يتم التحميل...

مسؤوليتكم تقديم الخدمات للناس بعيدا عن المكاسب المادية والأغراض الشخصية

وصايا القائد

مسؤوليتكم تقديم الخدمات للناس بعيدا عن المكاسب المادية والأغراض الشخصية

عدد الزوار: 110

من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في الاجتماع العام لمسؤولي السلطة التنفيذية في البلاد. الزمان: 9/4/1386هـ. ش ـ 15/6/1428هـ.ق ـ 30/6/2007م.
مسؤوليتكم تقديم الخدمات للناس بعيدا عن المكاسب المادية والأغراض الشخصية
إنّ أول ما أريد قوله لهذا الجمع المحترم، هو: أنّ بأيديكم فرصة قيّمة، فاغتنموها للتقرّب إلى الله، والعبادة، وتكامل الذات، وأداء الواجب الذي سيكون ذخراً لنا, وستبيّض به وجوهنا عند الله تعالى في ذلك اليوم الذي سيرنو فيه الإنسان إلى حياته الدنيوية تغمره الحسرة باحثاً عن متاع مدّخر، وهو يوم القيامة.

إنّ من الواجب اغتنام هذه الفرصة على نحوين:
أولاً: إنكم تملكون إمكانية تقديم الخدمات للناس، ونحن فيه شركاء.

لقد كان بوسعنا أن نبقى طلبة ونظل قابعين في ركن من زوايا الحوزة العلمية قانعين بالقيام بعمل بسيط، وكان بمقدورنا أن نكون معلمين ومدرسين، أو أن نكون موظفين في إحدى المؤسسات الثقافية نتحرك في إطار دائرة محدودة ، ولكننا الآن ـ أنا وأنتم ـ قُدّر لنا أن نكون ضمن مجموعة مسؤولة عن مصير هذا البلد.

إنّ هناك بوناً شاسعاً بين هذا العمل وبين أن ينخرط المرء في عمل شخصي محدود مع كونه مفيداً.

لقد قُدّر لهذه المجموعة من الحضور أن يكون بين يديها مصير هذا البلد، ومصير هذا الشعب، بل ويمكن القول مصير العالم الإسلامي؛ نظراً لما يحظى به هذا البلد وهذا الشعب من أهمية بالغة، فهذا هو قدر هذه المجموعة أو قدر المسؤولين في النظام الإسلامي.

إنّ علينا جميعاً، وحيثما كنّا، أن نقدّر أهمية ذلك.

إنّ هذه الفرصة لن تبقى دائماً في يدنا، فنحن اليوم هنا، وأما غداً فلربما كنّا منشغلين بعمل آخر، أو كنّا قد رحلنا عن هذه الحياة الدنيا.

إنها إذاً فرصة ثمينة، حيث يتم القيام بإنجاز كبير على يد كل فرد في هذه السلطة التنفيذية في نظام الجمهورية الإسلامية. فعليكم باغنتام هذه الفرصة.

وثانياً: فإننا ولحسن الحظ نشهد وضعاً استثنائياً لم نشهد له مثيلاً طوال السنوات الماضية. وهذا الوضع يعتبر استثنائياً بالنظر إلى أنّ الشعارات المبدأية للثورة باتت تمثّل محور جميع البرامج والخطط والتحركات والسياسات في هذا البلد، وهو ما يضفي المزيد من الأهمية على كونكم تتمتعون بفرصة إمكانية تقديم الخدمات للمواطنين وكونها فرصة نادرة.

ربما كان البعض يتصور خلال السنوات القليلة الماضية أنه قد فات الأوان على تطبيق الشعارات الأصلية للثورة، بما في ذلك رفعة الإسلام، وقضية العدالة، ومكافحة الاستكبار، وبذل الجهود للتغلب على الفقر وخلاص المستضعفين من الاستضعاف، ولم يكن هذا تصور الأجانب والحاقدين فحسب؛ بل كان أيضاً تصور حتى بعض المخلصين للثورة، وبعض الملتصقين بها!

لقد كانوا على خطأ، وكان واضحاً أنهم على خطأ، وكنّا نعلم أنهم على خطأ، حيث اتّصف البعض بالوقاحة وتجرّأ على قول ذلك وكتابته. ولكن تلك الوقاحة كانت تُضني القلوب.

وأما اليوم فإن لدينا حكومة منتخبة من الشعب تنظر إلى شعارات الثورة على أنها شعارات أساسية وأصولية.

