يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء خاص بالأساتذة والفضلاء والمبلغين

2007

التحول سنة إلهية: ضرورة التحول والتغيير في عمل الحوزات العلمية

عدد الزوار: 58

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء خاص بالأساتذة والفضلاء والمبلغين والمحققين في الحوزات العلمية في البلاد.الزمان: 8/9/1386هـ. ش ـ 18/11/1428هـ.ق ـ 29/11/2007م.
التحول سنة إلهية: ضرورة التحول والتغيير في عمل الحوزات العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ هذا الاجتماع مبارك ولطيف جداً يبعث في النفس السكينة والطمأنينة. فقد ذُكر كلام كثير حول ما حققته الحوزات العلمية ـ سواء حوزة قم، أو الحوزات الكبيرة الأخرى كحوزات مشهد وأصفهان ـ من نجاحات في المجالات المختلفة، ومازال هناك الكثير من الكلام الذي يدور في الأذهان حول هذا الموضوع؛ لكن برأيي أن ألطف وأدق وأصدق ما شاهدته وما سمعته هذه الليلة في هذا المجال، هو وجود هذا الجيل الجديد الذي بدأ ينمو ويسمو في الحوزات العلمية، وشاهدنا نموذجاً منه في السادة والسيدات الذين تحدثوا قبل قليل.

فبلا شك سيتمكن هذا الجيل من إنجاز الأعمال العظيمة التي نتوقعها ونأملها من حوزات العلوم الدينية؛ لكن بشرط أن لا تتوقف هذه الحركة، وأن تتكامل وتتقدم يوماً بعد آخر.

إنّ كثيراً من الاقتراحات التي طرحتها طيلة السنوات الماضية حول الحوزة العلمية سواء ما طرحته في الاجتماعات العامة أمام مئات أو آلاف الطلاب والفضلاء والأساتذة، أو ما طرحته في اللقاءات الخاصة مع بعض المسؤولين في الحوزة العلمية أو مع بعض المراجع أو الفضلاء, لم يتحقق حتى الآن، أو تحقق بعضها بصورة جزئية أو أهملت قبل إكمالها.

لكننا مازلنا نشاهد هذه الحركة الدينية والعلمية الفعالة النابعة من بركات الثورة الإسلامية، ويعود الفضل فيها وثوابها الى الروح الطاهرة لإمامنا العظيم، وهذا الموضوع يمثل إنجازاً عظيماً في الحوزات العلمية.

فالكثير من الاصلاحات التي طرحت حول الحوزة لم تتحقق حتى الآن، لكننا رغم ذلك نشاهد نجاحها اليوم في تقديم الطاقات الإنسانية الكفوءة والممتازة الى المجتمع، كما شاهدنا نموذجاً لها الليلة في كلام الأخوة والأخوات الأعزاء، وهو أمر يبعث في النفس السرور والطمأنينة. وشاهدت نموذجاً آخر لهذه الطاقات عند بعض الفضلاء الذين التقيهم بين الحين والآخر، فقبل سنة أو سنتين من الآن شاهدت هذا الأمر أيضاً عند بعض الفضلاء المحققين في مجال العلوم العقلية ـ الفلسفة والكلام والعرفان والمنطق وأمثالها ـ؛ وكذلك لمست هذه الكفاءة عند بعض الفضلاء العاملين في مجال الجامعات.

وهذا أمر مهم جداً؛ أي قدرة الحوزات العلمية على استيعاب وتطوير الطاقات الإنسانية، فهذا ما تقتضيه الظروف الطبيعية والأجواء الحاكمة في هذه الحوزات، لكننا لم نصل حتى الآن الى القدر المطلوب، وإذا ما تمكنا من تحقيق هذا الأمر، فسنجني حتماً بركاتها وثمراتها أضعافاً مضاعفة مما هي عليه الآن. وهذه النقطة الأولى التي أطرحها عليكم.

لقد دونت بعض المواضيع التي رغبت في طرحها عليكم؛ لكني لا أجد الآن ضرورة لذلك؛ لضيق الوقت؛ ولتطرق بعض الأخوة في كلامهم الى الكثير منها؛ وهذا أمر جميل أن تجد هذه الاهتمامات تدور في أذهان الأخوة أيضاً.

لكن مع ذلك سأتطرق باختصار الى ثلاثة مواضيع، حتى لا أطيل عليكم:

تطوير الحوزة يحتاج إلى تخطيط وإلا فمصيرها الركود
الموضوع الأول هو، أن الحوزة العلمية بمثابة كائن حي ذو أبعاض وأجزاء؛ أي له نمو، وتوقف، وحركة ونشاط، وجمود وركود، وله حيات وممات؛ والدليل على ذلك ما نشاهده في تاريخ الحوزة العلمية فمثلاً افترضوا الحوزة العلمية في مدينة الحلة التي برزت ولمع بريقها في القرن السابع الهجري أو أواخر القرن السادس حتى السابع الى أوائل القرن الثامن الهجري واجتمع فيها كثير من العلماء الكبار بعد قدوم الخواجة نصير الدين الطوسي إليها، وقد بلغ عددهم ـ حسب ما أتذكر ـ حوالي العشرين أو الخمس وعشرين عالماً ومجتهداً، منهم المحقق الحلي، ووالد العلاّمة، وابن سعيد صاحب جامع الشرائع ـ يحيى ابن سعيد الحلي ـ وغيرهم؛ هذه كانت حوزة الحلة؛ لكننا لا نجد لها أثراً اليوم.

