خصائص المجتمع المهدوي
الإمام الخامنئي دام ظله
إنّ المجتمع المهدويّ هو ذلك العالم الّذي يأتي فيه إمام الزّمان ليصلحه، وهو المجتمع نفسه الّذي ظهر من أجله جميع الأنبياء. أي أنّ كلّ الأنبياء كانوا مقدّمة لذلك المجتمع الإنسانيّ المثاليّ،
عدد الزوار: 345
إنّ المجتمع المهدويّ هو ذلك العالم الّذي يأتي فيه إمام الزّمان ليصلحه، وهو
المجتمع نفسه الّذي ظهر من أجله جميع الأنبياء. أي أنّ كلّ الأنبياء كانوا مقدّمة
لذلك المجتمع الإنسانيّ المثاليّ، والّذي سيتحقّق في نهاية الأمر بواسطة وليّ العصر
والمهديّ الموعود. مثل بناءٍ شامخٍ، يأتي شخصٌ فيُسطّح الأرض ويزيل منها الأشواك
والعوائق، ثمّ يأتي شخصٌ آخر من بعده ويصنع فيها الأسس، ثمّ يأتي شخصٌ آخر ليضع
فيها الأعمدة والأركان، وهكذا شخصٌ بعد آخر، يأتون لعمارة الجدران حتّى يصل هذا
القصر المرتفع، وهذا البنيان الرفيع إلى شكله النهائيّ. لقد جاء الأنبياء
الإلهيّون، ومنذ بداية تاريخ البشريّة، واحدًا بعد آخر، من أجل أن يُقرّبوا المجتمع
والبشريّة خطوةً خطوة نحو ذاك المجتمع المثاليّ وذاك الهدف النهائيّ. لقد نجح جميع
الأنبياء ولم يفشل أيّ واحدٍ من رسل الله على هذا الطريق، وفي هذا المسير، لقد كان
حملًا على عاتق هؤلاء المأمورين الشّامخين، وكلّ واحدٍ منهم تقدّم به خطوةً نحو
المقصد والهدف النهائيّ وسعوا بكلّ جهدهم من أجل القيام بهذا العمل. وعندما كانوا
يصلون إلى آخر حياتهم كان هناك من يأتي من بعدهم ليضع هذا الحمل على عاتقه ويتقدّم
به مسافةً أخرى، مقتربًا بذلك من ذلك الهدف. ووليّ العصر عجل الله فرجه الشريف، هو
وارث جميع الأنبياء الإلهيّين، فعندما يأتي ستكون الخطوة الأخيرة على طريق إيجاد
ذلك المجتمع الإلهيّ.
أتحدّث قليلًا حول صفات ذلك المجتمع. بالطّبع، لو أنّكم دقّقتم في الكتب الإسلاميّة
وفي المصادر الإسلاميّة الأساسيّة للاحظتم جميع خصائص ذلك المجتمع. فدعاء النّدبة
هذا الّذي تُوفّقون بإذن الله لقراءته أيّام الجمعة، يذكر خصائص ذلك المجتمع.
فعندما يقول: “أين معزّ الأولياء ومذلّ الأعداء (89) مثلًا، فذلك المجتمع هو مجتمعٌ
يكون فيه أولياء الله أعزّاء وأعداء الله أذلّاء، أي أنّ القيم والمعايير الحاكمة
في ذلك المجتمع تكون هكذا. “أين المُعدّ لإقامة الحدود، ففي هذا المجتمع تُطبّق
الحدود الإلهيّة وتُراعى كلّ الحدود الّتي عيّنها الله تعالى والإسلام في مجتمع
إمام الزمان. فعندما يظهر إمام الزمان يصنع مجتمعًا له باختصار مثل هذه الخصوصيّة،
دقّقوا حولها في الآيات وفي الأدعية عندما تقرؤونها، فتتفتّح أذهانكم في هذا
المجال، وتتّسع، فمجرّد قراءة دعاء النّدبة ليس كافيًا، فالمطلوب هو الفهم وأخذ
الدّروس.
إنّ إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف، يبني مجتمعه على هذه الأسس:
أوّلًا: على إزالة وقمع وقلع جذور الظّلم والطّغيان. فلا ينبغي أن يكون في هذا
المجتمع الّذي يكون في زمان وليّ العصر عجل الله فرجه الشريف، أيّ ظلمٍ وجور؛ لا
أنّ الأمر يكون في إيران على هذه الشّاكلة فحسب، ولا حتّى في المجتمعات الّتي
يقطنها المسلمون، بل في كلّ العالم. فلن يكون أيّ ظلمٍ اقتصاديّ أو سياسيّ أو
ثقافيّ أو أيّ نوعٍ آخر في ذلك المجتمع. فيجب اقتلاع كلّ الاختلافات الطبقيّة وكلّ
أنواع التمييز وعدم المساواة والتسلّط والهيمنة. هذه هي الخصوصيّة الأولى.
