الشروط المعنوية للجهاد
التربية الجهادية
إنّ الجهاد عمليةٌ هدفها تحقيقُ إحدى الحسنيين: إما النَّصر والغلبة على العدوّ وبالتالي رفع ظلمه وردّ عدوانه وبسط العدالة ورفع لواء الحرية عالياً، وإما الفوز بوسام الشهادة في سبيل الله. ولكي تتم هذه العملية بأبهى صور النجاح والكمال،
عدد الزوار: 286إنّ الجهاد عمليةٌ هدفها تحقيقُ إحدى الحسنيين: إما النَّصر والغلبة على العدوّ وبالتالي رفع ظلمه وردّ عدوانه وبسط العدالة ورفع لواء الحرية عالياً، وإما الفوز بوسام الشهادة في سبيل الله. ولكي تتم هذه العملية بأبهى صور النجاح والكمال، كان لا بدّ من وجود مجموعة من الشروط والظروف المعنوية والعقائدية، بحيث يصير الوصول إلى الأهداف الإلهية الكبرى متيسّراً بفعل هذه الشروط مجتمعة.
الإخلاص لله تعالى:
الإخلاص يعني تخليص النيّة أو الدّافع نحو العمل من كلّ شيءٍ عدا الله سبحانه
وتعالى، بحيث لا يكون للإنسان قصد أو دافع من وراء أيّ فعل أو حركة أو حتى تفكير
وميل سوى رضا الله والتقرّب إليه، وهو روح العبودية لله تعالى وجوهرها. وهو من
الصفات الهامّة التي ينبغي أن يتحلّى بها المجاهد لأنها منشأ وأصل كل هداية وتوفيق،
ولكي يصدق على الإنسان أنه مجاهد في سبيل الله لا بدّ أن يكون دافعه نحو الجهاد هو
الله عزّ وجل فقط دون أحد سواه. فالله عزّ اسمه أمر الناس ودعاهم إلى عبادته حيث
قال:
﴿إنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم﴾1، ولكنه لم يأمر بأيّ عبادة بل أمر عزّ وجلّ
بالعبادة الخالصة له التي لا يشاركه فيها أحد، قال تعالى
﴿وَما أُمِرُوا إِلاَّ
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّين﴾2، لذا قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى
عيناه"3.
مخاطر ترك الإخلاص:
إن الأعمال مرهونةٌ بالنيّات وإذا لم تكن النوايا خالصة فهذا يعني أنه يشوبها الشرك،
والله تعالى لا يغفر أن يشرك به
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه﴾4، ولا يقبل إلا ما كان له خالصاً كما في الحديث القدسيّ المرويّ عن الإمام
الصادق عليه السلام قال: "يقول قال اللَّه عزّ وجلّ: أَنا خير شريك، من أَشرك
معي غيري في عملٍ عمله لم أَقبله إلا ما كان لي خالصاً"5.
ويعرّف الإمام الصادق عليه السلام الإخلاص فيقول: "والعمل الخالص الذي لا تريد
أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزّ وجلّ، والنيّة أفضل من العمل، ألا وإنّ النّيّة هي
العمل. ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ
﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ﴾ يَعْنِي
عَلَى نِيَّتِهِ"6.
فإن جعل العمل والعبادة والحياة لله لا يكون بمجرّد تطبيقها على ما يريده الله في
الظاهر فقط، وليس بموافقتها لأحكامه فحسب، بل بمعنى أن لا نطلب من ورائها إلا الله
سبحانه وتعالى، وهذا هو الإخلاص الذي يتوقّف عليه قبول الأعمال عند الله تعالى.
فالإخلاص هو تصحيح النيّة وتوجيهها نحو الله وما يريده منّا في كل حركة وسكنة وقول
وفعل
﴿قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمينَ﴾7.
