الاستخارة
كيف نرد على شبهات الوهابية؟
هل يمكننا من خلال الاستخارة أو غيرها أن نتصل بالله وأن نطلع على حسن المستقبل أو سوئه أم لا؟ فإن كنّا نستطيع فاللازم أن ننال من هذا الطريق منافع كثيرة وكبرى من مالية وسياسية وعسكرية
عدد الزوار: 516
هل يمكننا من خلال الاستخارة أو غيرها أن نتصل بالله وأن نطلع على حسن المستقبل أو
سوئه أم لا؟ فإن كنّا نستطيع فاللازم أن ننال من هذا الطريق منافع كثيرة وكبرى من
مالية وسياسية وعسكرية وأن نتقدّم الدنيا كلها فلماذا كان الأمر على عكس ذلك «قل لو
كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني من سوء» وإن لم نكن نعلم فلماذا
التلاعب باسم الدين بأرواح وأموال الناس.
وجواب هذا السؤال يتضح بعد أن نبيّن معنى الاستخارة وموردها. وبعد أن يتضح ذلك يتضح
أن هؤلاء إما أنهم لا يعلمون فوقفوا في وجه المؤمنين وتكلموا عن أعاظم الدين بما لا
يليق أو أنّهم يعلمون وتعمّدوا ذلك لأجل إساءة نظرة الناس عنهم فأتوا بمثل هذه
الأكاذيب واستخرجوا منها استنتاجاتهم الصبيانية والعلماء براء مما يقولون.
معنى الاستخارة:
للاستخارة معنيان: أحدهما: وهو المعنى الحقيقي وفيه كثر استعمالها في
الأخبار[1] وهو معروف لدى الخواصّ. وهو طلب الخير من الله وهذا أمر مستحب في كل
الأعمال التي يقوم بها الإنسان وهذا من الدعاء الديني الذي اهتمّ به القرآن حتى قال
في سورة الفرقان الآية 77:
﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامً﴾ فالله يخبر عن هؤلاء الذين أفلت
لجامهم أنهم لا يعطون للدعاء قيمة ويكذبون به والحال أن قيمتهم معدومة إن لم يكن
هناك دعاء. والحاصل أن هذا القسم من الاستخارة هو الأكثر الذي تعرضت له الأخبار
وذكرت آدابه وهو محض دعاء وطلب الخير من الله ولعلّ كاتب هذه الترهات لم ير أو يسمع
بمثل هذه الاستخارة وعامة الناس لا تعرف الاستخارة بهذا المعنى حتى يصل إلى أسماع
أولئك.
المعنى الآخر أن الإنسان عندما يتحيّر في أمرٍ تماماً أو لم يهده عقله إلى وجه
الحسن أو السوء ولا بيّن له عاقل آخر ذلك ولم يشرع الله في مورده حكماً ليعمل به
ففي هذه الحال حيث لا طريق للعثور على كون الفعل حسناً أو سيّئاً لا بدّ للناس
مؤمنين كانوا أم غير مؤمنين أن يختاروا أحد الطرقين وأن يختاروا وهم في حال العمى
والحيرة. والتحيّر في حال الاضطرار من أسوأ ما يعرض على البشر من حالات والجميع
يعلم أنه إذا وجد المرء في هذه الحال شخصاً يرشده إلى جهة تطمئنه وتحرّكه بقلب
مطمئن وإرادة راسخة لكانت خدمة عظيمة. وفيما نحن فيه يقول المتدينون أن الله ملجأ
الضعفاء وحاكم الضعفاء قد فتح في هذه الحالة التي هي من أشدّ الحالات التي يحتاج
فيها المرء إلى من يأخذ بيده، باب أملٍ من عالم الرحمة والرأفة وإذا التجأ الإنسان
في حال الاضطرار إليه وطلب هدايته وناجاه: إلهي قد عجز عقلنا وعقول الآخرين عن
إدراك طريق الصلاح والفساد ولم يبق لنا مخلص فخلّصنا نحن الضعفاء وأرشدنا إلى عالم
الأسرار الخفيّة وقوّ إرادتنا نحو أحد السبيلين واعطنا الاطمئنان وخذ بأيدينا فالله
القادر على الإيجاد والإعدام إما أن يرشده نحو طرف ويهدي قلبه فهو مقلب القلوب وهذا