أما حوزة النجف فبعد لمعان بريقها الأول، تعرضت للركود والأفول فترة معينة، لم تقدم فيها علماء ومحققين بارزين؛ لكنها عادت الى بريقها الأول بعد ظهور تلامذة الوحيد البهبهاني أمثال بحر العلوم وكاشف الغطاء وغيرهم، ممن أعادوا لحوزة النجف هيبتها ورونقها، بحيث استمرت ـ حسب رأيي ـ تستمد من انجازاتهم وتحقيقاتهم رونقها وتقدمها طيلة مائتي سنة.

فقد كان لدقة وعمق مؤلفاتهم الفقهية الأثر الكبير في المحافظة على نشاط وحيوية هذه الحوزة حتى السنوات الأخيرة.

أما حوزة قم، فبعد رونقها السابق، بقت حوزة صغيرة قليلة الأثر والتأثير، حتى جاء الشيخ عبد الكريم الحائري (رضوان الله تعالى عليه)، فاستعادت حياتها وبريقها مرة أخرى. فتطور الحوزات العلمية بهذا الشكل، إذ لا يجب أن ننظر فقط الى ما هو موجود اليوم؛ بل لابد من النظر الى الغد أيضاً؛ وكيف ستؤول الأمور فيه؟ وهذا ما يجب أن تعينوه أنتم اليوم.

فاليوم إذا ما سعى المسؤولون في الحوزة العلمية من مدراء وأساتذة ومفكرين وفضلاء، الى بذل قصارى جهدهم في التفكير والتخطيط للبرامج المستقبلية، فإن الحوزة ستصبح من الناحية العلمية والفكرية وتربية النفوس، أفضل بكثير مما هي عليه الآن.

فإذا لم نتوقع المستقبل من الآن، فليس من المعلوم أن تبقى هذه الحوزة بنفس هذه الامكانيات والامتيازات؛ لأن الكثير من علمائها وفقهائها وفلاسفتها سيرحلون عنها {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} وبالتالي ينبغي تربية شخصيات أخرى تشغل مكانهم وتنجز أفضل من أعمالهم. فإذا ما حصل هذا التخطيط على أكمل وجه، فسننعم حتماً بمستقبل أفضل، أما إذا لم نقم بهذا التخطيط من اليوم في حوزة قم، وظلت راضية بوضعها الحالي؛ وقانعة بأسلوب إدارتها في الوقت الحاضر؛ فإننا غداً إما سنفقد هذه الحوزة تماماً أو سنجدها تسير نحو الأفول والانحطاط.

نحن اليوم نفكر من الآن بالمستقبل الذي نجد فيه بلادنا خالية من النفط، وكيف نتمكن من توفير الطاقة غير النفطية؛ بل من المتوقع نفاذ المصادر النفطية في العالم؛ لذا نرى جميع دول العالم تفكر في توفير الطاقة لمثل ذلك اليوم.

وما تشاهدونه من معاناة تواجهنا اليوم، فإنما بسبب تفكيرنا بتوفير متطلبات حياتنا في المستقبل؛ لأننا إذا لم نفكر من الآن بذلك اليوم الذي تنفذ فيه ثروتنا النفطية؛ فستظهر نتائج سوء عملنا في المستقبل، وسنبقى مسؤولين عن هذا العمل. لذا يجب التفكير في هذا الموضوع في الحوزة العلمية، وعلى جميع المسؤولين في الحوزة، وعلمائها وعلى جميع مراجعنا العظام أيضاً الاهتمام بما ستؤول عليه حوزاتنا العلمية في قم أو اصفهان أو مشهد أو المدن الأخرى في السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة، وماذا سيحصل بعد ثلاثين سنة؟

أي نجد عالماً من المحتمل أن يختلف كثيراً عن عالمنا اليوم، في مجالات التأثير، وتسخير القلوب، وتسخير البلاد واستعمارها. فقبل عشرين سنة لم نكن نسمع بمثل هذا التقدم في المعلومات، بالشكل الذي تحدث عنه الأخ العزيز وشرحه بهذا التفصيل الجيد؛ مما يتطلب منا مواكبة هذه التغيرات!

فلو فكرنا في الماضي بما ستؤول إليه الأمور اليوم، لما بقي خَلأً أو فراغ هذه الأيام؛ فنحن اليوم نجد ـ كما ذكر الأخ العزيز ـ هذا التقدم في المعلومات في كل بيت، وكل مدرسة، وكل مكان في البلاد حتى في القرى؛ فهل تتخلف الحوزة العلمية عن مواكبة هذا التقدم؟

وحاولوا أن تقسوا على ذلك ما سيحصل بعد ثلاثين سنة، وبالطبع بسرعة أكبر. أي أن سرعة التطور العلمي في السنوات العشرين الماضية، تكون حتماً أقل بكثير من سرعة التطور العلمي في السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة.

إذ من الممكن في ذلك اليوم، أن يتمكن أصحاب الأفكار والمدارس الفكرية المختلفة، والفرق الضالة، وأصحاب الأهداف الفاسدة، من السيطرة بسهولة على أفكار أبنائكم في صفوف الدرس في الجامعات والمدارس، وفي داخل بيوتكم، ولن تتمكنوا حينها من مواجهة سيطرتهم.

لذا يجب على الحوزة العلمية أن تفكر في مثله هذا اليوم؛ لأنها المسؤولة عن دين الناس وتدينهم، وكذلك تقع المسؤولية على عاتق رجال الدين الذين يتربون ويتعلمون في الحوزة العلمية.

إذاً، عليكم أن تقيّموا هذه المسؤولية، وتزنوها بالشكل الذي يمكننا من إدراك ثقل المسؤولية التي تقع على عاتقنا.

