كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مختلف شرائح الشعب
2015
أرحّب بكم جميعًا أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين تجشّمتم عناء السفر من مدنٍ مختلفة وبذلتم مجهودًا وتفضّلتم بالمجيء إلى هنا، ونشرتم البركة في أرجاء حسينيّتنا بحضوركم ومشاعركم. وأخصّ بالذكر الإخوة والأخوات الذين قدموا من مدنٍ نائية، راجيًا الله أن يسبغ رحمته وفضله عليكم أيّها الإخوة والأخوات فردًا فردًا.
عدد الزوار: 111كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مختلف شرائح الشعب_09-09-2015
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمین،
والصلاة والسلام علی سیّدنا أبي القاسم المصطفی محمّد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین
المنتجبین، ولا سیّما بقیّة الله في الأرضین.
أرحّب بكم جميعًا أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين تجشّمتم عناء السفر من مدنٍ
مختلفة وبذلتم مجهودًا وتفضّلتم بالمجيء إلى هنا، ونشرتم البركة في أرجاء حسينيّتنا
بحضوركم ومشاعركم. وأخصّ بالذكر الإخوة والأخوات الذين قدموا من مدنٍ نائية، راجيًا
الله أن يسبغ رحمته وفضله عليكم أيّها الإخوة والأخوات فردًا فردًا.
بين "ذي القعدة" و"شهريور"..
لقد صادف اقتران هذه الأيام بأيام شهر ذي القعدة المباركة، وأيام شهر
"شهريور"1 الطافحة بالذكريات. فإنّ بركات شهر ذي القعدة جمّة، وذكريات شهر "شهريور"
زاخرة بالمغزى والمضمون.
شهر ذي القعدة هو أول الأشهر الحُرُم، واليوم الحادي عشر من هذا الشهر هو ذكرى
الولادة العطرة للإمام ثامن الحجج (عليه آلاف التحية والثناء) وعاشِر الكرامة،
واليوم الثالث والعشرون منه هو يوم زيارة الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام)
الخاصة، واليوم الخامس والعشرون منه يوم دحو الأرض، وهو يوم مبارك، وليلة النصف من
ذي القعدة تعتبر من الليالي المباركة خلال السنة، وفيها أعمال؛ وأيام الأحد من ذي
القعدة أيام توبة وإنابة، وقد ورد فيها عملٌ نقله المرحوم العارف الكبير الحاج
الميرزا جواد الملكي التبريزي في كتاب المراقبات عن النبي الأكرم (ص) حيث قال
لأصحابه: «من كان منكم يريد التوبة؟» [قال الراوي]: قلنا كلنا نريد التوبة. - وعلى
ما يبدو لي أنه ورد في شهر ذي القعدة - فوصف لهم النبي بحسب هذا النقل وهذا الحديث
صلاة خاصة - منقولة في كتاب المراقبات - وطلب منهم أداءها. والحاصل أنّ أيام هذا
الشهر الذي هو أوّل الأشهر الحرم، وكذلك أيام سائر الأشهر الحرم أيام مباركة ومفعمة
بالخير والبركة، ويجب علينا الاستفادة منها.
وشهر "شهريور" بدوره من الأشهر الحافلة بالذكريات. ففي السابع عشر منه عام 1357
2، وفي ساحة الشهداء بطهران، أطلق أزلام النظام الطاغوتي النار على الناس العزّل،
وقتلوا الكثيرين منهم -وما زلنا لا نعلم عدد القتلى بدقة، إلا أنه عدد كبير -. وفي
هذا الشهر تمّ اغتيال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، المرحوم الشهيد رجائي والمرحوم
الشهيد باهنر بصورة بشعة. وفي هذا الشهر نُفّذت عمليّة اغتيال آية الله الشهيد
قدوسي، المدّعي العام للثورة؛ وفي هذا الشهر استُشهد إمام جمعة تبريز ]آية الله
الشهيد مدني[؛ وفي اليوم الأخير من هذا الشهر شنّ النظام البعثي الصدّامي هجومه
العسكري على البلد. إنها ذكريات مذهلة وعميقة المعاني؛ وقد وقفت الإدارة الأمريكية
وراء كل هذه الأحداث، فالأيادي الأمريكيّة هي التي دعمت بشكل مباشر، أو حرّضت، أو
أغمضت - على أقل تقدير- عينيها عن هذه الجرائم.