نحو من الاستخارة (النحو الأول) وإمّا أن يرشده من خلال بضة من سبحة أو آية من
القرآن إلى جهة يطمئن إليها. فما هو جواب المثرثرين عديمي الدين عن جواب
المتديّنين، أولاً تعرض للإنسان في هذه الحياة وأيام الدنيا كثيرة الصعاب التي قد
يصادف فيها كل شيء، مثل هذه الحالة؟ لا محيص عن الإجابة بنعم لأن جميع مفكري العالم
قد يأتيهم يوم لا ينير لهم عقلهم مستقبلهم فهل يبقى الإنسان في حالة تحيّره
متحيّراً مع عجز عقول الآخرين عن بيان السبيل فلا يحتاج إلى مرشد يفتح له طريق
الحل؟ هنا أيضاً لا سبيل لكم إلا الجواب بالإيجاب وهل إذا أطفئت أنوار العقول
وامتنع تدبير العقلاء، هل هناك غير الله المظهر والمُخفي من عنده السبيل، وهل هذه
الحال من حالات الاضطرار؟ لا بدّ أن تقولوا نعم. فهل يقدر الله أن يأخذ بيد الإنسان
في هذه الحال ويرشده إلى طريق الخير؟ ولا مجال لكم لإنكار قدرة الله. وهنا ينتهي
الكلام بسؤال آخر هل الله المتّصف بصفات الرحمة والرأفة والعطف والذي بسط مائدة
الرحمة وسفرة النعمة للعالمين والذي سنّته الهداية وعادته الإعانة، هل إذا ما توجّه
إليه عبد مضطر يحرمه؟ هنا يقول المؤمنون نحن نعرف الله بمعين الضعفاء مرشد العاجزين
فماذا تقولون أنتم. بل أقول لو رأى المختاري إنساناً في ذلك السجن المظلم على هذه
الحال واطلع على قلبه لم يتعلق إلا به فإنه سيعينه فاعتقدوا على الأقل بأنّ الله
مثل المختاري وحينئذٍ تتصالحون مع المؤمنون وترجعون عن طريقكم والله يقبل اعتذاركم
وإن لم يقبل أهل الدنيا.
دليل قرآني:
ومع أن هذا الأمر بسيط وواضح يؤمن به كل عاقل ويقبل به كل من له أدنى
إيمان بالله وغير محتاج إلى دليل غير إرشاد العقل، لكن حتى يعلم القراء أن قول
المتدينين هذا له دليل من كتاب الله، نرى الحاجة لذكره، ففي سورة النمل وردت الآية
62:
﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ في ضمن آيات
يعدّ الله فيها قدرته ونعمه فهل هناك غير الله من يجيب المضطر ويجيب دعاءه ورجاءه
ويزيل عنه السوء وهل هناك غير الله يلجأ إليه الناس يأخذون منه ما يطلبون ويكشف
عنهم السوء. فليس إلاّ الله من يجيب طلب المضطرين والمتحيّرين ويكشف عنهم السوء
ويبعده عنهم. فلو مرض شاب هو أمل أمه وأبيه العاجزين واجتمع الأطباء فاختلفوا في
إجراء عملية لهذا الشاب أو تردّدوا في الموافقة لما في العملية من خطر وفي تركها
خطر فهنا لم يسعفهم نور علم الأطباء ليعرفوا ماذا يفعلون ولم يحدّدوا ما يجب أن
يُقدم عليه بالنسبة إلى المريض. أليس للوالدين الحنونين اللذين ليس لهما إلا هذا
الولد يسعدان به في هذه الحياة، أليس لهما حالة اضطرار. فلو فتح الله لهما حينئذٍ
باباً من خلال الدعاء والتوسل ودلّهم على حسن العملية أو سوئها فأين تضطرب الحياة
وهل هنا من يحكم في هذه الحال إلا الله. هنا يقول المؤمنون يمكن من خلال الاستخارة
والتوجّه إلى الله الرحيم أن نكشف الطريق نعم يبقى أن يقال إن الأخبار الواردة في
الاستخارة لم تعد بأن الله دائماً يوصل المرء إلى المقصود بل وعدت بأن الله يعطي
الخير لطالبه فإن كان صلاحه أن يُعطى في الدنيا أُعطي منها وإلا فإنه يدّخر له ذلك
إلى الآخرة.
