التوبة وشروطها
مواعظ الكتاب والسنة
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً .يعني بالنصوح لا رجوع فيها إلى ذنب. وقال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
عدد الزوار: 296
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً
نَصُوحاً .يعني بالنصوح لا رجوع فيها إلى ذنب. وقال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ
عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ
قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .قوله بِجَهالَةٍ يعني بمواقع
العقاب وقيل: بعظة الله وأخذه للعبد بعصيانه حال المواقعة ،ثم قال سبحانه :وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ.
نفى سبحانه قبول التوبة عند مشاهدة أشراط الموت من العاصي والكافر وإنما هي مقبولة
ما لم يتيقن الموت فإنه تعالى وعد قبوله بقوله وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ
عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وبقوله عن نفسه غافِرِ الذَّنْبِ
وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ فالتوبة واجبة في نفسها عن القبيح وعن
الإخلال بالواجب ثم إن كانت التوبة عن حق الله تعالى مثل ترك الصلاة والصيام والحج
والزكاة وسائر الحقوق اللازمة للنفس والبدن أو لأحدهما فيجب على التائب الشروع فيها
مع القدرة أو العزم عليها مع عدم القدرة عليها في وقت القدرة والندم على الإخلال
بها في الماضي والعزم على ترك العود وإن كانت التوبة عن حق الناس يجب رده عليهم إن
كانوا أحياء وإلى ورثتهم بعد موتهم إن كانت ذلك المال بعينه وإلا فمثله وإن لم يكن
لهم وارث تصدق به عنهم إن علم مقداره وإلا فيما يغلب على ظنه مساواته والندم على
غصبه والعزم على ترك العود إلى مثله ويستغفر الله تعالى على تعدي أمره وأمر رسوله
وتعدي أمر إمام زمانه فلكل منهم حق في ذلك يسقط بالاستغفار وإن كان توبته عن أخذ
عرض أو نميمة أو بهتان عليهم بكذب فيجب انقياده إليهم وإقراره على نفسه بالكذب
عليهم والبهتان وليستبرأ لهم عن حقهم إن نزلوا أو يراضيهم بما يرضون به عنه وإن كان
عن قتل نفس عمدا أو جراح أو شيء في أبدانهم فينقاد إليهم للخروج من حقوقهم على
الوجه المأمور به من قصاص أو جراح أو دية عن نفس عمدا إن شاؤوا رضوا بالدية وإلا
فالقتل بالقتل وإن كانت التوبة عن معصية من زنى أو شرب خمر وأمثاله فالتوبة عنه
الندم على ذلك الفعل والعزم على ترك العود إليه وليست التوبة قول الرجل أستغفر الله
وأتوب إليه وهو لا يؤدي حقه ولا حق رسوله ولا حق الناس فيقول الرجل هذا من دون ذلك
استهزاء بنفسه ويجر عليها ذنبا بكذبه كما روي أن بعض الناس اجتاز على رجل وهو يقول
أستغفر الله وهو يشتم ويكرر الاستغفار ويشتم فقال السامع له استغفر الله من هذا
الاستغفار وترجع بل أنت تهزأ بنفسك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحا قبل
أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وأصلحوا بينكم وبين ربكم تسعدوا
وأكثروا من الصدقة ترزقوا وأمروا بالمعروف تحصنوا وانهوا عن المنكر تنتصروا يا أيها
الناس إن أكيسكم أكثركم للموت ذكرا وإن أحزمكم أحسنكم استعدادا له وإن من علامات
العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور والتأهب
ليوم النشور وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دعائه :اللهم اغفر لي
كل ذنب علي إنك أنت التواب الرحيم وقيل إن إبليس قال وعزتك لا أزال أغوي وأدعو ابن
آدم على المعصية ما دامت الروح في بدنه فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أمنعه
التوبة حتى يعزب بروحه وما يقبض الله عبدا إلا بعد أن يعلم منه أنه لا يتوب لو
أبقاه كما أخبر سبحانه عن جواب أهل النار من قولهم ربنا أرجعنا نعمل صالحا فقال
تعالى :وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ .وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر الله في كل يوم سبعين مرة يقول :أستغفر
الله ربي وأتوب إليه، وكذلك أهل بيته عليهم السلام وصالحوا أصحابه لقوله تعالى
وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ.
