وجوب معرفة القرائن الكلامية
الفصل الثاني
التذكير السادس الذي نلفت إليه عناية القرّاء، هو وجوب معرفة القرائن الكلامية وشأن نزول الآيات، فبالرغم من أنّ القرآن الكريم قد نزل لكافة العصور والأجيال،
عدد الزوار: 183
التذكير السادس الذي نلفت إليه عناية القرّاء، هو وجوب معرفة القرائن الكلامية وشأن
نزول الآيات، فبالرغم من أنّ القرآن الكريم قد نزل لكافة العصور والأجيال، وأنّ
مخاطبيه هم أهل كافة الأعصار، لكن القرائن وشأن النزول والظروف الزمانية والمكانية
التي نزلت فيها الآيات الكريمة كانت من الوضوح بالنسبة لأوائل المخاطبين والمعاصرين
لنزول القرآن، لم يكن ليبقى أي مجال للشك والاختلاف في معناه وتفسيره، بالإضافة إلى
أنّه لو كانت هنالك آية غامضة فلم يكن من الصعب وصول الناس إلى النبي صلّى الله
عليه وآله, أمّا اليوم حيث الابتعاد عن عصر النزول وإمكانية اختفاء القرائن وشأن
النزول، تتضاعف ضرورة ووجوب توخّي الدقة في الفهم الصحيح للقرآن.
من ناحية أخرى أنّ معرفة المعاني الحقيقة واللغوية للألفاظ المستخدمة في القرآن
الكريم من الأمور التي بدونها لا يتيسر الفهم الصائب، والتفسير الصحيح للقرآن،
فربّما تؤدي الغفلة عن التطور المعنائي، الذي قد يطرأ في اللغة مع مرور الزمن إلى
حدوث الخطأ وسوء الفهم، فعلى سبيل المثال من الواضح للجميع معنى ومفهوم كلمة
(التقية)، فالمراد من هذه الكلمة في الثقافة العامة هو أن يخفي المرء معتقده ودينه،
ويوحي بما يجعل مخاطبه لا يعرف بمعتقده ودينه الحقيقي، بينما المعنى اللغوي للتقية
هو الورع وقد استخدمت بهذا المعنى في القرآن ونهج البلاغة، ورغم عدم وجود مفردة
تقية في القرآن ولكن قد وردت مفردة (تقاة) المرادفة للتقية والتقوى في الآية:
﴿اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾1.
وجود الصور الكلامية في القرآن الكريم
بالرغم من أنّ القرآن الكريم ـ كما يصرّح هو بنفسه ـ قد نزل بلغة بيّنة وجليّة،
وبإمكان كل إنسان أن ينتهل من هذا الكتاب السماوي في حدود فهمه وقابليته، لكن من
الضروري الانتباه إلى هذا الأمر وهو أنّ القرآن يتمتع بأفصح وأبلغ الصور الكلامية
والبيانية، ومن الطبيعي أنّ الالتفات إلى الأمور الآنفة الذكر، من الشروط الرئيسية
للاستفادة الصحيحة والسليمة من القرآن الكريم.
قد تقوم آية ما في القرآن الكريم ببيان حكم بشكل إجمالي وعام، وفي آية أخرى يجري
توضيح حدود ذلك الحكم، أو أن يتم بيان حكم في آية بصورة مطلقة ويستفاد قيده وشرطه
من آية أخرى، كما أنّ بيان الموضوع عن طريق المثال واستخدام الكناية والاستعارة
والمجاز وما شابه ذلك من الطرق المستخدمة في القرآن، ونظراً لأن الناس هم المخاطبون
في القرآن وأنّ الطرق المذكورة تعد من محاسن الكلام الإنساني والعقلائي في بيان
الغاية، فإنّ القرآن يستعين بهذه الطرق بأروع شكل ممكن في بيان أحكامه ومعارفه.
بناءً على هذا، إنّ الطرق المستخدمة في القرآن هي ذاتها الطرق التي يستخدمها
العقلاء في بيان كلامهم، مع فارق أنّ نوع وكيفية استخدام الفنون البيانية المستخدمة
في القرآن، لا يمكن مقارنتها من حيث المرتبة والروعة والسلامة مع استخدام المحاسن
المذكورة في كلام الإنسان، والسبب في ذلك هو، أنّ القرآن كلام الله سبحانه وتعالى،
الذي نزل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بأفصح وأبلغ بيان، وعلّم البشر أصول
الفصاحة والبلاغة، وقد دعا هذا الكتاب الناس بأروع وأفصح وأبلغ كلامٍ إلى التوحيد
والهداية والتكامل والسعادة.
إنّ خلاصة ونتيجة موضوعات القسم الأخير من هذا الفصل تتمثل في عبارة واحدة هي: أنّ
معرفة جوانب ومحاسن الكلام المستخدم في القرآن إلى جانب الأمور المتقدمة من الشروط
الضرورية لفهمه، وممّا لا شك فيه أنّ إهمالها سيؤدي إلى سوء الفهم والتفسير الخاطئ.
* تجلي القرأن في نهج البلاغة / العلامة محمد تقي مصباح اليزدي.
1- آل عمران: 102.