تأثير قوة الإرادة:
يقبل بوضوح علماء العالم وعلماء معرفة الروح وعلماء النفس القدماء
والجدد: الشرقيّون والغربيّون وتلقوا في المحافل العلمية بالقبول أن الإنسان يتقدّم
في أعماله بقوة الإرادة بحيث لولاها لا يستطيع أن يأتي بعشر الأعمال. بل الإرادة
القوية في الإنسان تمكّنه أحياناً من القيام بأعمال غير عادية فالمريض الذي يجب أن
يعالج بالأدوية، تعالجه إرادته القوية أو إرادة الطبيب. كما أن من المعلوم للجميع
أن الاطمئنان بعمل والأمل بالتقدّم أمر له آثاره الواضحة وغير العادية كما يظهر ذلك
فيما إذا اشتغل شخصان بعمل ما أحدهما بائس ويقوم بالعمل في تردّد وحيرة والآخر
مطمئن فإن الثاني يتقدّم بقوة إرادته وقلبه المتماسك والأول أمضى وقته باضطراب
وتردّد لأنه إذا قام بالعمل قام به ببرودة وتكاسل فلا يوفّق.
نقول إذا لم تقبلوا بما تقدّم منّا مع أنه من أوضح أحكام العقل، وأصررتم على أن
الله لا يلتفت إلى حال عباده أو لا دخل له في شؤون الناس، نقول كفى في الاستخارة
فائدة هذه النتيجة وهي أنها أحياناً تقوّي من عزيمة المتردّدين وتبدل الكسل والخمول
حيوية ونشاطاًً. فماذا تقولون أنتم. أتقولون بأن نطمئن المتحيّرين والمتردّدين
ونخرجهم من حالة التحيّر إمّا بترك العمل والاشتغال بأمر آخر فلا يقضون عمرهم
وأوقاتهم في تردّد وحيرة وإمّا بأن يفعلوا مطمئنين بأنّ الله معهم في ذلك وهذا بحدّ
ذاته سند وسبب في التقدّم كما ثبّت الله مؤمني الصدر الأول وأظفرهم على غيرهم
وواجهوا الفئات الكثيرة مع قلّة عددهم كما جاء في سورة الأنفال الآية 65:
﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ
عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ
يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُو﴾ فقد كان المقوي لإرادتهم الموجب
لغلبتهم على الكفّار هو هذا الاعتماد على الله. أم تقولون بإبقائهم على تردّدهم وأن
يمضوا أيامهم بكسل وخمول وإذا تركوا مقصودهم فإنّ قلوبهم تبقى معلقة به وتتفكّك
قواهم الروحية وأثر ذلك أن يتأخّر في عمله وإذا استمرّ في عمله فإنه يستمر مع ضعف
الإرادة والخمول والتكاسل. ندع الحكم للوجدان الطاهر للقرّاء المحترمين.
خطأ الباحثين عن الفتن:
هؤلاء الجهال لا يعدمون من اشتباه وخديعة فيوحون للناس أن العلماء
أعرضوا عن حكم العقل كلية وجميع أعمالهم يأتون بها مع استخارة ثم يقولون من الأفضل
أن نختار عالماً بالاستخارة. هذا الضعيف الجاهل غافل عن أن هذا الكتاب كتب
بالفارسية ونشر بين الناس وأكثرهم على علاقة مع العلماء فيعرفون مورد الاستخارة
بالعمل الواضح في عقل الإنسان أو من يهديه إليه ليس مورد استخارة والناس لا تستخير
فيه كما أنّ العلماء لا يستخيرون لهم إذا عرفوا الأمر. المريض يحتاج إلى الطبيب
بحكم العقل فإذا وجد طبيب معروف بعلمه ولا يوجد غيره فهنا لا استخارة. لكن لو وجد
طبيبان لا نعرف الأفضل منهما ولا طريق لنا للترجيح فالناس حينئذٍ إما أن تسأل الله
الخير فتختار أحدهما باطمئنان وهذا قسم من الاستخارة وإمّا أن يستشيروا الله وهم في
حالة الاضطرار فيفتحون القرآن ويفتح لهم باب أمل والله الرحمن لا يحرمهم أيضاً ولا
يطردهم عن باب رحمته الدائمة. فكم هي القوة الروحية التي سيزرعها في قلب المريض هذا
