الكلام
فلسفات أخلاقية
روى صاحب سفينة البحار عن إمام المؤمنين وسيد الساجدين أنه سئل عن الكلام والسكوت، أيهما أفضل؟ فقال: ((لكل واحد منهما آفات،
عدد الزوار: 109
روى صاحب سفينة البحار عن إمام المؤمنين وسيد الساجدين أنه سئل عن الكلام والسكوت،
أيهما أفضل؟ فقال: ((لكل واحد منهما آفات، فاذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من
السكوت لأن الله جل وعز ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، انما بعثهم بالكلام،
ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار
بالسكوت, كل ذلك بالكلام. انك تصف السكوت بالكلام، ولا تصف الكلام بالسكوت)).
وأولاً وقبل كل شيء نشير إلى هذه البديهة: كل شيء يأتي في وقته، ويوضع في محله
اللائق به فهو خير وحسن وحكمة وتدبير، وكل شيء يتجاوز حده إلى غيره فهو سفاهة
وجهالة.. ومثال الأول قول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): الغدر بأهل الغدر وفاء عند الله.
ومثال الثاني قوله: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله.
هذا من حيث الفكرة والقاعدة العامة الشاملة للكلام وغير الكلام سكوتاً كان أو أي
شيء، أما الحديث عن الكلام بصرف النظر عن السكوت، وعن السكوت بصرف النظر عن الكلام،
فان كلاً منهما لا يوصف بخير أو شر من حيث هو، بل يختلف تبعاً لثماره وآثاره التي
تختلف هي بدورها تبعاً للمقامات والحالات، فقد يكون السكوت شراً كالسكوت عن الحق
حيث وصف الرسول الأعظم الساكت عنه بالشيطان الأخرس، وقد يكون خيراً كالذّي يسكت عن
كلمة خبيثة كيلا يسمع كلمات. وأيضاً يكون الكلام خيراً إن أمر بصدقة أو معروف أو
إصلاح بين الناس، كما في الآية114 من سورة النساء، ويكون شراً إن يكن الكلام كذباً
أو غيبة أو شتماً أو لغواً. قال أفلاطون: ((الخسيس من كثر كلامه فيما لا ينفع)).
ويصدق هذا كل الصدق على العديد من الذين يتطفلون على المنابر في هذا العصر حيث
يدورون ويلفون ويسرفون في الكلام من غير طائل، ويتبسطون في السخف إلى أبعد حد!.
هذا بالنسبة إلى الكلام في ذاته والسكوت في ذاته، أما المقارنة والمفاضلة بينهما
كما هو موضوع السؤال والجواب فان الكلام أفضل، ما في ذلك ريب، كما قال الإمام(عليه
السلام)
ونعطف على ما قال.
أولاً أن الكتب والأسفار وما يدرس في المعاهد والجامعات ويدور في الأسواق والشوارع،
كل ذلك وغير ذلك كلام وبيان، وهل توجد حياة اجتماعية بلا تفاهم وتخاطب؟.
ثانياً ان التخاطب والحوار يوقظ الفكر، ويفتح له آفاقاً جديدة كالتحليل في المختبر،
خاصة إذا كان الحوار بين أهل العلم والفهم.. ونقول هذا عن حسٍ وتجربة.
وأخيراً هذه الرواية عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): ((لقد تجلى الله تعالى لعباده في
كلامه، ولكن لا تبصرون)). (أنظر كتاب عوارف المعارف لعمر السهروردي ص 165). ومراد
الإمام أن عظمة الله سبحانه تجلت في كلامه المعجز تماماً كما تجلت في الكون ومن فيه
وما فيه.