أحداثٌ لا ينبغي أن تُنسى
ولا ينبغي لشبابنا نسيان هذه الذكريات، فإنّ أحد الهواجس التي تراودني
هي أن يتمّ في الفترة المعاصرة إخراج هذه الأحداث الهامة وهذه الدروس والعبر
الكبيرة تدريجيًا من ذاكرة هذا الجيل الصاعد الواعي البصير المندفع المتأهّب الحاضر
في الساحة والثوري، ولله الحمد، وهذا بالطبع ينبئ عن قصورنا وقصور الأجهزة المسؤولة،
فلا ينبغي أن تبلى هذه الأحداث، وأن تضعف ذاكرة الشعب التاريخية. فلو جهل شبابنا في
جميع أرجاء البلاد هذه الأحداث، ولم يعمدوا إلى تحليلها، وتحرّي جذورها، سيُخطئون
في معرفة بلدهم والتطلّع إلى المستقبل. وعلى الشباب أن يدركوا هذه الوقائع بشكل
صحيح، ويعلموا ماذا حدث؟ وما الذي جرى؟ ومن الذي قام بهذه الممارسات؟ هذا ما يجب
على الشباب معرفته.
ثمة مجزرة أخرى كمجزرة السابع عشر من "شهريور"، حدثت في الثامن من شهر "بهمن"3 لم
تُسلَّط الأضواء عليها، حيث تعرّض الناس لهجوم أزلام النظام. يقول الجنرال الأمريكي
[روبرت هايزر] الذي دخل طهران في الأيام الأخيرة من عمر النظام البائد لإنقاذه، في
مذكراته -بحسب ما نقل-: جمعتُ قادة الشاه العسكريّين وقلت لهم وجّهوا فُوَّهات
البنادق إلى الأسفل، وهذا يعني أنّ الذين يحملون السلاح في النظام الشاهنشاهي
لمواجهة الناس، كانوا في كثير من الأوقات يطلقون النار في الهواء لإرعابهم، وإذ
بهذا الرجل يوصي القادة العسكريين أن يوجّهوا فُوَّهات البنادق إلى الأسفل ويضربوا
الناس؛ فعملوا حينها في ساحة الثورة بهذا الأمر، ووجّهوها إلى الأسفل، واستهدفوا
الناس، وقتلوا عددًا كبيرًا منهم، ولكن من دون جدوى، لأنّ الناس لم يتراجعوا
وواصلوا مسيرتهم. وبعدها توجّه أحد قادة الجيش الشاهنشاهي المدعوّ «العقيد قرة باغي»
الى "هايزر" وقال له: إنّ أمرك هذا لم يُجدِ نفعًا ولم يجبر الناس على التراجع.
فكتب هايزر في مذكراته: يا لهؤلاء كم يحملون من تحليلات طفولية! ماذا يعني كلامه؟
هل يتوقع "قرة باغي" أنّ القضية ستنتهي بإطلاق رشق ناري على الناس؟ لا! إذ لا بدّ
من الاستمرار في هذا العمل، ويجب إبادة الناس أينما ثقفوهم! هذه هي أمريكا، فقد كان
لها السيادة المطلقة على هذا البلد لمدة خمسة وعشرين عامًا، وكانت تأمر قادة النظام
الشاهنشاهي بهذه الطريقة، وكان لها في إيران الكلمة الفصل في المجالات الاقتصادية
والسياسية والأمنية والسياسة الخارجية؛ هذه هي السيادة المطلقة التي كانت تتمتع بها
أمريكا في عهد النظام الطاغوتي. فقد كان يحكم البلد مثل هذا النظام الذي تجد ضابطه
تابعًا لأمريكا، ووزير ماليّته تابعًا لها، ووزير دفاعه تابعًا لها، ورئيس وزرائه
تابعًا لها، والملك نفسه تابعًا لها أيضًا، اتّباعًا لا يقبل الجدل؛ هذا هو النظام
الذي كان حاكمًا على البلد.
"أمريكا الشيطان الأكبر"
وكانت أمريكا تتفرعن في بلدنا، وتتعامل مع الناس كفرعون الذي كان
﴿یَستَضعِفُ طآئِفَةً مِنهُم یُذَبِّحُ أَبنآءَهُم وَیَستَحیِي نِسآءَهُم﴾، فجاء
موسى زمانه، وقلب عرش فرعون وأذنابه رأسًا على عقب وزلزله، وهكذا اندلعت الثورة.