فهذا ما يتعلق بمسألة التخطيط للمستقبل
ضرورة التحول والتغيير في عمل وإدارة الحوزات

المسألة الأخرى هي ضرورة إدارة عملية التحول والتغيير؛ لأني أيها الأخوة والأخوات قد أكدت سابقاً عدة مرات على حتمية حدوث التحول والتغيير لأنه يمثل طبيعة وسنّة الخلق الإلهي. فلو افترضنا وجود كائن أو موجود لا يتعرض لعملية التحول والتغيير، فإنه لن يخرج عن حالتين: إما سيموت أو سينزوي عن العالم. أي أما أن لا يجد مجالاً للحياة في ظل تغيير وتحول الظروف والأوضاع المختلفة، فتسحقه عمليات التحول والتغيير المتكررة فيموت حينها؛ أو إذا تمكن من البقاء حياً، فإنه سينزوي حتماً، ويعيش حياة إنسان الغابات الذي قرأنا عنه في الصحف مؤخراً، التي تتحدث عن قصة إنسان ذهب قبل أربعين سنة للعيش في غابات مدينة مازندران، فانزوى عن محيطه الخارجي؛ لأنه لم يحتفظ سوى بارتباط ضعيف جداً عن هذا المحيط.

إذاً، يمكن الهروب والابتعاد عن التحول والتغيير، لكنه لن يؤدي إلا الى الانزواء؛ وهكذا الحال بالنسبة للحوزة العلمية فإنها ستنزوي حتماً إذا ما اختارت الابتعاد عن التحول والتغيير، هذا إذا بقيت حية ولم تمت؛ وبالطبع فإن الدين سيمنع موتها، لكنها ستنزوي تدريجياً يوماً بعد آخر.

إذاً، التحول أمر حتمي، لكنه ذو طرفين؛ تحول في الاتجاه الصحيح، وآخر تحول خاطئ؛ لذا يجب علينا إدارة عملية التحول هذه لوضعها بالاتجاه الصحيح؛ وهذا الأمر يعتبر أهم الوظائف الملقاة على عاتق الحوزة العلمية. فينبغي على مدراء الحوزة وفضلائها ومفكريها ومحققيها بذل قصارى جهودهم، لأداء هذه الوظيفة وعدم الهروب من عملية التحول.

وقد ذكر الأخوة ضرورة التغيير في أساليب التعليم والتحقيق، ومناهج التدريس؛ لكن لا تقولوا أنكم كتبتم حول هذا التغيير منذ عشر أو خمسة عشر سنة مضت؛ لأن هذا البرنامج كُتب قبل عشر سنوات، أما اليوم فنحتاج الى تكميل هذا البرنامج. فالتحول؛ يعني التعامل المتناسب مع العصر والزمان، والتقدم وعدم التخلف عن الأحداث والتطورات الحاصلة في العالم؛ وبالطبع فإن الحوزة العلمية في فترة معينة، قد تخلفت قليلاً عن هذه التطورات، وهو أمر طبيعي، لا يتحمل أحد مسؤولية هذا التقصير؛ نظراً لقيام الثورة الإسلامية وسرعة التحولات والأحداث التي حصلت نتيجة لهذا الطوفان العظيم الذي اجتاح المجتمع، مما خلَّف وراءه الكثير من المؤسسات العلمية.

فنحن لا نزال نرى مفكرينا وجامعاتنا، وحوزاتنا العلمية تتخلف عن مواكبة تطور الأحداث والتحولات العظيمة الحاصلة في جميع الأبعاد الاجتماعية والمجالات المختلفة في مجتمعنا، وما تركه من تأثيرات عميقة فيه.

فنحن لا نزال نتخلف عن مواكبة هذا التحول العظيم، والحوزة العلمية لا تزال تتخلف قليلاً عن هذا التحول؛ لكن يمكنها تعويض ما فاتها من خلال المثابرة والجدية والسرعة اللازمة.

فيجب علينا القبول بهذا التحول، والعمل على إدارته بالشكل الصحيح، مع ضرورة الحذر في التعامل معه.

أ ــ منح الحوزة الشهادة العلمية لطلابها
لقد طرح هنا موضوع الشهادة العلمية، وقد كنت منذ البداية من المؤيدين لوجود شهادة علمية مستقلة باسم الحوزة العلمية، ومازلت أؤكد على هذا الموضوع.

فالحوزة العلمية يجب أن تمنح طلابها شهادة علمية تستند الى اعتبار الحوزة وليس الى اعتبار وزارة العلوم؛ لأن اعتبار الحوزة أعمق وأهم وأكثر ثباتاً من اعتبار أي وزارة أخرى.

ولا يهم الاسم الذي يطلق على هذه الشهادة العلمية؛ لأن بعض الأخوة كان يعترض لماذا ترتبكون من إطلاق اسم شهادة الدكتوراه، أو الماجستير عليها، وأطلقتم عليها اسم السطح الثالث والسطح الرابع؛ فأنا لا يهمني البحث في هذا الموضوع؛ لأنه يعود إليكم أن تبحثوا فيه، وتقرروا ما هو الأصلح في هذا المجال؛ لكني أؤيد أصل وجود الشهادة العلمية في الحوزة.

إنّ النفور من وجود الشهادة العلمية، يمثل آفة هذه الشهادة، إذ من العيب أن يدرس الطالب في الحوزة العلمية لأجل الحصول على الشهادة منها؛ وهذا ما يمثل الخط الوسط في عملية التحول، وما يمثل إدارة التحول في موضوع الشهادة العلمية. فلا عيب في منح الشهادة العلمية في الحوزة، لكن علينا الابتعاد عن الحرص على وجود الشهادة العلمية أو معارضة وجودها، فقد كنتُ دائماً أعتبر هذا الموضوع من عيوب التغيرات الجديدة في الحوزة. هذا نموذج للتحول.

