يتم التحميل...

كيف يعلّم القرآن الكريم

مقدمات في التفسير

لا يختص القرآن الكريم في موضوعاته بأمة من الأمم كالأمة العربية مثلا، كما لا يختص بطائفة من الطوائف كالمسلمين بل يوجه خطابه إلى غير المسلمين كما يتكلم مع المسلمين. ودليلنا على هذا الخطابات1 الكثيرة الموجهة في القرآن إلى الكفار والمشركين وأهل الكتاب واليهود وبني اسرائيل والنصارى.

عدد الزوار: 202

القرآن كتاب عالمي
لا يختص القرآن الكريم في موضوعاته بأمة من الأمم كالأمة العربية مثلا، كما لا يختص بطائفة من الطوائف كالمسلمين بل يوجه خطابه إلى غير المسلمين كما يتكلم مع المسلمين. ودليلنا على هذا الخطابات1 الكثيرة الموجهة في القرآن إلى الكفار والمشركين وأهل الكتاب واليهود وبني اسرائيل والنصارى.. احتج مع كل طائفة من هذه الطوائف ودعاهم إلى معارفه الحقة.

القرآن احتج مع كل هذه الطوائف ودعاهم إلى الدين من دون أن يقيد الخطاب بالعرب، فقال لعباد الأصنام: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ2.

وقال لأهل الكتاب: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ3.

كما نرى لم يقل القرآن "فان تاب مشركو العرب" أو "يا أهل الكتاب من العرب" وأمثال هذه الخطابات.

نعم في بدء الاسلام حيث لم تنتشر بعد الدعوة الاسلامية ولم تخرج من اطار الجزيرة العربية كانت الخطابات موجهة إلى العرب، أما من السنة السادسة من الهجرة حيث انتشرت الدعوة وتجاوزت الجزيرة فلم يبق مجال لتوجيه الخطاب إلى أمة خاصة.

وبالاضافة إلى الآيات السابقة هناك آيات أخرى تدل على عموم الدعوة، كقوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ4.

وقوله: ﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ5.
وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ6.
وقوله: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ7.

ومن الوجهة التاريخية نرى أن كثيرا من عبدة الأصنام واليهود والنصارى أسلموا، كما أسلم ايضا جماعة من قوميات غير عربية كسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وأحزابهم.


القرآن كتاب كامل
القرآن الكريم يحتوي على الغاية الأسمى التي يهدف اليها الانسانية ويبينها بأتم الوجوه، لأن الوصول إلى الغاية الأسمى لايمكن الا بالنظرات الواقعية للكون والعمل بالأصول الأخلاقية والقوانين العملية، وهذا ما يتولىشرحه القرآن بصورة كاملة حيث يقول: ﴿يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ8.

ويقول في موضع آخر بعد ذكر التوراة والانجيل: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا9.

وبيانا لاشتماله على حقيقة شرائع الأنبياء يقول: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى10.

وفي احتوائه على سائر الأشياء يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ11.



ومختصر ما في الآيات السابقة: ان القرآن يحتوي على الحقائق المبينة في الكتب السماوية وزيادة، وفيه كل ما يحتاج اليه البشر في سيره التكاملي نحو السعادة من أسس العقائد والأصول العملية.


القرآن كتاب دائم
الفصل السابق يتكفل باثبات أن القرآن الكريم كتاب دائم، وذلك لأن كلاما ما لو صح وتم بصورة مطلقة لايحد بوقت من الأوقات أو زمان من الأزمنة. والقرآن ينص على تمامية كلامه وكماله، فيقول: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ12.

وهكذا تكون المعارف الحقة، حقيقة خالصة وواقع محض، والأصول الأخلاقية والقوانين العملية التي بينها القرآن هي نتيجة تلك الحقائق الثابتة، ولا يتطرق اليها البطلان ولا تنسخ بمضي الأعوام والقرون، يقول تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ13.

يقول تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ14.

ويقول: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ15.