إنّ حوار مفاهيم الثورة الإسلامية أصبح اليوم حواراً شائعاً ومسيطراً، وهذا من الأهمية بمكان. لقد كنت أتوقع ذلك، حيث جئت بشواهد واضحة على أنّ أعداء الثورة الذين يتصورون أنّ بوسعهم جعل صفحة الثورة في طيّ النسيان, وأنّ بمقدورهم سحقها وتجاوزها يرتكبون خطأ فادحاً؛ لأنهم عاجزون عن ذلك، فلقد كنّا على علم بأنهم مخطئون، وهذا ما قلته منذ نحو ثماني سنوات في لقاء مع مسؤولي النظام الإسلامي في نفس هذه الحسينية وهذا المكان ـ والحمد لله ـ ، فإن الشعب الإيراني أبان عن عزيمته وحقق ما كنا نصبوا إليه.

إنّ هذه أيضاً لفرصة نادرة. وإنّ مسؤوليتكم في الوقت الراهن وأنتم تحتلون مثل هذا الموقع، هو الإعلان عن أنّ شعارات الثورة تمثل المبادئ الأساسية لبرامج هذه الحكومة وخططها، وهذا أيضاً من الأهمية بمكان، فاقتنصوا الفرصة.

إنني أقول للسادة الوزراء والمسؤولين بأن مثل هذا الكلام قد تكرر سابقاً، ومع ذلك فإن فرصة لقائي بكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء لم تكن سانحة بما ينبغي لأتحدّث إليكم وجهاً لوجه وأقول: إنّ خدمة المواطنين بهذه الصورة التي ألمحت إليها باختصار تُجلّ وتسمو عن أن تكون أداة لتحقيق الأغراض المادية أو بلوغ المآرب الشخصية.

إنّ علينا الاستفادة من هذه المدة، طالت أم قصرت؛ من أجل التقرّب لله تعالى.

إنّ البعض يستغل مثل هذه الفرص لتوفير الثراء المادي، أو لتأمين مستقبله كما يقولون، أو للرفاهية في الحياة، وليس هذا من الصواب.

إن ّهذا هو ما نهى عنه أمير المؤمنين مالك الأشتر قائلاً: (لا تحسبنَّ ما أوكلت إليك من مسؤولية فريسة تقع عليها بفرائصك ومخالبك طمعاً في إشباع بطنك والترفيه عليك في حياتك)1. كلا، بل إنها فرصة ثمينة للخدمة والعمل وادّخار المتاع الصحيح.

هذا هو لبُّ كلامنا. والحمد لله فإن لدينا في هذه الحكومة تعطّشاً للعمل ورغبةً فيه، كما أنّ لدينا كوادر ما هرة وخبيرة. فهذا الظرف متوفر.

متطلبات البلاد هائلة جراء الإرث الثقيل للحقبة الطاغوتية
البلاد بحاجة لبذل جهود حثيثة لإحراز التقدم
من جانب آخر، فإن البلاد في حاجة إلى متطلبات هائلة. فنحن على كل حال نتحمّل إرثاً ثقيلاً خلّفته لنا الحقبة الطاغوتية الطويلة التي طبعت بصماتها على كل شيء. لقد تركت أثرها على ثقافتنا، وعقولنا، وعقائدنا، ومصادرنا، وجغرافيتنا، ووضعنا الدولي، والتفاوت الطبقي، حيث كان الأثر سلبياً على كل شيء.

إنّ النظام الطاغوتي ظل يعمل خلال سنوات طويلة على تكريس طبقة النبلاء والنخب من ذوي الثراء المادي الفاحش أو النخب العائلية المُقرّبة من البلاط، فقد كانوا يعتبرون البلاد ملكاً لهم دون سواهم، ولم يكونوا يحسبون حساباً للأغلبية المطلقة من المواطنين العاديين، فهذا كان شأنهم ومحور سلطتهم في العصرين القاجاري والبهلوي، حيث كانوا متجاهلين تماماً للطبقات الشعبية المسحوقة، ولم يكونوا يهتمّون بشؤونها إلاّ في الظاهر والبرامج الدعائية والإعلامية، ومع ذلك فقد كانت الحقائق جليّة أيمّا جلاء.

إننا ورثة مثل هذه التركة، ومن البديهي أنّ البلاد تعاني من مشاكل عويصة واحتياجات متراكمة لا حدّ لها جرّاء ماضي السلطات الطاغوتية.

إنني لا أزعم أنّ كل سياساتنا منذ بداية الثورة وحتى الآن كانت جميعها صحيحة وصائبة، فهذا مناقض للحقيقة. ولولا تلك الأخطاء والسياسات المجانبة للصواب لكنّا قد حققنا المزيد من التقدم؛ وهذا ما ساعد على وجود تراكمات متزايدة.

