يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه عدداً من جرحى الحرب المفروضة وعوائلهم

2015

أحمد الله على أن حالفني التوفيق مرّة أخرى في أن ألتقي بجمع منكم أنتم الأعزاء وهو بالطبع غير كافٍ، وهذا ما سرّني كثيراً. وقد قال لي بعض هؤلاء الجرحى الأعزاء بأننا منذ عشرين أو ثلاثين عاماً ننتظر هذا اللقاء، فقلت لهم هذا ما يُخجلني حقاً بأن تنتظرون لمدة عشرين عاماً أمراً قليل الأهمية، بيد أن هذا هو وسعنا وقصورنا و..

عدد الزوار: 211

كلمة الإمام الخامنئي في لقائه عدداً من جرحى الحرب المفروضة وعوائلهم_20-09-2015

بسم الله الرحمن الرحیم1

أحمد الله على أن حالفني التوفيق مرّة أخرى في أن ألتقي بجمع منكم أنتم الأعزاء وهو بالطبع غير كافٍ، وهذا ما سرّني كثيراً. وقد قال لي بعض هؤلاء الجرحى الأعزاء بأننا منذ عشرين أو ثلاثين عاماً ننتظر هذا اللقاء، فقلت لهم هذا ما يُخجلني حقاً بأن تنتظروا لمدة عشرين عاماً أمراً قليل الأهمية، بيد أن هذا هو وسعنا وقصورنا و..، ولا طاقة للإنسان ما يفوق ذلك، وإلا لو كان بمقدورنا، لكانت رغبتنا في أن نقضي معكم أوقاتاً أكثر من هذا الوقت بكثير.

أجركم يتضاعف!
أولاً إنّ جهودكم وأجوركم محفوظة عند الله سبحانه وتعالى، وهي في تزايد إن شاء الله يوماً بعد يوم، لأن أمركم لم ينقضِ بالمرة، وهذا الابتلاء والامتحان محفوف بكم بالتدريج، على خلاف ما مرّ على الشهداء، لأن الشهيد يُصاب بقذيفة أو رصاصة ويحلّق إلى حيث الجنان وينتهي أمره؛ بيد أنكم في كل يوم وساعة تمرّ تقاسون الألم والمعاناة، مع أنكم راضون محتسبون في هذه المعاناة، والله سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوبكم من صبر، إلا أنّ لصبركم هذا أجراً مضاعفاً في كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم؛ ولهذا، فإنّ قولنا أجر الجرحى في تزايد يوماً بعد آخر، قولٌ دقيق. وكل ساعة تمرّ من أعماركم، يتضاعف أجركم فيها بذلك المقدار. وقد ورد في الروايات أن من تصدق بشيء - كدرهم مثلاً أو مال قليل - في سبيل الله، أعاده الله عليه يوم القيامة مثل جبل أحد، وهذا هو حال عملكم، فقد بذلتم عضواً من أعضائكم، وتقبّلتم حرماناً، وهو بالطبع عمل عظيم وهام جداً وله أجر كبير، غير أن هذا الأجر في تصاعد وتزايد مستمر، فكونوا لله شاكرين على ازدياد الأجر.

