القانون الأخلاقي فوق الجميع
فلسفات أخلاقية
من أهم خصائص القانون ـ من أي نوع كان ـ أن يشمل ويُطبق على جميع الناس من غير تفرقه وتمييز، لأن القانون هو العقل والعلم والحق والعدل،
عدد الزوار: 116
من أهم خصائص القانون ـ من أي نوع كان ـ أن يشمل ويُطبق على جميع الناس من غير
تفرقه وتمييز، لأن القانون هو العقل والعلم والحق والعدل، ولا شيء من ذلك يقبل
التقييد التخصيص.. هذا، إلى أن موضوع علم الأخلاق السلوك والنشاط الإنساني على أساس
الخير والفضيلة، ومعنى هذا أن قوانينه وقواعده ومبادئه إنسانية وجدانية، وتخصيصها
بفئة دون فئة أو فرد دون فرد معناه تجزئة الطبيعة البشرية وانقسامها على نفسها.
وأخيراً فإن مبادىء الأخلاق لا تخضع لأحد، ويخضع لها الكبير والصغير على السواء، بل
وبها يكون الإنسان كبيراً وشيئاً مذكوراً.
لا أخلاق بلا حرية
قلنا فيما تقدم: ان مصادر الإلزام الأخلاقي هي الوحي والعقل والضمير، وكل هذه
المصادر والبصائر تقرر حرية الإنسان وتؤكدها، لأن أفعاله لن تكون أخلاقية إلا إذا
انبثقت من أعماقه، وكانت ثمرة يانعة لنيته وإرادته بلا تكلف والتواء وتصنع ورياء،
ولولا الحرية لم يكن للإنسانية عين ولا أثر.
ثم إن الحرية ليست ملكة موروثة عن الآباء والأجداد، ولا صفة مكتسبة من التربية
والبيئة، ولا هي ثمرة من ثمرات التطور التاريخي كما يقول الماركسيون، وإنما هي صفة
ذاتية للإنسان لا يمكنه التحرر منها، وان حاول واجتهد، وبالقدرة والحرية يسوغ
الإلزام والتكليف، قال سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (286 البقرة).
ويرى بعض الباحثين أن أية عقيدة يدين بها الإنسان أو أية سيئة يقترفها متأثراً
بالوسط الذي يعيش فيه وتبعاً لتقاليد المجتمع وعاداته ـ فهي مقدرّة عليه وغير
مقدورة له لأنها من صنع المجتمع وهو الذي فرضها عليه لأن الفرد جزء من مجتمعه
وبيئته التي نشأ فيها، وهذه السيئة الاجتماعية صارت بمرور الزمن نظاماً عاماً
وطبيعة ثانية ثابتة لأفراد المجتمع.
والحق التفصيل بين فرد وفرد: فإن كان من الذين يملكون الوعي والاستعداد، وقد التفت
وشكّ فيما عليه أهله ومجتمعه ـ فعليه أن يبحث بحثاً جاداً عن الحق والحقيقة، ويسأل
من يثق به من أهل الفكر والعلم، ويعمل بعد اليأس وافراغ الوسع بما انتهى إليه من
بحثه وسؤاله، فإن أهمل ومضى على سنة الآخرين: إما تعصباً وإما لأنه لا يريد أن
يكتشف خطاً آمن بصحته عشرات السنين وإما لأنه إباحي متهرطق فالحق والباطل عنده
بمنزلة سواء، إن كان شيء من ذلك استحق التوبيخ والعقاب إن جانب الواقع والصواب في
عقيدة أو عمل.. وفقهاء الإسلام يسمون هذا مقصراً لأنه أهمل البحث والفحص ومسيئاً
إلى نفسه لأنه ألقاها بالتهلكة عن قصد وعمد.
وان كان عاجزاً لا يملك الاستعداد والوعي، أو لم يلتفت ويشك في صحة ما يتجه إليه
ويعتقد به لأنه منذ البداية آمن به إيمان العجائز ـ فهو معذور وغير مسئول تماماً
كالحيوان من حيث العجز والقصور، ولذا يسميه الفقهاء بالقاصر والعاجز.
والذي رأيناه بالحس والعيان أن أكثر الذين يملكون الاستعداد يرفضون في مكابرة وعناد
الأدلة المعارضة لأفكارهم حتى ولو كانت من المسلمات الأولية التي تثبت نفسها
بنفسها.. ومنهم من يعارض الفكرة قبل أن يطلع على مدركها ويستمع إلى دليلها من
علمائها والمؤمنين بها! ولا عذر لهؤلاء وشفيع.