النبوّةُ العامّة
أصول الشيعة
لقد اختار اللهُ الحكيم رجالاً صالحين لهدايةِ البَشَرِ وإرشادِهم، وحمّلهم رسالته إلى جميع أفراد النوع الاِنساني، وهؤلاء الرجال هُمُ الاَنبياء والرُسل الذين بواسطتهم جَرى فيضُ الهداية من جانب الحق تعالى إلى عباده.
عدد الزوار: 273
الاَدِلَّة على ضرورةِ النُبوّةِ
الاَصلُ الرابعُ والخَمسون: بعث الرسل للهداية والاِرشاد
لقد اختار اللهُ الحكيم رجالاً صالحين لهدايةِ البَشَرِ وإرشادِهم، وحمّلهم رسالته
إلى جميع أفراد النوع الاِنساني، وهؤلاء الرجال هُمُ الاَنبياء والرُسل الذين
بواسطتهم جَرى فيضُ الهداية من جانب الحق تعالى إلى عباده.
وهذا الفيضُ المبارك بدأ بالنزول من جانب الله منذ أن تهيّأ البشرُ للاستفادة منه
وإلى عصر النبي الاَكرمِ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويجب أن نعلم بأنَّ دين كلّ نبيٍّ من الاَنبياء يُعدّ بالنسبة إلى عصره وأُمّته
أكملَ دين، وأتَمَّ شريعة، ولو أنّ هذا الفيض الرباني لم يستمرّ لما بلغ البشرُ إلى
حدِّ الكمال.
وحيث إنّ خَلقَ الاِنسان هو من فعل الله «الحكيم» فلا بّد أن يكون له من هَدَف وغرض،
ونظراً إلى أن تركيب الكيان البشري ـ مضافاً إلى الغرائز التي هي مشتركة بينه وبين
الحيوان ـ ينطوي على العَقل أيضاً، لهذا لابُدّ أنْ يكونَ لِخَلقه غرض عُقلائيٌ،
وهَدَفٌ مَعْقولٌ.
ومن جانب آخر، فإنّ عَقل الاِنسان، وإنْ كان مؤثِّراً ومفيداً في سلوكه طريقَ
الكمال، إلا أنّه غيرُ كاف لذلك.
الاَدِلَّة على ضرورةِ النُبُوّةِ …
ولو اكتُفيَ في هداية الاِنسان بالعقل وحده لما عَرفَ الاِنسان طريقَ الكمال بشكل
كامل قط، ونذكر للمثال مسألة الوقوف على قضايا المبدأ والمعاد التي هي من أَهم
مسائل الفكر البشري، وقضاياه على مدار التاريخ.
فإنّ البشر يريد أن يَعْلَم من أين جاء؟ ولماذا جاءَ؟ وإلى أين يذهب؟ ولكنّ العقلَ
لا يقدر وحدَه على إعطاء الاِجابات الصحيحة الكافية على كلّ هذه الاَسئلة، ويشهد
بذلك أنّه رغم كل ما أحرزته البشرية المعاصرة من التقدّم والرقيّ في ميادين العلم
لا يزالُ قِسمٌ عظيمٌ من البشريّة وثنيّين.
إنّ عجز العَقل والعلم البشريَّين، وقصورهما لا ينحصر في مجال قضايا المبدأ والمعاد،
بل الاِنسان لم يتمكّن من أن يختار الطريقَ الصحيحَ في كثير من مجالات الحياة أيضاً.
إنّ اختلاف الرؤى والنظريات البشريّة في قضايا الاقتصاد، والاَخلاق، والعائلة، وغير
ذلك من مناحي الحياة ومجالاتها، خير دليل على قصوره عن الاِدراك الصحيح لهذه
المسائل، ولهذا ظهرت المدارس المتعارضة.
مع أخذ كلّ هذا بنظر الاِعتبار يحكم العقلُ الصحيحُ بأنّه لابدّ ـ بمقتضى الحكمة
الاِلَهيّة ـ من بعث وإرسال قادة ربانيّين، ومربّين إلَهيّين، لِيعَلِّمِوا
البَشّريّة النهجَ الصحيحَ للحياة.
إنَّ الّذين يَتصوَّرون أنّ في مقدور «الهدايات العقليّة» أنّ تحلَّ محلّ «الهدايات
الاِلَهيّة السّماويّة» يجب أن يدركوا أمرين:
1 ـ إنّ العَقل والعلم البشريّين قاصران عن المعرفة الكاملة بالاِنسان، وبمسيره في
صعيد الماضي والمستقبل، في حين يعلم خالقُ البشر ـ بحكم كون كلّ صانع عارفاً
بمصنوعه ـ بالاِنسان، ومحيطٌ بأبعاده، وأسرار وجوده، إحاطةً كاملةً.