وجودكم جهادٌ وبيانُ وتبليغ
وثانياً أنتم الجرحى تمارسون في الوقت الحاضر جهادكم بهذه الجراح التي أصابتكم، ولكن كيف ذلك؟ لا أقصد الجهاد الثقافي، ولا أعني التصدّي لإلقاء كلمة في مكان ما أو التحدث بشيء أو إنجاز عمل أو بذل مال أو تعليم أمر - فإن هذه بالطبع تدخل ضمن الأعمال الجهادية - إلا أن جلوسكم على الكراسي المتحركة بحد ذاته أو استلقاؤكم على الأسرة أو سيركم في الأزقة والأسواق وقد فقدتم أحد أعضائكم كالعين أو اليد أو الرجل، يعتبر جهاداً؛ لماذا؟ لأنه يعبّر عن ذلك الابتلاء وتلك المحنة الكبيرة التي ألـمّت بالشعب في تلك الفترة العصيبة. وأنتم في الحقيقة كاللوحة المعبرة عن الحرب والدفاع المقدس لكل من يراكم، وكالصورة التي تعكس فترة ذلك الاختبار الكبير والامتحان العظيم للشعب الإيراني. وإن حضوركم ووجودكم بحد ذاته يعدّ جهاداً وبياناً وتبليغاً. والنظر إليكم من جانب يميط اللثام عن جرائم تلك القوى التي دعمت نظام صدام ودافعت عنه، ومن جانب آخر يكشف عن عظمة وجلالة ذلك الإمام وتلك الثورة التي استطاعت أن تربيكم هكذا تربية وأن تسوقكم إلى ساحات القتال، ومن جانب ثالث يعبّر عن مقطع من تاريخ الشعب الإيراني. ومن هنا فإن الجريح بوجوده وحضوره بين الناس يكشف الستار عن بعض الحقائق حتى وإن لم يتكلم كلمة واحدة، ولم يشارك في أي مراسم كمبلّغ ومبيّن، فإنّ وجودكم بحد ذاته يُفصح عن حقائق تاريخية ومعرفية وسياسية ودولية. وهذا في نفسه له من الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى. هذه هي النقطة الثانية.

بشرى لزوجات الجرحى..
والنقطة الثالثة حول السيدات اللاتي يستضفْنكم ويحتضنّ آلامكم بصفتهنّ زوجات لكم. فإن هؤلاء النساء - كما قال هذا السيد في شعره الجميل - مضحّيَات بكل ما للكلمة من معنى، وعملهنّ هذا تضحية كبيرة، ولخدمتهنّ قيمة بالغة جداً؛ ذلك أن معاناة التمريض إن لم تكن تفوق معاناة المريض نفسه فهي ليست دونه. فأن يقوم الإنسان بخدمة جريح بكل ما يحمله من مشاكل وقيود جسدية، والاعتناء به، والاستماع إلى أحاديثه، والصبر على ما قد يحدث له من سأم وملل، له أجر كبير جداً عند الله سبحانه وتعالى. ويمكنني القول لهؤلاء السيدات وزوجات الجرحى بأن الله تعالى يبشركن لعظمة عملكن الذي تنجزنه، وهو يعتبر حقاً جهاداً وملحمة. وهذه أيضاً نقطة.

والنقطة الأخيرة هي أن تحاولوا أنتم الجرحى الأعزاء، وزوجاتكم وأولادكم وذووكم وكل من له حصة ودور في خدمتكم، الاحتفاظ بهذه الثروة المعنوية العظيمة. واعلموا أن الثروات العظيمة التي في أيدينا قد تُسلبُ منا بسبب غفلتنا، فلو أصابتنا الغفلة والإهمال، ولم نعمل بمقتضى هذا الشأن المعنوي والإلهي، ستُسلب منا هذه الثروة المعنوية التي هي في متناول أيدينا، ولذلك يجب توخي الحيطة والحذر. نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لأن نتمكن من صيانة وحراسة وشكر هذه المواهب الإلهية المادية منها والمعنوية.

إنني أرحبّ بكم أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات ثانية بسبب هذا اللقاء ومجيئكم إلى هذه الحسينية، وأتقدم لكم بالشكر والامتنان، وأسأل الله تعالى أن يُدخل السرور إلى قلوبكم ويوفقكم للتقدم في أعمالكم ويقضي حاجاتكم ويهب لكم أولادكم ويُسعدكم في حياتكم ويُطيل في أعماركم مع الشفاء الكامل إن شاء الله.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته


1- قبل كلمة الإمام الخامنئي حفظه الله، تحدّث السيّد محمد علي شهيدي محلاتي ممثّل الولي الفقيه ورئيس مؤسسة الشهيد وأمور المؤثرين؛ وكذلك تحدّث اللواء جعفري (قائد الحرس) وقدّما تقريرهما.

2015-09-30