مصائب ومواقف - عبدالله بن عفيف الازدي
مصائب ومواقف
لما قتل الحسين(ع)، صعد عبيد الله بن زياد المنبر، وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب وشيعته!
عدد الزوار: 302
مسجد الكوفة الأعظم
لما قتل الحسين(ع)، صعد عبيد الله بن زياد المنبر، وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق
وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب وشيعته!
فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي
وقال: يا بن مرجانة، الكذاب وابن الكذاب أنت وأبوك، ومن استعملك وأبوه، يا عدوّ
الله ورسوله؛ أتقتلون أبناء النبيّين وتتكلمون هذا الكلام على منابر المسلمين؟
فغضب عبيد الله بن زياد، وقال: من المتكلم؟!
فقال: أنا المتكلم يا عدوّ الله،
أتقتل الذرية الطاهرة الذين قد أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وتزعم أنك
على دين الإسلام! واغوثاه! أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون منك ومن طاغيتك،
اللعين ابن اللعين، على لسان محمد رسول رب العالمين!
فازداد غضب ابن زياد، حتى انتفخت أوداجه، وقال: عليَّ به.
فتبادرت إليه الجلاوزة، من كل ناحية ليأخذوه، فقامت الأشراف من الأزد من بني عمه، فخلّصوه من أيدي الجلاوزة، وأخرجوه من باب المسجد، وانطلقوا به إلى منزله.
فقال ابن زياد: اذهبوا إلى هذا
الأعمى، الذي أعمى الله قلبه كما أعمى عينيه، فأتوني به.
ووصل القوم إلى دار عبد الله بن عفيف، فكسروا الباب، واقتحموا عليه!
فصاحت ابنته: يا أبتي أتاك القوم من
حيث تحذر.
فقال: لا عليك ــ يا بنية ــ ناوليني سيفي!.
فناولته سيفه، فجعل يذب عن نفسه، وهو
يقول:
أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخي وأنا ابن عامر
كم دارع من جـمعكم وحاسر وبطل جندلتـه مـغــاور
حتى تكاثروا عليه من كل ناحية، وأحاطوا به.
فقالت ابنته: وا ذلاّه، يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به.
فجعل عبد الله يدير سيفه ويقول:
أقسم لو يكشف لي عن بصري ضاق عليكم موردي ومصدري!
وما زالوا به حتى أخذوه!
وابن عفيف يردد:
أقسم لو يكشف لي عن بصري ضاق عليكم موردي ومصدري!
فلما أدخل ابن عفيف على عبيد الله، قال له: الحمد لله الذي أخزاك!
فقال ابن عفيف: يا عدو الله، بماذا أخزاني؟! ثم ذكر البيت السابق.
فقال له: ما تقول في عثمان؟
فقال: يا بن مرجانة، يا بن سمية، يا عبد بني علاج، ما أنت وعثمان، أحسن أم أساء،
وأصلح أم أفسد، والله تبارك وتعالى ولي خلقه، يقضي بينهم بالعدل والحق؟! ولكن سلني
عنك، وعن أبيك، وعن يزيد وأبيه!
فقال ابن زياد: لا سألتك عن شيء، أو تذوق الموت غصة بعد غصة!
فقال ابن عفيف: الحمد لله رب العالمين، أما إني كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة، من قبل أن تلدك أمك.
وسألته سبحانه أن يجعل "الشهادة" على
يدي ألعن خلقه، وأشرهم، وأبغضهم إليه! ولما ذهب بصري أيست من "الشهادة"! أما الآن،
فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها، وعرفني الاستجابة منه في قديم دعائي!
فقال عبيد الله، اضربوا عنقه، فضربت عنقه، وصلب في السبخة!
ثم دعا ابن زياد بجندب بن عبد الله،
فقال له: يا عدوّ الله، ألست صاحب علي بن أبي طالب يوم صفين؟
قال: نعم، ولا زلت له وليّاً، ولكم عدوّاً، لا أبرأ من ذلك إليك، ولا أعتذر في ذلك
وأتنصل منه بين يديك!
فقال ابن زياد له: أما إني سأتقرب
إلى الله بدمك!.
فقال جندب: والله ما يقربك دمي إلى الله، ولكنه يباعدك منه! وبعد، فإني لم يبق من
عمري إلا أقله، وما أكره أن يكرمني الله بهوانك!
فقال: أخرجوه عني، فإنه شيخ قد خرف،
وذهب عقله.
فأخرج وخلّي سبيله!.