موانع الجهاد في سبيل الله- الهوى وحب المنصب
التربية الجهادية
الهوى هو حب الشيء والميل إليه والتعلّق به واشتهاؤه، من دون فرقٍ بين أن يكون متعلّقه أمراً حسناً أو قبيحاً. وهوى النفس هو عبارة عن حبّ النفس وميل الإنسان إلى اتّباع الأوامر الصادرة عنها سواء كانت خيراً أم شراً. واتّباع أوامر النفس في غير مرضاة الله تعالى يعدّ شركاً به لأن المطاع فيه هو النفس وليس الله.
عدد الزوار: 340
الهوى:
1- حقيقة اتّباع الهوى خطر عظيم:
الهوى هو حب الشيء والميل إليه والتعلّق به واشتهاؤه، من دون فرقٍ بين أن يكون
متعلّقه أمراً حسناً أو قبيحاً. وهوى النفس هو عبارة عن حبّ النفس وميل الإنسان إلى
اتّباع الأوامر الصادرة عنها سواء كانت خيراً أم شراً. واتّباع أوامر النفس في غير
مرضاة الله تعالى يعدّ شركاً به لأن المطاع فيه هو النفس وليس الله.
وإنّ الأمر الصادر من النفس إن كان خيراً فلا ضير فيه ما دام في طاعة الله وضمن
الأهداف الإلهية ولو في دائرة المباحات، وإن كان شراً فهو باطل لأنّه صادرٌ عن
النفس الأمّارة بالسوء التي تأمر الإنسان بالسوء دائماً وتدفعه إلى معصية الرب
ومخالفة أمره. وقد تحدّث الله تعالى عن هذه الحقيقة وأشار إلى أن المتّبع لهواه في
طريق الضلال هو عابدٌ لغير الله
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ
عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْديهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا
تَذَكَّرُونَ﴾1.
فالآية واضحة الدلالة على أنّ الإنسان يمكن أن يتسافل إلى الحدّ الذي تصبح فيه نفسه
هي المعبودة والمطاعة وليس الحقّ عزّ وجلّ، والمشكلة الكبرى في هذه التبعيّة للنفس
تكمن في أنها تضلّ الإنسان عن جادّة الحق والصّراط المستقيم، كما قال عزّ اسمه:
﴿وَإِنَّ كَثيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدينَ﴾2.
2- مخالفة الهوى تكليف إلهي:
الأخطر في اتّباع الهوى هو أنّه يصدّ عن سبيل الحق، ويحول دون الوصول إليه، وهل بعد
سبيل الحق إلا الضلال!؟ فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "إنما أَخاف عليكم
اثنتين؛ اتّباع الهوى وطول الأَمل أَما اتّباع الهوى فإنه يصدّ عن الحق وأَما طول
الأَمل فينسي الآخرة"3.
لقد صرّح القرآن الكريم بضرورة تجنّب هوى النفس وعدم طاعتها، لأنها لن تورث الإنسان
إلا العذاب والضّلال، قال تعالى:
﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبيلِ
اللَّهِ إِنَّ الَّذينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ بِما
نَسُوا
يَوْمَ الْحِسابِ﴾4، وعن الإمام علي عليه السلام أيضاً أنه قال: "إنّ طاعة النّفس
ومتابعة الهوى أسُّ كلّ محنة ورَأس كلّ غواية"5.
إن اتّباع هوى النفس الذي يتخوّفه علينا الإمام علي عليه السلام يكون بطاعتها
واتّباع الأوامر الصادرة عنها دون الله والانصياع التام لتلبية رغباتها، والحل لا
يكون إلا بمخالفة هذا الهوى كما قال الباري عزّ وجل: ﴿وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ
رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى﴾6.
والسبيل الوحيد لنهي النفس عن الهوى والخروج من سلطان طاعتها يكمن في مخالفتها وعدم
طاعتها. بمعنى آخر إنّ الحلّ الوحيد يكمن في مخالفة هذه الأوامر النابعة من النفس
والاحتكام عوضاً عنها إلى أحكام الشريعة والعقل في كافّة شؤون حياتنا، بالإضافة إلى
تقوية رادع الإيمان والتقوى في النفس.