التفاؤل بالعلاج والأمل بلطف الله، وكم هو تأثيره في تحريك المريض مع الأمل، وبأي
اطمئنان سيقوم الطبيب بعلمه. هذا في حدّ ذاته من طرق العلاج تعرّف عليه علماء النفس
بعد مضي سنين طويلة وقد عرفنا ذلك من نور النبوّة قبل أكثر من ألف سنة. فقولكم
فلنهاجم بريطانيا بعدّة من الاشخاص راكبين وراجلين باستخارة ونضم العالم إلى لوائنا
قول غلط وجهالة ولو كان في العالم خزي فإن لا يتعدّاكم أيها المثرثرون. وأمّا قولكم
كان الأفضل لموسوليني أن يستخير بدل أن يخوض حرباً لسنين وبدل تلك الخسارات المادية
والروحية فهو غباء. ونحن نقول أن موسوليني حتى لو لم يرَ من يواجهه في ميدان الحرب
العالمية الواسعة كان عليه أن يتجنّب الحرب وليس المورد مورد استخارة لأنّ للعقل
هنا طريقاً إلى الواقع ولو كان متحيّراً واقعاً ولم يأمر الله بشيء في هذا المورد
وتوجه وهو في حال الاضطرار والضعف إلى بيت الله لم يكن ليجيز له أن يدخل في هذه
الحرب المشتتة للعباد. ولسنا ندري هل سألتم موسوليني فأجابكم بأنّ استخارته كانت
جيدة حتى يرد نقضكم أم أنكم تأتون بمثل لا مورد له وتضيّعون وقتنا ووقتكم بلا
فائدة. وأمّا حرب القفار فإن كانت للضرورة ودفاعاً عن البلد فلا كلام فيها وإلا
فإنه يأتي فيها الكلام المتقدّم فلا حاجة للتكرار، وأما الأمثلة التي ذكرتها من أنّ
فتاة أُعجب بها شاب بعد تحادثهما لكن الاستخارة لم تكن حسنة فانفصلا، وأن بيتاً
أعجب المشتري لكن انصرف عنه بسبب الاستخارة، فإن الجواب عنها وعن الآلاف من أمثالها
يتضح مما تقدّم في تحديد مورد الاستخارة ولا محلّ لحمل كلامكم إلا عن الجهل أو
إثارة الفتن. ففي مورد الزواج الغالب أن يكون الإنسان جاهلاً بخصوصيات أخلاق عائلة
الفتاة والزوج الذي لا يعرف ذلك يكون في حيرة من أمره فالله يرشده في مثل هذه
الحالة المظلمة المهمة. وأما قولكم «فالله يعلم ما يصلنا بسبب الاستخارات من
المضارّ والخسائر» فهذا من حذاقتكم أنكم لم تبرزوا واحدة منها فليتكم أتيتم بمثال
واضح ورد فيه الضرر على المؤمنين بسبب الاستخارة كي يقبل كلامكم وإلا فإنه يمكن
بمجرد الادعاء أن يقول شخص: الله يعلم كم يصلنا من المنافع بسبب الاستخارات ويسكت
عن ذكر مواردها إلا أنه يكون كلاماً لا قيمة له في عالم العلم ما لم يأت بدليل.
والمفكّرون يتمكّنون الآن ومن خلال ملاحظة كلام كلا الفريقين أن يتفهّموا المطلب
بلا حاجة إلى تعقيب.
اشتباه وكذب:
هؤلاء الأغبياء حتى يسيئوا نظرة الناس إلى العماء وقعوا في خطأ آخر
ونسبوا إليهم فرية واضحة فقالوا: «أمّا التكلّم بالغيب أو أيّ عمل آخر مثله فإن كان
بطريق الدين فلا أحد أقرب إلى الله من الأنبياء وأنتم تؤمنون أنّ نبي الإسلام صرّح
في عدد من الآيات أنه بعيد عنه وإن كان من خلال العلم وطريق الطبيعة فلا أحد مثل
الأوروبيين في ذلك وترون أنهم لم يدّعوا مثل ذلك. ومع الغضّ عن ذلك نقول لا دليل
أفضل من الوقوع فإن كان لديكم خبر عن ناطق بالغيب أو مثل ذلك مما هو خارج عن طريق
الطبيعة فهيّا اعلموا المفكّرين وأقيموا مجلساً ليقوم بالعمل في حضورهم ونحن نعلن
ذلك للعالم ليعرفوا أنّ إيران موطن رجال الله فإن قلتم: من تعرّف على أسرار الحق
ممنوع من الكلام[2] نقول ما هي هذه الأسرار التي تقولونها للبسطاء سريعي التصديق
فإذا حضر أناس مدقّقون تصير من الأسرار».