فالمجاهد في سبيل الله عند أدائه لواجباته وتكاليفه الشرعيّة هو في حالة عبادة،
ولأعماله بعدٌ إلهيّ يمكن أن يرفعه إلى أعلى عليّين ويقرّبه من الحق نجيّاً في حال
اتّسمت أعماله ونواياه بالإخلاص. أما إذا لم تكن النوايا خالصةً ولم يكن الدافع
الأساسي من وراء الجهاد رضا الله وأداء التكليف الشرعي فلن تكون الأعمال مقبولةً،
وبالتالي لن ينال الأجر والثواب الذي يستحقّه. لأن الذاهب إلى ميادين الجهاد لن
يصدق عليه وصف المجاهد في سبيل الله ما لم تكن هجرته إلى الله، وما لم يكن دافعه
الأساسي وهدفه النهائي هو الحق سبحانه وتعالى لا غير
﴿فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾8.
أمثلة على عدم الإخلاص:
حب المدح: من أهم علامات الإخلاص عدم انتظار المديح من أحد، كما في الحديث عن
الإمام الصادق عليه السلام: "العمل الخالص، الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا
الله"9.
الرِّياءُ: وهو إظهار الأعمال الصالحة والصفات الحميدة والعقائد الحقّة لأجل الحصول
على منزلة في قلوب الناس، والاشتهار بينهم، وهذا من الشرك الذي هو مبطل للعبادة.
قال الله عزّ وجلّ
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ
بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ﴾10.
وفي رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الجنّة تكلّمت، وقالت:
إنِّي حرامٌ على كلَّ بخيلٍ ومراءٍ"11.
وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "كلُّ رياءٍ شركٌ، إنّه من عملَ
للنَّاس كان ثوابه على النَّاس، ومن عمِلَ لله كان ثوابُهُ على الله"12.
العُجْب: وهو تعظيم العمل واستكثاره والسرور به والتغنّج والدلال بواسطته من دون أيّ
هدفٍ إلهيّ. عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من دخله العُجْبُ هلك"13.
وعن علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: "سألته عن العجب الذي يُفسد
العمل فقال: العجب درجات، منها أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب
أنّه يُحسِن صنعاً. ومنها أن يُؤمِن العبد بربّه فيَمُنَّ على الله عزّ وجلّ ولله
عليه فيه المَنُّ"14.
حب الرئاسة: قال الله تعالى:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ
لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ﴾15.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "حُبُّ
الرّئاسة رأس المحن"16. وعنه عليه السلام أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم في خبر المعراج قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا أحمد لو صلّى العبد صلاة
أهل السماء والأرض، ويصوم صيام أهل السماء والأرض، ويطوي عن الطعام مثل الملائكة،
ولبس لباس العابدين، ثم أرى في قلبه من حب الدنيا ذرّةً أو سمعتها أو رئاستها أو
صيتها أو زينتها، لا يجاورني في داري، ولأَنزعنّ من قلبه محبّتي، ولأُظلمنّ قلبه
حتّى ينساني، ولا أذيقه حلاوة محبّتي"17.
الذكر الدائم لله:
من الأوامر الأخرى التي أوصى بها القرآن المجيدُ المؤمنينَ المجاهدين هي أن يذكروا
الله في ساحة الحرب والقتال، حيث يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ
تُفْلَحُونَ﴾18.
فذكر الله يوجّه المؤمنين نحو القدرة الإلهية اللامتناهية، وهو ما يؤدّي بدوره إلى
تقوية معنويّاتهم وثباتهم. يقولُ الإمام عليّ عليه السلام بشأن ذكر الله في الحرب:
"إذا لقيتم عدوّكم فأقلّوا الكلام وأكثروا ذكر الله عزّ وجلّ"19.
وقال عليه السلام أيضاً: "رأيت الخضر في المنام قبل بدرٍ بليلة، فقلتُ له:
علّمني شيئاً أُنصرُ به على الأعداء، فقال: يا هو يا من لا هو إلاّ هو فلمّا أصبحتُ
قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: يا عليّ عُلِّمتَ الاسم
الأعظم, وكان على لساني يوم بدر"20.
