الايمان
فلسفات أخلاقية
وقبل الإشارة إلى ثمره وأثره نمهد بالفرق بين المؤمن والملحد بلا تطويل وتحليل.. يعتقد الملحد بأن الطبيعة العمياء ألقت به في هذا الوجود
عدد الزوار: 95
وقبل الإشارة إلى ثمره وأثره نمهد بالفرق بين المؤمن والملحد بلا تطويل
وتحليل.. يعتقد الملحد بأن الطبيعة العمياء ألقت به في هذا الوجود من غير قصد أو
هدف، وأنه غير مسئول عن شيء أمام أية قوة أو سلطة فوق الكون والبشر، بل لا مبرر
لوجوده على الإطلاق، وأن قائده ورائده معدته وكسوته، وبيته وزوجته، لا يقع عليه أي
عبء إلا أن يعمل من أجل ذلك، ويترك الناس وما يشتهون.. وبكلمة إن الإنسان في نظر
الملحد هو الحيوان الملزم بالعمل لحياته في هذه الدنيا ومعاشه ولا واجبات وراء ذلك
ومسئوليات حيث يذهب بالموت إلى فناء أبدي، لا بعث ولا ثواب على حسنة ولا عقاب على
سيئة!.
أما المؤمن فيعتقد بأن الله القدير العليم والغني الحكيم هو الذي خلقه وأوجده لغاية
تسمو به عن اللغو والعبث، وهي أن يعطي الإنسان لهذا الكون قيمته، ويظهر حقيقته،
واودع فيه كل الطاقات المؤهلات لهذه المهمة، وبها كرّمه سبحانه وفضّله على كثير من
خلقه، وخصه بشريعة كاملة وافية، يعمل في ضوئها لبلوغ الغاية من وجوده، وتُعدّه
لعالم الأبد والخلود، للملك الدائم، والنعيم القائم إن هو امتثل وأطاع، ولعذاب
الحميم ان تمرد وعاند. وبكلمة إن المؤمن يعتصم بقائد أعلى لا يحيد به عن صراط الخير
والنجاة إن أسلس القياد والزمام لمولاه، ومن هنا كان المؤمن على بصيرة من أمره
وبينة من مصيره، لا قلق ولا ضياع، بل هدوء وسكينة في كل حالاته وأطواره بنص القرآن
الكريم: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) (22 ـ المجادلة). (ان
الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين) (22 ـ
المعارج) والمراد بالمصلين هنا المؤمنون المعتصمون بالله أبداً ودائماً في السراء
والضراء.
أما الملحد فهو في غربة وحيرة، لأنه ـ كما هو الفرض عنده ـ قد انتهى بتفكيره إلى أن
الوجود لا معنى له، وان الإنسان قُذف فيه صدفة وعبثاً!. وعليه فإلى أي شيء يطمئن
الملحد ويلجأ؟.
وقرأت الكثير عن صفات التائه الحائر، وأول ما تبادر إلى ذهني أنها صفات من كفر
وألحد، ومن تلك الصفات (أنه سجين نفسه يبحث عن مكان في هذه الحياة فلا يجده، فيحز
الألم في نفسه، ويتعاطى المخدرات أو الانتحار ـ مجلة عالم الفكر، العدد الأول من
المجلد الأول ص 16). وفي صفحة 36 وما بعدها من هذه المجلة قال البير كامي: ((أن
الانتحار يعني بكل بساطة الاعتراف بأن الحياة لا تستحق أن تعاش)). وفي مجلة العربي
العدد 191 ص 20: ((ذهب كثير من علماء النفس والاجتماع إلى أن أغلب المشكلات التي
يعانيها الناس أفراداً وجماعات ـ ترجع إلى احساس الفرد بعدم الإنتماء (أي إلى دين
وعقيدة) وشعوره بالحيرة والضياع)).
هذي هي بالذات حياة الملحد في احساسه وبينه وبين نفسه: اهتزار واضطراب، وغربة
وحيرة، وفراغ وضياع، والعلاج الوحيد سموم تخدّر أو انتحار يدمّر، أما حياة المؤمن
مع نفسه فسلم وانسجام، وراحة واطمئنان.