يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء رئيس ومسؤولي السلطة القضائية

2009

عدالة القانون دونه عقبات يمكن تخطيها فقط مع قضاء مستقل

عدد الزوار: 49

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء رئيس ومسؤولي السلطة القضائية 28-06-2009
عدالة القانون دونه عقبات يمكن تخطيها فقط مع قضاء مستقل

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء، مسؤولي السلطة القضائيّة في البلاد المحترمين، وكذلك ذوي شهداء السابع من تير1 الأبرار حيث اقترنت هاتان المناسبتان معًا بمشيئة الله، فاصطبغت سلطتنا القضائيّة بلون الشهادة وتضوّعت بأريج الشهداء. وهذا شيء على جانب كبير من الأهميّة إذا ما استطعنا استثماره بشكل صحيح إن شاء الله.

أذكر جملة حول شهداء السابع من تير الأعزّاء وهذه الحادثة المهمّة الخالدة. وأذكر جملة أخرى للمسؤولين المحترمين في السلطة القضائيّة.

شهداء 7 تير روّاد الطريق
الأهمّ من كلّ شيء فيما يتعلّق بحادثة السابع من تير هو تضحية أعزّ وأبرز شخصيّات الثورة. فقد ضحّت شخصيّة كالشهيد بهشتي وهو عنصر لا مثيل له، أو نادر النظير على الأقل، في مسيرة الثورة في سبيل خدمة الثورة ولأجلها. وكذلك الشخصيّات الأخرى والنخب السياسيّة ومسؤولو الصف الأوّل في المؤسّسات المختلفة، والوزراء، ونواب المجلس، والناشطون السياسيّون في الجمهوريّة الإسلاميّة، فكلّ واحد منهم كان شخصيّة مهمّة. كنّا على معرفة قريبة بالكثيرين منهم وعملنا مع بعضهم. إنّها لقضيّة مهمّة جدًّا أن تكون أرواح شخصيّات بهذا المستوى محمولةً على أكفّهم ويكونوا معرّضين للاستشهاد والتضحية في هذا السبيل. فلا يمكن للبلاد، والنظام، والحضارة؛ لا يمكن لها الوصول إلى شيء من دون تضحيات وفداء وتقديم دماء؛ كان هؤلاء رواد هذا الطريق.

التضحية بالأرواح تجذّر شجرة النظام
النقطة الأخرى هي أنّ هذا النظام قدّم من جواهر النخب للساحة وللثورة وفقَدهم؛ لكنّه لم يتزلزل. الذين خطّطوا لهذه الاغتيالات لم يكونوا يقصدون الأفراد بعينهم. كان قصدهم بالدرجة الأولى تفريغ الثورة من ركائزها ونخبها؛ أرادوا تحطيم الثورة بهذه الاغتيالات وإلحاق الخسائر بها. لكن هذا لم يحصل، بل حصل العكس. أي إنّ الركيزة الأساسيّة للنظام وهي علاقة الشعب بالنظام تعزّزت أكثر. هذه كلّها عِبَر من ثورتنا. وأقول لكم إنّ الحال كذلك اليوم أيضًا، اليوم أيضًا إذا ما ضحّت شخصيّات بأرواحها وقدّمت أنفسها قرابين من أجل النظام وفي سبيل الله، فإنّ هذا النظام سوف يتعزّز أكثر، وتتعمّق جذوره كالشجرة الطيّبة التي ذكرها الله تعالى في القرآن: ﴿أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾2؛ يجب أن نربط قلوبنا بأسس الثورة ومبادئها وقيمها بهذه الطريقة.

أعمال عظيمة للشهيد بهشتي ساهمت في تطوير السلطة القضائية
والحقّ والإنصاف، إنّ للشهيد بهشتي -تلك الشخصيّة البارزة الممتازة- حقوقًا جمّة على نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وعلى السلطة القضائيّة خصوصًا. ولقد ترك خلال تلك الفترة القصيرة التي قضاها في السلطة القضائيّة -أي من نهاية سنة 58 (1979) حتى أوائل سنة 60 (1981)- إبداعات كثيرة، وأنجز أعمالًا عظيمة، ووضع خططًا ذات آفاق بعيدة للسلطة القضائيّة. وقد تحرّكت هذه السلطة والحمد لله وأنجزت أعمال جيّدة طوال هذه الأعوام الثلاثين. واليوم يحصل هذا أيضًا والحمد لله بإرادة شخصيّة بارزة وممتازة كحضرة السيد شاهرودي وهو شخص مميّز -للحق والإنصاف- من الناحية العلميّة ومن حيث الأهليّة والكفاءة على مختلف المستويات، وهو يرأس هذه السلطة وقد تحمّل أعباءها الثقيلة طوال عشرة أعوام، أي لدورتين من خمس سنوات.

