مسألة المعرفة
معارف إسلامية
من المسائل القديمة المطروحة على صعيد البحث مسألة قيمة المعرفة الإنسانية، وأنه هل يتمكن الإنسان من كسب معارف مطابقة للواقع ونفس الأمر أو لا يمكنه ذلك.
عدد الزوار: 332
من المسائل القديمة المطروحة على صعيد البحث مسألة قيمة المعرفة الإنسانية، وأنه هل
يتمكن الإنسان من كسب معارف مطابقة للواقع ونفس الأمر أو لا يمكنه ذلك. قبل خمسة
وعشرين قرناً في اليونان كان كثير من الباحثين يزعمون أن الإنسان لا يمكنه معرفة
الواقع وكانوا يسمونهم بالسفسطائيين، ثم جاء اخرون وكانوا يسمون( الشكاكين)، وإلى
جانب هؤلاء كان من يقول بإمكان المعرفة المعرفة الحقيقية وهم بين من يقول أن
المعرفة الواقعية هي التي تحصل من خلال التجربة الحسية، وبين من يقول أن المعرفة
الحقيقية إنما تحصل من طريق العقل.
هذا الصراع بين الباحثين امتد إلى يومنا هذا وقد غلبت عليهم نزعة الشك، وإذا قلنا
أن النزعة الغالبة على العالم الغربي حول هذه المسألة هي نزعة الشك لم نجازف في
القول. وهناك من يقول بنسبية المعرفة ومن يقول بأن الواقع هو الذي يفيد في مقام
العمل وهم أصحاب البراغماتية، وهناك ثلة قليلة يقولون بإمكان المعرفة الحقيقية
للإنسان معرفة مطابقة للواقع العيني أو مطابقة لنفس الأمر.
أما من وجهة النظر الإسلامية فالكتاب القران الكريم والسنة النبوية واثار الأئمة
الأطهار عليهم السلام تشهد بأنهم كانوا يرون أن المعرفة الواقعية ميسرة للإنسان،
وأنهم رغّبوا في تحصيل المعرفة الواقعية والإيقان بها، وحتى أن المؤمن لا بد أن لا
يكتفي بالظن بل المطلوب منه تحصيل اليقين "وبالاخرة هم يوقنون"، "وفي الأرض ايات
للموقنين" فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يستحقر قوماً نسبهم إلى الشك والتردد
والريب فيقول: "هم في ريبهم يترددون"، كأنها كلمة تحقير وإذلال للكافرين، "بل
إدّارك علمهم في الاخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون" فمن وجهة نظر القران
الكريم إن العلم واليقين ميسر للإنسان، وإنه مكلف بتحصيل العلم اليقيني بالنسبة إلى
العقائد الأصلية، بالنسبة إلى التوحيد والرسالة وعالم الاخرة، فيجب تحصيل اليقين
بالنسبة إلى هذه المسائل.
نعم، نعلم إجمالاً أن في وسع العقل تحصيل المعارف اليقينية في الجملة، لكن هذا
الكلام ربما يصير معرضاً لسوء الفهم، فإذا قلنا أن العقل يمكنه معرفة الواقع، ربما
يستفاد أن كل ما يسمى بالعقل الإنساني عند العرف فهو يصل ويكشف عن الواقع كما هو.
فالدارج بين ألسنة الناس أن عقلي يحكم بكذا، وأن هذا يحكم به العقل، فيجب علينا أن
نؤكد أن العقل إنما يصل إلى الواقع ويعرف الواقع كما هو إذا استنبط حكماً من خلال
البرهان الصحيح، ومن أمارات مثل هذا الحكم أنه يشترك فيه جميع العقلاء. فللعقل
إصطلاحات متعددة، فالإصطلاح العام هو أن يراد من العقل القوة الموجودة في الإنسان
التي يستطيع بفضلها أن يعرف الخير والشر والحق والباطل، هذا مصطلح عام يقابله
المجنون الذي لا يعرف الخير والشرَّ والحقَّ والباطل، فالعاقل هو الذي ليس بمجنون.
لكن العقلاء يختلفون في أحكامهم، فعقل أحد يحكم بحكم، وعقل الاخر يحكم بحكم اخر
مضاد له. وهناك اصطلاح اخر للعقل يختص بالذي يدرك الواقع كما هو عليه، وأمارته أنه
يشترك في هذه الأحكام كل عاقل ولا يمكن أن يحتمل خلاف هذا الحكم، كالأحكام المعروفة
في الرياضيات والأحكام البديهية للعقل العملي كحسن العدل وقبح الظلم والأحكام
النظرية في الحساب والهندسة وما إلى ذلك، فللعقل أحكام بديهية وكل من يكون واجداً
للعقل يحكم بمثل هذه الأحكام ولا يحتمل خلافها.
* المصدر / المعارف الانسانية / اية الله مصباح اليزدي.
2016-03-23