2 ـ إنّ الاِنسان بمقتضى غريزة حبّ الذات المودَعة في كيانه، يحاول ـ عِلماً أو
جهلاً ـ أن يُتابعَ منافِعَه الشخصيّة ويهتمّ بها، فيعجز ـ في تخطيطه وبرمجته ـ عن
الخروج من دائرة منافعه الفرديّة أو الجماعية بشكلٍ كاملٍ.
ولهذا من الطبيعي أن لا تتسم البرامج البشرية بالجامعيّة والشموليّة الكاملة، ولكن
برامج الاَنبياء والمرسلين لكونها من جانب الله العالم، المحيط، الحق، المنزّه،
مبرّأةٌ عن مِثل هذه النقيصة.
وبملاحظة هاتين النقطتين يمكن القولُ ـ على وَجه القطع واليقين ـ: بأنّ البشر ليس
في غنىً قط عن الهدايات الاِلَهيّة، وعن برامج الاَنبياء، لا في الماضي، ولا في
المستقبل إنما هو في حاجةٍ مستمرةٍ إليها.
القرآنُ وأهداف النبوّة
الاَصلُ الخامسُ والخمسون: الهدف من بعثة الاَنبياء تقوية الاَُسس التوحيدية
في الاَصل السابق تعرّفنا على الاََدلّة الّتي تثبت من طريق العقل ضرورةَ النبوّة،
ووُجوب إرسال الرسل الاِلَهيّين.
والآن ندرس ضرورة إرسال الرسل في ضوء أهدافها المذكورة في القرآن الكريم والاَحاديث
الشريفة وإن كانت النظرةُ القرآنيّة إلى هذه المسألة هي نوع من التحليل العقليّ في
حقيقته.
إنّ القرآن يُلَخصّ أهدافَ بعثة الاَنبياء في الاَمور التالية:
1 ـ تقوية أُسُسِ التوحيد ومكافحة كلّ نوع من أنواع الانحراف في هذا الصعيد، كما
يقول القرآن: (وَلَقَدْ بَعَثْنا في كلّ أُمّةٍ رَسُولاً أنِ اعبُدُوا اللهَ
واجتَنِبُوا الطّاغوتَ)1
يقول الاِمام أمير المؤمنين عليٌ (عليه السلام) حول الهدف من بعث الاَنبياء: «ليعلم
العبادُ ربّهم إذ جهلوه، وليقرّوا به بعد إذ جحدوه، وليثبتوه بعد إذ أنكروه»2
2 ـ إيقاف الناس على المَعارف والرسالات الاِلَهيّة وعلى طريق التزكية والتهذيب كما
يقول: (هُوَ الّذي بَعَثَ في الاَُميّين رَسُولاً مِنهُمْ يَتْلُوا عَلَيهِمْ
آياتِهِ ويُزَكِّيهمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ) 3.
3 ـ إقامة القِسط في المجتمعِ البشريّ، كما يقول: (لقد أرْسَلْنا رُسُلَنا
بالبيّناتِ وأنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكتِابَ والمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ
بِالْقِسْطِ)4
ومن المُسلَّم أن إقامة القِسط رهنُ معرفة الناس للعدالة في جميع الاَبعاد
والمجالات، كما ويتوقف على أن يقوموا بتحقيق ذلك من طريق الحكومة الاِلَهيّة.
4 ـ الفَصل في الخُصُومات وحَلّ الخلافات، كما يقول: (كانَ النّاسُ أُمّةً واحِدةً
فَبَعثَ اللهُ النبيّينَ مُبَشِّرينَ ومُنْذِرِينَ وأنزلَ مَعَهُمُ الكِتابَ
بِالحَقّ ليَحكُمَ بينَ النّاسِ فِيما اْخَتَلفُوا فيه)5 .
ومن البديهي أنّ اختلافات الناس لا تنحصر في مجال العقائد، بل تشمل شتّى مجالات
الحياة المتنوعة.
5 ـ إتمام الحجّة على العباد كما يقول: (رُسُلاً مُبَشّرينَ وُمنْذِرينَ لئَلاّ
يَكُونَ للِنّاس عَلىَ اللهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكانَ اللهُ عَزيزاً
حَكيماً)6
ومن المسلَّم أن لله تعالى في خلق الاِنسان هدفاً وغرضاً، وهذا الهدف إنّما يتحقّق
عن طريق تنظيم برنامجٍ كامِلٍ لجميع شؤون البشر.
وهذا البرنامج يجب أن يصل إلى البشرية، بحيث تَتُمُّ حُجّةُ الله على الناس ولا
يبقى عذرٌ لاََحدٍ ليقول: أنا لم أعرفِ البرنامجَ الصحيح للحياة.
1- النحل | 36.
2- نهج البلاغة، الخطبة 147.
3- الجمعة | 2.
4- الحديد | 25.
5- البقرة | 213.
6- النساء | 165.