يتم التحميل...

قيمة تفسير التابعي

مقدمات في التفسير

لقد اهتم ارباب التفسير بالماثور من تفاسير الاوائل، ولا سيما الصحابة والتابعين لهم باحسان ولم يكن ذلك منهم الا عناية بالغة بشانهم وبمواضعهم الرفيعة من التفسير.ان ذلك الحجم المتضخم من التفسير المنقول عن السلف الصالح، واكثرها الساحق من التابعين.

عدد الزوار: 99

لقد اهتم ارباب التفسير بالماثور من تفاسير الاوائل، ولا سيما الصحابة والتابعين لهم باحسان ولم يكن ذلك منهم الا عناية بالغة بشانهم وبمواضعهم الرفيعة من التفسير.

ان ذلك الحجم المتضخم من التفسير المنقول عن السلف الصالح، واكثرها الساحق من التابعين بعد ان كان الماثور عن ابن عباس منقولا عن طريق متخرجي مدرسته التابعين ايضا ان ذلك، ان دل فانما يدل على مبلغ الاهتمام بتفاسيرهم والاجلال بمقامهم الرفيع وليس الا لانهم اقرب عهدا بنزول الوحي، واطول باعا في الاحاطة باسباب النزول، واسهل تناولا لفهم معاني القرآن الكريم فان كان القرآن قد نزل بلغة العرب وعلى اساليب كلامهم، فان الاوائل اصفى ذهنا واقرب تناوشا لتصاريف اللغة ومجاري الفاظها وتعابيرها انهم اعرف بمواضع اللغة في عهد خلوصها، واطول يدا في البلوغ الى مجانيها من ثمرات واعواد.

كما انهم امس جانبا باحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والعلماء من صحابته الاخيار فهم اقرب فهما لابعاد الشريعة في اصولها والفروع، والاحاطة بجوانب الكتاب والسنة والسيرة الكريمة.

فكان الاهتمام بشانهم، والرجوع الى آرائهم ونظراتهم، ومعرفة اقوالهم في التفسير انما هو لمكان تقدمهم وسبقهم في الحيازة على قصب السبق في هذا المضمار شان كل متاخر في التفسير يرجع الى آراء سلفه لاليتقلدها او يتعبد بها بل ليستعين بها ويستفيد في سبيل الوصول الى اقصاها، والصعود على اعلاها فكان تمحيصا وتحقيقا في الاختيار، لا تقليدا، او تعبدا براي.

ولا شك ان الاحاطة برأي العلماء سلفا وخلفا، لهي من اكبر وسائل التوسعة في الفكر والاجالة في النظر، وبالتالي اكثر توسعا في العلوم والمعارف والصعود على مدارج الفضيلة والكمال هكذا تقدم العلم وازدهرت معارف الانسان.

فلآراء السلف قيمتها ووزنها في سبيل الرقي على مدارج الكمال ولولاه لتوقف العلم على نقطته الاولى، ولم يخط خطواته تلك الواسعة، في مسيرته هذه الحثيثة، نحو التكامل والازدهار.

قال الامام بدر الدين الزركشي: وفي الرجوع الى قول التابعي روايتان عن احمد و اختار ابن عقيل1 المنع وحكوه عن شعبة2.

لكن عمل المفسرين على خلافه، وقد حكوا في كتبهم اقوالهم، كالضحاك ابن مزاحم (105) وسعيد بن جبير(95) ومجاهد بن جبر (103) وقتادة بن دعامة (117) وابي العالية الرياحي (90) والحسن البصري (110) والربيع بن انس (139) ومقاتل بن سليمان (150) وعطاء بن ابي سلمة الخراساني (135) ومرة بن شراحيل الهمدانى (76) وعلي بن ابي طلحة الوالبي (143) ومحمد بن كعب القرظي (119) وابي بكر الاصم عبدالرحمان بن كيسان، واسماعيل بن عبد الرحمان السدي الكبير(127) وعكرمة مولى ابن عباس (105) وعطية بن سعد بن جنادة العوفي (111) وعطاء بن ابي رباح (114) وعبد اللّه بن زيد بن اسلم (164).

ومن المبرزين في التابعين، الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير ثم يتلوهم عكرمة والضحاك.

