كيف يُعيّن متولّي الوقف؟
الأوقاف العامة
الوقف يحتاج لمتولٍّ يدير شؤونه ويراعي الانتفاع به على أفضل وجه. وهناك عدّة أمور تُطرح في هذا الإطار:
عدد الزوار: 279
الوقف يحتاج لمتولٍّ يدير شؤونه ويراعي الانتفاع به على أفضل وجه. وهناك عدّة
أمور تُطرح في هذا الإطار:
الأمر الأوّل: كيف يعيّن متولّي الوقف؟
هناك عدّة طرق لتعيين متولّي الوقف:
الطريق الأول: الواقف الذي قام بجعل شيء من ملكه وقفاً، يستطيع عندما يريد
الوقف أن يعيّن متولّياً عليه، فإذا عيّن شخصاً عند الوقف يكون المتولّي هذا الشخص،
ولكنّه إذا أغفل تعيين وليّ عند الوقف لا يستطيع تعيينه بعد ذلك.
وإذا أراد تعيين المتولّي عند الوقف فالخيارات متوفّرة أمامه من عدّة جهات:
أوّلاً: يستطيع أن يعيّن نفسه متولّياً للوقف إذا أحبّ ذلك، ويستطيع أن
يولّي غيره، بل يستطيع أن يجعل أمر التولية بيد شخص آخر، فيقول إنّ المتولّي من
يعيّنه فلان.
ثانياً: يستطيع أن يجعل التولية دائمةً لهذا الشخص، ويستطيع أن يجعلها
محدّدة بزمن ما، ويستطيع أن يجعل التولية لشخص لمدّة معيّنة ثمّ بعده لشخص آخر...
بل يستطيع أيضاً أن يجعل التولية لشخص ثمّ هذا الشخص يعيّن شخصاً آخر بعده، وهكذا
1...
ثالثاً: يمكن أن يجعل التولية لأكثر من شخصٍ، فإذا جعلها لشخصين - مثلاً -
يمكن أن يجعلها لكلٍّ منهما مستقلاً، بمعنى أنّه يستطيع كلّ واحد منهما أن يتصرّف
من دون مراجعة الآخر، ويمكن كذلك أن يجعلها لهما معاً وليس لكلّ منهما مستقلاً،
بمعنى أنّهما لا يتصرّفان إلا بعد الإتفاق معاً، وإذا عيّنهما الواقف متولّيين ولم
يذكر أنّ كلّاً منهما مستقلّ في تصرّفه أم مرتبط بالآخر، ففي مثل هذه الحالة لا
يتصرّفان إلا معاً ولا يتصرّف كلّ منهما بشكل مستقلّ. ولو مات أحدهما أو لم يعد
يمتلك الأمانة أو الكفاءة، يعيّن الحاكم الشرعيّ شخصاً آخر ينضمّ إلى الأوّل في
تولية الوقف 2 3.
رابعاً: إذا جعل الواقف تولية الوقف لشخصٍ ما، فلا يجب على هذا الشخص القبول
بالتولية، سواء كان حاضراً عند إجراء الوقف أم غائباً، وسواء وصله خبر توليته في
حياة الواقف أو بعد وفاته، ومع عدم القبول يصبح الوقف بلا متولٍّ منصوبٍ من قبل
الواقف، ويعود للحاكم الشرعيّ تنصيب متولٍّ عليه.
الطريق الثاني: إذا لم يعيّن الواقف متولّياً أصلاً، أو عيَّن شخصاً ضمن
صفات معيّنة لكنّها لم تتوفّر، مثل أن يقول "المتولّي على الوقف على العادل من
أولادي" ولم يكن بين أولاده شخص عادل، أو كان في السابق ولكنّه لم يعد الآن،
ففي مثل هذه الحالة يكون الواقف كمن لم يعيّن متولّياً أصلاً، ولا يمكن أن يبقى
الوقف بلا متولٍّ، بل هناك طريق آخر لتعيين متولٍّ على الوقف، وهو الحاكم الشرعيّ،
أو الشخص المنصوب من قبل الحاكم الشرعيّ لمثل هذه الأمور، خصوصاً في الأوقاف
العامّة كالمساجد والحسينيّات والمقابر وأمثالها 4.
الطريق الثالث: مع عدم وجود حاكم شرعيّ أو شخص منصوب من قبله، لفقده من
الأساس أو لعدم إمكانيّة الوصول إليه رغم وجوده، ففي مثل هذه الحالة تكون تولية
الوقف لعدول المؤمنين 5.
الأمر الثاني: ما هي صفات متولّي الوقف6؟
أوّلاً: يُعتبر فيه أن يكون أميناً، ويمتلك الكفاءة التي تؤهّله لحمل هذه
المسؤوليّة، فلا يجوز جعلها لمن كان خائناً غير موثوق به، أو لمن لا يمتلك الكفاءة
في تولّي أمور الوقف.
ثانياً: لا يُشترط فيه العدالة والعدالة هي أن يكون الإنسان بطبيعته من أهل
الصلاح الذين يلتزمون بفعل الواجبات وترك المحرّمات، بل تكفي فيه الأمانة كما ذكرنا
7.
ثالثاً: بالنسبة للمجنون والصغير لا يمكن تولّيتهما على الوقف، إلا إذا قُصد أنّ
المتولّي في هذا الزمن هو وليّ الصغير، فإذا صارالصغير كبيراً يصبح هو المتولّي على
الوقف بعد ذلك، ويمكن ذلك في المجنون أيضاً إذا كان يُتوقع شفاؤه من الجنون بعد
فترة، فيمكن جعل وليّه الذي يتولّى أموره وليّاً على الوقف حتّى يبرأ من جنونه
فيصبح هو المتولّي بعد ذلك 8.