وبعد سنة وشهرين من حادثة "شهريور" - أي في شهر "آبان" من سنة 1358 [أكتوبر 1979] -
هبّ شباب إمامنا الخميني العظيم والسائرون على نهجه وحرّروا وكر التجسّس الأمريكي،
وأسروا الأمريكيّين وأيديهم مغلولة وأعينهم مشدودة، فهزم موسى فرعون في هذه المرة
بهذه الطريقة. وإذا بالبعض يتساءلون قائلين: لماذا تعادي أمريكا إيران؟ فإنّ هذا هو
السبب، حيث كانت إيران رازحة تحت وطأة أمريكا بالكامل، وكانت في قبضتهم، وكانت تسير
جميع مفاصل البلد الرئيسيّة وفق إرادة الأمريكيين، فجاء الإمام وطرد أمريكا بواسطة
الشعب، وهذا ما يستوجب أن يكونوا أعداءنا وأن يعادونا، وهم الآن أيضًا يمارسون هذا
العداء.
يقول الإمام الخميني العظيم: «أمريكا هي الشيطان الأكبر»، وهي كلمة عميقة في مغزاها.
فإنّ زعيم شياطين العالم بأجمعهم هو إبليس، إلا أنّ العمل الوحيد الذي يستطيع أن
يمارسه إبليس كما يصرّح القرآن بذلك هو إغواء الناس ومخادعتهم والوسوسة لهم لا أكثر،
وأما أمريكا فتُغوي، وترتكب المجازر، وتفرض الحظر، وتُخادع، وتُرائي، وهي ترفع لواء
حقوق الإنسان وتدّعي مناصرته، ولكن بين الحين والآخر، يُقتل في شوارع المدن
الأمريكية شخص بريء أعزل مضرّجًا بدمائه على يد الشرطة الأمريكية، إلى غير ذلك من
الجرائم والفجائع التي يرتكبونها، وإلى سلوكهم تجاه إيران في عهد النظام الطاغوتي،
وإثارتهم للحروب، وتأجيجهم لنيران الحرب، وإطلاقهم التيارات المثيرة للحرب كالتي
تمارس التهديم والدمار في العراق وسورية وسائر البقاع؛ هذه كلّها أعمال أمريكا. وإذ
بالبعض يصر على تنميق هذا الشيطان الأكبر المتّسم بهذه السمات والأسوأ من إبليس،
والإيحاء بأنّه ملاك. لماذا؟ ناهيكَ عن الدِّين والنزعة الثورية؛ أين هو الوفاء
لمصالح البلاد؟ وأين هو العقل؟ أي عقل وأي ضمير يسمح للإنسان أن يتّخذ قوّة كأمريكا
صديقة له، وأن يثق بها، وأن ينظر إليها كملاكٍ مُنقذ؟ هذه هي حقيقتهم؛ فإنّ
الأمريكيّين يظهرون بمظهر أنيق وثياب مكويّة وربطة عنق وعطر فواح، وبمظاهر تبهر
العيون، ليفتنوا بها عيون البسطاء والسُذّج، هذه هي حقيقة أمريكا، وهم يتعاملون مع
سائر البلدان كما يتعاملون معنا. وقد طرد الشعب الإيراني الكبير هذا الشيطان الأكبر
من بلده، ويجب أن لا ندعه يعود ثانية ويدخل من النافذة بعد أن خرج من الباب، ويجب
أن لا نسمح له بالنفوذ والتوغّل، فإنّ عداءه لا ينقضي أمده.
عداءٌ مستمرّ إلى أن..
وبعد الاتّفاق النووي الذي لا يزال مصيره غير معلوم في إيران وفي أمريكا،
نجدهم حاليًّا يحوكون المؤامرات في الكونغرس الأمريكي ضد إيران، وقد بلغتنا بعض
الأنباء التي تُفيد بأنّ عددًا من النواب في الكونغرس الأمريكي يعملون في الوقت
الحاضر على إعداد قرار لإلحاق الأذى وخلق العراقيل وإثارة المشاكل ضد الجمهوريّة
الإسلاميّة؛ هذا هو عداؤهم الذي لا نهاية له.