ولايخفى أن أبحاثا كثيرة كتبت حول أحكام القرآن وأنها دائمة لا تختص بوقت من الأوقات، الا أنها خارجة عن موضوع بحثنا الذي نحاول فيه معرفة مكانة القرآن عند المسلمين كما يدل عليها القرآن نفسه.


القرآن مستقل في دلالته
القرآن الكريم كلام كسائر ما يتكلم به الناس، ويدل دلالة واضحة على معانيه المقصودة وليس فيه خفاء على المستمعين.

ولم نجد دليلا على أنه يقصد من كلماته غير المعاني التي ندركها من ألفاظه وجمله.

أما وضوحه في دلالته على معانيه فلأن أي انسان عارف باللغة العربية بامكانه أن يدرك معنى الآيات الكريمة كما يدرك معنى كل قول عربي.

وبالاضافة إلى هذا نجد في كثير من الآيات يخاطب طائفة خاصة كبني اسرائيل والمؤمنين والكفار، وفي آيات منه يخاطب عامة الناس16 ويحاججهم ويتحداهم ليأتوا بمثله لو كانوا في شك أنه من عند الله تعالى. وبديهي أنه لايصح التكلم مع الناس بما لامفهوم واضح له، كما لا يصح التحدي بما لايفهم معناه.

وزيادة على هذا يقول تعالى: ﴿أأَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا17.

ويقول: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا18.

تدل الآية على ضرورة التدبر في القرآن الذي هو بمعنى التفهم والتدبر يرفع ما يتراءى بالنظرة الأولى من الاختلاف بين الآيات ومن البديهي الواضح أن الآيات لو لم تكن لها دلالة ظاهرة على معانيها لما كان معنى للتدبر والتأمل، كما لم يبق مجال لحل الاختلافات الصورية بين الآيات بواسطة التدبر والتأمل.

وأما ما ذكرنا من انه لا دليل خارجي على نفي حجية ظواهر القرآن، فلأننا لم نجد هكذا دليل لذلك الا ما ادعاه بعض من أننا في فهم مرادات القرآن يجب أن نرجع إلى ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ما أثر عنه وعن أهل بيته المعصومين عليهم السلام.

ولكن هذا ادعاء لا يمكن قبوله، لأن حجية قول الرسول والأئمة عليهم السلام يجب أن تفهم من القرآن الكريم، فكيف يتصور نوقف حجية ظواهره على أقوالهم عليهم السلام. بل نزيد على هذا ونقول: ان اثبات أصل النبوة يجب أن نتشبث فيه بذيل القرآن الذي هو سند النبوة كما ذكرنا سابقا.

وهذا الذي ذكرناه لاينافي كون الرسول والأئمة عليهم السلام عليهم بيان جزئيات القوانين وتفاصيل أحكام الشريعة التي لم نجدها في ظواهر القرآن، وأن يكونوا مرشدين إلى معارف الكتاب الكريم كما يظهر من الآيات التالية:

﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ19.
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا20.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ21.
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ22.

يفهم من هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يبين جزئيات وتفاصيل الشريعة وهو المعلم الالهي للقرآن المجيد وحسب ما جاء في حديث الثقلين الأئمة عليهم السلام هم خلفاء الرسول في ذلك. وهذا لاينافي أن يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق في فهمه.

*القران في الاسلام، دار الزهراء عليها السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، ص20-26.


1- وردت هذه الخطابات والإحتجاجات في آيات كثيرة جداً لا نرانا بحاجة إلى سردها هنا.
2- التوبة:11.
3- آل عمران:64.
4- الأنعام:19.
5- القلم:52.
6- ص:87.
7- المدثر:35، 36.
8- الأحقاف: 30.
9- المائدة:48.
10- الشورى: 13.
11- النمل:89.
12- الطارق:14-15.
13- الإسراء:105.
14- يونس:32.
15- السجدة:42.
16- أمثال "يا أيها الذين كفروا" و:يا أهل الكتاب" و"يا بني إسرائيل" و"يا أيها الناس".
17- محمد:24.
18- النساء:82.
19- النحل:44.
20- الحشر:7.
21- النساء:64.
22- الجمعة:2.

2012-09-05