هل الشفاعة للشخص النادم
الشفاعة
هل [الشفاعة] للشخص النادم على الذنب؟ فهذا في غنىً عن الشفاعة لأنّ التوبة تعني الندم وهي سبب الخلاص، وإذا وجدت التوبة فما الحاجة للشفاعة؟ وإن كانت للعاصي غير النادم على الذنب،
عدد الزوار: 257
هل [الشفاعة] للشخص النادم على الذنب؟ فهذا في غنىً عن الشفاعة لأنّ التوبة تعني
الندم وهي سبب الخلاص، وإذا وجدت التوبة فما الحاجة للشفاعة؟ وإن كانت للعاصي غير
النادم على الذنب، الذي يقف أمامه بكل صلافة وجسارة، فمثل هذا الشخص لا يستحق
الشفاعة وهو ليس مصداقا لقوله
﴿لِمَنْ ارْتَضَى﴾ في الآية 28 من سورة الأنبياء!؟
الجواب:
أوّلً: إنّ للتوبة شروطها، وكثيراً ما يخفق الإنسان في انجاز كل تلك الشروط، لأنّ
عدداً من الآيات القرآنية نصّت على أنّ التوبة اصلاح الماضي، أي لو أنّ أحداً كان
يرتكب الذنوب لسنوات متمادياً ويدخل باب التوبة نادماً، يجب عليه إصلاح ما مضى
سواءً كان حق اللَّه بعمل الخير، أو كان حق الناس فيجب عليه أداؤه عن آخره، وعلى
هذا فالتوبة وخلافاً للتصور السائد لا تقتصر على الندم لوحده. وما أكثر الناس
الذين يفشلون في تحقيق هذا الإصلاح، بينما هو غارق في الندم فينقطع أمله في الشفاعة
ويسقط في اليأس من الغفران، وإن هو يَئِسَ توغل أكثر في ارتكاب الذنب.
ثاني: قد يكون الشخص قد ارتكب الكثير من الذنوب إلّاأنّ الحظ لم يحالفه في
التوبة والندم، فإن شعر بإمكان الأخذ بيده يوم القيامة على يد الشُفعاء شريطة هجر
بقية الذنوب أو القيام بأعمال الخير، فهذا سيشجعه على أقل تقدير على ترك الذنوب
الاخرى وفعل عمل الخير.
هل تُعتبر الشفاعة تشجيعاً على ارتكاب الذنوب
إلّا يكون الأمل بالشفاعة والاعتماد عليها سبباً لكي يعتبره البعض بمثابة الضوء
الأخضر لارتكاب المعاصي، فيوغلون في ممارسة أنواع الذنوب والجرائم متأملين انقاذ
الشفعاء لهم من العذاب الإلهي في يوم الجزاء وبهذا تكون نفوسهم في راحة تامة وقد
أمنت من التهديد الرباني بالعذاب؟ أو بتعبير آخر: ربّما تكون عقوبات القيامة
ضماناً إجرائياً لتنفيذ القوانين الإلهيّة واجتناب معصيتها؛ أقلا تُعتبر الشفاعة
خرقاً لهذه الضمانات؟
الجواب:
إنّ الشفاعة بمفهومها القرآني لا تحث ولا تشجع على ارتكاب الذنب، وليس هذا فقط بل
إنّها عامل ردع قوي أيضاً يحول دون ذلك، لأنّها تجعل الأشخاص يتوقفون في أي مرحلة
كانوا ولا يوغلون في طريق المعصية أكثر من ذلك، بل تكون بمثابة خط للرجعة تدريجياً.
وبتعبير آخر، يمكن القول: إنّ الشفاعة بمفهومها الإسلامي تعتبر نتاجاً لنوع من
العلاقة بين الشفيع (أولياء اللَّه والقرآن و...) والمشفوع له، وهي رهينة بإذن
اللَّه وتستلزم أرضية إلهيّة، وبناءً على هذا فإنّ أمل الشفاعة يقول للإنسان: يجب
عليك إقامة علاقة إيمان وعمل مع أولياء اللَّه، وأن تعمل ما من شأنه جلب رضا
اللَّه، ليكون لك رصيداً في ذلك اليوم العصيب وسبباً للشفاعة عندهم.
ولهذا السبب يكون أصل الشفاعة رادعاً عن ارتكاب الذنب من جهة، وعاملًا لإعادة النظر
في ما ارتكب من سيّئات في الماضي.
ولا يخفى أيضاً أنّ أحداً لم يتسلّم ضماناً بالشفاعة من أي ولي من أولياء اللَّه،
ولا يمكن لأي مذنب أن يطمئن إلى قول الشفاعة فيه، بل إنّها مطروحة كاحتمال وأمل،
وهذا أيضاً مشروط بالشروط المذكورة آنفاً، وعلى هذا فهي لا تدفع مطلقاً على
التجرؤ على ارتكاب الذنب.