يتم التحميل...

الإنسان والمجتمع

المجتمع الإسلامي

كون النوع الإنساني نوعاً اجتماعياً لا يحتاج في إثباته إلى بحث كثير ، فكل فرد من هذا النوع مفطور على ذلك ، ولم يزل الإنسان يعيش في وضع اجتماعي ،

عدد الزوار: 223

كون النوع الإنساني نوعاً اجتماعياً لا يحتاج في إثباته إلى بحث كثير ، فكل فرد من هذا النوع مفطور على ذلك ، ولم يزل الإنسان يعيش في وضع اجتماعي ، على ما ينقله لنا التاريخ والآثار المشهودة الحاكية لأقدم العهود التي يعيش فيها الإنسان ويحكم على هذه الأرض .

وقد أنبأ القرآن الكريم عن ذلك أحسن إنباء في آيات كثيرة ، كقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... ) (1) .

وقال تعالى : ( ... رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ... ) (2) .

وقال تعالى : ( ... بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ... ) (3) .

وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ... ) (4) إلى غير ذلك من الآيات .

الإنسان ونموُّه في مجتمعه
المجتمع الإنساني كسائر الخواصّ الروحية الإنسانية ، وما يرتبط بها لم يوجد حين وجد تامَّاً كاملاً لا يقبل النماء والزيادة ، بل هو كسائر الأُمور الروحية الإدراكية الإنسانية ، لم يزل يتكامل بتكامل الإنسان في كمالاته المادية والمعنوية ، وعلى الحقيقة لم يكن من المتوقّع أن تُستثنى هذه الخاصة من بين جميع الخواصّ الإنسانية ، فتظهر أول ظهورها تامّة كاملة ، أتمّ ما يكون وأكمله ، بل هي كسائر الخواصّ الإنسانية التي لها ارتباط بقوَّتي العلم والإدارة تدريجية الكمال في الإنسان .

والذي يظهر من التأمّل في حال هذا النوع ، أنّ أول ما ظهر من المجتمع فيه الاجتماع المنزلي بالازدواج لكون عامله الطبيعي ، وهو جهاز التناسل أقوى عوامل الاجتماع لعدم تحقُّقه إلاّ بأزيد من فرد واحد أصلاً ، بخلاف مثل التغذِّي وغيره ، ثمّ ظهرت منه الخاصة التي سمّيناها في مباحث كتابنا ( الميزان ) بالاستخدام وهو توسيط الإنسان غيره ، في سبيل رفع حوائجه ببسط سلطته وتحميل إرادته عليه ، ثمّ برز ذلك في صورة الرئاسة كرئيس المنزل ورئيس العشيرة ، ورئيس القبيلة ، ورئيس الأمّة ، وبالطبع كان المقدّم المتعيِّن من بين العدَّة أولاً أقواهم وأشجعهم ، ثمّ أشجعهم وأكثرهم مالاً وولداً ، وهكذا حتى ينتهي إلى أعلمهم بفنون الحكومة والسياسة ، وهذا هو السبب الابتدائي لظهور الوثنيّة ، وقيامها على ساقها حتى اليوم.

وخاصة الاجتماع بتمام أنواعها ( المنزلي وغيره ) وإن لم تُفارق الإنسانية في هذه الأدوار ولو برهة ، إلاّ أنّها كانت غير مشعور بها للإنسان تفصيلاً ، بل كانت تعيش وتنمو بتبع الخواصّ الأُخرى المعنيّ بها للإنسان ، كالاستخدام والدفاع ونحو ذلك .

والقرآن الكريم يُخبر أنّ أول ما نبّه الإنسان بالاجتماع تفصيلاً ، واعتنى بحفظه استقلالاً نبّهته به النبوة .

قال تعالى : ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ ... ) (5) .

وقال أيضاً : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ... ) (6) ، حيث يُنبئ أنّ الإنسان في أقدم عهوده كان أمّة واحدة ساذجة لا اختلاف بينهم ، حتى ظهرت الاختلافات وبانت المشاجرات ، فبعث الله الأنبياء وأنزل معهم الكتاب ؛ ليرفع به الاختلاف ، ويردّهم إلى وحدة الاجتماع محفوظة بالقوانين المشرعة .

وقال تعالى : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... ) (7) .

فأنبأ أنّ رفع الاختلاف من بين الناس ، وإيجاد الاتّحاد في كلمتهم إنّما كان في صورة الدعوة إلى إقامة الدين وعدم التفرُّق فيه ، فالدين كان يضمن اجتماعهم الصالح .

والآية : ـ كما ترى ـ تحكي هذه الدعوة ( ودعوة الاجتماع والاتحاد )

عن نوح ( عليه السلام ) ، وهو أقدم الأنبياء أولي الشريعة والكتاب ، ثمّ عن إبراهيم ، ثمّ عن موسى ، ثمّ عن عيسى ( عليهم السلام ) ، وقد كان في شريعة نوح وإبراهيم النَّزر اليسير من الأحكام ، وأوسع هؤلاء الأربعة شريعة موسى ، وتتبعه شريعة عيسى على ما يُخبر به القرآن ، وهو ظاهر الأناجيل ، وليس في شريعة موسى ـ على ما قيل ـ سوى ستمائة حكم تقريباً .

فلم تبدأ الدعوة إلى الاجتماع دعوة مستقلّة صريحة ، إلاّ من ناحية النبوّة في قالب الدين ، كما يُصرّح به القرآن ، والتاريخ بصدقه .

العلامة الطباطبائي / قضايا الاسرة والمجتمع.


(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .
(2) سورة الزخرف ، الآية : 32 .
(3) سورة آل عمران ، الآية : 195 .
(4) سورة الفرقان ، الآية : 54 .
(5) سورة يونس ، الآية : 19 .
(6) سورة البقرة ، الآية : 213 .
(7) سورة الشورى ، الآية : 13 .

2016-07-13