عفارم على هذا التلاعب والشعبذة حيث ربطتم في أسطر بين أشياء لا ربط بينها ولفتّم
أنظار الناس بعدّة أكاذيب وافتراءات ألم تحتملوا أن يأتي شخص يستنطقكم. فها نحن
الآن نسألكم ونسأل كل الذين لهم ارتباط ما مع العلماء من هو الذي ادّعى منهم التكلم
بالغيب والإتيان بمعجزة وكرامة. وقد رأيتم أنّ الاستخارة ليست تكلّماً بالغيب بل
تشبّث بالدعاء إذ الله فقط من يعطي الخير للعبد المضطر أو أنها تعبر عن الخروج نم
حالة الاضطراب والتردّد فتعود علينا بمنافع كثير. من قال ومتى قيل إننا نتكلم
بالغيب وأن أسرار الحق لدينا. نعم قد يوجد في طهران حاذق يستفيد من بساطة الناس
ويعلن أنه يضرب بالرمل ويعرف الجفر ويخاطب الجن ويتكلم عن الغيب هؤلاء يدّعون ذلك
فاذهبوا إليهم وامتحنوهم فإن كانوا من العلماء أو كان لهم أصلاً علم يتوفر في
العلماء لكان لكم الحق أن تنسبوا إليهم ذلك. فاذهبوا يوماً إلى هؤلاء الضاربين
بالرمل والمحتالين وانظروا هل الذين يترددون إليهم هم من له ارتباط أكثر مع العلماء
وتعلموا من العلماء مسائل دينهم، فيطلبون من هؤلاء أن يتكلموا بالغيب من خلال الرمل
والجفر والاستخارة أم أن من يأتيهم هم من الذين لا علاقة لهم مع العلماء ولم
يستفيدوا منهم أبداً. وإذا كان لهؤلاء دفتر يسجلون فيه اسم وعنوان من يأتي إليهم
فسيتضح حينئذٍ أن الذي يأتيهم هو من المؤمنين المعاشرين للعلماء أم من غيرهم من
أمثالكم الذين قطع لجامهم. إنّ العلماء يعتقدون أنّ عمل الجفر والرمل والتكلم
بالغيب وستخير الجن وأمثال ذلك حرام وكتبهم بين الأيادي[3]. وأنتم تدّعون أن من
يقوم بهذه الأعمال هم العلماء وتمرّ على الناس سريعي التصديق هذه الخدعة أو أنكم
تقرأون بيت شعر لصوفي وتنسبون كلامه إلى العلماء وأنهم يقولون «كل من تعرف على
أسرار الحق...» فما هو ذنب العلماء المساكين المخالفين دائماً لهذه التوافه حتى
ينسب إليهم كل شيء بلا أيّ ربط فلماذا لا تقولون أنّ العلماء يجبرون الناس بالقوة
على السفور، العلماء بنوا أحواض السباحة وأمثال ذلك. وعندما يقول العلماء أن
التديّن خير والفلتان شر فلأجل ذلك إذ المتديّن في طول عمره لا يكذب على الناس ولا
يتهم والتهمة من أسوأ الذنوب وأعلى مراتب الدناءة فالله قيّد قلمه ولسانه أما الذي
قطع لجامه لا يتقيّد بأيّ قيد فلا يرى مانعاً من أن يقول كل ما يخطر على باله ولا
عيباً في أن يهيّئ أكاذيب وتهماً ينسبها بلا خجل إلى فئة تمثل العضو الشريف في
المجتمع فهذه من مضار عدم التديّن والفتان الذي حاربه كل من الأنبياء والأئمّة
والعلماء ولا يزالون يحاربونه ولا يتخذون عن وظيفتهم الخاصة التي حمّلهم الله إياها
وهي هداية الناس، بسبب هذيانات عدد من الأغبياء.
وأما قولكم أنّ الأنبياء لا يتكلمون بالغيب ولا يأتون بالخارق للطبيعة وأن
الأوروبيين لم يدّعو مثل ذلك، فقد بينّا فيما سبق أن الأنبياء بصريح القرآن كانوا
يتكلمون بالغيب ويأتون بالخوارق للطبيعة وأنتم إمّا لم تقرأوا القرآن أو قرأتموه
لكن تكذبونه أيضاً حيث تقولون بصريح العبارة ومن دون أيّ حياء: «إن كلّ من ادعى
عملاً خارجاً عن قدرة البشر كاذب وأسوأ من المحتال وقاطع طريق يجب إعدامه» فموسى
كليم الله وعيسى بن مريم ومحمد بن عبد الله الأنبياء العظام الأطهار هم على قولكم
كاذبون محتالون قطّاع طرق يجب إعدامهم أمام أعين الناس حتى يصحّ كلامكم أيها
الزردشتيون المجوس عبّاد النار. «تفٍّ عليك أيها».
الأوروبيون أيضاً عثروا على شيء من الطريق إلى عالم الغيب ويتكلمون بالغيب مع
التنويم المغناطيسي والعلماء الروحيون الإنكليز والألمان والأمريكيين والفرنسيين
والروسيين وسائر الدول قد خرجوا من مرحلة القول إلى مرحلة الإحساس به والوجدان.