3- كيفيّة مخالفة الهوى:
من يشعر بوجود الله دائماً في حياته ويراه حاضراً وناظراً إلى سلوكياته وأفعاله،
ويرى محكمة العدل الإلهية يوم القيامة بعين البصيرة لا يمكن أن يتجرّأ على كسر طوق
الحدود الإلهية ويتجاوز التشريعات الدينية ويتلوّث بمفاسد الشهوات والرذائل ولا
يرتدع برادع العقل.
والمجاهد في ميدان المعركة يصطدم دائماً بحاجز حب النفس والهوى، فهو في كل حركة
وخطوة تحدّثه نفسه بالسلامة والحفاظ على النفس وتوقّي الجهد والتّعب والمشقَّة،
وربما إلقاء ذلك على كاهل الآخرين، وبالتالي الوقوع في مخالفة الأوامر والتكاليف.
وهذا الأمر غالباً ما يؤدي إلى تصدّع جبهة الحق وبالتالي الهزيمة والفشل العسكري
القاتل، كما في قصة خذلان بعض الجنود المكلّفين بحماية ظهر الجيش الإسلامي في معركة
"أحد" طلباً للغنائم وحباً للدنيا، وبالتالي اتِّباعاً للهوى النفسي، حيث سبّب ذلك
نكسة للمسلمين، وطعناً في قلب الرسول الأعظم محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وفي
هذا عبرة وموعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
لذا ينبغي أن يكون نظر المجاهد شاخصاً دائماً نحو تكليفه الشرعي فلا يحيد عنه قيد
أنملة، لأن النظر الدائم للتكليف الشرعي والعمل به هو الضمانة الوحيدة والوسيلة
الشرعية المُثلى للتفلّت من أهواء النفس واتّباع أوامرها. لأنه من جهة لا يدرك ما
عند الله إلا بطاعته، ومن جهة ثانية لا يمكن التفلّت من أسر الهوى ونيل الدرجات
العلى إلا بالطاعة.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " فإنّ الله لا يُدرك شيء من الخير
عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم الله في ظاهر القرآن وباطنه فإنّ الله
تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحقّ
﴿وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَه﴾"7.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "رحم الله امرأً أقمع نوازع نفسه إلى الهوى
فصانها وقادها إلى طاعة الله بعنانها"8، وقال عليه السلام: "من أحبّ نيل درجات
العلى فليغلب الهوى"9، وقال عليه السلام: "أفضل النّاس من عصى هواه وأفضل منه من
رفض دنياه"10.
فالمجاهد الذي يصارع هواه ويبحث عن الدرجات العلى لا يحتاج إلى كثير عناء ليقوم
بالتضحيات متى ما نودي إليها. كذا كان الأمير عليه السلام جاهزاً دائماً لأداء
الواجب الشرعي وللشَّهادة في سبيل المولى تعالى، خصوصاً في المواقف الحرجة
والمصيرية كما فعل عليه السلام عندما فدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه
حينما بات على فراشه، فأثنى عليه ربّ العالمين حينما قال:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾11.
حبّ الجاه والمنصب:
1- العواقب الوخيمة لحب الجاه والمنصب:
ميّز الدين الإسلامي في موضوع الرئاسة بين أمرين: بين حبّ الجاه وطلبه لنفسه وبين
التصدّي للمسؤولية لوجود الكفاءة أو القدرة، فذمّ الأول كما في الحديث عن الإمام
الصادق عليه السلام: "إيّاك والرّئاسة فما طلبها أحد إلا هلك"12. وأوجب الثاني كما
في قول الإمام الحسين عليه السلام: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا
منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر
الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك"13.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "يا عليّ أوحى الله تبارك وتعالى
إلى الدّنيا اخدُمي من خدمني وأتعبي من خدمك"14.