ومن الممكن أن يكون المراد من "ذكر الله" في ساحة الحرب، هو استحضار المعارف
الإلهية التي تتناسب مع روحيّة طلب العون والمساعدة الموجودة لدى كل مجاهد خلال
القتال.
وإنّ ترك التعلّق بالدنيا وزخارفها هو الآخر ثمرة جميلة لذكر الله في الحرب، حيث
يؤدّي التعلّق بها إلى ضعف المقاتلين. ولذا، يطلب الإمام السجّاد عليه السلام من
الله في دعائه أن يُنسي حماةَ الثغورِ هذه الزينة الدنيوية، فيقول عليه السلام:
"اللهم صلّ على محمد وآله وأَنسِهم عند لقائهم العدوَّ ذكر دنياهم الخدّاعة الغرور،
وامحُ عن قلوبهم خطراتِ المال الفَتُون، واجعلِ الجنَّةَ نُصبَ أعينِهِم ولوِّحْ
منها لأبصارهمْ ما أعدَدتَ فيها من مساكنِ الخُلدِ ومنازلِ الكرامةِ والحورِ الحسانِ
والأنهارِ المطّردةِ بأنواعِ الأشربةِ والأشجارِ المتدلّيةِ بصفوفِ الثّمرِ، حتى لا
يَهُمَّ أحدٌ منهم بالإدبارِ ولا يُحدِّثَ نفسَهُ عن قِرْنِهِ بفرار"21.
الصبر:
من العوامل والشروط الأخرى للتوفيق في الجهاد، وتحقيق الغايات منه، هو تحلِّي
المجاهد بالصَّبر، الذي وصفته الروايات الشريفة بأنه رأس الإيمان. فقد سُئل الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان ما هو؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
"الصبر"22. وعن الإمام علي عليه السلام قال: "الصبر أن يحتمل الرجل ما
يَنُوبه ويكظم ما يُغضبه"23.
والصبر كما عُرِّف "هو حبس النفس على المكروه امتثالاً لأمر الله تعالى"24.
وتبرز قيمة الصبر وأهميّته في حياة المجاهدين من خلال ما ورد من آيات تشير إلى أن
الصبر من أرقى الطرق التي يمكن معها تحصيل الرضا الإلهي والوصول إلى مقام التقوى،
كما يقول الله تعالى:
﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ
فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ
مُسَوِّمِينَ﴾25. فنرى كيف أنّ الله سبحانه وتعالى ربط الإمداد بالملائكة
والوصول إلى مقام التقوى بالصبر فقدّمه، وما ذلك إلا للعلاقة الجوهريّة به.
فالخروج من العبوديّة للنفس إلى تحصيل الرضا الإلهي لا يكون إلا بواسطة الصبر، لذلك
نرى الإمام المقدّس روح الله الموسوي الخميني قدس سره يقول: "من النتائج الكبيرة
والثمار العظيمة لتحرّر الإنسان من عبوديّة النفس، الصبر في البلايا والنوائب"26
وهل هناك موطنٌ أعظم للتحرّر من عبوديّة النَّفس من ساحة الجهاد وساحة
الاستشهاد، والتي هي ساحة الصبر؟
وعليه فالتحرّر من عبوديّة النفس ينتج صبراً وإيماناً، كما أن الصبر في ساحات
الجهاد ينتج عبودية لله وتحرراً من عبودية النَّفس.
الصبر وتحقّق النصر:
ولأهميّة الصبر في تحقيق النصر كان لا بدّ وأن نُفرد له بحثاً خاصّاً كونه أحد أهم
أسباب النصر، فقد قال الله تعالى
﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً
كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾27 كما أنه تعالى قيّد
الغلبة بالصبر، فقال
﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾28.
