الآثار المترتّبة على الوقف
الأوقاف العامة
إذا تحقّق الوقف بشرائطه السابقة، لحقته أحكام الوقف، فللوقف أحكامه الخاصّة التي تصبح لازمة بعد تحقّق الوقف، وفيما يلي آثار الوقف وأحكامه:
عدد الزوار: 190
إذا تحقّق الوقف بشرائطه السابقة، لحقته أحكام الوقف، فللوقف أحكامه الخاصّة
التي تصبح لازمة بعد تحقّق الوقف، وفيما يلي آثار الوقف وأحكامه:
أولاً: إلغاء الملكيّة
1 – ما تمّ وقفه بشكل مؤبّد يخرج عن ملك مالكه الأصلي. وبالتالي لا يستطيع أن
يتصرّف فيه بعد ذلك بأيّ تصرّف مبتنىً على الملكيّة 1.
2 – الوقف لا يملكه أحد، فوقف الممتلكات يعني إلغاء الملكيّة وجعل منافعها عامّة
2.
3 – إذا تمّ الوقف بشرائط لا يستطيع الواقف أن يعيد النظر فيه بعد ذلك، فلا يمكنه
استثناء شيء منه وإخراجه من الوقف، كما لا يمكنه أن يُدخل فيه ما لم يكن منه 3.
وإن كان يمكنه أن ينشئ وقفاً جديداً يضيف فيه ما شاء 4.
ثانياً: تصرّفات ممنوعة
1 – لا يجوز تغيير الوقف من شيء إلى شيء آخر، كتحويل البيت الموقوف إلى دكاّن، أو
بالعكس، إلا إذا كان الوقف للانتفاع به ولم يعد من إمكانيّة للانتفاع به بوصفه
الحالي، فعندها يجوز تبديله إلى شيء آخر يمكن الاستفادة منه 5.
2 – لا يجوز بيع الأوقاف العامّة كالمساجد والمقابر وغيرها، حتى عند خرابها وعدم
إمكانيّة الاستفادة منها، أمّا ما يتعلق بها من فرش وأدوات وأشباه ذلك، فما دام
يمكن الانتفاع بها فلا يجوز بيعها، ولو باستخدامها في أمور أخرى غير ما أُعدَّت له،
كسجّاد المسجد - مثلاً - إذا أمكن الافتراش به في ذلك المحلّ بقيَ على حاله فيه،
ولو فرض استغناء الشخص عن الافتراش لكن يحتاج إلى ستر يقي أهله من الحرّ أو البرد -
مثلاً - يمكن جعل السجاد ستراً لذلك المحلّ، وإذا استغنى المسجد عنه تماماً ولم يعد
يمكن الاستفادة منه بشكل من الأشكال، بحيث لا يترتّب على بقائه في المسجد سوى التلف
والضرر يمكن حينئذٍ نقله إلى مكان آخر مماثل، أي يُنقل إلى مسجد بحسب مثالنا. وإذا
لم يعد يمكن الاستفادة منه في أيّ مسجد جُعلَ في المصالح العامّة الأخرى كالحسينيات
- مثلاً - وإذا لم يعد يمكن الاستفادة منه في أيّ مكان ولم يعد يمكن الاستفادة منه
إلا ببيعه يمكن حينئذٍ بيعه وصرف ثمنه في ذلك المحلّ 6.
بالنسبة للإجارة، فلا تجوز إجارة الأوقاف التي تمّ وقفها لاستعمالها من قبل
الموقوف عليهم كالبيت الموقوف ليسكنه زوار العتبات المقدّسة،لا تجوز إجارته 7.
وأما إذا وُقفت لتكون منفعتها في مصلحة الموقوف عليهم، فإنّ الإجارة هي من طرق
الانتفاع أيضاً ويكون الوقف شاملاً لها. فلا إشكال في جواز الإجارة في مثل هذه
الحالة. سواءً كان الوقف عامّاً أو خاصّاً 8.