ثانيًا: إنّ من خصائص المجتمع المثاليّ الّذي يصنعه إمام الزمان عجل الله
فرجه الشريف، هو الارتقاء بمستوى الفكر البشريّ، سواء على المستوى العلميّ
الإنسانيّ أو المعارف الإسلاميّة. ففي زمن وليّ العصر، لن تجدوا في كلّ العالم، أيّ
أثرٍ للجهل والأميّة والفقر الفكريّ والثقافيّ. هناك يتمكّن النّاس من معرفة الدّين
معرفة صحيحة، وقد كان هذا، كما تعلمون جميعًا، من الأهداف الكبرى للأنبياء الّذي
أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام، في خطبة نهج البلاغة الشريفة، “ويُثيروا لهم
دفائن العقول... (90). لقد جاء في رواياتنا أنّه عندما يظهر وليّ العصر، فإنّ
المرأة تجلس في بيتها وتفتح القرآن وتستخرج منه حقائق الدّين وتفهمها. فماذا يعني
ذلك؟ يعني ذلك أنّ مستوى الثّقافة الإسلاميّة والدّينيّة يرتقي إلى درجة أنّ جميع
الأفراد، وكلّ أبناء المجتمع، والنّساء اللواتي لا يُشاركن في ميدان الاجتماع على
سبيل الفرض ويبقين في بيوتهنّ، فإنّهنّ يتمكّنّ من أن يصبحن فقيهات وعارفات في
الدّين؛ فيتمكّنّ من فتح القرآن وفهم حقائق الدّين بأنفسهنّ. انظروا إلى مجتمعٍ
يكون فيه الجميع نساءً ورجالًا وعلى كافّة المستويات قادرين على فهم الدّين
والاستنباط من الكتاب الإلهيّ، فكم سيكون هذا المجتمع نورانيًّا، ولن يبقى فيه أيّ
نقطة ظلام وظلمانيّة. فكلّ هذه الاختلافات في وجهات النّظر والتحليل، لن يبقى لها
أيّ أثرٍ في ذلك المجتمع.
ثالثاً: الخاصّيّة الثالثة لمجتمع إمام الزمان المجتمع المهدويّ هو أنّه في
ذلك العصر ستكون جميع القوى الطّبيعيّة وكلّ الطّاقات البشريّة في حالة انبعاثٍ فلا
يبقى أيّ شيءٍ في باطن الأرض ولا يستفيد منه البشر. فكلّ هذه الإمكانات الطّبيعيّة
المعطّلة، وكلّ هذه الأراضي الّتي يمكن أن تُغذّي الإنسان، وكلّ هذه الطّاقات
والقوى الّتي لم تُكشف بعد، كتلك الطّاقات الّتي بقيت عبر قرون التّاريخ. مثلًا،
القدرة النوويّة والطّاقة الكهربائيّة كانت وعبر قرون عمر هذا العالم، في باطن
الطّبيعة ولم يكن البشر يعرفونها، ثمّ بعد ذلك قاموا باستخراجها بالتّدريج. فكلّ
الطّاقات والإمكانات اللامتناهية الموجودة في باطن الطّبيعة هي من هذا القبيل، وسوف
تُستخرج في عصر إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف .
جملةً أخرى وخصوصية أخرى، هي أنّ المحور في عصر إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف
هو محور الفضيلة والأخلاق. فكلّ من كان صاحب فضيلة أخلاقيّة أكثر سيكون مقدّمًا
وسبّاقًا.
وفي روايةٍ أخرى يقول: “القائم منّا منصورٌ بالرّعب مؤيّدٌ بالنّصر، تُطوى له الأرض
وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب (91)، ممّا يعني أنّ كلّ الحكومات
الظّالمة والأجهزة الجائرة ستكون مرعوبةً منه. في ذلك الزّمن، سيكون هناك حالةٌ في
زمان وليّ العصر أرواحنا فداه، من الشموليّة والعموميّة بحيث يُمكن أن تُحقّق
الحكومة العالميّة. “مؤيّدٌ بالنصر، فنصر الله يؤيّده. و”تُطوى له الأرض، أي إنّها
ستكون بيده وفي قبضة قدرته. وتظهر تلك الكنوز وتبلغ سلطته مشرق العالم ومغربه.
