العدل في المعاملات
فلسفات أخلاقية
أما المعاملات والتصرفات فقد وضع لها رسول الله(صلى الله عليه وآله) هذا المنهج الواضح الجامع: ((عامل الناس بما تحب أن يعاملوك)).
عدد الزوار: 115
أما المعاملات والتصرفات فقد وضع لها رسول الله(صلى الله عليه وآله) هذا المنهج الواضح الجامع: ((عامل
الناس بما تحب أن يعاملوك)). وبيّن سبحانه هذه المساواة في المعاملة بقوله: (ولا
يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (8 ـ المائدة).. (كونوا
قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) (135 ـ النساء).
هذا هو دستور الأخلاق الإلهية والشريعة المحمدية في القول والفعل: عدل ومساواة بين
النفس والقريب والبعيد حيث يستوي الجميع في ميزان الحق والعدل الذي لا يبخس عدواً،
ولا يحابي صديقاً.
وقد يكون من الصعب العسير أن يلتزم الإنسان بالعدل في كل تصرفاته ومعاملاته، ولكن
هذه الصعوبة هي المحك الذي يميز بين الطيب والخبيث، والصادق والمنافق في دينه
وأخلاقه: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) (2 ـ الملك).
مثل حظ الأنثيين
وقال قائل: صحيح أن الإسلام ألغى الفروق بين الأجناس والأنساب وأمام المحاكم
والقضاء، وأوجب المساواة في العديد من الأشياء، وقال: إن أكرمكم عند الله أتقاكم،
ولكنه فضل الذكر على الأنثى في الميراث، وقال بصريح العبارة: (للذكر مثل حظ
الأنثيين) (11 ـ النساء) فما هو السبب الموجب؟.
الجواب:
السبب الموجب طارئ لا أصيل وعارض لا ذاتي تماماً كوجود المقتضي المقرون بالمانع
من التأثير، ونشير إلى هذا الطارئ العارض بعد التمهيد بأن القرآن الكريم نص على
المساواة بين الذكر والأنثى في العديد من آياته وبأساليب شتى منها ـ على سبيل
المثال ـ (اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) (195 آل عمران).. (ومن عمل
صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة) (40 ـ غافر) وأثنى على
المؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات.. إلى آخر جماعة الذكور والإناث في الآية
(35 من الأحزاب).
وخاطب سبحانه الذكور والإناث بخطاب الواحد في الواجبات والمحرمات.. وأعطى الإسلام
كلاً من الأم والبنت والأخت التركة بكاملها في بعض الحالات ومع وجود الذكر من قرابة
الميت، ولكن الأنثى أقرب منه إليه، مع أن بعض المذاهب تسوي في الميراث بين القريب
والبعيد من الأرحام.
والآن وبعد هذه الإشارة نذكر الطارئ والعارض الذي أوجب التفضيل ومنع من التسوية،
وهو أن المرأة ألصق بالبيت من الرجل خاصة أيام الحمل والحضانة، وأليق منه وأقدر على
إدارة المنزل وتدبيره.. وللبيت وحماية العائلة ورعايتها عند الإسلام، أهمية عظمى
تماماً كالسوق والحقل والمصنع أو أكثر، ومن أجل هذا وضع للأسرة قوانين وأحكاماً
تكلم عنها الفقهاء باسهاب.. ومنها أن الزوجة لا يحق لها أن تخرج من بيت الأسرة ـ
وهي ربة المنزل ـ إلا لحاجة ماسة أو باذن الزوج منطوقاً أو مفهوماً حرصاً على البيت
ومن فيه وما فيه.
ومن جهة ثانية أوجب على الزوج القيام بكل التكاليف والنفقات لها وللأولاد بالإضافة
إلى الصداق مع أنها شريكته فراشاً وحياة وأولاداً.. فضاعف الإسلام نصيبه من الميرات
مقابل ما حمله من ثقل البذل ومسئولية الإنفاق.. على أن الرجل وما ملكت يداه من إرث
وغيره في قبضة المرأة تستهلكه هي وأولادها.. فان بقيت منه باقية تركها ميراثاً لهم.
هذا هو الطارئ أو هذي هي الحكمة في تمييز الذكر على الأنثى إرثاً وغيره، فأين الظلم
والغبن على المرأة؟ والحق أن الرجل المسكين هو المظلوم والمغبون وليس المرأة حتى
ولو أخذ الميراث بكامله، لأنه رق مستعبد ومؤبد لزوجته وعائلته.