وقد ذمّ أئمة أهل البيت عليهم السلام طلب الرئاسة وحب المنصب والجاه في العديد من
الروايات منها:
عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال: "ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤها
بأضرّ في دين المسلم من الرئاسة"15.
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "من طلب الرّئاسة لنفسه هلك فإنّ الرّئاسة لا
تصلح إلا لأهلها"16.
عن عبد الله بن مسكان قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إياكم وهؤلاء
الرؤساء الذين يترأسون، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك"17.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ملعون من ترأس، ملعون من همّ بها، ملعون من حدّث
بها نفسه"18.
عن أبي حمزة الثمالي قال: "قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إياك والرئاسة وإياك
أن تطأ أعقاب الرجال، قال: قلت: جعلت فداك أما الرئاسة فقد عرفتها وأما أن أطأ
أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا ممّا وطئت أعقاب الرجال فقال لي: ليس حيث تذهب،
إياك أن تُنصِّب رجلاً دون الحجّة، فتصدّقه في كل ما قال"19.
عن أبي الربيع الشامي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال لي: ويحك يا أبا الربيع
لا تطلبنّ الرئاسة، ولا تكن ذئباً ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله ولا تقل فينا ما
لا نقول في أنفسنا فإنك موقوف ومسؤول لا محالة فإن كنت صادقاً صدقناك وإن كنت كاذباً
كذبناك"20.
ونختم الكلام بوصية الإمام الخميني قدس سره لولده فيقول: "ولدي! لا تلق عن كاهلك
حمل المسؤولية الإنسانية التي هي خدمة الحق في صورة خدمة الخلق.. فإن جولات الشيطان
وصولاته في هذا الميدان ليست بأقلّ من جولاته وصولاته بين المسؤولين والمتصدّين
للأمور (العامة). ولا تتعب نفسك للحصول على مقام مهما كان -سواء المقام المعنوي أم
المادي- متذرّعاً بأني أريد أن أقترب من المعارف الإلهية أكثر.. أو أني أريد أن
أخدم عباد الله. فإن التوجّه إلى ذلك من الشيطان.. فضلاً عن بذل الجهد للحصول عليه.
الموعظة الإلهية الفريدة، إسمعها بالقلب والروح، واقبلها بكل قوّتك وسر في خطّها
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾"21.
2- الرجال الإلهيّون والشؤون الدنيوية:
أهمية هذا العنوان تكمن في توضيح الشبهة القائلة بوجود التناقض بين المقامات
الدنيوية وسلوك طريق التديّن والعبودية. إن إرادة الله تعالى اقتضت بجعل خليفة له
في هذه الأرض وتخصيصه بجنس البشر ينقض الشبهة السابقة، ويجعلنا بحاجة إلى إعادة
النظر في الموضوع للخروج بالنتيجة الصحيحة.
فكيف جمع الرجال الإلهيون بين مقاماتهم الروحية وبين التصدّي للشؤون الدنيوية؟
للإجابة بدقّة يجب اللجوء إلى الثقلين اللذين من تمسّك بهما نج، فالجواب الصحيح
يأتي بطرق الباب الصحيح.
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾22
ويقول:
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوَارِثِينَ﴾23
فالكلام هنا عن مشروع إلهي لخلافة الإنسان في الأرض، وقد عرض
القرآن صفات المستخلَفين بقوله:
﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ
أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ
الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾24، فهنا العلاقة بين ثلاثة أطراف:
المُستخلِف: وهو الله سبحانه وتعالى.
المُستخلَف: وهو الإنسان الإلهي صاحب الصفات الخاصّة.
مكان الاستخلاف: وهو الأرض.
باختصار نقول، إنّ الأصل أن تكون الأرض (الدنيا) هي مكان تنفيذ الإرادة الإلهية
والمشروع الإلهي، وكما تفيد الآيات فالمنفّذ الوحيد لهذا المشروع هو الإنسان ولكن
ليس أيّ إنسان، إنه الإنسان المتَّصف بصفاتٍ خاصَّةٍ وهي باختصار الإيمان والتقوى.