وبعد عدّة جملٍ يقول، “فلا يبقى خرابٌ إلّا قد عمّر (92)، أي إنّ هذه السّلطة سوف
تُنفق في عمارة الأرض، لا في السّيطرة على ثروات البشر وفي استضعافهم. وفي كلّ نقاط
العالم لن يبقى أيّ نقطةٍ من الخراب إلّا وستُعمّر؛ سواءٌ كانت خرابات حصلت على
أيدي البشر أو بسبب جهلهم. هناك رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه الصّلاة والسلام
يقول فيها: “حتى إذا قام القائم جاءت المزايلة وأتى الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته
فلا يمنعه (93)، وهي إشارة إلى أخلاق المساواة بين البشر وإلى الإيثار. وتُبشّر هذه
الرّواية بنجاة البشر من تسلّط البخل والحرص الّذي كان أكبر سببٍ لشقاء البشريّة.
وهذا في الحقيقة علامةٌ على ذلك النّظام الإسلاميّ السالم أخلاقيًّا واقتصاديًّا
واجتماعيًّا في ذلك الزّمان. فلا يوجد أيّ قهرٍ وإجبارٍ في البين، بل إنّ البشر
أنفسهم ينجون من البخل الإنسانيّ والحرص البشريّ وستتحقّق مثل هذه الجنّة
الإنسانيّة. يوجد في روايةٍ أخرى أيضًا: “إذا قام قائمنا اضمحلّت القطائع، فلا
قطائع (94)، فتلك القطائع الّتي تمنحها الحكومات المستكبرة في العالم لأتباعها
وحلفائها، وذلك الكرم الحاتميّ الّذي يحصل من جيوب الشّعوب سوف يتوقّف تمامًا في
العالم. وقد كانت القطائع في الماضي بشكلٍ وهي اليوم بشكل آخر. كانت في الماضي بحيث
أنّ الخليفة أو السّلطان يمنح أرضًا أو صحراءً أو قريةً أو مدينةً أو حتّى ولايةً
لشخصٍ ما، فيقول له اذهب هناك وافعل ما يحلو لك فيها، خذ من أهلها الجبايات والخراج
واستعمل مزارعها واستفد منها وكلّ فائدة مادّية هي لك؛ وكان عليه طبعًا أن يُعطي
السّلطان حظّه. واليوم، هي بصورة الاحتكارات النّفطيّة والتجاريّة والصّناعيّة
والفنّية المختلفة، وكلّ هذه الصّناعات الكبرى وهذه الاحتكارات الّتي جعلت الشعوب
مسكينةً هي في الواقع في حكم القطائع، الّتي أُشير إليها، وفيها كانت تُمارس كلّ
أنواع الرّشاوة والمحاباة. إنّ هذا البساط الّذي يقتل البشر ويقضي على الفضيلة سوف
يُطوى وسوف توضع أسباب الاستفادة والنّفع بيد جميع النّاس.
وفي روايةٍ أخرى ناظرة إلى الوضع الاقتصاديّ يقول: “ويسوّي بين النّاس حتّى لا ترى
محتاجاً إلى الزكاة (95)، ما يعني أنّه لن يبقى هناك أيّ فقير يحتاج إلى زكاة
أموالكم، وبالطّبع سيكون لهذه الزّكاة مصرفها في الأمور العامّة لا للفقراء، لأنّه
لن يبقى هناك أيّ فقير؛ ومثل هذه الرّوايات ترسم الجنّة الإسلاميّة والعالم
الواقعيّ. وليس هذا الأمر مشابهًا لتلك المدن الفاضلة الّتي صنعها البعض في
خيالاتهم وأوهامهم، كلّا. إنّ كلّ تلك الشّعارات الإسلاميّة الّتي هي جميعًا قابلة
للتّطبيق، ونحن في الجمهورية الإسلاميّة نشعر أنّ هناك قدرة وقلب وفكر متّصل بالوحي
والتأييد الإلهيّ ومعصومٌ يمكنه يقينًا أن يُحقّق مثل هذا الوضع، وسوف تُقبل
البشريّة على ذلك حتمًا. هذه هي حالة ذلك العالم.
(89)ابن مشهدي، المزار الكبير،
داء الندبة.
(90) نهج البلاغة، ج1، ص23. خطبته في صفة خلق آدم.
(91) الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح علي
أكبر الغفاري، نشر الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1395هـ، ج 1، ص 331.
(92) م. ن.
(93) الحر العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشّيعة، تحقيق وتصحيح ونشر مؤسسة آل البيت
عليهم السلام، قم، الطبعة الأولى، 1409هـ، ج 5، ص 121.
(94) جامع أحاديث الشّيعة، البروجردي، ج 23، ص 1012.
(95) م.ن، ج 17، ص 222.