ثالثاً الاستفادة من الوقف
1 – لو أجّر منزلاً أو دكّاناً لمستأجر، ثمّ وقفه بعد ذلك، فإنّ الوقف يصحّ، ويبقى
المكان بيد المستأجر بحسب عقد الإيجار، ويبقى المالك الأصليّ يستوفي الإيجار إلى
تمام المدّة، ثمّ تتحوّل بعد ذلك منفعته للموقوف عليهم. ولو فُرض أنّ المستأجر ترك
المكان قبل انتهاء مدّة عقد الإيجار لسبب من الأسباب، بقيت المنفعة لصالح المالك
الأصلي إلى انتهاء المدّة الأصليّة للإيجار 9.
2 – إذا وقف أشجاراً، وكان فيها ثمر موجود حين الوقف، فإنّ هذا الثمر يبقى على ملك
الواقف، والثمر الحادث بعد ذلك يوزع على الموقوف عليهم، وكذلك إذا أوقف حيواناً
وكان حاملاً فإنّ هذا الحمل يبقى على ملك المالك 10.
3 - ولو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم، فإذا لم يحدّد وجهة الاستفادة
من الوقف، فهو وقف لكلّ ما فيه مصلحتهم، فيمكنهم الاستفادة منه بالشكل المناسب حتّى
ولو بالإجارة ويوزّع بدل الإيجار عليهم، ويقتسمون المال بالسويّة إلا إذا حدّد
الواقف نسبة معيّنة عند الوقف، فيقسمونها بحسب تحديدها. وإنْ وقفها عليهم لسكناهم،
فيتعيّن عليهم الاستفادة منها بالسكن فيها فقط ولا تصحّ إجارتها، وإذا كانت واسعة
كافية للجميع، فلهم جميعاً أن يسكنوها، ويتمّ تقسيم السكن بحسب ما نصّ الوقف إذا
كان فيه نصّ بذلك، وإذا لم يكن هناك نصّ بتقسيم السكن وكان هناك متولًٍّ للوقف،
فللمتولّي القسمة بينهم، وإذا لم يكن هناك متولٍّ للوقف، يلجأون للقرعة ويتمّ
التقسيم على أساسها.
وإن لم تكفِ لسكنى الجميع فإنّ تصالحوا واتفقوا فالصلح والإتفاق يكفي، وإن لم
يتوافقوا على شيء كان المتَّبع نظر المتولّي من قبل الواقف لتعيين الساكن، وإذا لم
يكن هناك متولٍّ استعانوا بالقرعة، فمن خرج اسمه يسكن، وليس لمن لم يسكن مطالبته
بأجرة حصته 11.
مصرف منافع الوقف
1 – إذا كان الأفراد الموقوف عليهم معدودين، كما لو وقف على فقراء قرية، توزّع
منافع الوقف على الجميع.
2 - إذا كان الأفراد الموقوف عليهم غير محصورين بعدد لم يجب الإيصال إلى الجميع،
ويكتفي بالإيصال إلى مجموعة تتناسب مع مقدار المنفعة التي يريد توزيعها 12.
3 - لو كان للوقف منافع متجدّدة وثمرات متنوّعة، يملك الموقوف عليهم جميعاً هذه
المنافع، ففي الشجر والنخل يملكون ثمرهما ومنفعة الاستظلال بهما والسعف والأغصان
والأوراق اليابسة، وفروخهما وغير ذلك. إلا إذا خصّص الواقف عند الوقف بعض المنافع
دون البعض الآخر 13.
4 - ما وقف لمصلحة المسجد، فمع عدم تعيين جهة خاصة للاستفادة من الوقف يُصرف في
منافع المسجد من تعميره وضوئه وفرشه وخادمه 14...
5 - ما وقف لمصلحة مقام، يُصرف في تعميره وضوئه وخدّامه المواظبين على بعض الأشغال
اللازمة المتعلّقة به 15.
6 - ما وقف على سيّد الشهداء عليه السلام يُصرف في إقامة تعزيته من أجرة القارئ وما
يتعارف صرفه في المجلس للمستمعين وغيرهم 16.
7 - ما وقف بعنوان "في سبيل الله" يُصرف في كلّ ما يكون وصلة إلى الثواب، وكذلك لو
وقف في وجوه البرّ 17.
8 - ما وقف على أرحامه أو أقاربه يُصرف على كلّ من يصدق عليه عرفاً هذا العنوان.
ولو وُقف على الأقرب فالأقرب كان الترتيب بحسب طبقات الإرث 18.
9 - ما وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى ويقسم بينهم على السواء للذكر مثل نصيب
الأنثى 19.