وأما ما ذكرتم من أنّ الأوروبيين لم يدّعوا مثل هذه الدعوى فهذا يبيّن أنّ مستوى
معلوماتكم بمستوى الأطفال الصغار لأنّ الأطفال الصف الرابع والخامس سمعوا أنّ
الأوروبيين يكشفون عن الحقائق بواسطة التنويم المغناطيسي وأنهم يعتقدون بكشف الغيب
من خلال إحضار الأرواح.
أجوبة صبيانية من أنفسهم:
ومن أعمال هؤلاء المقطوع لجامهم الملوكية أنهم يختلقون أجوبة ينسبونها
إلى المؤمنين ثم يردون عليها وهذا من ألاعيبهم وخدعهم يريدون أن يوهموا الناس أن لا
وجود لأجوبة عن هذه الأسئلة صحيحة ومنطقية وأن لا حلّ لها. أَوَليس عندهم احتراز من
أن ينهض أحد المؤمنين ويفضحهم ويخزيهم في المجتمع وقد خلا هؤلاء من العلم والتقوى
إلى حد أنهم أحياناً يتكلمون بكلام لا يليق حتى بالأطفال الصغار وأحياناً يتكلمون
بأكاذيب يتقي منها اللواطيون. ومع ذلك يظهرون أنفسهم – بما لهم من علم ومعرفة
وطهارة ذيل وروح صافية!- على أنهم طلاب إصلاح وأن جهودهم في سبيل الله ورأفة
بالناس. وقد أدرك القرّاء المحترمون وشبابنا المثقفون وإخواننا في الدين وطلاب
الجامعات والمدارس، آراء هؤلاء وأجوبتنا وتبيّن لهم بوضوح مستوى معلوماتهم ودرجة
تقواهم واستقامتهم وإشفاقهم وعبادتهم لله.
ثم إنه ذكر (أي الكاتب) تسعة أجوبة من نفسه نسبها للمؤمنين والحال أن أيّاً منها لا
ربط له بالمؤمنين الذين يملكون الأجوبة الكافية عن هذه الأسئلة المتضاربة والمضطربة
والمتذبذبة والصادرة عن سوء نيّة فينسب إليهم مثلاً القول: إنّ الأفضل بدل هذا
الكلام أن تكفّروا في أرزاق الناس فهذا الكاتب الخائن يلفّق الكذب ليظهر عجز
المؤمنين عن الإجابة والحال أنّ تفكير هؤلاء في أرزاق الناس مثل تفكير المسؤول عن
ألبسة المستحمّين (في الحمامات العامّة) بالنسبة إلى تأسيس كليّة الطب أو مثل تفكير
الدلاك في إيجاد الروابط السياسية بين دول أوروبا وآسيا. أبداً لا يقول المؤمنون
فكّروا في الأرزاق بل يقولون ليكن فكركم فكر الشرف والناموس ثم يقول: «ويقولون: 2-
إنّ هذا الكلام يوجب النفاق. 3- كلام لأجل الاشتهار. 4- يوجب تحريك الأجانب» ونحن
نقول إنكم وإن ذكرتم كلامكم لأجل هذه الأهداف القذرة لكن ليس هذا هو جوانب المؤمنين
ولا أنتم ستحققون أهدافكم لأنكم أحقر من أن تستطيعوا إيجاد النفاق نعم حققتم شهرة
ما لكن بأيّ طريقة؟ نَكِل ذلك إلى القرّاء.
أما ما ذكرتم من قولهم تحريك الأجانب فهذا كذب لفقتموه عن سوء نية وقذارة ظنّاً
منكم أنّ الأجانب مثلكم لا عقل لهم ولا إدراك حتى تعطوا قيمة لهذه الأكاذيب
الواضحة. أنتم أردتم بهذه الكلمة تحريك الأجانب في غفلة عن أنكم أحقر من أن يتلفّت
إليكم أحد.
ثم يقول: «يقولون: 5- كيف لم يفهم ذلك جميع العلماء والعظام وأنت فهمته. 6- سلّمنا
أنها أغلاط وأعرضنا عنها فماذا يحلّ محلها».