ب ضرورة تغيير المناهج الدراسية
المسألة الأخرى التي طرحها الأخوة، هي مسألة المناهج الدراسية، وأنا أؤيد هذا الموضوع، حتى أني بحثت هذا الموضع مع بعض الفضلاء أثناء زيارتي لمدينة قم المقدسة ـ ولا أتذكر متى كانت تلك الزيارة، أحد الأخوة يقول أنها حدثت قبل عشر سنوات، لكني ظننت أنها حدثت قبل ثلاث أو أربع سنوات ـ وعندما طرحنا موضوع تغيير المناهج الدراسية في الحوزة، واجهتنا أيضاً معارضة البعض لهذا الموضوع ـ وبالطبع كنت أعلم بوجود معارضة البعض لهذه القضية ـ لكني اقول بضرورة تغيير المناهج الدراسية، ولا شك في حتمية تغييرها.

وقد دونت هنا الاستدلال الذي ذكره أحد الأخوة، وهو استدلال قوي جداً؛ فقد ذكر أنه إذا كان المفروض عدم تغيير المناهج الدراسية، فلابد لنا دراسة كتاب (المعالم) فقط، ولا توجد حاجة لتأليف كتاب(القوانين)، أو تأليف الكتب الأخرى مثل (الرسائل)، أو(الفصول)، أو (الكفاية).

وهذا الأمر صحيح، وكذلك الحال الآن؛ إذ يجب علينا تغيير المناهج الدراسية، والعمل على جعل الطالب لا يهتم في دراسته سوى فهم الموضوع وليس بفهم العبارة وتفسيرها. فما الفن، أو الفائدة، أو الخير الكامن في موضوع غلق العبارات أو تعمد إغلاقها وتعقيدها، حتى يصرف الطالب معظم وقته على فهمها أو تفسيرها؟

كلا المفروض أن نكتب العبارات ببيان واضح حتى يسهل على الطالب فهمها واستيعاب المواضيع وإدراكها بسهولة، ولا يجد الأستاذ صعوبة في توضيح هذه العبارات، ويقتصر همه على توضيح المواضيع فقط.

فما هو الإشكال في تغيير كتاب الكفاية، وكتابتها بأسلوب جديد؟ كما ينبغي تسهيل كتاب المكاسب الذي يتضمن أسلوب الشيخ الأنصاري في بيان الموضوع، معتمداً على تكرار بحث المواضيع بأسلوب اجتهادي؛ لأنه كان يمثل درس البحث الخارج للشيخ الأنصاري.

لا ينبغي الاستهانة بكتاب المكاسب، لكن من مثل الشيخ الأنصاري كتب في هذا الموضوع؟

لقد ألف كثير من العلماء والفقهاء كتباً حول المكاسب. وما دام قد تم تدوين هذا البحث الخارج وطرحه بشكل كتاب، فإنه مفيد جداً ولكن للطلاب الذين شاركوا في درس الشيخ الأنصاري، حيث كان يدور حول الموضوع، ويطرح الاحتمالات المختلفة حوله، لكنه لا يعتبر كتاباً مناسباً للطلاب الذين يسعون الى تعلم الفقه الاستدلالي من خلال النص.

لذا أؤكد على ضرورة تسهيل كتاب المكاسب وطرحه بأسلوب جديد، بحيث يتضمن عرض آراء الشيخ الأنصاري في كل مسألة من مسائل المكاسب، بدقة ووضوح، مقيدين بشدة بما ذكره الشيخ الأنصاري حول هذه المسألة في كتابه؛ وبالتالي يمكن أن يمثل هذا كتاباً جديداً للمكاسب. هذا رأيي في المسألة، ومن الممكن أن يعارض المسؤولين في الحوزة ومدرائها وبعض الفضلاء، هذا الرأي؛ لكني أؤكد لكم أنه سيأتي اليوم الذي يحدث فيه هذا التغيير.

وهذا يمثل الطرف الأول من القضية.

أما الطرف الآخر من القضية، فإننا عندما نطالب بضرورة إيجاد التحول والتغيير في الإدارة، فهذا لا يعني التقليل من الدرجة العلمية للمواضيع، ولا يعني تنزيل المستوى العلمي للمواضيع التي يطرحها الشيخ الأنصاري، ولا يعني تضعيف المستوى العلمي للمواضيع المطروحة في كتاب القوانين؛ حتى لا يشعر الطالب بخلأ في معرفة المبادئ والعناصر المهمة التي نعتمد عليها اليوم في دراستنا للفقه والأصول؛ بل يجب بيان المواضيع وكتابتها بعبارات صحيحة ولسان عربي بليغ؛ لأني أشعر بوجود هذا النقص عندنا عندما أطالع بعض الكتب والتحقيقات الحوزوية.

فالكتاب العلمي الجيد والذي يطرح على المجامع العلمية الإسلامية باعتباره كتاباً متميزاً، يجب أن يكتب بلغة عربية جيدة، ويكون خالياً من الإشكالات اللفظية واللغوية؛ لأن اللغة العربية تمثل لغتنا العلمية، التي يمكن أن يستفيد الجميع منها.

إذاً، لا يمكن اجتناب التحول والتغيير، وقد ذكرنا موردين لهذا التحول؛ مع وجود الكثير من الموارد الأخرى، التي تحدث الأخوة عن بعضها، والتي تحظى جميعها بتأييدنا؛ لكننا نؤكد مرة أخرى على ضرورة هذا التحول؛ وهذه نقطة أخرى.

