يتم التحميل...

جهاد البطن

آداب إسلامية

قال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:"ما ملأ ابن ادم وعاءً شراً من بطنه حسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه فإن كان هو فاعلاً لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"

عدد الزوار: 250

قال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:"ما ملأ ابن ادم وعاءً شراً من بطنه حسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه فإن كان هو فاعلاً لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"1.

مقدمة:
هذا الحديث يلخص خطر البطن وملئها، فالله قد جعل الطعام والشراب لابن ادم لا لينقطع إلى لذته بالمأكل والمشرب بل، لأجل حفظ وجوده وتقويته على أمور دينه ودنياه ومن الناس من لا يلتفت إلى هذه الحكمة بل يتغافل عنها ليؤخذ بلذة الطعام فيكون ممن يعيش ليأكل بينما الحق هو أن يأكل ليعيش.

فشهوّة البطن من أعظم المهلكات لابن ادم فكم من دم يهرق لأجلها وكم من حرمات ترتكب لأجلها، ولذا فهي منبع الشهوات وبيت الداء، داء الجسد والنفس ولكن مع ذلك فإن للبطن حقاً:

حق البطن:
في رسالته العظيمة رسالة الحقوق يقول الإمام السجاد عليه السلام: "وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاءً لقليل من الحرام ولا لكثير وان تقتصد له في الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروة، وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم، وأن الري لمنتهي بصاحبه إلى السكر مستخفة ومجهلة ومذهبة للمروة".

فقد فصلت الرواية حق البطن بما يجب وما لا ينبغي أو لا يجوز فيما يلي:
1- عدم أكل الحرام أو شربه قليلاً كان أو كثيراً.
2- القصد في الأكل والشرب.
3- أكل الحلال وشرب الحلال.
4- الأكل بقدر حفظ القوة.
5- عدم الشبع وعدم الإتخام.
6- مقاومة نزوع النفس لكثير الطعام والشراب برياضة الجوع والعطش.

جهاد البطن:
إن وسيلة جهاد البطن يكون بتهذيب ميلها إلى الطعام والشراب والإمساك بزمامها بحيث يصبح الإنسان حراً أمام نزوع نفسه إلى كل لذيذ طعام أو شراب لينقطع عنها إلى الله عز وجل ذلك أن من أهم آثار مل‏ء البطون قسوة القلب والغفلة وقلة الفطنة وعدم التوفيق
للعبادة فالرياضة والطريقة الوحيدة لجهاد البطن وقمع شهوتها هو الجوع فقد وردت روايات كثيرة في فضله وأثره منها:
1- أجر مجاهد: قال رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وسلم: "جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش، فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله، وانه ليس من عمل أحب إلى الله تعالى من جوع وعطش"2.

2- الجوع عبادة: ويكفي للدلالة على ذلك أن الله قد شرع عبادة قوامها الجوع وهي صوم شهر رمضان. وأيضاً ورد في قلة الطعام عن رسول الله ‏صلى الله عليه و آله و سلم: "الفكر نصف العبادة، وقلة الطعام هي العبادة"3.

بل جعل في رواية جزءاً من النبوة وأيضاً في رواية "أفضلكم منزلة عند الله تعالى يوم القيامة أطولكم جوعاً وتفكرا وأبغضكم إلى الله تعالى كل نؤم أكول شروب"4.

3- القرب إلى الله: عن رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا..."5.

4- رؤية الله: روي عن عيسى بن مريم عليه السلام: "أجيعوا أكبادكم واعروا أجسادكم فلعل قلوبكم ترى الله عز وجل"6.

5- الجائع يقرع باب الجنة: ما أروع وصف النبي صلى الله عليه و آله و سلم للجوع: إذ يقول: "أديموا قرع باب الجنة يفتح، قيل وكيف نديم قرع باب الجنة؟ قال: بالجوع والظمأ"7.

6- آثار الجوع الأخروية: عدا عما ذكرنا من أن الجوع قرع لباب الجنة ورؤية الله فإن في القيامة جوعاً وعطشاً شديدين أين منهما الدنيا وجوعها ومن آثار الجوع في الدنيا والعطش الأمن من جوع الآخرة وعطشها فعن النبي الأكرم‏ صلى الله عليه وآله وسلم: "أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة وإن أبغض الناس إلى الله تعالى المتخمون الملأى وما ترك عبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة"8.

