العلاقات الإنسانية - 1
أحكام المدير والعامل
فالتوجه الأساسي في العلاقة مع الآخرين في أي موقع كانوا هو الأخوة ولا شيء سواها كما تفيد كلمة (إنّما)، فكما تسقط الاعتبارات والمواقع والخصوصيات بين الأخوة فكذلك تسقط بين المؤمنين في أخلاقية التعاطي العام.
عدد الزوار: 316
العلاقة مع الآخر
لقد حدد الإسلام طبيعة العلاقة بين المؤمنين بكلمة واحدة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾1،
فالتوجه الأساسي في العلاقة مع الآخرين في أي موقع كانوا هو الأخوة ولا شيء سواها
كما تفيد كلمة (إنّما)، فكما تسقط الاعتبارات والمواقع والخصوصيات بين الأخوة فكذلك
تسقط بين المؤمنين في أخلاقية التعاطي العام. وهذه الروحية بالتعاطي التي أمر الله
تعالى بها المؤمنين تكشف عن مدى ارتباط الإنسان بالله تعالى "من أحسن فيما بينه
وبين الله أحسن الله ما بينه وبين الناس"2. فكلما ازداد التزام
الإنسان وتدينه وارتباطه بالله تعالى كلما قويت فيه روح الأخوة في علاقته مع
الآخرين، وهناك أمور مسلكية يجب مراعاتها مع المؤمنين سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين
أو زملاء أو مراجعين، تتلخص بما يلي:
حسن الظن: إن سوء الظن بالمؤمنين هو من أسوء الأمراض التي يمكن أن يبتلي بها المؤمن
العامل، لأنه يتسبب بعدم الثقة بالآخرين مما يتسبب بإضعاف العمل وخسران الطاقات
وعدم الاستفادة منه، وهو يؤدي أيضا إلى التشنج في العمل وفي المؤسسات بشكل يؤدي
إلى فشل الأعمال وزوال الروح الإسلامية من العمل. يقول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم﴾3.
ذكر الآخرين بالخير: إن التركيز على عيوب المؤمنين والبحث عنها لا للنصيحة والإصلاح
بل للقدح والغيبة هي خطيئة كبيرة. ولها في عالم الغيب صورة قبيحة وبشعة تفضح
الإنسان في الملأ الأعلى أمام الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، هذه الصورة
البشعة التي أشار إليها سبحانه وتعالى في قوله: ﴿..
وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ...﴾4
إن لأعمالنا صورا وأشكالا تناسبها ستظهر بتلك الصورة والأشكال لتعود إلينا في
العالم الآخر، والمغتاب يضاهي الكلاب الجارحة في افتراسه لأعراض الناس ولحومهم،
وسيظهر بهذه الصورة كلب ينهش لحم ميت في نار جهنم، وفي رواية أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلّم لما رجم الرجل في الزن، قال رجل لصاحبه: هذا أقعص كما يقعص5
الكلب، فمرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم معهما بجيفة، فقال: إنهشا منه، فقالا:
يا رسول الله ننهش جيفة؟ فقال: ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه6.
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد شاهد بما لديه من قوة نرو البصيرة
النبوية الغيبية عمل المغتابين وعرف أن جيفة الغيبة أشد نتانة من جيفة الميتة
والصورة الحقيقية للغيبة أشد قبحا وفظاعة من صورة الميتة المتفسخة.
وفي رواية أخرى أن المغتاب يؤكل من لحمه يوم القيامة فعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار...7
المداراة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني
بأداء الفرائض"8.
وعن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى "وقولوا للناس حسن" أي
للناس كلهم مؤمنهم ومخالفهم أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وأما المخالفون فيكلمهم
بالمداراة لاجتذابهم على الإيمان"9.
فمداراة الناس حسنة للآخرة وفضل عند الله تعالى وهو في نفس الوقت يسهل انجاز
المهمات ويحصل بسببه التوفيق حتى في الأمور الدنيوية وقد ورد عن الإمام علي عليه
السلام: "سلامة الدين والدنيا في مداراة الناس"10.
وقد أكد القرآن الكريم أن الفظ الغليظ لا يمكنه أن يكون ناجحا
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...﴾11.
وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام يحدد فيها المسلكية العامة لمؤمن في عبارات
مختصرة حيث يقول عليه السلام: "كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظمه في عيني
صغر الدنيا في عينه... كان يفعل ما يقول ولا يقول مالا يفعل... وكان على أن يسمع
أحرص منه على أن يتكلم وكان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى مخالفه،
فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيه"12.
تقسيم الأدوار
إن الفخر الحقيقي الذي يمكن أن يفتخر به الإنسان هو انتسابه لهذه المسيرة الإلهية
وسده لزاوية منها أو فراغ م، فقيمة الشيء لا تؤخذ من نفسه بقدر ما تؤخذ من
انتسابه، فالخرقة البالية التي لا مست جسد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم
لا مكن أن تقاس في قيمتها المعنوية بأفضل جواهر العالم المحفورة في أعلى تاج لأي
سلطان أو ملك رأته شمس الدنيا!
ألا تتمنى أن تكون خادما لخدمة الحق؟ أم أن ألقاب الدنيا وزينتها أغوتك؟!
إن تقسيم الأدوار هو شرط أساسي لتنفيذ الأعمال على أكمل وجه، ولا يمكن لشخص واحد أن
يقوم بالأدوار جمعي، بل على كل عامل أن يؤدي دورا ما ضمن هذه المسيرة المباركة،
وكما في الروايات التي تؤكد على ضرورة وضع مسؤول لكل مجموعة حتى لو كانت من ثلاث
أشخاص فقط.
ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "إذا كان ثلاثة في
سفر فليؤمروا أحدهم"...13 ومن هنا فلا بد من وجود رئيس ومرؤوس، لا
من باب التفاضل بل من باب تنظيم العمل وسد الثغرات، يقول الإمام الخامنئي حفظه
الله: الرتبة تعني النظام الدقيق ودورها تحديد المسؤولية والعلاقة بين الأفراد14.
فالرئيس والمرؤوس يكملان بعضهما البعض للوصول إلى طاعة الله ورضوانه وتحقيق أمره.
وكان الإمام الخميني قدس سره يعتبر المسؤول خادما ويصر على لقب الخادم ويتزين به،
يقول الإمام الخميني قدس سره: "أن يقال لي خادم أفضل من أن يقال لي قائد،
القيادة ليست مهمة، المهم هو الخدمة والإسلام أمرنا أن نخدم".
ولتحقيق ذلك على أكمل وجه كيف تكون العلاقة بين المرؤوس والرئيس؟
إن لهذه العلاقة طرفين:
الأول: علاقة المرؤوس بالرئيس.
والثاني: علاقة الرئيس بالمرؤوس.
علاقة المرؤوس بالرئيس
إن العلاقة مع الرئيس يجب أن تكون ضمن العناوين التالية:
النصيحة
إن النصيحة وبذل المشورة أمر مطلوب من كل شخص يملك فكرا وخبرة تؤهله لذلك، يقول
أمير المؤمنين عليه السلام: "فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه، فليس
أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه، وطال في العمل اجتهاده، ببالغ حقيقة ما الله
سبحانه أهله من الطاعة له، ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم،
والتعاون على إقامة الحق بينهم وليس أمرؤ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدمت في الدين
فضيلته بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته
العيون بدون أن يعين على ذلك، أو يعان عليه"15.
التعاون
كما يستفاد من الرواية السابقة أيضا ( وحسن التعاون عليه... ) والرواية تؤكد على أن
التعاون بأي شكل كان غير كاف بل لا بد من حسن التعاون، بمعنى أن يكون العمل الذي
نقوم به عملا متقن، فإن من صفات المخلص أن عمله يكون متقنا يبذل فيه طاقته ويحاول
أن يؤمّن فيه كل أسباب النجاح الموجودة بين يديه، وروح التعاون هي التي يجب أن تحكم
العاملين.
الطاعة في مقررات الإدارة
الطاعة ضمن المقررات القوانين، هي شرط أساسي للتوفيق ونجاح العمل، والتشتت وعدم
الطاعة هو أخطر مرض يمكن أن تصاب به أي مؤسسة، وهذا أمير المؤمنين عليه السلام، ذلك
القائد العظيم يقف أمام جيشه وقد خيبوا آماله لقول لهم: "قاتلكم الله لقد ملأتم
قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا... وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت
قريش إن ابن طالب رجل شجاع ولكن لاعلم له بالحرب."أبوهم وهل أحد منهم أشد لها
مراسا وأقدم فيها مقاما مني؟! ولكن لا رأي لمن لا يطاع"16.
فالمشكلة في حكومته عليه السلام لم تكن في النظام، فهل يوجد أفضل من الإسلام العظيم
نظاما؟! ولا كانت في القائد، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام، بنفسه القائد لهم،
بل المشكلة كلها كانت عدم الطاعة، فعدم الطاعة قادرة على إفشال أكثر المشاريع
إتقانا وأهمية !.
أحكام
يجب على الموظف طاعة المسؤولين المعنيين في الأمور الإدارية طبق المقررات.
استفتاءات
س- كنت من بداية خدمتي وكما أمر مسؤولو الحرس أعمل في القسم الإداري وبقيت في هذا
القسم، ولم أوفق للمشاركة في الجبهة، وكلما طلبت ذلك لم يوافق المسؤولون على طلبي،
فهل أتحمل مسؤولية لعدم مشاركتي في الجبهة أم علي طاعة المسؤولين على كل حال؟
ج: يجب مراعاة مقررات الحرس17.
س- رئيس إدارة طلب من أحد أعضاء الإدارة أن يقوم بعمل م، فإلى أي حد يجب على
هذا الموظف العمل بتكليف الرئيس، وماذا لو لم يطع التكليف؟
ج- يجب على العامل أن يطيع المسؤولين المعنيين في الأمور الإدارية طبق مقررات
دولة الإسلام18.
* احكام المدير والعامل، سلسلة الفقه الموضوعي ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الحجرات: 10
2- نهج البلاغة الحكمة 415
3- حجرات 12
4- الحجرات: من الآية 12
5- القعص: القتل
6- المحجة البيضاء، المجلد الخامس، صفحة 253
7- وسائل الشيعة، المجلد الثامن، باب 152 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 16
8- ميزان الحكمة الحديث 5490
9- ميزان الحكمة الحديث 5495
10- ميزان الحكمة الحديث 5509
11- آل عمران: من الآية 159
12- نهج البلاغة الحكمة 281
13- ميزان الحكمة ج 2 حديث رقم 8609
14- اطلاعات 301169
15- نهج البلاغة الخطبة 207
16- نهج البلاغة ج1 صفحة 70 الخطبة 27
17- استفتاءات ج 3 صفحة 506 مسألة 72
18- إستفتاءات الإمام الخميني قدس سره (فارسي) ج 3 صفحة 484 سؤال رقم 1