وقال رجل يا رسول الله إني أذنبت فقال استغفر الله فقال إني أتوب ثم أعود فقال كلما
أذنبت استغفر الله فقال إذن تكثر ذنوبي فقال عفو الله أكثر فلا تزال تتوب حتى يكون
الشيطان هو المدحور وقال إن الله تعالى أفرح بتوبة العبد منه لنفسه وقد قال :إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتطهر وصلى ركعتين واستغفر الله إلا
وغفر له وكان حقيقا على الله أن يقبله لأنه سبحانه قال وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ
يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
وقال إن العبد ليذنب فيدخل به الجنة قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال يكون نصب عينيه
لا يزال يستغفر منه ويندم عليه فيدخله الله به الجنة ولم أر أحسن من حسنة حدثت بعد
ذنب قديم إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ
وقال إذا أذنب العبد كان نقطة سوداء على قلبه فإن هو تاب وأقلع واستغفر صفا قلبه
منها وإن هو لم يتب ولم يستغفر كان الذنب على الذنب والسواد على السواد حتى يغمر
القلب فيموت بكثرة غطاء الذنوب عليه وذلك قوله تعالى بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما
كانُوا يَكْسِبُونَ يعني الغطاء والعاقل يحسب نفسه قد مات ويسأل الله الرجعة ليتوب
ويقلع ويصلح فأجابه الله فيجد ويجتهد وجاء في قوله تعالى وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ
الْعَذابِ الأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
وقال المصائب في المال والأهل والولد والنفس دون العذاب الأكبر والعذاب الأكبر عذاب
جهنم وقوله لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني عن المعصية وهذا لا يكون إلا في الدنيا
وأوحى الله تعالى إلى داود احذر أن آخذك على غرة فتلقاني بغير حجة يريد التوبة .وروي
أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قوله تعالى رَبَّنا ظَلَمْنا
أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ
وروي أنه وزوجته حواء رأيا على باب الجنة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صفوتي من
الخلق فسألا الله بهم فتاب عليهم والتوبة على أربعة خصال ندم بالقلب وعزم على ترك
العود وخروج من الحقوق وترك بالجوارح والتوبة النصوح أن يتوب فلا يرجع فيما تاب عنه
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له والمصر على الذنب مع الاستغفار يستهزئ بنفسه ويسخر
منه الشيطان وأن الرجل إذا قال أستغفرك يا رب وأتوب إليك ثم عاد ثم قال ثم عاد ثم
قال كان في الرابعة من الكذابين .
وقال بعضهم كن وصي نفسك ولا تجعل الرجال أوصياءك وكيف تلومهم على تضييع وصيتك وقد
ضيعتها أنت في حياتك.
وسمع أمير المؤمنين رجلا يقول أستغفر الله فقال ثكلتك أمك أو تدري ما حد الاستغفار
الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان أولها الندم على ما مضى والثاني
العزم على ترك العود إليه أبدا والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حتى تلقى الله أملس
والرابع أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤدي حقها والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي
نبت على السحت والمعاصي فتذيبه والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة
المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله.
ولقد أحسن بعضهم شعرا:
مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا * وأصبحت في يوم عليك شهيد
وإن كنت بالأمس اقترفت إساءة * فثن بإحسان وأنت حميد
ولا تؤجل فعل الصالحات إلى غد * لعل غدا يأتي وأنت فقيد.
وقال آخر:
تمتع إنما الدنيا متاع * وإن دوامها لا يستطاع .
* إرشاد القلوب /الحسن
بن محمد الديلمي.