فوائد الجوع في الدنيا: قد يظن الإنسان أن للجوع فقط آثاراً وفوائد أخروية تتعلق بالأجر والثواب الأخرويين والتقرب إلى الله وغير ذلك مما سلف إلا أن له فوائد دينوية معنوية ومادية منها:

1- طهارة القلوب: فالقلوب تقسو وتتدنس بالمعاصي والذنوب، والجوع وسيلة لإزالة آثار الغفلة والذنب قال رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم: "احيوا قلوبكم بقلة الضحك والشبع وطهروها بالجوع تصفو وترق"9.

2- الحكمة والفطنة: إن الشبع كما سبق بيانه يمنع من الفكر والاستبصار ورؤية الحقائق كما هي والجوع يضاده في الأثر قال رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وسلم: "من أجاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه".

3- صحة البدن: إن أكبر مسبب للمرض هو كثرة الطعام والشراب، ولذا فإن الحمية لا زالت أفضل العلاجات ولا يخلو علاج منها والجوع وقلة الطعام حماية ووقاية من الأمراض فقد ورد عنهم‏عليهم السلام: "المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته".

4- الجوع غذاء الروح: إذا كان الطعام غذاء البدن ومادته التي تقويه فإن الجوع للروح كما الطعام للجسد فقد ورد عن الإمام الصادق‏ عليه السلام: "قلة الأكل محمودة على كل حال وعند كل قوم وليس شي‏ء آخر لقلب المؤمن من كثرة الأكل وهي مورثة شيئين: قسوة القلب وهيجان الشهوة، والجوع أدام للمؤمن وغذاء للروح وطعام للقلب وصحة للبدن".

5- تذكير بجوع الآخرة: ففي خطبة الرسول في استقبال شهر رمضان: "واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه" وقد قيل ليوسف عليه السلام: "لم تجوع وفي يديك خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع"10.

6- لجم جموح النفس وكسر شهوتها للمعاصي: إن منشأ المعاصي كلها بالنهاية يعود إلى قوتها المستمدة من الطعام والشراب، فقلة الطعام وسيلة فائدتها واضحة في إضعاف نزوع النفس إلى شهواتها نتيجة ضعف المحرك لها إلى الشهوات وبالجوع يسهل انقياد النفس لصاحبها وخضوعها لسلطانه.

من آداب الطعام:
1- أن لا يأكل وحيداً:"خير الطعام ما تكاثرت عليه الأيدي"." ملعون من أكل وحده".

2- غسل اليدين أو الوضوء.

3- البدء بالبسملة والانتهاء بالحمدلة حتى ولو كان هناك أكثر من نوع من الطعام فليسم الله عند البدء بأكل كل لون.

4- عدم الإكثار من أكل اللحوم: "لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات".

5- عدم أكل ما لا يشتهيه فقد ورد أنه يورث الحمق.

تنبيه
إن الجوع وإن كان هو الوسيلة التي سبق بيان شرفها وفضلها وأثرها في الدنيا وإلا خرج على البدن والقلب والنفس إلا أن أثر الجوع المعنوي يتوقف على كون الجوع جوعاً تربوياً، أي يجوع الإنسان بإرادته ليربي به نفسه ويهذبها ويقمع جموحها إلى ما حرم الله ويقبل بها على الطاعة أي أن يكون جوعه جوعاً هادفاً ليمتلك زمام نفسه لا أن يكون جوعاً مؤقتاً نمسك به أنفسنا فترة من الزمن عن الطعام والشراب ثم لا نلبث أن نطلق لها العنان لتأخذ ما لذ وطاب لها وبما شاءت من الكم والنوع.

وعلينا أن نغتنم فرصة الجوع لنتذوق طعم العبادة الحق حيث تنازعنا فيه أي رغبة أخرى.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تشبعوا فينطفي نور المعرفة من قلوبكم ومن بات يصلي في خفة من الطعام باتت الحور العين حتى يصبح"11.

* جهاد الجوارح , سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- فلسفة الأخلاق/106/ زنجاني.
2- المحجة البيضاء ج‏5، ص 146 إلى 149.
3- المحجة البيضاء ج‏5، ص 146 إلى 149.
4- المحجة البيضاء ج‏5، ص 146 إلى 149.
5- المحجة البيضاء ج‏5، ص 146 إلى 149.
6- المحجة البيضاء ج‏5، ص 146 إلى 149.
7- المحجة البيضاء ج‏5، ص 146 إلى 149.
8- المحجة 5، ص‏15.
9- المحجة 5، ص‏154.
10- المحجة البيضاء، ج‏5، ص‏156.
11- المحجة البيضاء، ج‏5، ص‏154.

2016-02-09