وهذه وإن لم تكن أجوبة المؤمنين لأن أجوبتهم الجبّارة مبنية على الموازين العلمية
بما لا يسدّ أفهامكم وقد أفهمناكم بالمقدار المستطاع وما ذكرته في هذه الأوراق أقل
من مستوى إدراك الاطفال إلا أنّ الجواب الخامس لو أنصف الإنسان سيجده جواباً مجملاً
صحيحاً. ولنوضح ذلك بمثال:
يوجد في إيران وأوروبا وأمريكا وألمانيا وباقي البلاد مئات الآلاف من الأطباء
والعلماء ويمضي الكثير منهم 60 أو 70 سنة في التفكير بمسائل الطب وفروعه وألّفوا في
ذلك الكتب حوت براهينهم وتجاربهم وقدّموها للناس ورأت الناس منهم العمليات الطبية
الممتازة فاتفق هؤلاء الأطباء مثلاً على عشرة مسائل لا ترديد عندهم فيها وبيّنوا
ذلك في كتبهم أو محاضراتهم وفي الأثناء يظهر شخص مهمته الحفاظ على ألبسة المستحمّين
وتجوّل سنتين واشتغل سنتين أو ثلاث في محل سمانة فسنحت له فرصة أن يكتب بعض الأوراق
ونشرها ووجدنا في تلك الأوراق أغلاطاً واضحة هذا الشخص بهذه المواصفات كتب في صحيفة
رسمية رأياً مخالفاً لأطباء العالم يخطئهم في رأيهم. فماذا يقول العقل والبشر طرّاً
حينئذٍ ونحن من صدر الإسلام إلى الآن ظهر الملايين من المجتهدين والمتخصصين في علوم
الدين من جميع الأقطار الإسلامية والمتخصصين في العلوم المذهبية وفي العالم مئات
الملايين من المؤمنين وقد اتفق جميع العلماء والمتديّنين على جملة أمور اعتبروها من
الشعائر الدينية أو المذهبية وفجأة يظهر شاب اشتغل عدّة سنين في بيع السجاير وفي
مراكز التجليد وصعد المنبر مدة لأجل الارتزاق وعرف الجميع أوضاعه الحياتية ومستوى
معلوماته والآن يشتغل في إدارة البريد (أو عمل إداري) ويقول إن جميع علماء الإسلام
أخطأوا وجميع المتديّنين مشركون وأنا وحدي سلكت الدرب الصحيح وفهمت الإسلام، وهؤلاء
الذين عرفهم الناس بالزهد والتقوى والعلم والفكر همّهم الرئاسة وأن يفتحوا دكاناً
على حسابهم وأنا أعلم منهم وحدي وأفضل منهم في الزهد والتقوى، أعمالي لله لا أهدف
إلا عبادة الله والرأفة بالناس. فلنزن هذا الكلام على أساس العقل الذي وهبنا الله
ولنطلب حكمه مع ملاحظة هوية الكاتب وشغله.
ثم يكتب: «يقولون: عقل البشر ناقص بدليل ما نراه من أديان لا تحصى فهذه جميعها تقول
دليلنا العقل والحال أنّ الواقع واحد لا أكثر» ثم يفصّل ويطيل الكلام في ذلك
فراجعوا الكتاب.
ونحن نقول ظنّ هذا الغبيّ أنّ المؤمنين داسوا على حكم العقل ولا اعتناء لهم به
أبداً وهذا من جهله وعدم اطلاعه. أوَليسوا هم هؤلاء المتديّنون الذين كتبوا كل هذه
الكتب في الفلسفة والكلام واستناروا في آلاف المسائل الفلسفية بهدى العقل وضياء
نوره أوَليسوا هم أعاظم الدين الذين جعلوا حتى في الفقه العقل من أدلّته. لكنكم عن
عمدٍ وعداوة وإثارة للبلبلة أو عن جهل وعنادٍ تفترون على العلماء بهذه الأكاذيب
الواضحة. فما العمل هنا حيث تبقى قدم العقلاء في الطين. فحتى الأنبياء لا يستطيعون
أن يهدوا أمثالكم نعم يفترق المؤمنون عنكم بالقول: بأننا بعد أن عرفنا الله بعقلنا
وبه آمنا بالنبيّ وبكتاب الله. نرجع في الأمور التي لا يدرك العقل صلاحها وفسادها
إلى الرسول والقرآن ونسلّم لهما ونقبل منهما. فهم يقولون نحن آمنا بالبرهان بوجود
حياة أبدية للروح. وكل حيّ يحتاج إلى أجهزة للحياة ولم ندرك خصوصيّات عالم الغيب
والله الذي عنده أسرار العالم أرسل الأنبياء ليعلموا الناس تلك الوسائل وهم بدورهم
يعلّموننا. وأنتم ماذا تقولون هل تقولون لا عالم إلا العالم الماديّ وأنّ الأرواح
لن تبعث في عالم آخر ولا تحتاج إلى تلك الأجهزة أو تقولون لنا اطلاع عن عالم الغيب
من أنفسنا. اختاروا ما شئتم والمؤمنون يثبتون أخطاءكم بدليل العقل والقرآن. وإذا
نسب إلى الله أو النبي شيء على خلاف الدليل العقلي القطعي فذلك المنسوب مرفوض. وهذا
الكلام مسطور في كتبنا لكنّكم لم تقرأوها وهنا عيبكم إذ يتدخّل إنسان جاهل لم يحصّل
العلم، في أمر الدين وقد تقدّم مستوى عقله وعمله. أنصفوا أليس تدخّلكم مع هذا
المستوى من المعلومات الصبيانية من قلّة العقل الآن يصح أن يقال أن العقل ناقص إذ
لا دليل أفضل من الوقوع.