وهذا العداء سيستمر، ولكن إلى متى؟ حتى تتّسموا بالقوة والاقتدار، وحتى يصبح الشعب
الإيراني قويًّا الى الحدّ الذي يجعل العدو يائسًا من مهاجمته سياسيًّا أو أمنيًّا
أو عسكريًّا أو اقتصاديًّا، أو أن يفرض عليه العقوبات وما إلى ذلك. ولذا يجب علينا
أن نقوى وأن نعزّز اقتدارنا في الداخل. ولطالما ذكرت سبل اكتساب القوة التي يحتاج
البلد إليها، فالسبيل الأوّل هو الاقتصاد القوي، وهو بعينه الاقتصاد المقاوم الذي
تم إبلاغ سياساته، والذي يجب متابعته على أرض الواقع بصورة عمليّة تطبيقيّة
تنفيذيّة بكلّ قوة وبدون تريّث، ولقد بات السادة الأعزاء في الحكومة يبذلون مجهودهم
في هذا المجال والحمد لله. إذاً فالسبيل الأوّل هو أن يتم تمتين اقتصاد البلد، وأن
لا يبقى شباب البلاد عاطلًا من العمل، وأن لا تبقى إبداعات الشباب معطّلة؛ هذه هي
إحدى السبل.
والسبيل الآخر التنمية العلمية، فلا ينبغي أن تتباطأ الوتيرة المتسارعة لقافلة
العلم، ويجب أن نتقدّم في هذا المجال، فإنّ الأمور برمّتها منوطة بالعلم، وهذه
بدورها إحدى سبل التعزيز والتقوية.
ومن السبل الأخرى للتعزيز الداخلي، هي الحفاظ على الروح الثورية في أوساط الناس،
ولا سيما الشباب. فالعدوّ يحاول أن يصنع من شبابنا شبابًا لا يبالون ولا يعبأون
بمصير الثورة، وأن يقتل فيهم الروح الملحميّة والثوريّة ويقضي عليها، ولا بدّ من
الحيلولة دون ذلك. فعلى الشابّ أن يحافظ على روحه الثورية، وعلى المسؤولين أن
يقدّروا ويثمّنوا الشباب الثوري، ولا يعمد المتكلّمون والكتّاب إلى كل هذا القمع
للشباب الولائي الثوري بذريعة التطرّف وأمثاله، بل تجب الإشادة بالشابّ الثوري،
ويجب حثّه على التحلّي بالروح الثورية، فإنّ هذه الروح هي التي تصون البلد وتدافع
عنه وتتكفّل بإنقاذه عند وقوع الأخطار.
ومن هذا المنطلق، فإنّ الاقتدار الوطني يتشكّل من عوامل أساسية ثلاثة: الاقتصاد
القويّ المقاوم، والعلم المتقدّم المتزايد، والحفاظ على الروح الثورية لدى الجميع
ولا سيّما لدى الشباب؛ فإنّ هذه العوامل هي التي تستطيع أن تحافظ على البلد، وأن
تفرض اليأس على العدوّ.
نتفاوض مع العالم باستثناء أمريكا
إنّ أمريكا لا تُخفي عداءها. وهم يوزّعون الأدوار؛ فأحدهم تعلوه
الابتسامة، والآخر يصوّت على قرار ضد الجمهورية الإسلاميّة ويتابعه، وهذا هو ضرب من
ضروب تقسيم الأدوار بينهم. هم يريدون شيئًا اسمه التفاوض مع إيران، ولكنّ المفاوضات
ذريعة ووسيلة لبسط نفوذها وفرض إرادتها. ولقد وافقنا على أن يتفاوضوا في الملف
النووي فقط، وذلك لأسباب محدّدة أعلنّاها مرارًا، وبالتالي تفاوضوا. وقد أثبت
الفريق المفاوض ــ والحمد لله ــ جدارته في هذه الساحة، ولكنا لم نسمح بالتفاوض مع
أمريكا في الساحات الأخرى، ولم نتفاوض معها فيها. نتفاوض مع كل العالم باستثناء
أمريكا، ونحن من أهل التفاوض والتفاهم على مستوى الحكومات، وعلى مستوى الأقوام،
وعلى مستوى الأديان، ودأبنُا هو التفاوض مع الجميع إلّا أمريكا، وإلى جانبها بالطبع
الكيان الصهيوني الذي يُعدّ من الأساس كيانًا لقيطًا مختلقًا.
لا كيان صهيونيًا بعد 25 عامًا..