ضرورة إدارة التحول بشكل صحيح
والآن نتطرق الى بعض الآراء حول النظام الإداري في الحوزة، وقد اقترح الأصدقاء بعض الاقتراحات مثل: تدوين النظام العام، والقانون العام، والخطة المستقبلية لإدارة الحوزة، وجميعها مقترحات جيدة وصحيحة؛ لكن لا يمكن تحقيق أي واحدة منها بدون وجود إدارة جيدة وكفوءة؛ لأن الإدارة الجيدة تمثل مفتاح جميع الخطوات الإيجابية المنظمة التي يمكن للإنسان أن يتوقع منها نتائج إيجابية.

إذاً، يجب علينا إكمال النظام الإداري في الحوزة، ولحسن الحظ قد تم في السنوات الأخيرة الموافقة على تأسيس الهيئة الإدارية العليا، والإدارات المنبثقة عنها، ولاحظتم فوائد هذا العمل وبركاته. وقد علمت اليوم من كلام الأخوة بوجود أثنى عشر لجنة علمية متخصصة في الحوزة، وهو أمر جيد جداً، ولم أكن على إطلاع بجميع هذه اللجان، مثل: لجنة الاقتصاد العلمية، لجنة علم النفس العلمية، لجنة علم الرجال العلمية، لجنة التاريخ العلمية.

ويعود الفضل في ذلك الى وجود الإدارة الجيدة، إذ بدونها لا يمكن تحقيق هذه الأمور؛ لكن لا ينبغي الاكتفاء بما تحقق حتى الآن في مجال النظام الإداري والمؤسساتي في الحوزة، لوجود الكثير من النواقص التي ينبغي رفعها.

أ ــ رسم السياسة العامة في الحوزة
فأولاً بالنسبة للهيئة الإدارية العليا ـ ولا أعلم هل أعضاؤها موجودون هنا أم لا؟ ـ يجب أن تولي اهتماماً شديداً بمسألة رسم السياسة العامة في الحوزة؛ لكونها أهم الوظائف التي ينبغي إنجازها في المراحل الأولى والمراحل الأساسية.

إنّ وضع السياسة العامة للحوزة يتضمن أبعاداً مختلفة، فنحن عندما نوصي بإنتاج العلم وتطويره، لابد أن نعين ما هو هذا العلم؟ وماذا نعني بتطوير علم الفقه؟ وماذا نعني بتطوير علم الأصول مثلاً؟ وماذا نعني بالتطور؟ وما هو الاتجاه الذي ينبغي أن يسير فيه هذا التطور؟

فهذه أسئلة تحتاج الى الإجابة عليها من خلال السياسات التي ترسمها الهيئة الإدارية العليا في الحوزة العلمية.

ب ــ وضع خطة مستقبلية لتنظيم عمل الحوزة
كما يجب وضع خطة مستقبلية واضحة لعمل الحوزة وإدارتها، كما هو الحال في الخطة المستقبلية التي تضعها الحكومة لتنظيم المسائل المهمة في البلاد على مدى عشرين سنة.

لذا ينبغي على الهيئة الإدارية العليا في الحوزة العمل كذلك على رسم خطة مستقبلية لتنظيم عمل الحوزة وإدارتها على مدى عشر أو عشرين سنة قادمة.

لكن متى تتمكن الهيئة الإدارية العليا من إنجاز هذا العمل؟ عندما يضع أعضاء الهيئة الوقت الكافي للبحث فيه وإنجازه، وأن لا يعتبروا عضويتهم في الهيئة شأناً ثانوياً الى جانب شؤونهم ووظائفهم الأصلية. فأنتم إذ تلاحظون كيف تعمل إدارة الجامعة، وكيف يعمل جهازها المسؤول عن وضع سياستها العامة؟ فإن الحوزة العلمية بهذا الحجم العظيم ـ سواء حوزة قم، أو مشهد أو أصفهان ـ لا يمكن أن تدار بشكل ثانوي أو هامشي؛ بل ينبغي وضع الوقت الكافي لإنجاز مثل هذا العمل المهم. هذا أولاً.

أما ثانياً، فنحتاج الى وجود مجموعة من الخبراء والكفاءات الممتازة، ولحسن الحظ نجد مثل الكفاءات في الحوزة ـ كما لاحظنا ـ نماذجها في الأخوة الذين تحدثوا هذه الليلة، وكثير من الأخوة الذين لم يتحدثوا، إضافة الى وجود الكثير من الفضلاء الشباب من أصحاب الكفاءات والأفكار الجيدة ـ بحيث يمكن أن يحققوا للحوزة الاكتفاء الذاتي في مجال الخبرات والكفاءات اللازمة، حتى إني أعتقد أن الحوزة لا تحتاج في المسائل الحوزوية الى أفراد من خارجها، ويمكنها الاستفادة من هؤلاء الطلاب والفضلاء.

وبالطبع، يحتاج هذا الى عمل جدي وسعي متواصل، خاصة من قبل الهيئة الإدارية العليا، باعتباره أحد وظائفها المهمة.

وفي مجال النظام الإداري والمؤسساتي في الحوزة، تعتبر مسألة تنظيم إدارة الحوزة كمؤسسة متكاملة، من المسائل المهمة التي ينبغي الاهتمام ببحثها الى جانب مسألة الهيئة الإدارية العليا.