10 - ما وقف على العلماء كان المقصود منه علماء الدين، فلا يشمل غيرهم كعلماء الطبّ
والنجوم... 20.
11 - ما وقف على أهل مشهد كالنجف مثلاً اختصّ بالمتوطّنين والمجاورين، ولا يشمل
الزوّار والمتردّدين 21.
حكم مجهول المصرف
إذا كان هناك وقف، ولكن لم يُعلم على أيّ شيء تم وقفه، وبالتالي مَن هو المستفيد
من هذه المنافع، فأين يضع منافع الوقف؟
يختلف الحكم بحسب حالات الوقف التالية:
الحالة الأولى: إذا فُرض أنّ هناك شيئاً مؤكّداً ومتيقّناً أنّه مورد للصرف،
كما إذا لم يُدرَ أنّه وقف على الفقراء أو الزوّار فيقتصر على الشيء المؤكّد بالصرف
فيعطى الفقراء من الزوار، ولا يعطى الفقراء غير الزوار، ولا الزوار الأغنياء.
الحالة الثانية: إذا لم يكن هناك شيء مؤكّد للصرف، ولكن كان هناك تأكُّدٌ
أنّ المصرف هو أحد أمورٍ محدّدة ومحصورة، كما إذا لم يُدرَ أنّه وقف على المسجد
الفلانيّ أو على الحسينيّة أو فقراء هذا البلد، ففي مثل هذه الحالة يُلجأ إلى
القرعة ويُقترَع بين هذه الأشياء ويُعمل بناءً على هذه القرعة.
الحالة الثالثة: إذا كان الشكّ في المصرف بين عناوين وأشخاص كثيرين غير
محصورين، كما لو عُلم أنه وقف على ذريّة أحد أفراد البلد الفلانيّ، ففي مثل هذه
الحالة لا نلجأ إلى القرعة لأنّ الأفراد كثيرون جدّاً في البلد ويخرجون عن إطار
الحصر. ففي مثل هذه الحالة تصبح منافع الوقف بحكم مجهول المالك، فيُتصدّق بها بإذن
الحاكم على الأحوط.
الحالة الرابعة: إذا كان الشكّ في المصرف ليس بين أشخاص بل بين جهات غير
محصورة، فمن المحتمل أن يكون المسجد أو الحسينيّة أو مجلس سيّد الشهداء أو
الطريق... ففي مثل هذه الحالة تُصرف المنافع في ما يشاءه من وجوه البرّ في هذه
الجهات المحتملة 22.
حكم الوقف إذا خرب أو تضرّر
1- لو خرب الوقف وانهدم بشكل تامّ، فإن أمكن تعميره ولو بصرف بدل إجارته ونحوها لزم
ذلك على الأحوط، وإن لم يمكن تعميره بهذا الشكل، فالأحوَط أن تُجعل بحسب وضعها الآن
وقفاً أيضاً وتُصرَف بحسب ما كان مقرّراً في الوقف الأساسيّ قبل خرابه 23.
2- إذا تضرّر الوقف ولم يُهدم ويُخرب كليّاً وإنّما احتاج إلى الترميم والإصلاح
للمحافظة عليه والاستفادة منه بالشكل المطلوب، فإن كان الواقف من الأساس عيّن نسبةً
أو مبلغاً معيناً ليُصرف في إصلاحه وترميمه يُستفاد من هذا المال، وإن لم يكن عيّن
شيئاً من ذلك يُصرف من محاصيله وفوائده لذلك. وهذا الصرف في الترميم مقدَّم على
الصرف على الموقوف عليهم، ولو لم يمكن ترميمه إلا من خلال بيع جزء منه لإصلاح
الباقي بثمن هذا الجزء، يجوز ذلك ويبيع هذا الجزء ليصلح ويرمم الباقي 24.
3- لو احتاج الوقف إلى الترميم والإصلاح ولم يتوفّر المال ليصرف فيه يجوز للمتولّي
أن يقترض مالاً ليرمّم به قاصداً أداء هذا القرض بعد ذلك ممّا ينتجه الوقف، فيقترض
متولّي البستان مثلاً لتعميره بقصد أن يؤدّي دينه من عائداته، ومتولّي المسجد أو
المشهد أو المقبرة ونحوها بقصد أن يؤدّيه من عائدات موقوفاتها، بل يجوز أن يصرف في
ذلك من ماله بقصد القرض ثمّ يستوفي القرض لنفسه ممّا ذُكر، ولو اقترض له وصرفه من
دون أن يقصد الأداء من الوقف نفسه، لا يستطيع أن يؤدّيه من مال الوقف بعد ذلك
25.