ولنتطرّق في جملة واحدة إلى الكيان الصهيوني. بعد انتهاء المفاوضات
النووية، قال الصهاينة في فلسطين المحتلة "إنه مع هذه المفاوضات التي حصلت لا هواجس
ولا قلق يراودنا حاليًّا تجاه إيران إلى 25 عامًا، وسنفكّر فيما سيؤول الأمر إليه
بعد ذلك". وأقول في جوابهم: أوّلًا إنّكم لن تشهدوا السنوات الخمس والعشرين المقبلة،
وبإذن الله وتوفيقه وفضله، لن يكون بعد 25 عامًا شيء اسمه «الكيان الصهيوني» في
المنطقة4! وثانيًا خلال هذه المدة أيضًا لن تَدَع الروحُ الإسلامية المناضلة
والملحمية والجهادية الصهاينةَ يذوقون طعم الراحة والهناء لحظة واحدة، وهذا ما لا
بدّ أن يعلموه. فقد استيقظت الشعوب، وعرفت من هو العدو. ومحاولات الحكومات والأبواق
الإعلامية وأمثالها لتبديل العدو مكان الصديق لا تُؤتي ثمارها، فإن الشعوب
الإسلامية ولا سيّما شعوب المنطقة واعية تدرك حقائق الأمور. جيّد، هذا وضع
الامريكيين وذاك هو وضع الصهاينة.
الانتخابات؛ تجلّي السيادة الشعبية
ولنتعرّض قليلًا إلى قضية الانتخابات5 علمًا بأنّ البعض ــ وللأسف ــ
أخذوا قبل سنة ونصف، وقبل سنتين من إجراء الانتخابات يطرحون المسائل التي لها صلتها
بهذا الموضوع، وأعتقد أنّ هذا لا يصبّ في مصلحتنا، فلا ينبغي لنا أن نشحن البلاد
بأجواء الانتخابات قبل أوانها، حيث بدأ البعض قبل سنة ونصف ــ أي قبل نحو سنتين من
الانتخابات التي ستقام في نهاية السنة الجارية ــ بالحديث عن الانتخابات ومداولة
القضية في الصحف والخطابات، وعندما تتسبّب أجواء الانتخابات [قبل أوانها] في البلاد،
بتهميش الكثير من قضايا المجتمع الرئيسيّة ونسيانها ــ لأنّ أجواء الانتخابات أجواء
منافسة ومعارضة ــ فلماذا نجرّ هذه الأجواء التنافسيّة والتعارضيّة إلى ما قبل سنة
أو سنتين؟ إنّ طرح هذه المسائل قبل أوانها لا يصبّ باعتقادي في مصلحتنا. ولكن في
الوقت الحاضر حيث للانتخابات ثلاثة أو أربعة أشهر مثلًا، فمن المناسب أن نتحدّث
بشأن هذا الموضوع. وسأطرح اليوم بعض النقاط، وفي المستقبل أيضًا سوف يكون لي حديث
في هذا المجال إن بقيت على قيد الحياة.
تقع قضية الانتخابات في البلد على جانب كبير من الأهمية، فإنّها تمثّل المظهر التامّ
لمشاركة الشعب وانتخابه؛ ذلك أنّ الشعب بحضوره في ميدان الانتخابات ــ سواء
الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات النيابية أو انتخابات مجلس الخبراء ــ يجسّد
السيادة الشعبية الدينيّة الحقيقيّة في البلد، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. فإنّنا على
مدى الأعوام الـ36 أو الـ37 التي مضت من بداية الثورة، لم نسمح بإلغاء الانتخابات
أو تأخيرها، بينما نجد في البلدان المختلفة، إذا ما اندلعت حرب أو حدث حادث أجّلوا
الانتخابات، ولكن لم تتأجّل الانتخابات في إيران عن موعدها المقرّر حتى يومًا
واحدًا في أي فترة من الفترات. ففي الأيام التي كانت تُقصف فيها طهران ومدن خوزستان
وإيلام وكرمان وبقية المناطق، كانت الانتخابات تُجرى في موعدها المحدّد. وكذلك
الحال في أقصى نقاط البلد، وفي القرى والأرياف، وفي المناطق التي يصعب الوصول إليها.