الأمر الثالث: ما هي وظيفة متولّي الوقف؟
إذا عيّن الواقف وظيفة المتولّي، فلا يمكن للمتولّي أن يتجاوز ما عيّنه له الواقف
9، وإذا سمّاه كمتولٍّ على الوقف بدون أن يحدّد وظيفته، تكون وظيفته ما
هو متعارف عادة من التصرّفات، كتعمير الوقف وإجارته وتحصيل أجرته وقسمتها على
الموقوف عليهم، وأداء مصاريفه ونحو ذلك، بشكل يراعي فيه الاحتياط والصلاح 10.
يمكن للواقف تولية بعض الأمور لشخص وبعضها لشخص آخر، فيجعل أمر التعمير وتحصيل
المنافع - مثلاً - لشخص، وحفظها وقسمتها على الموقوف عليهم لشخص آخر. وإذا فوّض إلى
شخص التعمير وتحصيل الفائدة ولم يذكر الجهات الأخرى من الحفظ والتقسيم... يكون
الوقف بلا متولٍّ منصوب في هذه الجهات غير المذكورة 11.
- لا يمكن للمتولّي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن التصدّي، إلا إذا جعل
الواقف له ذلك عند جعله متولّياً 12.
إذا لم يشترط الواقف على المتولّي أن يباشر الأعمال بنفسه، يمكن للمتولّي توكيل شخص
لمتابعة بعض الأمور المتعلّقة بالوقف. ولا يشترط أن يباشر بنفسه جميع أعمال الوقف
13.
يمكن للواقف أن يعيّن للمتولّي بدلاً ماليّاً ليستوفيه من الوقف، أو يعيّن له شيئاً
من المنافع، ويكون ما عيّنه الواقف أجرةً للمتولّي على عمله ولا يستطيع أن يأخذ
أزيد منه، وإذا لم يعيّن له شيئاً من ذلك يجوز للمتولّي أن يأخذ من منافع الوقف
بدلاً مقابل عمله، بالمقدار الذي يستحقّه عمله عرفاً 14.
يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي، ويمكن أن يكون للناظر إحدى وظيفتين:
الوظيفة الأولى: إطّلاع الواقف على عمل المتولّي وطريقة أدائه، من دون أن
يكون له أيّة سلطة على المتولّي، وفي مثل هذه الحالة يبقى المتولّي مستقلاً في
تصرّفاته، وإنّما اللازم عليه إطلاع الناظر على هذه الأعمال.
والوظيفة الثانية: جعله ناظراً يصوّب عمل المتولّي ويرشده،ففي مثل هذه
الحالة لم يجز لمتولّي الوقف التصرّف إلا بإذن الناظر، ويعمل بناءً على تصويبه
وإرشاده. وإذا وضع الواقف ناظراً على المتولّي ولم يحدّد وظيفته بشكل واضح فاللازم
مراعاة الوظيفتين معاً، بمعنى أن يطّلع المتولّي الناظر على أعماله ولا يعمل إلا
بإذنه في نفس الوقت 15 16.
* الاوقاف العامة، سلسلة الفقه الموضوعي ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-راجع تحرير الوسيلة
- الإمام روح الله الخميني - ج2 - ص 82 – المسألة 78.
2-الإمام الخامنائي دام ظله : ولو حدث فيما بينهم التشاحّ والاختلاف، وجب عليهم
الرجوع في ذلك إلى الحاكم الشرعيّ لإلزامهم على الاجتماع. وليس لأحدهما أن يعزل
الآخر ما لم يُجعل له ذلك في نصبه متولّياً.
3-راجع تحرير الوسيلة - الإمام روح الله الخميني - ج2 - ص 83 – المسألة 82.
4-راجع م. ن. ص 84 – المسألة 87.
5-راجع م. ن. ص 84 – المسألة 88.
6-الإمام الخامنائي دام ظله : إذا ادّعى بعض المتولّين على البعض الآخر بالخيانة
وجب عليهم رفع أمر من اتّهموه إلى الحاكم الشرعيّ.
7-راجع تحرير الوسيلة - الإمام روح الله الخميني - ج2 - ص 82 – المسألة 80.
8-راجع م. ن. ص 82 – المسألة 80.
9-الإمام الخامنائي دام ظله : ليس المتولّي الموقوفة جعل ما يتنافى مع مقتضى الوقف،
ولا يجوز شرعاً العمل به.
10-راجع تحرير الوسيلة - الإمام روح الله الخميني - ج2 ص 82 – المسألة 83.
11-راجع م. ن. ص 82 – المسألة 83.
12-الإمام الخامنائي دام ظله : لا يحقّ لمن لا تتوفّر فيه الشروط تصدّي التولية،
ولا معارضة الواجد للشروط.
13-راجع تحرير الوسيلة - الإمام روح الله الخميني - ج2 ص 82 – المسألة 83.
14-راجع م. ن. ص 82 – المسألة 83.
15-راجع م. ن. ص 84 – المسألة 86.
16-الإمام الخامنائي دام ظله : لا يجوز لناظر الوقف بعد قبول النظارة عزل نفسه
بنفسه من النظارة عليه، كما لا يجوز ذلك لمتولّي الوقف.