فليس صحيحاً أن المقامات الدنيوية ليست مناسبة للإلهيين، أو أنَّها تؤثّر في
مقاماتهم، بل على العكس فالشخص الإلهي هو الوحيد الذي يعرف كيفيّة التصرّف مع
المقامات الدنيوية وإدارتها، فهو كالخبير في ترويض السباع الضارية، فهو يسيّر
الدنيا كما يريد لا العكس.
ولا بأس أن نعرض في المقام بعض الروايات التي تحكي سيرة القادة الإلهيين والتي تشير
إلى هذا المعنى:
إنّ النبي سليمان عليه السلام - مع ما لديه من مقام ومنزلة- كان كل صباح يستقبل
الكبار والأشراف، وفي نفس الوقت كان يذهب إلى المحتاجين ويجلس معهم وروي عنه عليه
السلام أنه: "إذا أصْبَحَ تصفّح وجوه الأغنياء والأشراف حتّى يجيء إلى المساكين
ويقعد معهم ويقول مسكين مع المساكين"25.
رُوِيَ أيضاً: "أنّ سليمان بن داود عليه السلام مرّ في موكبه والطّير تُظلّه والجنّ
والإنس عن يمينه وعن شماله بعابدٍ من عبّاد بني إسرائيل فقال: والله يا ابن داود
لقد آتاك الله ملكاً عظيماً فسمعه سليمان فقال: لتسبيحة في صحيفة مؤمنٍ خير ممّا
أُعطِي ابن داود، إنّ ما أُعطِيَ ابن داود يذهب وإنّ التّسبيحة تبقى"26.
وهذا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم صاحب المقام الرفيع عند الله
﴿ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى﴾27، كان يجلس على الأرض
ويفرش سفرة الطعام، وكان يأكل لحم الغنم بيده، وكان يقبل دعوة العبد ولو على قرص من
الخبز.عن ابن عبّاس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلس على الأرض
ويأكل على الأرض ويَعتَقِلُ الشّاة ويجيب دعوة المملوك على خبز الشّعير"28.
وهذا أمير المؤمنين عليه السلام في منصب الخلافة كان يكتفي بقرصين من الشعير وطمرين
خلقين، وكان يرى الدنيا أدنى من عفطة عنز، والحذاء المقطّع أفضل من الرئاسة، يقول
عليه السلام: "ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطِمرَيه ومن طُعْمِه
بقُرصَيه"29. ويقول عليه السلام أيضاً: "لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود
النّاصر وما أخذ الله على العلماء ألا يُقَارُّوا على كِظَّةِ ظالم ولا سَغَبِ
مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد
عندي من عَفْطَةِ عنز"30.
وعن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: "دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو
يخصف نعله فقال لي: ما قيمة هذا النّعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال عليه السلام:
والله لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"31.
وأخيراً نقدم نموذجين من عصرنا الحاضر وهما الإمام الخميني قدس سره والقائد المعظّم
حضرة آية الله الخامنئي حفظه الله، هذان العظيمان اللذان لم يسعيا أبداً لتحصيل
القيادة والمرجعية بل المرجعية والقيادة هي التي سعت إليهما، وحملا على عاتقهما حمل
قيادة الثورة والنظام الثقيل. يقول السيد حميد روحاني واصفاً الإمام الراحل قدّس
سرّه: "منذ أيام الشباب ـ حيث وصل إلى مقام الاجتهاد، حتى اليوم حيث هو يجلس على
كرسيّ القيادة والإمامة ـ لم يخط أدنى خطوة في سبيل تعريف نفسه والحصول على مقام أو
منصب، ولم يصرف الأموال الشرعية وحقوق المحتاجين والمعذّبين من أجل طلب الشهرة
والحصول على المنصب والدعوة الشخصية، وكان ينفر من الرئاسة ومقام المرجعية كمن يهرب
من إنسان ميّت. وفي الحقيقة هذه الرئاسة والمرجعية هي التي كانت تسعى وراء الإمام
الخميني قدس سره، ولم ترفع يدها عنه"32.