رغم أنّ البعض من المتلاعبين بالسياسة أو المتسيّسين كانوا يبتغون في بعض المراحل
إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، ولكن تمّ ــ بتوفيق من الله ــ صدّهم، وأُجريت
الانتخابات في موعدها المقرّر. هذه هي أهمية الانتخابات، ومن هنا أصبحت انتخاباتنا
تجسيدًا للسيادة الشعبية، والحمد لله.
فإنّ نظام الجمهورية الإسلامية يعتبر نظام سيادة شعبية بالمعنى الحقيقي. والعدوّ
يتشدّق بالقول طبعًا، فالأمريكون وأياديهم الإعلامية دومًا يتكلّمون ضدّ انتخاباتنا
وبأشكال مختلفة. بيد أنّ أمريكا نفسها على مدى 25 عامًا من وجودها في إيران إبان
عهد النظام الطاغوتي، لم توجّه لمجالس الشورى الشكلية والهزلية في ذلك اليوم، حتى
انتقادًا واحدًا. ولو راجعتم التاريخ وطالعتم أحداث الانتخابات في عهد محمد رضا،
وقبله وأسوأ منه في عهد رضاشاه، حيث الهيمنة البريطانية على إيران في بادئ الأمر،
ومن بعدها الهيمنة الأمريكية، لوجدتم أنهم لم يعترضوا ولو لمرة واحدة على هذه
الانتخابات الشكلية والصورية والهزلية، كما ولم يوجّهوا اليوم أيضًا كلمة اعتراض
على الأنظمة المستبدّة والدكتاتورية والوراثية في المنطقة، ولكن تراهم تجاه إيران
التي تعاقبت فيها الانتخابات، ويتم فيها بواسطة الناس انتخاب أركان النظام كافة ــ
من القائد إلى رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى وأعضاء مجلس الخبراء وأعضاء مجالس
البلدية ــ يوجّهون إليها اعتراضهم وانتقادهم باستمرار، ويتّهمونها بتهم كاذبة.
انتخاباتٌ نزيهةٌ سليمة
بيد أنّ انتخاباتنا خلال هذه المدّة كانت نزيهة والحمد الله. والنقطة
التي أودّ الإشارة إليها هي أنّ انتخاباتنا بناءً للمعايير الدولية الشائعة، تعتبر
من أفضل الانتخابات وأكثرها نزاهة وبنسبة مشاركة جماهيرية عالية. وممّا يؤسف له أنّ
من العادات السيئة التي دأب البعض عليها هي أنّهم وفي كلّ مرحلة يطعنون دومًا
بنزاهة الانتخابات، ويكرّرون الحديث منذ ما قبل إجرائها عن التلاعب فيها وعن الهاجس
الذي يراودهم في ذلك وعن كذا وكذا، ولكنّه عملٌ خاطئ. فقد شارك الناس في ميدان
الانتخابات مشاركة ملحميّة على مدى 37 عامًا لثقتهم بالنظام في مختلف الأدوار وشتى
الحكومات، فلماذا يعمل البعض على المساس بهذه الثقة؟ إنّ أبناء الشعب يثقون بهذا
النظام، وحينما يحين وقت الانتخابات ينزلون إلى الساحة ويدلون بأصواتهم، فلماذا
يطعن المرء بهذه الظاهرة من خلال هواجس خاوية وكاذبة؟.
فإنّ من البديهي أن لا يُسمَح [لأحد القيام بمثل هذه الأعمال]، وأن تكون هناك
مراقبة شديدة. وإنّ من أكبر بركات مجلس صيانة الدستور هو أنّهم يراقبون الأخطاء
والاشتباهات، ولا يسمحون بحصول أيّ مخالفة، وكذلك الحال بالنسبة لسائر الأجهزة
أيضًا. وبالطبع قد وصلتنا خلال هذه الأعوام أحيانًا وفي بعض المراحل تقارير تدلّ
على حدوث إشكال في الانتخابات، فكنّا نأمر بدراسة القضية، وبعد التحرّي، يتبيّن أنّ
الأمر لم يكن على هذا النحو. وأحيانًا قد تُرتكب هنا وهناك بعض المخالفات التي لا
تترك أي أثر على نتائج الانتخابات، وليست بالأمر المهم، إلا أنّ الانتخابات في جميع
الأدوار كانت سليمة نزيهة.
"سندافع عن أصوات الشعب!"
