يتم التحميل...

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ

المبعث النبوي الشريف

في الدر المنثور،: أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و النحاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقاص قال: في نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فأتاه ناس فأكلوا

عدد الزوار: 361

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ * لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

في الدر المنثور،: أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و النحاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقاص قال: في نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فأتاه ناس فأكلوا و شربوا حتى انتشوا من الخمر، و ذلك قبل أن تحرم الخمر فتفاخروا فقالت الأنصار: الأنصار: خير، و قالت قريش: قريش خير فأهوى رجل بلحي جزور فضرب على أنفي ففزره فكان سعد مفزور الأنف قال: فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك له فنزلت هذه الآية: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر، إلى آخر» الآية.

أقول: و الروايات في القصص التي أعقبت تحريم الخمر في الإسلام كثيرة من طرق الجمهور على ما فيها من الاختلاف الشديد.

أما هؤلاء الذين ذكر منهم الشرب من الصحابة فلا شأن لنا في البحث عنهم فيما نحن بصدده من البحث المرتبط بالتفسير غير أن هذه الروايات تؤيد ما ذكرناه في البيان السابق: أن في الآيات إشعارا أو دلالة على أن رهطا من المسلمين ما تركوا شرب الخمر بعد نزول آية البقرة حتى نزلت آية المائدة.

نعم ورد في بعض الروايات أن عليا (عليه السلام) و عثمان بن مظعون كانا قد حرما الخمر على أنفسهما قبل نزول التحريم، و قد ذكر في الملل و النحل رجالا من العرب حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، و قد وفق الله سبحانه بعض هؤلاء أن أدرك الإسلام و دخل فيه، منهم عامر بن الظرب العدواني، و منهم قيس بن عامر التميمي و قد أدرك الإسلام، و منهم صفوان بن أمية بن محرث الكناني و عفيف بن معديكرب الكندي و الأسلوم اليامي و قد حرم الزنا و الخمر معا، و هؤلاء آحاد من الرجال جرى كلمة الحق على لسانهم، و أما عامتهم في الجاهلية كعامة أهل الدنيا يومئذ إلا اليهود فقد كانوا يعتادون شربها من غير بأس حتى حرمها الله سبحانه في كتابه.

و الذي تفيده آيات الكتاب العزيز أنها حرمت في مكة قبل الهجرة كما يدل عليه قوله تعالى: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي»: «الأعراف: 33» و الآية مكية، و إذا انضمت إلى قوله تعالى: «يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما»: «البقرة: 291»، و هي آية مدنية نازلة في أوائل الهجرة لم يبق شك في ظهور حرمتها للمسلمين يومئذ، و إذا تدبرنا في سياق آيات المائدة، و خاصة فيما يفيده قوله: «فهل أنتم منتهون» و قوله: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا،» الآية انكشف أن ما ابتلي به رهط منهم من شربها فيما بين نزول آية البقرة و آية المائدة إنما كان كالذنابة لسابق العادة السيئة نظير ما كان من النكاح في ليلة الصيام عصيانا حتى نزل قوله تعالى: «أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم»: «البقرة: 178».

فقد تبين أن في هذه الروايات كلاما من وجهين: أحدهما: من جهة اختلافها في تاريخ تحريم الخمر فقد مر في الرواية الأولى أنها قبيل غزوة أحد، و في بعض الروايات: أن ذلك بعد غزوة الأحزاب.

لكن الأمر في ذلك سهل في الجملة لإمكان حملها على كون المراد بتحريم الخمر فيها نزول آية المائدة و إن لم يوافقه لفظ بعض الروايات كل الموافقة.

و ثانيهما: من جهة دلالتها على أن الخمر لم تكن بمحرمة قبل نزول آية المائدة أو أنها لم تظهر حرمتها قبلئذ للناس و خاصة للصحابة مع صراحة آية الأعراف المحرمة للإثم و آية البقرة المصرحة بكونها إثما، و هي صراحة لا تقبل تأويلا.

بل من المستبعد جدا أن تنزل حرمة الإثم بمكة قبل الهجرة في آية تتضمن جمل المحرمات أعني قوله: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون»: «الأعراف: 33»، ثم يمر عليه زمان غير يسير، و لا يستفسر المؤمنون معناه من نبيهم و لا يستوضحه المشركون و أكبر همهم النقض و الاعتراض على كتاب الله مهما توهموا إليه سبيلا.

بل المستفاد من التاريخ أن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للخمر كتحريمه الشرك و الزنا كان معروفا عند المشركين يدل على ذلك ما رواه ابن هشام في السيرة عن خلاد بن قرة و غيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم: أن أعشى بني قيس خرج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا. و بت كما بات السليم مسهدا. القصيدة.

فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسلم فقال له: يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى: و الله إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب، فقال له: يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر فقال الأعشى: أما هذه فإن في النفس منها لعلالات، و لكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك و لم يعد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلا يبقى لهذه الروايات إلا أن تحمل على استفادتهم ذلك باجتهادهم في الآيات مع الذهول عن آية الأعراف، و للمفسرين في تقريب معنى هذه الروايات توجيهات غريبة.

و بعد اللتيا و التي فالكتاب نص في تحريم الخمر في الإسلام قبل الهجرة، و لم تنزل آية المائدة إلا تشديدا على الناس لتساهلهم في الانتهاء عن هذا النهي الإلهي و إقامة حكم الحرمة.

و في تفسير العياشي،: عن هشام عن الثقة رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قيل له: روي عنكم: أن الخمر و الأنصاب و الأزلام رجال؟ فقال: ما كان ليخاطب الله خلقه بما لا يعقلون.

و فيه،: عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتي عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون و قد شرب الخمر و قامت عليه البينة فسأل عليا فأمره أن يجلده ثمانين جلدة، فقال قدامة: يا أمير المؤمنين ليس علي حد أنا من أهل هذه الآية: «ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات - جناح فيما طعموا» فقرأ الآية حتى استتمها فقال له علي (عليه السلام): كذبت لست من أهل هذه الآية ما طعم أهلها فهو حلال لهم، و ليس يأكلون و لا يشربون إلا ما يحل لهم. أقول: و روي هذا المعنى أيضا عن أبي الربيع عنه (عليه السلام)، و رواه أيضا الشيخ في التهذيب، بإسناده عن ابن سنان عنه (عليه السلام)، و هذا المعنى مروي من طرق أهل السنة أيضا.

و قوله (عليه السلام): " ما طعم أهلها فهو حلال لهم، إلخ " منطبق على ما قررناه في البيان السابق من معنى الآية فراجع.

و في تفسير الطبري، عن الشعبي قال: نزلت في الخمر أربع آيات: «يسألونك عن الخمر و الميسر،» الآية فتركوها ثم نزلت: «تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا» فشربوها ثم نزلت الآيتان في المائدة: «إنما الخمر و الميسر إلى قوله فهل أنتم منتهون.

أقول: ظاهره نسخ آية النحل لآية البقرة ثم نسخ آيتي المائدة لآية النحل، و أنت لا تحتاج في القضاء على بطلانه إلى بيان زائد.

و في الكافي، و التهذيب، بإسنادهما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا قط إلا و في علم الله أنه إذا أكمل دينه كان فيه تحريم الخمر، و لم يزل الخمر حراما و إنما ينقلون من خصلة ثم خصلة، و لو حمل ذلك جملة عليهم لقطع بهم دون الدين، قال: و قال أبو جعفر (عليه السلام): ليس أحد أرفق من الله تعالى فمن رفقه تبارك و تعالى أنه ينقلهم من خصلة إلى خصلة و لو حمل عليهم جملة لهلكوا.

و في الكافي، بإسناده عن عمرو بن شمر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أنزل الله عز و جل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس - من عمل الشيطان فاجتنبوه» قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كلما تقمرت به حتى الكعاب و الجوز، قيل: فما الأنصاب؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم قيل: فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي يستقسمون بها.

و فيه،: بإسناده عن عطاء بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل مسكر حرام، و كل مسكر خمر.

أقول: و الرواية مروية من طرق أهل السنة أيضا عن عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و لفظها: كل مسكر خمر، و كل خمر حرام رواها البيهقي و غيره، و قد استفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بأن كل مسكر حرام، و أن كلما يقامر عليه فهو ميسر.

و في تفسير العياشي،: عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: سألته عن النبيذ و الخمر بمنزلة واحدة هما؟ قال: لا، إن النبيذ ليس بمنزلة الخمر، إن الله حرم الخمر قليلها و كثيرها كما حرم الميتة و الدم و لحم الخنزير، و حرم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأشربة المسكر، و ما حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حرم الله.

و في الكافي، و التهذيب، بإسنادهما عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: إن الله لم يحرم الخمر لإثمها و لكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبتها عاقبة الخمر فهو خمر، و في رواية: فما فعل فعل الخمر فهو خمر.

أقول: و الأخبار في ذم الخمر و الميسر من طرق الفريقين فوق حد الإحصاء من أراد الوقوف عليها فعليه بجوامع الحديث.


* تفسير الميزان / العلامة الطباطبائي.

2016-05-04