إنّ طغيان العشق كان مشهوراً دائماً بين الكتّاب والشُعراء.
العشق - وخاصة إذا كان قوياً - لا يعرف حداً ولا فاصلا، لا يبالي بالقيود
الإجتماعية، يستهزئ بالأخلاق، لا يتفق مع التفكير بالمصالح وربما لهذا السبب قيل «عندما
يدخل العشق من باب يفر العقل من باب آخر».
حديث «العشق» و «العقل» وما بينهما من تضاد ليس جديداً بل نجده في النتاجات الأدبية
عامة.
فالفيلسوف الإنجليزي المعروف «كارلايل» يحمل بشدة وبشجاعة على العشق ويصفه بأنّه
جنون أو «مركّب من أنواع من الجنون» فهو إنّما نظر إليه من هذه الناحية، وإلاّ فإنّ
مهمة العشق باعتباره عاملا خلاقاً قوياً إذا سلك مساره المشروع ليست قابلة للإنكار.
ومن هذه الناحية قرنوا قديماً العشق والعاشق بالخجل والافتضاح، والقصص حول افتضاح «العشاق
المولّهين» متداولة كثيراً بين الناس قديماً وحديثاً.
من المناسب أن نبحث هنا عن العوامل النفسية لهذا الموضوع ونجد الأسباب لهذه الحالة
النفسية التي تعتبر من لوازم العشق.
العشق مثل النار تحرق وجود العاشق وتبدّله إلى نار أيضاً وربما تبدل كل قواه إلى
قوى أُخرى وهي قوى العشق وفي الحقيقة أن قوّة العشق وقدرته ناتجة عن تجمّع كل القوى
وتمركزها في نقطة واحدة، إنّ قوى الإنسان العقلية، العاطفية والغريزية المختلفة
نظير الروافد تسير في بدن الإنسان وفق احتياجاته، فإذا شكلنا منها نهراً عظيماً
يسير في مجرى واحد بقيت أعضاء البدن مجدبة من جهة اُخرى.
وعلى هذا الأساس نجد العاشق الولهان لا يحس ولا يفكّر بشيء سوى حرارة والتهاب العشق.
حديثه حول محبوبه دائماً.
يرغب أن يتحدّث عنه في كل مجلس ومحفل وبسبب تداعي المعاني يربط كل حادثة، مهما
كانت، بمعشوقه.
زخرفة الريح
هبوب النسيم
جريان النهر
حركة أوراق الشجر
هديل الطيور وزعزدتها
وكذا تردد الناس
هذه كلّها تذكر بمعشوقه وتتحدث عنه.
ومن هنا تبدأ المرحلة الخطرة، لأنّ العشق في هذه المرحلة لا يخضع للسيطرة العقلية
نهائياً، وحالة العاشق حينئذ تشبه حالة المدينة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها
فتستسلم بسرعة للجيش الغازي، فيسلم زمام أموره يد العشق فيقوده معشوقه حيثما شاء
وأينما أراد.
وإذا لم يسرع المخلصون لانقاذه في هذا الوقت وإرشاده إلى الطريق الصحيح فإنّه يعمل
المستحيل في سبيل الوصول إلى معشوقه، فكلّ شيء - سوى وصال المعشوق - غير مهم
بالنسبة إليه.
فالنبل والرذيلة والدنائة والعفّة و... تكون في نظره شيئاً واحداً فلا يفكّر
بمستقبله ولا يفكّر بشرفه وشرف أقربائه وأصدقائه ولا بالقيود والعادات والأعراف
الأخلاقية والإجتماعية.
ومن الطبيعي نجد العشق ينجذب في هذه الحالة نحو أشياء ويزج نفسه في أُمور من دون أن
يكون له قصد سيء في ذلك، وربما خسر ما مضى من عمره أو مستقبله في هذا المضمار!
وعندما يصحو - وصحوه هذا يكون غالباً بعد الوصال من معشوقه من حيث الغريزة الجنسية
- نجده يرتدي ثوباً من الغم والحزن أسفاً على ما فاته وندماً - حيث لا ينفع الندم -
على الأعمال التي صدرت منه.
هذا الندم واليقظة ربما يحدثان في ظلمة السجن بعد ارتكاب جريمة أو بعد قطع الروابط
الإجتماعية والهروب من البيت والإنزراء في مكان ما أو بعد الإنزلاق إلى مراكز
الفساد واعتيادها و... و...
يجب على الشباب أن يكونوا حذرين عند مواجهة هذا الخطر الداهم الذي يمكن أن ينفذ إلى
نفوسهم بسهولة إذ يمكن أن يدخلها بنظرة واحدة! نعم بنظرة واحدة، فيجب السيطرة عليه
في هذه المرحلة البسيطة وإبعاد أنفسهم عن الخطر الذي لا يمكن التغلّب عليه.
وبانتخاب الهوايات المفيدة، ومل الوقت بالرياضة والدراسة والقراءة المتنوّعة سوف
ينسون المعشوق، كما يجب عليهم أن يحذروا ويبتعدوا عن الأصدقاء المنحرفين الذين
يلعبون بهذه النار، وأن يفكّروا بعواقب الأُمور ونتائجها يجب عليهم أن يحفظوا إخلاء
العشق المقدّس الموجود في قلوبهم إلى زوجتهم المنتظرة ويجتنبوا هذا العشق المملوء
بالهوس الذي يظهر بصورة عشق مقدّس عفيف.
إنّ أصدقاء هؤلاء العشّاق عليهم مسؤولية مهمة في هذا الوقت، هذه المسؤولية هي إيقاظ
أصدقائهم بطريق المحبة والعاطفة قبل أن يفوت الأوان فتصبح النصيحة عديمة الفائدة.