إذ لابد من وجود لجنة عامة للتخطيط ووضع البرامج المستقبلية في الحوزة حتى لا يحصل تعارض أو اختلاف في هذه البرامج، كما أشار إليه الأخوة في بعض كلامهم، أو ما أشارت إليه الأخوات من وجود بعض الإشكالات في البرامج المتعلقة بهن في المجالات المختلفة.

لكن من يمكنه رفع هذه الإشكالات، هو وجود هيئة للتخطيط كفوءة وعلى اطلاع تام بالتطورات الحديثة في مجال التخطيط ووضع البرامج الإدارية المناسبة.

إنّ مسألة التخطيط ووضع البرامج المناسبة، تعتبر اليوم مسألة علمية كبقية المسائل العلمية الأخرى، فهي لا تعتمد على الإبداع الذاتي والذوق الفردي، رغم تأثيرها في هذا المجال. لذا ينبغي الاستفادة من الأفراد والمتخصصين، وحضورهم في لجنة الخبراء والكفاءات للمشاركة في التخطيط ووضع البرامج المستقبلية.

ج ــ وجود نظام إحصائي شامل
من الوظائف المهمة في مجال النظام المؤسساتي في الحوزة، التي ينبغي الاهتمام بها، هي مسألة الاحصاء التي أشار إليها بعض الأصدقاء في كلامهم. إذ تفتقر حوزاتنا العلمية اليوم الى نظام احصائي شامل، يقدم المعلومات والبيانات اللازمة عن عدد الطلاب ورجال الدين في البلاد، ومستواهم الدراسي، ودرجتهم الدينية، وقابلياتهم التبليغية، وتأثيرهم في محيطهم الاجتماعي؛ فهي معلومات وبيانات نفتقر إليها، ولا يوجد من يقدمها لنا. فالإحصاء يعتبر اليوم من العلوم المهمة، التي ينبغي حتماً الاهتمام بها والبدء بها بسرعة، إذ قد يستغرق إنجازها الى سنوات عديدة، لكنها ستعطي ثمارها وبركاتها الوفيرة.

وينبغي أن يتضمن هذا الاحصاء معلومات عن طلاب الحوزة، ومستواهم الدراسي، ومقدار إدراكهم للمواضيع التي درسوها، ومستوى تطورهم العلمي؛ حتى نتمكن من معرفة عدد العاملين تحت إشراف الحوزة، وما هي الوظائف التي نحتاج الى إنجازها.

إذاً، هذه المسألة تعتبر أحد النواقص الموجودة في نظام الحوزة، وبالطبع سنحتاج بعد عملية الإحصاء الى وجود نظام شامل للتقييم، هذه أحد الأمور التي رغبت في طرحها عليكم فيما يتعلق بمسألة النظام المؤسساتي في الحوزة.

لتأسيس مركز للحريات الفكرية في قم
ومن المواضيع المهمة التي أجد من اللازم طرحها عليكم أيها الأخوة، هي مسألة الحرية الفكرية التي تحدث عنها بعض الأصدقاء في كلامهم، فلماذا لا يتم تأسيس مركزٍ للحريات الفكرية في قم؟ وما الإشكال في ذلك؟ فحوزاتنا العلمية كانت دائماً مركزاً ومهداً للحرية الفكرية العلمية، ومازالت كذلك حتى الآن.

فنحن نفتخر بحوزاتنا العلمية وقلما نجد نظيراً لذلك في المراكز الدراسية الأخرى غير الحوزة، أن يعترض الطالب ويشكل على أستاذه في الدرس، ويناقشه في الموضوع دون أن يمتعض الأستاذ أو يظن بوجود سوء غرض أو عداء عند الطالب.

فالطالب يتكلم ويشكل على الأستاذ بحرية كاملة، دون مراعاة في إشكاله للأستاذ، كما أن الأستاذ يتقبل هذا الأمر بسعة صدر، ولا يتأذى من ذلك. فهذا أمر مهم، وهو نابع في الأصل عن حوزاتنا العلمية، لأنها تضم الكثير من العلماء والفضلاء الذين يختلفون في آرائهم ونظرياتهم الفقهية والأصولية، ويتبعون مناهج مختلفة في دراستهم؛ كما تضم الفلاسفة، والعرفاء، والفقهاء، الذين يعيشون ويعملون مع بعضهم البعض.

فهذا كان أسلوب العمل والدراسة في حوزاتنا العلمية، فإننا نجد أحد العلماء يتبنى رأياً علمياً، لا يقبله العالم الآخر، ويمكنكم مشاهدة نماذج كثيرة على هذا الأمر عند مراجعة السيرة الذاتية والعلمية للعلماء والفقهاء العظام.

فمثلاً كان المرحوم صاحب الحدائق معاصراً للمرحوم الوحيد البهبهاني؛ وكان كلاهما يسكن مدينة كربلاء، ويتباحثان معاً أحياناً.

وينقل أنهما بدءا في إحدى الليالي في الحرم الطاهر لسيد الشهداء (عليه السلام)، ببحث ومناقشة إحدى المسائل الفقهية، واستمر بحثهما حتى أذان الصبح ـ وكان الوحيد البهبهاني أصغر سناً في ذلك الوقت من صاحب الحدائق الذي كان كهلاً ـ فكانا يتباحثان معاً، ويتناقشان معاً، ويدرسان معاً، لكنهما أيضاً يختلفان أحياناً في الآراء حول بعض المسائل، حتى إني سمعت أن بعض طلاب الوحيد البهبهاني ـ الذي كان يتميز بتعصبه الشديد ضد الإخباريين ـ مثل صاحب الرياض وغيره، كانوا يحضرون في درس المرحوم صاحب الحدائق.

إذاً، يجب علينا إشاعة روح التحمل وقبول الآراء في الحوزة العلمية، فلا ضير في تعدد المشارب العلمية، بأن يكون لأحد العلماء مشرباً فلسفياً، ولآخر مشرباً عرفانياً، ولآخر مشرباً فقهياً، حتى لو لم يقبل أحدهما رأي الآخر.

وقد ذكرت قبل بضعة أشهر في مشهد، أن المرحوم الشيخ مجتبى القزويني (رضوان الله تعالى عليه) كان يتميز بمخالفته لفلسفة الحكمة المتعالية مشرب الملا صدرا ـ حتى أنه كان شديداً جداً في مخالفته ـ لكن الإمام (قدس) كان في آرائه ونظرياته يمثل خلاصة وزبدة لمدرسة الملا صدرا، ليس فقط في نظرياته الفلسفية؛ بل حتى في آرائه العرفانية أيضاً.

ورغم ذلك، كان المرحوم مجتبى القزويني طيلة حياته من المؤيدين للإمام (قدس) والمروجين لأفكاره، حتى أنه قدم من مشهد الى قم لرؤية الإمام (قدس) ولقائه. وهكذا الأمر بالنسبة للمرحوم الميرزا جواد الطهراني الذي كان في مشهد أحد المؤيدين لتلك المدرسة، لكنه مع ذلك اشترك في الجبهة والحرب، وكان يخالف تفسير الإمام (قدس) لسورة الحمد عندما تم عرضها على التلفاز، وقد أخبرني بهذا الرأي؛ وهكذا بالنسبة للمرحوم مرواريد، كانوا يخالفون الإمام (قدس) في الرأي والمشرب، ولكنهم يؤيدونه في التعامل السياسي والاجتماعي، ويأنس بعضهم ببعض، ويتحمل أحدهم الآخر.

لذا يجب أن يكون التعامل في قم بهذا الشكل أيضاً.

فمثلاً، لو طرح أحد الطلاب نظرية فقهية شاذة، فمن المفروض التعامل منطقياً مع هذا الموضوع بتشكيل اجتماع يضم خمسة أو عشرة من الفضلاء لبحث هذه النظرية ومناقشتها، والرد عليها بالدليل القوي.

وكذلك الأمر بالنسبة للنظريات الفلسفية، والنظريات العرفانية أو الكلامية. ولا ينبغي اللجوء في الحوزة الى التكفير، والاتهام، والقدح وغيرها من التصرفات التي تسيء الى العلماء الكبار.

إذ لا يجوز لي أن أسيء الى الآخر لو خالفني في بعض كلامه، وأبدأ باتهامه والقدح به. ولا يمكن الابتعاد عن هذه الأساليب إلا بإشاعة روح التحمل بين الطلاب، وتشكيل جلسات البحث والمناظرة، وتشجيع نهضة الحرية الفكرية التي تحدثنا عنها سابقاً؛ بحيث يصبح هذا الأمر عرفاً في الحوزة العلمية، ويتم التبليغ له في المجالات والمقالات المختلفة.

فلا إشكال في أن يطرح أحد الأفراد رأياً أو نظرية فقهية؛ فيرد عليه شخص آخر برسالة أو مقالة؛ أو يتباحثون علمياً حول هذا الموضوع؛ فالبحث العلمي أمر جيد ومطلوب.

لإحترام المكانة الإجتماعية للفضلاء والأساتذة
المسألة الأخرى هي، المكانة الاجتماعية للفضلاء والأساتذة التي تعتبر أحد المشاكل التي تواجهنا في الحوزة العلمية. وقد طرح بعض الأصدقاء اقتراحاً يتضمن تشكيل هيئة علمية في قم؛ أي تشكيل مجموعة من الهيئات العلمية في الاختصاصات المختلفة وبما يتناسب مع المستويات العلمية؛ بحيث ينضم الشخص الى هذه الهيئة العلمية بعد بلوغه مرحلة علمية معينة واجتيازه بنجاح الامتحان الخاص.

وقد طرحت قبل عدة سنوات على الأخوة الأعضاء في تجمع المدرسين، اقتراحاً مشابهاً لهذا الاقتراح، بأن يوسعوا مجال قبول الأعضاء، لكن حسب الظاهر لم يكن ممكناً من الناحية العلمية تنفيذه بالشكل الذي طرحناه؛ لكنه يطرح الآن بهذا الشكل.

وعلى كل حال، يوجد في الحوزة عمل كثير يجب القيام به، وما كان ينبغي إنجازه أو لم يتم إنجازه حتى الآن، أو ما لم يكن مناسباً إنجازه في الماضي، فينبغي إنجاز هذه الأعمال والقيام بها من الآن فصاعداً، إذ ينتظرنا عمل كثير أكثر مما أنجزناه حتى الآن بمئات المرات، لكن مع ذلك يمكن تحقيق هذا العمل وإنجازه بشرط حضوركم الجدي وسعيكم المتواصل، وبذل قصارى جهدكم، كل حسب اختصاصه وكفاءته، وإن شاء الله ستستفيد الهيئة الإدارية من طاقاتكم وكفاءاتكم.

لقد دونت بعض الاقتراحات التي طرحت هنا، لكن جميع الاقتراحات الأخرى قد تم تسجيلها أيضاً. وإني أعتقد أن من المناسب ولعله من اللازم تدوين هذه الاقتراحات، وهذا الكلام، ونشرها في كتاب مستقل. وقد يرى البعض ضرورة بثها في التلفاز، وهو أمر جيد أيضاً، إذا كان ممكناً من الناحية العلمية؛ لأني لست على اطلاع كامل بالإمكانات والأمور المرتبطة بذلك؛ لكن على الأقل، يقوم الأصدقاء ـ سواء الموجودين في المكتب هنا، أو الموجودين في قم المرتبطين بالمكتب ـ باستخراج هذا الكلام والاقتراحات والعمل على تصحيحها وتهذيبها ثم نشرها، وحتماً ستعطي ثمرات وفوائد كثيرة.