عدالة السلطة القضائيّة: العمل بالقانون
المهم، فيما يتعلّق بالسلطة القضائيّة هو أن نرى لماذا نريد هذه السلطة3 فنقوم بالعمل على ذلك الشيء؛ ينبغي لجميع الأعمال أن تصبَّ بهذا الاتّجاه. السلطة القضائيّة إنّما هي من أجل العدل والعدالة. وإنّ معيار العدل ومؤشّره هو العمل بالقانون. إذا تطابق عمل الفرد أو الجماعة مع القانون كان ذلك عدلًا، وإذا انحرف العمل عن القانون لم يكن عدلًا. والقانون في النظام الإسلامي هو أيضًا قانون إسلامي. طبعًا قد يكون في منظومتنا القانونيّة بعض القوانين التي لا تتطابق مع أحكام الإسلام مئة بالمئة، أو بعض القوانين المتبقيّة من العهد الماضي، أو قوانين أخرى؛ هذه يجب إصلاحها. المعيار هو أن تجري الأعمال طبقًا للقانون؛ هنا يتحّقق العدل.

البنى التحتية المناسبة ضرورية لتحقيق العدالة
طبعًا ليس من السهل الوصول إلى العدالة في السلطة القضائيّة. والبنى التحتيّة التي أشار لها السيّد شاهرودي؛ كلّها ضروريّة ولازمة. رسم السياسات – حيث إنّ رسم السياسات بحد ذاته هو بنية تحتيّة برمجيّة مرنة [سوفتوير]. وإنّ اختيار السياسات الجيّدة، والأنظمة الصلبة [هاردوير] التي استُحدثت في السلطة القضائيّة أو بدأ استحداثها كلّها ضروريّة ولازمة. بمعنى أنّ العدالة في منظومة كبيرة كالسلطة القضائيّة التي يراد منها على مستوى القطاع القضائي إدارة بلد يعدّ سبعون مليون نسمة حيث لا يمكن تحقيقها بالمجاملات والكلام، ممّا يحتاج إلى هذه المقدّمات والبنى التحتيّة. إذًا، ما تمّ إنجازه من هذه البنى التحتيّة- سواء البرمجة الناعمة منها أم الصلبة- قيّم ويجب معرفة قدره. وسوف تستمرّ هذه السياسات بهذا الشكل الصحيح إن شاء الله. والواقع أنّه من الضروري أن أتقدّم بالشكر إلى شخصه وأيضًا -كما أشار هو نفسه- إلى المسؤولين الكبار في السلطة القضائيّة وفي أقسامها المختلفة حيث بذلوا جهودًا كبيرة جديرة بالتقدير.

... لكن ضمان تحقيقها يتوقف على المؤمن الحازم
لكن النقطة المهمّة هي أنّه بالرغم من أنّ تأمين العدالة العامة والشاملة منوط بهذه البنى التحتيّة، فإنّ وجود هذه البنى لا يعني بالضرورة استقرار العدالة. قد تتوفّر لدينا هذه الأمور من دون أن تتوفّر العدالة؛ هذا ما ينبغي الحذر منه. ما يضمن العدالة هو الإنسان المؤمن الحازم العازم ذو الإرادة والخائف من الله. الذي يخاف الله ولا يخاف أحدًا سواه. ﴿فلا تخشوا الناس واخشون﴾4؛ هذا ما يقوله الله تعالى في القرآن. إذا كان هذا يمكن عندئذ بواسطة هذه الأجهزة المتنوّعة والعصريّة والجيّدة بلوغ العدالة بنحو تام. وإذا لم تكن مثل هذه الإرادة أو كانت ضعيفة أصابها الخلل، فإنّ أيًا من هذه الأجهزة لن تضمن العدالة بشكلٍ تلقائي بل قد تكون أحيانًا أرضيّةً لانعدام العدالة. هذا هو أساس القضيّة.