فلم يعطِ الله تعالى أيّ اهتمام للعدوّ حتى لو كان كثيراً ببركة الصبر الذي هو رهن
الإنتصار، وبالتالي، نرى أنّ الله أخبر عن حالة المسلمين في حُنين عندما راهنوا على
عددهم فقال:
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ
عَنْكُمْ شَيْئاً﴾29.
وهذا ما نفهمه من السنّة الإلهية التي تعتبر النصر من الله تعالى، ولكن بعد تحقّق
الشرط الأساسي له وهو الصبر
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾30.
ويقول الله تعالى
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ
اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾31.
الشجاعة:
الشجاعة من أهم الصفات التي تميَّز شخصية المقاتل في سبيل الله, والتي بها يقتحم
الموت بجسده ولا يستشعر الضعف أمام مقدّرات الأعداء, ويكون ببركة الشجاعة والإقدام
جديراً بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
والشجاعة في اللغة "هي شدَّةُ القلب عند البأس والحرب, والشّجاع هو من قويَ قلبه,
واستهان بالحروب, وكان جريئاً ومقداماً"32.
فالشجاعة صفة في النفس تدفع بالمجاهد إلى الثبات في ميادين الحرب والجهاد في مواجهة
أعداء الله تعالى وأعداء الإنسانية، وتؤهّله لتحمُّل الشدائد والصعاب وأعباء القتال
ولوازمه.
قال تعالى
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾33.
وفي الحديث: "قيل للحسن بن علي عليه السلام: ما الشجاعة؟ قال: موافقة الأقران
والصبر عند الطِعان"34.
كيف يتحلّى المجاهد بصفة الشجاعة؟
إن تكوين صفة الشجاعة هو أمر ميسور وسهل, لأنّها من الصفات والسجايا المرتكزة في
جبلّة الإنسان وفطرته وغرائزه, وهي تعود إلى ضبط الغريزة الغضبيّة وجعلها معتدلة
بين الإفراط والتهوّر والزيادة، وبين التفريط والنقص والشلل.
قال الإمام علي عليه السلام "الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة وقوامها في
الفكرة, والثاني العفّة وقوامها الشهوة, والثالث القوّة وقوامها الغضب, والرابع
العدل وقوامها في اعتدال قوى النفس"35.
إن قوّة الاعتدال مخلوقةٌ فينا, وهي تتحكّم بقوّة الشهوة والغضب والوهم, وتجعل هذه
القوى في حدِّها الأوسط من دون إفراطٍ أو تفريط, وتعتمد هذه الصفة (العدل) على
ميزان العقل والشرع اللذين تلطّف الله بهما على الإنسان بمنِّه وكرمه ورحمته.
وعليه فغريزة الاعتدال تضبط القوّة الغضبيّة وتربِّي الإنسان على الشجاعة التي هي
الحدّ الوسط الممدوح, فلا يكون خمولاً يعيش الخوف والضعف والكسل وقلَّة الصبر
والاستسلام للمصائب وعدم الغيرة والخمود وعمل الظلم وقبول الرذائل وعدم الثبات في
المواقف الحسّاسة وميادين الحروب, وكذلك لا يكون متهوّراً ومفرطاً في قوّته
الغضبيّة بحيث يتوتّر لأَتفه الأسباب وينفعل لأيِّ استفزاز، فقد يقتل النفس
المحترمة بغير الحقّ وقد يتسرّع بأخذ قرار مخالفة القيادة الحكيمة, فلا يُقوّم في
الوقت المناسب, ولا يتراجع في الوقت المناسب, فهو انفعاليّ من دون تثبُّت, ويدور في
دائرة وحاله أشبه بالجنون.