وأما زيارة القنفذ في مشهد والتصاق شخصين ببعضهما وتواجهون بها المتديّنين فهذا من
جهلكم لأنّ آخر من يصدّق هذه الأمور هم العلماء ومن له علاقة بهم وغالبكم أكثر
خرافة فإنّ الذين يجلسون حول الساحة ويتوسّلون ويذهبون لزيارة حافر القنفذ وأمثال
ذلك هم من الذين لا علاقة لهم مع العلماء وإذا رأيتم في حياتكم عالماً يعتقد بأمثال
هذه الأمور أو قام هو ومن حوله بمثل هذه الأعمال فكلامكم صحيح. نعم هنا الكلام
الغبي إنكار القرآن وجميع الكتب السماوية وتكذيب الله لأنّ القرآن نقل الكثير من
معاجز الأنبياء فحيث كان ذلك كذباً فتحويل عصا موسى حيّة وإحياء عيسى بن مريم
للأموات كذب أيضاً وهذا دليل نقصان عقلكم مع أنكم تدّعون أن العقل ليس ناقصاً.
أيضاً كذب وافتراء على المؤمنين:
وهنا كذبة أخرى افتروا بها على المتديّنين وهم لا علم لهم بها. منها ما
ذكره الكاتب: «يقولون هذه الخرافات موجودة في كل الدنيا ولم يترتّب منها ضرر فلماذا
تؤذي الناس فإن ما تسمّيه خرافات أفضل من الفلتان». ثم يبدأ بذكر الأجوبة ويذكر
جواباً على هذه النقطة.
يكذب ويفتري كي يُفهم الناس أن المتديّنين يعترفون بأنها خرافات. يجب أن تُسألوا أي
متديّن قال لكم إنّ معجزة الأنبياء التي صرّح بها في القرآن وأنّ تعظيم واحترام
الأنبياء وأولاد الأنبياء الثابت بحكم العقل والقرآن وأمثال ذلك من الخرافات.
ومن جديد يتحدّث الكاتب عن الشرك ومواجهة القرآن للمشركين. وقد اتضح جواب هذه
الأمور واشتباهات هؤلاء ثم يسند سبب تأخّر الشرق عن الغرب إلى المتديّنين والحال
أنه من المعلوم أنّ تقدّم المسلمين في العصر الأول كان بسبب تديّنهم لا الفلتان.
أما الأمثلة التي ذكرها فهي كسائر كلامه لا علاقة لها بالعلماء بل ما هو مرتبط
بالعلماء بعيد عن ذلك كل البعد. ولا نرى الحاجة إلى التعقيب على المقالة الأولى
أكثر من ذلك. فالمفكرون الذين رأوا أجوبتنا لهم الحكم وقد أدركوا أنّ القوم يريدون
إثارة الفتنة ويبيّتون نيّة سيّئة وإذا كان المفكّرون يرون أنفسهم مسؤولين عن حفظ
الدين والقرآن والمقدّسات المذهبية فعليهم أن يقمعوهم وأن يدوسوا على رؤوسهم بقدم
الشهامة ويسحقوهم. وأن يمنعوا هذه المطبوعات المخالفة للقانون والدين وأن تجري على
هؤلاء الثرثارين في حضور أنصارهم حكم الإعدام وأن يسقط هؤلاء المثيرون للفتن
المفسدون في الأرض حتى لا يضرموا نار الفتنة ويؤججوها ولا يفرّقوا الكلمة ولا
يمدّوا أيدي الخيانة لتنال من المقدّسات الدينية.
[1] راجع وسائل
الشيعة باب صلاة الاستخارة.
[2] مضمون بيت بالفارسية: حركه واسرار حق آموختند مهركردند ودهانش دوختند.
[3] فليراجع المكاسب المحرمة من الكتب الفقهية.