تطبيق العدالة طريق يعترضه عقبات كأداء
النقطة الأساسيّة التي أقولها لكم أنتم مسؤولي السلطة القضائيّة المحترمين في هذه اللقاءات السنويّة وفي لقاءات أخرى خاصة مع أقسام أخرى من السلطة القضائيّة هي: يجب علينا أن ننظر لنرى هل أنّ حصيلة أعمالنا هي العدالة أم لا. إذا كانت [النتيجة] هي العدالة فسنكون عندها مرفوعي الرؤوس أمام الله وأمام أنفسنا وأمام الناس. أي إنّنا حينما نطبّق العدالة، صحيح أنّ شخصًا سيفرح لحكمنا وسيسخط شخص آخر.ذا هو الحال حتمًا، حينما يصدر الإنسان حكمًا، فسيفرح طرف وسيسخط الطرف الآخر.ولكن حتى الطرف الساخط سيكون راض في قرارة قلبه. وإذا لم نعمل بالعدالة فحتى الطرف الذي كان حكمنا لصالحه سيفقد إيمانه القلبي بنا وسينظر إلينا نظرة استهزاء، وسيضحك علينا في قرارة نفسه؛ هذه هي المسألة الأساسيّة.

ينبغي أن تتركّز كافّة المساعي على هذا الشيء. والعدالة من الأمور التي قيل فيها "الحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف". التحدّث به سهل والالتزام به صعب، بل صعب جدًا. يواجه الإنسان عقبات كأداء، وإذا لم يكن ثمّة عزيمة راسخة وتوكّل على الله فسوف يعجز الإنسان عن مواصلة الطريق. هذا ما ينبغي بثّه دومًا في السلطة القضائيّة؛ ينبغي بثّ هذه الروح وإفشائها في كلّ مفاصل السلطة القضائيّة ومواقعها باستمرار؛ وهي أنّ واجبنا هو التناصف وتحقيق العدل.

والحالة الأصعب من العدل حينما يكون الطرف المقابل للعدل هم الأقوياء. فلا يخضعون ويفرضون منطق القوة وتكون لهم توقّعات [وآمال]؛ هنا ينبغي الصمود والثبات. هذه هي ميزة القاضي واستقلاله: أن لا يأخذ بعين الاعتبار في مثل هذه الأحوال سوى الله ونص القانون. إذا كان القانون ملاك العمل في جميع القضايا الفرديّة والاجتماعيّة فسوف يتمّ تأمين العدالة.

لا تجعلوا الجماهير بعضهم في مواجهة بعض
وحول هذه القضايا الأخيرة قلت إنّني أعارض أن نقسِّم أبناء بلدنا وجماهيرنا العزيزة إلى قسمين ونضع جماعة في مواجهة جماعة. ليست القضيّة على هذه الشاكلة. ليست أذواق الناس وتصوّراتهم ونظراتهم واحدة في كثير من الأمور. لكن هذا لا يعني الاحتكاك والتزاحم والتعارض والعراك. يجب أن لا نحرّض جماهيرنا على الاشتباك فيما بينها. إنّني أنصح الجانبين: لا تثيروا مشاعر الشباب، ولا تجعلوا الجماهير بعضهم في مواجهة بعض. الشعب متّحد ولديه إيمان، وله علاقاته الطيبة الحسنة بالنظام. ومؤشّر هذه العلاقات الحسنة: المشاركة في الانتخابات. لو لم يكونوا متفائلين آملين، وحسني الظن، ولو لم تكن لديهم الثقة لما جاءوا للمشاركة في الانتخابات. إذًا، ليس للشعب أيّة مشكلة مع نظامه. ينبغي عدم تقسيم هذا الشعب إلى جزأين وتحريض جزء على آخر.

هنا أيضًا يوجد معيار قانوني لحلّ القضايا وفصلها. إذا لم يحكم القانون فإنّ ما سينـزل بالجميع نتيجة غياب القانون لَأشدّ مرارة بكثير ممّا قد يسبّبه تطبيق القانون من مرارة لدى البعض: "ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق"5. العدل هو مراعاة القانون. إذا شعرنا بالضيق من مراعاة القانون ولم نشأ الخضوع له فإنّ ما سينـزل بنا نتيجة اللاقانون أسوأ وأصعب مراتٍ من مرارة الصبر على القانون. هذا ما يجب أن يلتفت إليه الجميع.

شعبنا بتوفيق من الله وهدايته وبعونه شعب مؤمن واع وحاضر في الساحة ومستعدّ للعمل أينما اقتضت الضرورة؛ علينا نحن إصلاح أنفسنا. على النخب والخواص السياسيّين التدقيق في سلوكهم ومواقفهم وكلامهم. هذا خطاب لكلّ النخب وليس لطرف أو تيّار محدّد. على الجميع مراعاة الدقّة والحذر، وعلى الكلّ أن يعلموا أنّ هذا الشعب شعب متلاحم ولا جدوى من تحريض مشاعر هذا الطرف على ذاك أو إثارة مشاعر ذاك الطرف ضدّ هذا. حينما تكونوا متحّدين ومتعاطفين وعندما تشعروا بالثقة ببلادكم ونظامكم وتبرزوا هذه الثقة، حينئذ لن تؤثر وساوس الخنّاسين الدوليّين والساسة الظالمين المتدخّلين [في شؤون غيرهم] البعيدين عن الإنسانيّة.