مقترحات تستحق التقدير
أ ــ عقد اجتماع لمدراء في مدارس الحوزات العلمية كافة أنحاء البلاد

والمقترحات التي أعجبتني، هو عقد اجتماع لمدراء المدارس في كافة أنحاء البلاد ـ مدارس الحوزات العلمية ـ للتشاور وتبادل الخبرات والتجارب فيما بينهم. وهذا اقتراح ممتاز.

ب ــ حجم التوقعات من الحكومة الإسلامية
كما أعتقد أن من الأمور الممتازة التي طرحت في هذا اللقاء، هو حجم التوقعات من الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي، فقد طرحت بأشكال مختلفة؛ وبالطبع لم يكن بعضها عملياً في الوقت الحاضر؛ لأن بعض المقترحات تحتاج الى إمكانيات وظروف خاصة لا يمكن للحوزة أن تحققها ما لم تتحول الى مؤسسة متكاملة وذات إدارة مركزية منسجمة ومتفكرة ومسيطرة على جميع الأمور ومحل ثقة واعتماد الجميع؛ وبعد أن يتحقق هذا الأمر إن شاء الله، يمكن حينها التعامل معها بهذا القدر.

افترضوا أن البعض أراد الاستفادة من فضلاء الحوزة ومن أفكارهم؛ لكن مع من يحصل هذا، وأين، وكيف؟

إذاً، يتطلب هذا الأمر عملاً واسعاً، وسيتحقق في الحوزة إن شاء الله، ويعطي النتائج المطلوبة؛ وحينها ينبغي على النظام الإسلامي الاستفادة من كفاءات الحوزة والتعامل معها؛ لكن بعض الأمور التي ذكرت هي أمور عملية ويمكن تحقيقها في الوقت الحاضر.

ج ــ تأسيس مؤسسة تعليمية للتبليغ الدولي
أحد الاقتراحات التي طرحها السادة وأعجبتني أيضاً، هي مسألة تأسيس مؤسسة تعليمية للتبليغ الدولي؛ وحسب ما أتذكر فقد طرحت هذا الموضوع قبل حوالي أربعة عشر أو خمسة عشر سنة؛ وفي ذلك الوقت تعرض أحد فضلاء الحوزة لمرض اضطره للسفر الى إحدى الدول الأوروبية لغرض العلاج ـ ومازال ولله الحمد على قيد الحياة ـ فالتقى هناك ببعض الشباب والجامعيين والإيرانيين، وأخذوا يدعونه الى مجالسهم للتحدث ووعظهم.

وبعد أن عاد هذا السيد الفاضل المحترم الى البلاد بعد شهر أو أكثر، طلب لقائي، وتحدث عن معاناته هناك، ولماذا لا توفروا احتياجاتهم؟ لماذا لا تلبوا مطالبهم؟

فأجبته لقد قمنا ببعض الأعمال في هذا المجال؛ ونعجز لوحدنا تقديم الأكثر؛ لكن يمكنكم أن تذهبوا الى قم وتسعوا الى إنشاء مدرسة لإعداد المبلغين للتبليغ خارج البلاد، فخططوا لهذا المشروع وضعوا البرامج المناسبة له، وعليّ نفقة عياله؛ أي قلت له أني أتحمل كافة المبالغ اللازمة لهذا المشروع؛ لأني لا أستطيع أن أسافر الى قم وأؤسس مدرسة هناك فذهب السيد الى قم وسعى في هذا المشروع لفترة معينة، وكتب إعلان لدعوة الراغبين بالتسجيل والمشاركة في المدرسة؛ لكن لم تمض فترة حتى أهمل الموضوع! وما زال كذلك حتى اليوم.

إنّ هذا مشروع جيد وضروري أوصيكم بإنجازه.

لإعداد المبلغين الأكفاء للمنبر الحسيني
أما في مجال الخطابة والمنبر الحسيني الذي تحدث عنه الأخوة، فإنه من المواضيع التي أكررها وأوصي بها دائماً.

فأنا أؤكد دائماً على مسألة تجليل المنبر الحسيني وتعظيمه، وضرورة التأكيد على أهمية المنبر وإعداد المبلغين. وأنا أدعوكم الآن للعمل والسعي بجد في هذا المجال، فضعوا له البرامج المناسبة والقوية.

وبالطبع ستواجهكم مشاكل عديدة؛ ستقفون عليها تدريجياً بمجرد مباشرتكم بالعمل، لكني أعتقد أنكم بطاقاتكم الشبابية وبعزمكم وإرادتكم القوية وبإيمانكم ستتمكنون من تجاوز هذه المشاكل والتغلب عليها.

اللهم اجعل من اجتماعنا اجتماع خير وبركة للإسلام والمسلمين، واجعل كل ما قلناه وسمعناه في سبيلك ولكسب رضاك.

اللهم! وفقنا للإجابة عما ستسألنا عنه يوم القيامة (واستعملني بما تسألني غداً عنه).

اللهم وأحشر أرواح شهدائنا الأعزاء والروح الطاهرة للإمام الهمام مع أوليائك، فنحن ندين في كل هذه الموفقية والإمكانيات الى الدماء الطاهرة للشهداء ولجهادهم وشجاعتهم وتضحياتهم، اللهم وأرضه عنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

2017-02-14