إن تربية النفس على الاعتدال والشجاعة أمر ميسور ومقدور, فمتى رأى المجاهد في نفسه
الشجاعة فليحمد الله على هذه النعمة. وإن رأى في نفسه خلاف ذلك من إفراط أو تفريط
فليعمل على ترويض نفسه وتهذيبها ضمن نقطتين:
العلاج العلمي: وهو عملية إقناع النفس بآثار الشجاعة العظيمة وبركاتها الكبيرة,
ويعلم أن هذه الخصلة نعمة من الله ليدافع بها عن كرامته وكرامة المسلمين. وليدافع
بها عن دينه وشرفه ووطنه، وأن الشجاع هو على خطى الأئمة الأطهار عليهم السلام، وعلى
رأسهم الإمام عليّ عليه السلام الكرّار في الحروب ذو البأس والثبات كثبات الجبال
أمام الرياح العاتية، ويكفي في ذلك أن الشجاعة تفتح أعظم باب لرحمة الله تعالى وهو
باب لقاء الله جلَّ شأنه.
ومن الأمور المفيدة والمهمة التي ينبغي أن يعلمها المجاهد الشّجاع أنّ الجهاد ليس
سبباً في تقصير العمر أو الحد منه، كما وأن اعتزال الجهاد وتركه ليس هو الآخر سبباً
لطور العمر ومدّته، لأن ساعة الإنسان إذا ما حان وقتها فلا مبدّل لها كما قال عز
وجلّ
﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ
مُّشَيَّدَةٍ﴾36. ونفهم أيضاً، من كلام أمير المؤمنين عليه السلام مع ولده محمد
ابن الحنفية في معركة الجمل عندما أمره بالتقدّم فقال له: "احمل على القوم، فقال:
لا أجد متقدماً إلا على سهمٍ أو سنان، فقال علي عليه السلام: يا بني احمل بين
الأسنّة فإن للموت عليك جُنّة"37.
والظاهر بأن ضربات الأسنّة ورشقات السّهام، منعته من التقدّم فوقف قليلاً، فسرعان
ما وصل إليه الأمير عليه السلام قائلاً: "احمل بين الأسنّة" بإشارة واضحةٍ إلى أنّ
خوضَ غمار الحرب في أوجها ليس سبباً مباشراً للخوف أو الموت.
العلاج العملي: ويكون في أمور:
- الإقدام على الأمور العظيمة والمخيفة مرّة بعد أخرى، فإن ذلك يبطل الخوف والتردّد.
- الذهاب إلى ميادين الحرب, فإنها أمكنة تربّي القلب على الثبات والعناد
والتحدِّيات.
- الجهاد والمشاركة العمليّة في القتال مع أعداء الله فإنّها ساعات تصقل النفس
بالشجاعة والإقدام.
* كتاب التربية الجهادية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- يوسف، 40.
2- البّينة، 5.
3- أصول الكافي، ج2، ص16.
4- النساء، 48
5- الكافي، ج2، ص295.
6- أصول الكافي،ج2،ص16.
7- الأنعام،162.
8- الكهف، 110.
9- أصول الكافي، ج2، ص16.
10- البقرة، 264.
11- مستدرك الوسائل، ج1، ص107.
12- الأربعون حديثاً، ص44.
13- الكافي، ج2، ص313.
14- م.ن.
15- القصص، 83.
16- مستدرك الوسائل،ج11، ص383.
17- مستدرك الوسائل، ج12، ص36.
18- الأنفال، 45.
19- بحار الأنوار، ج93، ص154.
20- م.ن، ج19، ص310.
21- الصحيفة السجادية، دعاء أهل الثغور.
22- منتخب ميزان الحكمة، ص287.
23- ن.م، ص288.
24- م.ن.
25- آل عمران، 125.
26- الأربعون حديثاً، ص 306، باب الصبر.
27- البقرة، 249.
28- الأنفال، 65.
29- التوبة، 25.
30- محمد، 7.
31- آل عمران، 142.
32- راجع مجمع البحرين، مادة شجع.
33- الفتح، 29.
34- ميزان الحكمة، ج5، ص27.
35- ميزان الحكمة، ج3، ص45.
36- النساء، 78.
37- نهج السعادة،ج1،ص317.