إذاً ـ فخلاصة الأمرـ أنّ بلادنا وأبناء شعبنا في حاجة اليوم إلى بذل جهود حثيثة وحكيمة وشاملة ومدروسة لإحراز التقدم.

إنجاز الأعمال الكبرى يحتاج إلى قرارات شجاعة
إننا نمتلك العوامل المساعدة على التقدم، فهي متوفرة في هذا البلد، كما أنّ إمكانياتنا الذاتية والإنسانية ممتازة للغاية. ونحن بحاجة إلى توظيف هذه الطاقات في المكان المناسب والاستفادة من الخبرات والمهارات المخلصة لوضع البلاد على الطريق الصحيح للتطور المادي والمعنوي كليهما.

إننا بحاجة إلى إجراءات شجاعة. وإنّ من الصفات المتوفّرة في الحكومة الحالية والتي أحمد الله عليها أنّ لديها شجاعة في اتخاذ القرارات. إنه لا يمكن إنجاز الأعمال الكبرى ونحن نعاني من التردد والشك والخوف، والتذبذب، فلابد من التحلّي بالشجاعة والإقدام.

على أنّ الشجاعة لا تعني التهوّر بحد ذاتها، إذ لابد من الدراسة والدقّة والفكر السليم، حتى إذا ما خلصنا إلى نتيجة كان لزاماً علينا الإقدام على التنفيذ بلا وجل أو تذبذب.

{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}2 فهذه الشجاعة ضرورية.

وبالطبع فإن العمل في بعض الميادين يستتبع بعض المشاكل والعقبات، ولكنها أشبه ما تكون بمتاعب حفر آبار عميقة لاستخراج النفط، فالأمر لا يخلو من المشقّة.

إنّ الجميع يتحمّلون كافة هذه المشاكل للتوصّل إلى النفط أو إلى الماء. إنهم يحفرون المناجم للعثور على المعادن والأحجار الكريمة.

إنها مشاكل من هذا القبيل. والآن فإن مشكلة البنزين تعدّ إحدى هذه المشاكل. لقد كان قراراً شجاعاً، وكان اتخاذه صائباً. فعلى المعنيين دراسة القضية بدقّة ومن كافة الجوانب والأبعاد، ثم الاستمرار في التطبيق. لقد قرأت في التقارير أننا ندعم الطاقة بنحو أربعين ألف مليار تومان! فلو استطعنا التقليل من ذلك بالتدريج لكان بوسعنا إنفاق هذه المبالغ الطائلة على بناء المدارس، وتعبيد الطرق، وأمور المواطنين المعيشية، وحل مشكلة البطالة، وليكن إنفاق هذه الثروات الهائلة على السلع التي نستوردها من الخارج بدلاً من إنفاقها على العادم والدخان.

إنّ البعض سيحتجّون. حسناً، فهذه الاحتجاجات موجودة دائماً.

إنّ بعض هذه الاحتجاجات ينبع فعلاً من القلب، وليست جميعاً بالمغرضة. فلابد من إعطاء الناس توضيحات كافية.

إنّ النقد الذي أوجّهه لهذه الحكومة هو قلّة التوضيحات التي تقدّمها للمواطنين، فعلى القائمين بأمر العلاقات العامة في الدوائر المختلفة التوسيع من دائرة نشاطاتهم، ويمكنهم الاستفادة من الصحافة ووسائل الإعلام والتوصّل إلى أساليب إعلامية فاعلة ومؤثرة، فلربما قاموا بالتوضيح، ولكن بلا جدوى؛ لأن الأسلوب لم يكن مقنعاً أو موفّقاً في بيان الحقيقة على ما ينبغي.

إنّ هذا أحد العيوب التي يجب تلافيها، وهو ما سيغتبط به النقّاد المخلصون. وأما البعض الآخر فهم دائماً ينتقدون ويتأفّفون، ونحن باستمرار على خطأ في نظرهم فعلنا أم لم نفعل.

إنهم غالباً ما يأتون بالحجج والأدلة، ويتحدثون بكل ما يرد على خواطرهم، فدائرة التحليلات لا حدود لها. ولكن هؤلاء لا أهمية لهم، فالحقيقة ستكشف عن وجهها الناصع.

وهذا بالطبع لا ينفي أن تكون هناك بعض الانتقادات الموضوعية والايجابية والبنّاءة من قِبَل بعض المخلصين الأوفياء، فلابد من إيضاح الأمور لهم.

2017-03-03