متى يجوز بيع الوقف؟
الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد، والأوقاف العامّة التي كانت على العناوين
العامّة كالفقراء لا يجوز بيعها ونقلها بأحد النواقل إلا في حالات استثنائيّة، وهي:
الأولى: إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الأولى،ولا الاستفادة منها
إلا ببيعها والاستفادة من ثمنها، فمثل هذه تُباع ويُشترى بثمنها ما ينتفع به
الموقوف عليهم، ويُراعى شراء ما هو أقرب للعين الموقوفة.
الثانية: إذا أصبحت غير مؤهّلة للاستفادة منها بسبب الخراب أو غيره، مع عدم
إمكانيّة إعادتها للاستفادة، كما إذا انهدمت الدار، فلو بيعت يمكن أن يُشترى بثمنها
دار أخرى أو ملك آخر تساوي منفعته منفعة الدار أو تقرب منها أو تكون لها منفعة
معقولة - بالحدّ الأدنى -، وأمّا إذا كان الثمن المقبوض على تقدير بيعها لا يشتري
شيئاً ذا منفعة معقولة لم يجز بيعها وتبقى على حالها.
الثالثة: إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر مثل قلّة المنفعة،
أو كثرة المصاريف والضرائب، أو وقوع الخلاف بين المستفيدين أو أيّ أمر آخر... فلا
مانع من بيعه عند حدوث ذلك الأمر.
الرابعة: إذا وقع بين أصحاب الوقف اختلاف شديد لا يُؤمَن معه من تلف الأموال
وزهق النفوس ولا تنتهي المشكلة إلا ببيعه، فيباع ويقسم ثمنه بينهم، ولو فُرض أنّه
يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء شيء آخر يجب ذلك 26.
* الاوقاف العامة، سلسلة الفقه الموضوعي ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-راجع تحرير الوسيلة
- الإمام روح الله الخميني - ج2 - ص 66 – المسألة 17.
2-راجع م. ن. ص 77 – المسألة 67.
3-راجع م. ن. ص 74 – المسألة 59.
4-الإمام الخامنائي دام ظله: لا يجوز للواقف ولا للمتولّي تغيير وتبديل الوقف بعد
فرض تحقّقه ونفوذه شرعاً بتحققّ القبض، ولا تغيير بعض شروطه ولا إضافة شروط إليه،
ولا تزول الوقفيّة بتغيير الوقف عن حالته السابقة.
5-راجع تحرير الوسيلة - الإمام روح الله الخميني - ج2 ص 78 – المسألة 68.
6-راجع م. ن. ص 78 – المسألة 71.
7-راجع م. ن. ص 78 – المسألة 72.
8-راجع م. ن. ص 78 – المسألة 74.
9-راجع م. ن. ص 68 – المسألة 27.
10-راجع م. ن. ص 76 – المسألة 65.
11-راجع م. ن. ص 77 – المسألة 64.
12-راجع م. ن. ص 71 – المسألة 41.
13-راجع م. ن. ص 77 – المسألة 61.
14-راجع م. ن. ص 74 – المسألة 56.
15-راجع م. ن. ص 74 – المسألة 57.
16-راجع م. ن. ص 74 – المسألة 58.
17-راجع م. ن. ص 72 – المسألة 44.
18-راجع م. ن. ص 72 – المسألة 45.
19-راجع م. ن. ص 72 – المسألة 46.
20-راجع م. ن. ص 73 – المسألة 53.
21-راجع م. ن. ص 74 – المسألة 54.
22-راجع تحرير الوسيلة- الإمام روح الله الخميني - ج2 ص 74 – المسألة 60.
23-راجع م. ن. ص 78– المسألة 69.
24-راجع م. ن. ص 78– المسألة 70.
25-راجع م. ن. ص 85– المسألة 91.
26-راجع م. ن. ص 80 – المسألة 73.