قال: وهذه تفاسير القدماء المشهورين، وغالب اقوالهم تلقوها من الصحابة ولعل اختلاف الرواية عن احمدانما هو فيما كان من اقوالهم وآرائهم3.

قلت: ان اريد التعبد باقوالهم، فلا ولعل المانعين يريدون ذلك ولكنا ذكرنا ان اعتبار آرائهم ونظراتهم انما كان لاجل تقدمهم وكونهم اقرب عهدا الى نزول الوحي واصفى ذهنا لفهم معانيه وكان الرجوع اليهم لاجل التمحيص والنقد لا التعبد المحض.

ومن ثم اهتم القدماء بضبط تفاسيرهم وجمعها وتهذيبها وسار على منهاجهم المتاخرون ولا يزال.

قال الحافظ ابو احمد ابن عدى: للكلبي4 احاديث صالحة، وخاصة عن ابي صالح5، وهو معروف:بالتفسير، وليس لاحد تفسير اطول منه ولا اشيع فيه وبعده مقاتل بن سليمان (150) الا ان الكلبي يفضل عليه.

ثم بعد هذه الطبقة الفت تفاسير تجمع اقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة (198) ووكيع بن الجراح (196) وشعبة بن الحجاج (160) ويزيد بن هارون (206) والمفضل بن صالح (181) وعبد الرزاق بن همام الصنعاني (211) واسحاق بن ابراهيم المعروف بابن راهويه (238) وروح بن عبادة (205) ويحيى بن قريش، ومالك بن سليمان الهروي، وعبد بن حميد بن نصر الكشي (249) وعبد اللّه بن الجراح (237) وهشيم بن بشير (283) وصالح ابن محمد اليزيدي، وعلي بن حجر بن اياس السعدي (244) ويحيى بن محمد ابن عبد اللّه الهروي، وعلي بن ابي طلحة (143) وابن مردويه احمد بن موسى الاصبهاني (401) وسنيد بن داود (220) والنسائي، وغيرهم ووقع في مسند احمد بن حنبل والبزار ومعجم الطبراني وغيرهم, كثيرمن ذلك ثم ان محمد بن جرير الطبري6 جمع على الناس اشتات التفاسير، وقرب البعيد، وكذلك عبد الرحمان بن ابي حاتم الرازي، واضرابهم7.

قال جلال الدين السيوطي: وكتاب ابن جرير الطبري اجل التفاسير واعظمها، ثم ابن ابي حاتم، وابن ماجة، والحاكم، وابن مردويه، وابو الشيخ بن حيان، وابن المنذر، في آخرين وكلها مسندة الى الصحابة والتابعين واتباعهم، وليس فيها غير ذلك، الا ابن جرير، فانه يتعرض لتوجيه الاقوال وترجيح بعضها على بعض، والاعراب والاستنباط، فهو يفوقها بذلك.

ثم قال: فان قلت: فاي التفاسير ترشد اليه، وتأمر الناظر ان يعول عليه؟

قلت: تفسير الامام ابي جعفر ابن جرير الطبري، الذي اجمع العلماء المعتبرون على انه لم يؤلف في التفسير مثله قال النوري ـ في تهذيبه ـ: كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف احد مثله.

قال: وقد شرعت في تفسير جامع لجميع ما يحتاج اليه، من التفاسير المنقولة، والاقوال المقولة، والاستنباطات، والاشارات، والاعاريب، واللغات، ونكت البلاغة، ومحاسن البدائع وغيره، ذلك بحيث لا يحتاج معه الى غيره اصلا، وسميته بمجمع البحرين ومطلع البدرين وهو الذي جعلت هذا الكتاب (الاتقان) مقدمة له واللّه اسال ان يعين على اكماله، بمحمد وآله 8.

وهكذا ذكر في مقدمة الاتقان: انه جعله مقدمة للتفسير الكبير الذي شرع فيه، وسماه بمجمع البحرين ومطلع البدرين، الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية9.

