يتم التحميل...

الصفح

فلسفات أخلاقية

كل إنسان يشعر بالمقت والكراهية لمن أساء إليه بطبيعة الحال، ولكن الغيظ إذا استمر تفاقم وارتد أثره على صاحبه المعتدى عليه لا على المعتدي حيث يقلق راحته،

عدد الزوار: 95

كل إنسان يشعر بالمقت والكراهية لمن أساء إليه بطبيعة الحال، ولكن الغيظ إذا استمر تفاقم وارتد أثره على صاحبه المعتدى عليه لا على المعتدي حيث يقلق راحته، وينغّص عيشه، ويذهب بتوازنه، ومعنى هذا أنه قد أساء إلى نفسه بنفسه.. ولا سبيل للخلاص من هذا الشعور المدمر إلا التناسي والصفح، لأنه إن أعلن الحرب على المسيء ولم ينتصف منه لعجزه، عظم الخطب، واتسع الخرق، وشاع الفشل، وتشجع المسيء، وشمت العدو، وعتب الصديق.

وان انتصر عليه فاتته فضيلة الصفح والحلم، بعد أن سنحت الفرصة لها ولم ينتهزها. وروي أن فيثاغورس الفيلسوف الكبير أساء إليه خادمه فضحك، ولما سئل عن ذلك قال: لقد مهد لي السبيل إلى الصبر والحلم. وقال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): ((متى أشفي غيظي إذا غضبت؟ أحين أعجز عن الانتقام؟ فيقال لي: لو صبرت، أو حين أقدر فيقال لي: لو غفرت)). وأيضاً قال: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه.

وقال سبحانه: (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم) (4 ـ التغابن) والمراد واحد من العفو والصفح والمغفرة، والقصد من هذا الترادف، التوكيد والترغيب والتنبيه إلى أن الله تعالى يرحم من رحم ويعفو عمن عفا.. وليس الصفح عن المسيء بالأمر اليسير على أبناء آدم إلا أن يكون ذا عقل كبير، وخلق عظيم.. والعديد من الفلاسفة وعلماء النفس يعتبرون الصفح والتسامح أساساً من أسس الحياة الاجتماعية تماماً كالتضامن والتعاون. والبديهة تشهد بهذه الحقيقة.

المعاملة

اشتهر عن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((الدين المعاملة)) وإذا عطفنا على قوله هذا حديث (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ساغ لنا أن نقول: مكارم الأخلاق هي المعاملة، ويكون معنى الحديثين معاً أنه لا دين ولا أخلاق لمن أساء أو يسيء في معاملته مع أي إنسان كان ويكون.

وقد شاهدنا بالحس والعيان أن الصدق والوفاء رصيد ضخم وثروة كبرى في الحياة الدنيا قبل الآخرة، فكم من صادق مخلص سعت إليه الرياسة دون ان يسعى اليها، وتغلب على أنداده وحساده، وأصبح له صوت مسموع بطيب السريرة وحسن السيرة والعديد من تجار الشرق والغرب يتجنبون الغش والخيانة، ويلتزمون النصح والأمانة لا لشيء إلا لأنهما متجر رابح.

وقد يقول معترض: ان هذا ليس من الأخلاق في شيء لأن صاحب الاخلاق الكريمة يتصرف بوحي من قلبه وضميره لا بدافع من جيبه ومعدته.

الجواب:
أجل، ليس ذلك من الأخلاق بالنسبة إلى هذا التاجر بالخصوص، ولكن النصح في المعاملة حسن وراجح في ذاته، والغش قبيح ومكروه بالطبع، والمفروض أن هذا التاجر صدق ولم يخدع، فيخرج، وهذي حاله، عن العهدة والمسئولية، ولذا لا يجد في صدره أي حرج من قول قائل: أنت تتاجر بالصدق، بل قد يعلن ذلك صراحة عن نفسه ولا يستحي منه.

وبعد، فان المعاملة الحسنة هي كل شيء ديناً وأخلاقاً، ودنيا وآخرة، أما من يعامل الناس بالغش والكذب والخداع فهو أخزى من الخزي لأنه في صورة إنسان وهو في سلوكه وتصرفه ضد الله والإنسانية، هو مزيج من الغدر والاغتيال، والمكر والاحتيال، ومن كانت هذه حقيقته فعاقبته إلى وبال لا محالة.

2016-03-09