادات وأمثالها وهي باليقين كذلك ولا شكّ فيه ولكن الإمام
السجّاد عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع يذكر 22 مطلباً في ذيل هذه الفقرة
تُوجّهنا إلى أبعادٍ جديدة من معنى التقوى ومفهومها ومصداقها.
"وألبسني زينة المتّقين"؛ في هذه الأشياء :
الأول "في بسط العدل"، فنقوم بإقرار العدالة في المجتمع؛ العدالة القضائية، العدالة
بمعنى تقسيم الثروات الحيوية للبلاد بين الناس، العدالة بمعنى التوزيع الصحيح
للفرص. فالتقوى التي تُتوقّع منّا مبنية على هذه الأبعاد.
"وكظم الغيظ"؛ أحياناً قد يكون أحدكم إنساناً عادياً ويُعدّ كظمه لغيظه تجاه أحد
إخوته في الدين أو أحد أفراد أسرته أو أحد العاملين معه من الأمور التي لها فضيلة
كبيرة، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ)1. وأحياناً يكون أحدكم مسؤولاً اجتماعياً وله
موقعية معيّنة، فحركته وفعله وتركه وقوله وعمله تؤثّر في المجتمع ككلّ؛ في مثل هذه
الظروف لا يكون غضبه كغضب أيّ إنسانٍ عاديّ. قد نغضب على إنسانٍ أو تيّارٍ معيّن
ونتفوّه ببعض الكلمات فيكون لمثل هذا الغضب آثار لا تتشابه أبداً مع آثار الغضب
العادي الذي يصدر عن إنسانٍ يتعرّض على سبيل المثال بالضرب لشخصٍ آخر. إنّ كظم
الغيظ يعني أن نُخمد غضبنا ولا نتصرّف بناءً عليه. من الممكن أن تكونوا مخالفين
لأحدٍ ما أو لتيّارٍ ما أو مجموعة معيّنة فهنا يكون الاستدلال أو المنطق هو الحاكم،
فإذا امتزج هذا الاستدلال والمنطق بالغضب فإنّه يهدم عملكم؛ فيحصل التجاوز للحدود
ويقع الإسراف، (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَ) 2 ، الإسراف يعني تجاوز الحدّ.
"وإطفاء النائرة " إنّ من لوازم التقوى في العمل إطفاء النيران. إنّ هذا الإشعال
والمراد منه هذه النيران الناجمة من الاختلافات بين الجماعات والفرق والأجهزة هو
بحكم إشعال النيران. فينبغي أن ينصبّ سعي الجميع على إطفائها. فلا يجوز أن نصبّ
عليها البنزين ونشعل النيران. فما كنّا نوصي به تكراراً ومراراً أصدقاءنا
والمسؤولين ومن له منبر ومن ينعكس موقفه وكلامه على المستوى العام أو ضمن قطاع داخل
البلد هو أن تراقبوا وتضبطوا كلماتكم وألسنتكم ومواقفكم وتصريحاتكم، كل ذلك من أجل
هذا.
فأحياناً لا يكون تصريحٌ ما مخالفاً لإطفاء النائرة فحسب، بل مشعلاً لها. إنّه ليس
إطفاءً بل ضدّ الإطفاء.
"وضمّ أهل الفرقة "، أولئك الذين ينفصلون عن جماعات المسلمين وينعزلون عن جماعات
البلد اسعوا لتقريبهم وضمّهم. وأولئك الذين هم في وسط الطريق أوصلوهم إلى المقصد
المطلوب. فلا ينبغي أن نكون بسلوكنا وعملنا وتصريحاتنا ومسلكنا ممّن يودي بمتوسطي
الإيمان إلى أن يُصبحوا فاقدين للإيمان بالكامل، أو أن نجعل أولئك الذين لديهم شبه
ارتباطٍ بالنظام على قطيعة تامّة معه. فلنفعل عكس ذلك ولنجذب من كان وسط الطريق.
فهذه من مصاديق التقوى وشعبها.
"وإصلاح ذات البين"، فلنصلح ما يكون بين الناس من اختلافات.
"وإفشاء العارفة وستر العائبة"؛ ولننشر ونفشِ النقاط الإيجابية والجيّدة بشأن
الأشخاص. إذا كنتم تعرفون أمراً جيداً عن مسؤولٍ أو شخصٍ ما فأظهروه وتحدّثوا عنه،
وفي المقابل، إذا علمتم عنه شيئاً سلبياً فلا تفشوه. وعدم الإفشاء لا يعني أن لا
ننهى عن المنكر؛ كلا، بل علينا أن نخبر من نحمل عليه إشكالاً ما، ولكنّ إفشاء هذه
الأشياء لا مصلحة فيه. وفي هذا المجال يوجد الكثير من الكلام. هذا قسمٌ من هذا
الدعاء، وفيه 22 مسألة تعرّضت إلى ستّ منها بشكلٍ مجمل. فلنوجّه قلوبنا نحوها،
ولنطلب من الله سبحانه وتعالى : "ألبسني زينة المتقين". آخر الأمر إنه لا بدّ لنا
من ذلك. وكذلك الصوم الذي ورد في القرآن الكريم،
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)3 فقد فرض الصوم من أجل أن نصبح من
المُتّقين. وهذه الموارد من موارد التقوى. هذا هو القسم الأول الذي تعرّضنا له.
1- سورة آل عمران، الآية 134.
2- سورة آل عمران، الآية 147.
3- سورة الأنعام، الآية 153.