كما وتعتبر أصوات الشعب من حقوق الناس بكلّ ما للكلمة من معنى. فعندما
يشارك الأخ الإيراني أو الأخت الإيرانية في الانتخابات ويدلي بصوته في صناديق
الاقتراع، يعتبر مراعاة حقّه هذا من الواجبات الشرعيّة والإسلامية، ولا يجوز خيانة
هذه الأمانة، فإنّها من حقوق الناس حقًّا. كما ويجب الالتزام بنتائج الآراء مهما
كانت، وهذا بدوره يعتبر من حقوق الناس أيضًا. وإنّ سبب صمودنا ومقاومتنا لإصرار
البعض على إلغاء نتائج انتخابات عام 1388 [2008] هو الدفاع عن حقوق الناس، حيث شارك
في تلك السنة 40 مليون شخص وأدلوا بأصواتهم، وسجّلوا أعلى مستويات المشاركة، وأفرزت
أصواتهم بالتالي نتيجة معيّنة، ولكن كلّ من كان سيفوز في هذه الانتخابات، سنتّخذ
حياله هذا الموقف ذاته، وسندافع [عن أصوات الشعب]. فإننّي قد دافعت عن حقوق الناس
وحقوق الشعب. وبعد هذا أيضًا، كلّما هبّ الناس للانتخاب وصوّتوا لكلّ من يرغبون فيه
ويقبلونه، فإنّي سأدافع عن أصوات الناس، وسأقف ظهيرًا ومساندًا لهم، ذلك أنّ أصوات
الشعب تعتبر حقًّا من حقوق الناس. فلا نطعن عبثًا بهذه الثقة التي يحملها الناس
تجاه النظام من خلال الكلمات الفارغة من العقل والمنطق. إذ نجدهم تارة يوجّهون
إشكالاتهم إلى وزارة الداخلية وأخرى إلى مجلس صيانة الدستور.
في حين يعتبر مجلس صيانة الدستور عين النظام الباصرة في الانتخابات، وهذا ما هو
موجود في جميع بلدان العالم ــ وله هناك بالطبع اسم آخر، واسمه هنا مجلس صيانة
الدستور ــ، حيث يتصدّى لمراقبة من يخوض ساحة الانتخابات ويترشّح لها، ويقوم بالنظر
في أهليّته، ليرى هل هو مؤهّل أم لا، فإن شاهد تقصيرًا في هذا الجانب، أو دخول من
ليس مؤهّلًا إلى ساحة الانتخابات، يبادر إلى منعه وصدّه عن ذلك، وهذه هي من حقوق
المجلس القانونيّة والعقليّة والمنطقيّة، وإشكالات البعض عبثيّة لا معنى لها. فإنّ
حقّ الرأي الذي يحمله مجلس صيانة الدستور، وحقّ الإشراف الاستصوابي المؤثّر له، يعدّ
جانبًا من جوانب حقوق الناس، وهذا ما يجب مراعاته وصيانته. هذا هو حديثي في الحال
الحاضر عن الانتخابات التي تتمتّع بالأهميّة. علمًا أني أؤمن بمشاركة الناس
الملحميّة، وأعتقد أنّ هذا ما يتكفّل بصيانة البلد. ولو بقيت على قيد الحياة
سأتحدّث في هذا المجال أكثر.
وأقول لكم أيها الإخوة والأخوات مؤكّدًا: اعلموا أنّ جمهورية إيران الإسلامية، بهذا
الشعب وبهذا المنطق وبهذا الدستور سوف تتغلّب على كلّ أعدائها، شريطة أن نتوكّل على
الله، وأن نعزّز دعائم تعاضدنا وتكاتفنا، وأن لا نعمل على شقّ صفوفنا في البلد، ولا
يعمد بعضنا إلى تضعيف بعضنا الآخر، فلو التزمنا بهذه الأمور، سيشملنا الله أيضًا
بعنايته ورعايته. ومن ينصر الإسلام، ينصره الله.
إلهنا! احشر الروح الطاهرة لإمامنا العظيم
وأرواح شهدائنا الأبرار مع أوليائك.
إلهنا! أسبغ بركاتك وألطافك المتزايدة على هذا
الشعب المؤمن الصالح.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
1- [23 آب إلى 22
أيلول]
2- [8/9/1978]
3- [28 كانون الثاني]
4- أصوات وهتافات مدوّية: "الموت لإسرائيل"
5- الانتخابات النيابية التي ستُجرى في الشهر الثاني عشر من سنة 1494؛ بداية سنة
2016م.