المكر الأميركي السيء لإيران لا يحيق إلا بها
ترون أنّ بعض الزعماء في العالم -من الأمريكيّين إلى بعض الأوربيّين- كأنّما انتهت جميع مشكلاتهم ولم يبق لهم إلّا مشكلة إيران! يتشدّقون حول قضيّة داخليّة شعبيّة تتعلّق بشعب إيران مئة بالمئة ويطلقون كلامًا سخيفًا غافلين عن أنّهم - في نظر الشعب الإيراني - حيثما وضعوا أقدامهم في أيٍّ من المواقف السياسيّة فسوف تتنجّس تلك البقعة.

إنّ تحيّزاتهم تؤتي نتائج عكسيّة تمامًا. يسأل الناس أنفسهم ما الذي جعل هؤلاء الأعداء الذين عملوا ضد الثورة الإسلاميّة مدّة ثلاثين سنة، واستخدموا كلّ الأدوات والإمكانات ضدّ هذا البلد وضدّ هذا الشعب، ما الذي جعلهم الآن مخلصين عطوفين؟! يدرك الناس المؤامرة والممارسات الخبيثة. وهذه هي مشكلتهم. لو كانوا يواجهون شعبًا غافلًا خاملًا لما واجهتهم مشاكل. لكنّهم يواجهون شعبًا يقظًا ذو تجربة.

إنّ تجاربنا على مدى ثلاثين سنة جعلت الشعب واعيًا وهذا ما يعلمونه؛ إنّها الدول والحكومات نفسها التي، حينما ارتُكبت الجرائم ضدّ هذا الشعب طوال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، وقُصفت المدن وهُدمت البيوت، وألقيت القنابل الكيمياويّة، وقتل الناس الأبرياء، لم تتألّم قلوبها لشعب إيران، بل ساعدت عدو هذا الشعب. لقد شاهد شعبنا هذا الواقع؛ هذه أمور لا تنسى. وقد أصبحوا اليوم مخلصين عطوفين! يشاهد الشعب سلوكهم مع الشعوب المظلومة التي غرسوا أظافرهم فيها، كشعب أفغانستان، وشعب العراق، وشعب باكستان، وشعب فلسطين. فإلى أيّ موضع وصلت قبضاتهم ونشبوا أظافرهم حيثما استطاعوا ذلك، ألحقوا الأضرار. هؤلاء لا يرحمون الناس، وحبّ الناس بعيد عنهم. والآن يتحيّزون لشعب إيران أو لشخص أو لأشخاص داخل البلد! فأغراضهم ونواياهم السيّئة من هذه الممارسات واضحة. هذا شيء يفهمه الشعب. إذا كنتم متّحدين ومتعاضدين، وإذا حافظتم على روح القوة والثبات التي منحتها الثورة لشعبنا فصانت الشعب على مدى ثلاثين سنة "لا يضرّكم كيدهم شيئًا"6.. فإنّ عداءهم لن يؤثّر فيكم ولن يستطيعوا إلحاق الضرر بشعب إيران.

أسأل الله تعالى التوفيق لكم جميعًا أيّها الإخوة والأخوات والمسؤولون المحترمون في مختلف الوظائف الخاصة والعامة الملقاة على عواتقنا، وأرجو أن تشمل الأدعية الزاكية لسيّدنا بقيّة الله (أرواحنا فداه) شعب إيران إن شاء الله، وأن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل وأرواح الشهداء الأبرار وشهداء السابع من تير راضية عن أفعالنا وأقوالنا إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- يصادف السابع من تير في التقويم الفارسي ذكرى استشهاد 72 من خيرة رجالات الثورة الإسلاميّة وعلى رأسهم الشهيد المظلوم آية الله بهشتي- رئيس المجلس الأعلى للقضاء آنذاك- في التفجير الذي طال المكتب المركزي للحزب الجمهوري الإسلامي عام 1981؛ وبهذه المناسبة سُمّي هذا الأسبوع في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة بأسبوع السلطة القضائيّة.
2- سورة إبراهيم؛ الآية 24.
3- ما هي غاية ومقاصد هذه السلطة.
4- سورة المائدة؛ الآية 44.
5- نهج البلاغة- خطبة 216
6- سورة آل عمران؛ الآية 120.

2017-02-14