3- الوقاية والعلاج من حب الرئاسة:
في الختام نقدّم بعض النصائح التي قد تفيد في مجال الوقاية والعلاج من مرض حب الجاه
الخبيث، ونستعرض هذه النصائح من جانبين: نظري وعملي.
الجانب النظري:
العقل والفكر هو جوهر ثمين وهو نبيّ باطن أهداه الله للإنسان ليهتدي به، والروايات
الشريفة أخبرت أن لحظة تفكّر أفضل من عبادة سبعين سنة. فمن الواضح أن التفكّر يجب
أن يكون من أجل الحياة الأفضل وتهذيب النفس والتكامل الذي من جملته إزالة الرذائل
الأخلاقية ومنها طلب الجاه. لذا على المرء أن يتفكّر في مضارّ هذه الصفة الخبيثة،
وعواقبها الوخيمة على النفس والمجتمع وأن يعيذ نفسه من شرّها، لأنها إذا استفحلت في
النفس واشتدّ عودها صارت فرص النجاة قليلة وعواقب السقوط في متاهات الظلم وسلب
الحقوق أمراً سهلاً ويسيراً.
الجانب العملي:
ما مرّ سابقاً هو في الواقع مقدّمة لوضع القدم في ميدان مواجهة حب الرئاسة بإرادة
وحزم، والقيام بخطوات عملية مهمة ومؤثّرة، وعمدة هذه الخطوات وأساسها المتين الفرار
من الرئاسة كفرارنا من الأسد عند لقائه، وعدم طاعة النفس فيما، تهوى وتحب من التأمرّ
والترؤس على الناس لأن في ذلك الخطر العظيم والهلاك المؤكّد، إلا أن يكون هذا
المنصب تكليفاً لا مناص منه ولا بديل لتوليّه غيرك.
عندها لكن لسان حالك مثل لسان حال أوليائه الذين لم يروا في المسؤولية سوى فرصة
أكبر لخدمة عيال الله. يقول السيد القائد الخامنئي دام ظله بعد أن وقع الاختيار
عليه لمنصب القيادة: "ما زلت لحدّ الآن لا أرى نفسي سوى طالب بسيط للعلوم الدينية:
ليس حيال هذه المسؤولية فحسب بلّ حتى تلك التي أقل منها بمرّات وكرّات، ولكن حيث
أُلزمت بها فسأكون إن شاء الله مصداقاً لـ:(خذها بقوّة). وإني لأستمدّ وسأستمدّ
العون من الله في كل لحظة لأصون هذه الأمانة ما وسعني ذلك. وهي ليست أكبر من الوسع.
فهذا تكليفي وآمل أن يشملني الله وبقيّته بألطافه ورحمته الواسعة".
* كتاب التربية الجهادية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الجاثية، 23
2- الأنعام، 119.
3- الكافي، ج2، ص355.
4- ص، 26.
5- مستدرك الوسائل، ج12، ص114.
6- النازعات، 40-41.
7- أصول الكافي، ج8، ص7.
8- مستدرك الوسائل، ج11، ص255.
9- مستدرك الوسائل، ج12، ص115.
10- مستدرك الوسائل، ج12، ص114.
11- البقرة، 207.
12- وسائل الشيعة، ج27، ص129.
13- بحار الأنوار، ج34، ص110.
14- بحار الأنوار، ج74، ص53.
15- أصول الكافي، ج2، ص297.
16- مستدرك الوسائل، ج11، ص381.
17- أصول الكافي،ج2،ص297.
18- أصول الكافي،ج2،ص298.
19- أصول الكافي،ج2،ص298.
20- أصول الكافي،ج2،ص298.
21- وصايا عرفانية، ص55.
22- البقرة، 30.
23- القصص، 5.
24- الحج، 41.
25- بحار الأنوار، ج14، ص83.
26- م .ن.
27- النجم،8-9.
28- بحار الأنوار، ج16، ص222
29- بحار الأنوار، ج40، ص340.
30- نهج البلاغة، خطبة49.
31- نهج البلاغة، خطبة76.
32- من موسوعة قبسات من سيرة الإمام الخميني. 2015-09-28