التوبة
الدعاء الأول
(والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها... ) أي لم نحصل على منافعها، وفوائدها إلا بفضل الله ورحمته. ومن الفوارق الأساسية بين المؤمن،
عدد الزوار: 209
(والحمد لله الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها... ) أي لم نحصل على منافعها،
وفوائدها إلا بفضل الله ورحمته. ومن الفوارق الأساسية بين المؤمن، والملحد ان
المؤمن يشعر من أعماقه ان عليه رقيباً يحفظ، ويسجل جميع أقواله، وأفعاله حتى ولو
أتى بها في الخلوات، والظلمات، وأنه مسؤول عنها، ومحاسب عليها، ومكافأ، إن خيراً
فخير، وإن شراً فشر، ولا إنسانية إلا مع هذا الشعور الذي يجعل الفرد هو السائل،
والمسؤول في آن واحد، أما الملحد فإنه يسخر من هذا الشعور، والإيمان، ويراه جهالة،
وحماقة، ومن هنا لا يطلب العفو إن أذنب إلا إذا خاف من الدولة، أو المجتمع، على عكس
المؤمن الذي يعترف بالذنب، ويقول بكل جرأة : فعلت، وأساءت، وأقلعت وهو آمن على نفسه،
وماله، وعرضه من كل قوة، وسلطة، ويطلب من الله العفو، والرحمة، هذي هي التوبة
الشرعية التي فتح سبحانه بابها لعباده وقال لهم : « توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً
» وفي قوله تعالى : وصف نفسه بالتواب : « إن الله هو التواب الرحيم » أي يقبل
التوبة من التائب : « غافر الذنب وقابل التوب »
(فما هكذا كانت سنته في التوبة لمن كان قبلنا ) بل كان لقبولها من بعض الأمم
السابقة، أو من بعض الذنوب، ولقبولها شروط قاسية، وثقيلة كما تأتي الإشارة إليها
والتوبة فضيلة كالصدق، والإخلاص لا ينسخ قبولها، ووجوبها، ولا يخصص بذنب دون ذنب،
أو بزمان دون زمان، فقد قبلها سبحانه من ءادم، ويونس، وقومه وغيرهم، وكان كل نبي
يخاطب قومه بقوله : توبوا إلى الله، أطيعوا الله يغفر لكم ذنوبكم. أجل إن الله
سبحانه خفف عن أمة محمد صلى الله عليه وآله الكثير من القيود التي فرضت على بعض
الأمم السابقة كما تشير الآية : « ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين
من قبلنا »، ومن ذلك أن الله سبحانه لم يقبل التوبة من بني إسرائيل بعد أن اتخذوا
العجل رباً إلا أن يقتل بعضهم بعضاً : « وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم
أنفسكم بإتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم »
(ولم يدع لأحد منا حجة ولا عذراً ) حيث وهبنا سبحانه العقل، والقدرة، والإرادة،
وكلفنا باليسير، ووضع عنا ما لا نطيق... وبالعقل نميز، وبالإرادة نختار، وبالقدرة
نفعل علماً بأنه تعالى لا يأمر إلا بخير، ولا ينهي إلا عن شر، ومعنى هذا أنه تعالى
أعذر إلى عباده بكل حجة ليهلك من هلك عن بينة، وينجو من نجا عن بينة ( فالهالك منا
من هلك عليه ) المراد بالهالك هنا المجرم الهاوي في نار جهنم بعد أن يعرض على الله
لنقاش الحساب، قال الإمام علي عليه السلام : « الغنى، والفقر بعد العرض على الله ».
وعليه يكون المعنى ليس هلاك المرء بما يعانيه من مصائب الدنيا، ولا نجاته بسلامته
من آفاتها، وإنما الهلاك، والنجاة بعد العرض على الله يوم القيامة، فمن هلك في ذلك
اليوم فهو الهالك حقاً، وواقعاً ( والسعيد منا من رغب إليه ) أي من خصه بالرغبة،
والتضرع، والسؤال، وعول عليه وحده في جميع أموره.