لكنه لم يذكر انه اتمه واخرجه للنشر ام لا10 والظاهر انه لم يتمه، اذ لا اثر له اطلاقا نعم اخرج كتابه "الدرالمنثور في التفسير بالماثور" حافلا باقوال الصحابة والتابعين واتباعهم، مستوعبا ومستقصيا كل ما ورد بذلك من نقول وروايات وبذلك كان اجمع كتاب في هذا الباب (التفسير النقلي) وليس فيه شيء من تقرير الدراية اصلا وقد اصبح بذلك مخزنا كبيرا يجمع في طيه من كل رطب ويابس، والاعتبار فيها انما هو بذكر السند، وهو المعيار لتمييز الصحيح عن السقيم عند العلماء.

وقال احمد بن عبد الحليم: اذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الائمة في ذلك الى اقوال التابعين:

كمجاهد بن جبر، فانه كان آية في التفسير، كما قال محمد بن اسحاق: حدثنا ابان بن صالح عن مجاهد قال:عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته الى خاتمته، اوقفه عند كل آية منه واساله عنها وقال: ما في القرآن آية الا وقد سمعت فيها شيئا وعن ابن ابي مليكة قال: رايت مجاهدا يسال ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه الواحه، فيقول له ابن عباس: اكتب حتى ساله عن التفسير كله ولهذا كان سفيان الثوري يقول: اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.

وكسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء بن ابي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الاجدع، وسعيد بن المسيب، وابي العالية، والربيع بن انس (139) البصري الخراساني وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم، من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم11.

وقال: اعلم الناس بالتفسير اهل مكة، لانهم اصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن ابي رباح، وعكرمة، وغيرهم من اصحاب ابن عباس كطاووس، وابي الشعثاء، وسعيد بن جبير وامثالهم وكذلك اهل الكوفة من اصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم وعلماء اهل المدينة في التفسير، مثل زيد بن اسلم (136) الذي اخذ عنه التفسير مالك، وكذا ابنه عبد الرحمان12.

وعد السيوطي من مبرزي التابعين مجاهدا، قال خصيف: كان اعلمهم بالتفسير، ولهذا على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما من اهل العلم ـ كما قال ابن تيمية ـ وكان غالب ما اورده الفريابي في تفسيره عنه.

ومنهم سعيد بن جبير قال الثوري: خذوا التفسير من اربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك وقال قتادة: كان اعلم التابعين اربعة: كان عطاء بن ابي رباح اعلمهم بالمناسك، وكان عكرمة اعلمهم بالسير، وكان الحسن اعلمهم بالحلال والحرام، وكان اعلمهم بالتفسير سعيد بن جبير.

ومنهم عكرمة مولى ابن عباس قال الشعبي: ما بقي أحد اعلم بكتاب اللّه من عكرمة وكان ابن عباس يجعل في رجليه الكبل، يعلمه القرآن والسنن.

ومنهم الحسن البصري، وعطاء بن ابي رباح، وعطاء بن ابي سلمة الخراساني، ومحمد بن كعب القرظي، وابو العالية، والضحاك، وعطية، وقتادة، وزيد بن اسلم، ومرة الهمداني، وابو مالك.

ويليهم الربيع بن انس، وعبد الرحمان بن زيد بن اسلم،13 في آخرين فهؤلا قدماء المفسرين، وغالب اقوالهم تلقوها عن الصحابة.

ثم بعد هذه الطبقة الفت تفاسير تجمع اقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، وآدم بن ابي اياس، و اسحاق بن راهويه، وروح بن عبادة، وعبد بن حميد، وسنيد، وابي بكر ابن ابي شيبة وآخرين14.

هذا وقد تعلل بعضهم في اعتبار ما ورد من تفاسير التابعين، اذ ليس لهم سماع من رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فهي من آرائهم، ويجوز عليهم الخطأ كما لم ينص على عدالتهم كما نص على عدالة الصحابة فقد نقل عن ابي حنيفة انه قال: ما جاء عن رسول اللّه، فعلى الراس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال.

وقال شعبة بن الحجاج: اقوال التابعين ليست حجة، فكيف تكون حجة في التفسير؟!

وقد عرفت عن احمد روايتين، احداهما بالقبول، والاخرى بالرفض.

قال الاستاذ الذهبي: والذي تميل اليه النفس، هو ان قول التابعي في التفسير لا يجب الاخذ به، الا اذا كان مما لامجال للراي فيه، فانه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة فان ارتبنا فيه، بان كان ياخذ من اهل الكتاب، فلنا ان نترك قوله ولا نعتمد عليه اما اذا اجمع التابعون على راي فانه يجب علينا ان ناخذ به ولا نتعداه الى غيره15.

قلت: ان كان اريد التعبد باقوال التابعين والتسليم لارائهم فهذا لا وجه له، ولا مبرر لذلك، فانهم ـ كما قال ابوحنيفة ـ رجال ونحن رجال.

لكن مقصود البحث غير ذلك، وانما هو الاعتبار العقلاني، بالنظر الى اسبقيتهم واقربيتهم الى منابع الوحي ومهبط التنزيل، وامس بجوانب الشريعة، واقرب تناولا الى اعتاب اعلام الصحابة والائمة الهداة، كما نبهنا فضلا عن انهم اعرف بمواضع اللغة واساليب العرب الفصحى ممن نزل القرآن بلغتهم وعلى اساليب كلامهم المعروف.

فكانت آراؤهم ونظراتهم المستنبطة من اصول متينة، المستقاة من مناهل صافية وضافية، من خير الوسائل السليمة لفهم معاني القرآن الكريم فهي بالاستعانة بها والاستفادة منها اقرب منها الى التعبد والتقليد.

وقد عرفت ان جل التابعين من متخرجي مدارس الصحابة الاولين كعبد اللّه ابن مسعود، وابن عباس، الذي كان هذا بدوره متخرجا من مدرسة الامام امير المؤمنين عليه السلام فجملة علومهم واصول معارفهم مستندة الى منابع اصيلة منتهية الى مصدر الوحي الامين الامر الذي يجعل الفرق واضحا بين من كان شانهم هذا، وبين من كان مستقى علمه بعيد المنال، ينتهي اليه بوسائط كثيرة، وفي جهد بليغ كما هي حالتنا الحاضرة بالنسبة الى حالة التابعين، وهم على مشارف المنابع الاولى يستقون منها بالمباشرة، وعن متناول قريب.

وعلى اى حال، فان اجتهاد من كانت المنابع في متناوله القريب، اصوب واسد وابين طريقا، ممن كان على مراحل من منابع الاجتهاد ولا اقل من كون اجتهاد السابقين دلائل تنير الدرب لاجتهاد اللاحقين الامر الذي لا ينبغي انكاره.

*التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، الشيخ محمد هادي عرفة، من منشورات الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، ط1، ص423-432.


1- هو عبد اللّه بن محمد بن عقيل الهاشمي: ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من اهل المدينة كان كثير العلم توفي سنة (145).
2- هو شعبة بن الحجاج ابو بسطام الواسطي ثم البصري اجمع الناس حديثا و اوثقهم رواية توفي سنة (160).
3- البرهان للزركشي، ج2، ص 158.
4- هو ابو المنذر هشام بن ابي النضر محمد بن السائب الكلبي الكوفي كان اعلم الناس بعلم الانساب كان من اصحاب الامامين الباقر والصادق عليه السلام وكان الى جنب علمه بالانساب عالما بالتفسير كبيرا توفي سنة (146).
5- هو باذام مولى ام هانئ بنت ابي طالب و هو صاحب التفسير الذي رواه عن ابن عباس.
6- ابو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري قال الذهبي: الامام الجليل المفسر، ثقة صادق ,فيه تشيع يسير، وموالاة لا تضر (ميزان الاعتدال، ج3، ص 498 ـ 499، رقم 7306).
7- البرهان للزركشي، ج2، ص 158 ـ 159.
8- الاتقان، ج4، ص 212 ـ 214.
9- الاتقان، ج1، ص 14.
10- كشف الظنون لحاجي خليفة، ج2، ص 1599.
11- مقدمته في اصول التفسير، ص 49 ـ 50.
12- المصدر نفسه، ص 23 ـ 24.
13- توفي سنة (182) قال ابن خزيمة كان من اهل العبادة والتقشف، ولم يكن من اجلاس الحديث (تهذيب التهذيب، ج6، ص 177 ـ 179).
14- الاتقان، ج4، ص 210 ـ 212.
15- التفسير والمفسرون، ج1، ص 128 ـ 129.

2009-10-20