والحمد لله بكل ما حمده به أدنى ملائكته إليه، وأكرم خليقته عليه، وأرضى حامديه
لديه، حمداً يفضل سائر الحمد كفضل ربنا على جميع خلقه ثم له الحمد مكان كل نعمة له
علينا وعلى جميع عباده الماضين، والباقين عدد ما أحاط به علمه من جميع الأشياء،
ومكان كل واحدة منها عددها أضعافاً مضاعفة أبداً سرمداً إلى يوم القيامة حمداً لا
منتهى لحده، ولا حساب لعدده، ولا مبلغ لغايته، ولا انقطاع لأمده الحمد
(والحمد لله بكل ما حمده به أدنى ملائكته إليه ) الملائكة المقربون إلى الله
يحمدونه، ويعبدونه بروح مخلصة خالصة من كل شائبة، والإمام عليه السلام يحمده،
ويعبده بهذه الروح لا لشيء إلا لأنه جل وعز أهل لذلك وكفى، وإلا كان الحمد، والتعبد
خاضعاً لجلب المنفعة، أو لدفع المضرة، وهذا حمد العبيد، أو التجار ( وأكرم خليقته
عليه... ) أكرم الخلائق، وأرضاهم لديه تعالى هم الأنبياء، والأوصياء، وفي طليعتهم
سيد الأنبياء محمد وأهل بيته الأطهار عليهم جميعاً أفضل الصلوات ( حمداً يفضل سائر
الحمد كفضل ربنا على جميع خلقه ) وفضله تعالى على خلقه لا يعادله فضل، وكذلك حمد
الإمام لله لا يعادله حمد ( ثم له الحمد مكان كل نعمة له ) من نعمه التي لا تحصى (
علينا ) نحن الأحياء الموجودين الآن ( وعلى جميع عباده الماضين ) من الأموات (
والباقين ) الآتين إلى آخر يوم ( عدد ما أحاط به علمه
من جميع الأشياء ) ممن كان، ويكون في الأرض، والسماء ( ومكان كل واحدة منها عددها
أضعافاً مضاعفة ) مثلاً مع كل حبة من الرمل عدد ما في الكون من حباته مرات، ومرات،
وهكذا كل شيء من أشياء الكون التي لا يعملها إلا الله والإمام يحمد الله على كل
نعمة من نعمه حمداً يفوق من حيث الوزن كل ما خلق أضعافاً لا يحصيها سواه، والمقصود
بذلك مجرد التعظيم لجلاله تعالى، والخضوع لكماله المطلق ( أبداً سرمداً إلى يوم
القيامة ) الأبد : لا آخر له، والأزل : لا أول له، والسرمد، لا أول له ولا آخر (
حمداً لا منتهى لحده، ولا حساب لعدده، ولا مبلغ لغايته، ولا انقطاع لأمده ) هذه
الجمل مترادفة، وهي عطف تفسير على ما سبق، والكل اقتباس من الآية (1) والآية (2).
ولا بدع فإن كلام أهل بيت الوحي، وخزنة علمه، فيض من بحاره، وثماره.
حمداً يكون وصلة إلى طاعته، وعفوه، وسبباً إلى رضوانه، وذريعة إلى مغفرته، وطريقاً
إلى جنته، وخفيراً من نقمته، وأمناً من غضبه، وظهيراً على طاعته، وحاجزاً عن
معصيته، وعوناً على تأديه حقه، ووظائفه.
حمداً نسعد به في السعداء من أوليآئه، ونصير به في نظم الشهداء بسيوف أعدائه إنه
ولي حميد.
(حمداً يكون وصلة ) وسيلة ( إلى طاعته ) طاعة الله سبحانه هي الهدف الأول. من
الإيمان به، والسبيل لمرضاته، وثوابه، والنجاة من غضبه، وعقابه، وأفضل الطاعات لله
أن نحسن لعياله ولو بكف الأذى عنهم ( وسبباً إلى رضوانه وذريعة إلى مغفرته، وطريقاً
إلى جنته ) كل ذلك وما إليه هو من ثمار الطاعة، وآثارها ( وخفيراً ) حارساً،
ومانعاً ( وظهيراً ) معيناً، وباعثاً ( وحاجزاً ) عطف تفسير على خفير ( وعوناً )
عطف تفسير على ظهير ( ووظائفه ) وهي ما أوجبه تعالى على عباده من صوم، وصلاة، وحج،
وزكاة ( ونصير به في نظم الشهدآء ) أي ننضم إليهم، ونجتمع معهم في منازل الكرامة (
بسيوف أعدائه ) أي استشهدوا في سبيل الله بسيوف أعداء الله.
1_الكهف : 109 « قل
لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله
مداداً ».
2_لقمان : 27. « ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما
نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم