الأسرة الصالحة
العلاقات الزوجية
فالزواج يعيش من خلاله الإنسان حالة الحبّ والإنسجام، ويعطي للجسد متطلباته، وهو سكن إجتماعي حيث يبني الإنسان العائلة والأسرة، وينتج عنه تنظيم وإدارة الحياة على المستوى المادي.
عدد الزوار: 243بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.1
الأسرة في المنظور الإسلامي كيان مقدّس، وهي أساس صلاح المجتمع وفساده، والعاملان
الأساسيان في تكوينها هما الزوج والزوجة، فقبل البحث في التربية ومبادئها لا بدّ من الإلتفات إلى كيفية تهيئة العملية الزوجية لإنتاج أسرة صالحة لأنها تحدّد مستقبل
الأسرة.
عناية الإسلام واهتمامه بالزواج:
اهتم الإسلام بالرابطة الزوجية، وكرّمها أعظم التكريم واهتمّ بها كل الاهتمام،
واعتبر أنّ الزواج أمرٌ مقدّس في دين الله تعالى، فهو من آيات الله الرحمانية على
الناس، ويعطي للحياة البشرية معنىً رفيعاً وسامياً. ومن خلاله يمكن للإنسان الحصول
على الراحة والطمأنينة، وبه يستمر النوع البشري والتناسل.
ووما ورد في فضل الزواج والترغيب به:
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): " ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ
وجلّ من التزويج"2.
وفي رواية عنه(صلى الله عليه وآله): أنه قال: " المتزوج النائم أفضل عند الله من
الصائم القائم العزب"3.
ويستفاد من الروايات أنّ عبادة المتزوج أفضل من عبادة العازب.
عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: " إنّ ركعتين يصلّيها رجل متزوّج، أفضل من رجل
يقوم ليله ويصوم نهاره أعزب"4.
ولم يكن هذا الترغيب والحثّ على الزواج إلاّ لمصلحة أرادها الله تعالى أن تتحقق في
المجتمع البشري، ولذلك فإنّ هذا التشريع المستحب ينطوي على غايات وأهداف عبرّت عنها
الآيات القرآنية كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَ﴾5
فقوله تعالى: ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَ﴾إشارة إلى ما يحقق الزواج من عامل أساسي في
حياة الإنسان على مستوى الإستقرار والإطمئنان والراحة على جميع المستويات النفسية
والجسدية والإجتماعية والمادية والإدارية.
فالزواج يعيش من خلاله الإنسان حالة الحبّ والإنسجام، ويعطي للجسد متطلباته، وهو
سكن إجتماعي حيث يبني الإنسان العائلة والأسرة، وينتج عنه تنظيم وإدارة الحياة على
المستوى المادي.
عوامل بناء الأسرة الصالحة:
للوصول إلى تحقيق زواج سعيد وأسرة صالحة وضع الإسلام مجموعة من الضوابط والمرتكزات
التي على أساسها يمكن السعي لبناء أسرة متوافقة تعيش أجواء الصلاح والمحبة
والتوافق.
ومن هذه الضوابط نذكر:
أولاً: اختيار الشريك
ونعني بذلك الإختيار من كلا الطرفين، وهذه من المسائل المهمة والمفصلية في بناء
الأسرة الصالحة، وقد وضع الإسلام الخطوط العريضة لحسن الإختيار في الرجل والمرأة،
وأعطى النصائح الكافية لذلك.
ففي مجال الصفات التي بنبغي أن تتوفر في المرأة:
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إيّاكم وخضراء الدمن"، قيل: يا رسول الله ومن
خضراء الدمن؟ قال: "المرأة الحسناء في منبت السوء"6.
وعنه(صلى الله عليه وآله) قال: "تخيّروا لنطفكم فإنّ النساء يلدن أشباه إخوانهن
وأخواتهن"7.
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: "خير نساءكم الطيّبة الريح، الطيّبة الطبيخ،
التي إن أنفقت، أنفقت بمعروف وإن أمسكت، أمسكت بمعروف، فتلك عامل من عمّال الله،
وعامل الله لا يخيب ولا يندم"8.
وأما المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في الرجل:
فهناك صفتان أساسيتان وهما كما ورد في الروايات:
1-الإلتزام الديني: عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال:
" إذا جاءكم من ترضون دينه
وأمانته يخطب إليكم فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"9.
وروي أنه جاء رجل إلى الحسن بن علي(عليهما السلام) يستشيره في تزويج إبنته، فقال:
"زوّجها من رجل تقيّ، فإنّه إن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها"10.
2-حَسَنُ الخُلق: فقد كتب أحدهم إلى أبي الحسن(عليه السلام): إنّ لي ذا قرابة قد
خطب إليّ وفي خُلُقه سوء فقال: " لا تزوجه إن كان سيئ الخُلُق"11.
العلاقة السليمة للأسرة:
إذا سادت العلاقة الصحيحة والسليمة والمبنّية على نظام القرآن والشريعة بين الرجل
والمرأة فإنّ ذلك هو المفتاح الأساس لبناء الأسرة الصالحة، وتصرّفات الزوجين فيما
بينهما، تعكس الأجواء الإيجابية أو السلبية داخل الأسرة.
ومن هنا نجد أن الإسلام وفي سبيل بناء هذه الأسرة وضع نظاماً للعلاقة التي ينبغي أن
تحكم الأسرة ومنها:
1-المودّة: وهي المحبة التي تشكل قاعدة أساسية للتفاهم والإنسجام، والتي ينبغي أن
تظهر في أعمال الطرفين.
عن النبي(صلى الله عليه وآله): "ما أنفق الرّجل على أهله فهو صدقة وإنّ الرّجل
ليؤجر في رفع اللَّقمة إلى في امرأته "12.
2- الرحمة: وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة وكذلك للعنصر الأول في قوله تعالى:
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.
فقد أضاف القرآن إلى المودة عنصراً آخر وهو الرحمة التي تظهر في الأعمال أيضاً على
شكل عطاء لا ينتظر مقابلاً.
ومن ذلك ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إتقوا الله في
الضعيفين: اليتيم والمرأة فإنّ خياركم خياركم لأهله"13.
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): قال: "ما من إمرأةٍ تسقي زوجها شربة من ماء إلاّ
كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ويبني الله لها بكل شربة تسقي
زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة"14.
3- المعاشرة بالمعروف: فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ﴾15.
وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: "جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)
فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقّتني وإذا خرجت شيّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما
يهمّك؟ إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به غيرك وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله
همّاً، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): بشّرها بالجنّة وقل لها: إنّك عاملة من
عمّال الله ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً"16.
4-
الصبر والحلم: وهما من ضروريات الحياة الزوجية لمواجهة المشاكل الخارجية الناتجة عن
متطلبات الحياة الإجتماعية والإقتصادية فمن الوصايا للرجل:
عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: "...ومن صبر على سوء خلق إمرأته واحتسبه أعطاه
الله(بكل مرة) يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب على بلائه، وكان عليها من الوزر
في كلّ يوم وليلة مثل رمل عالج..."17.
ومن الوصايا للمرأة:
عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: "..وأيما إمرأة خدمت زوجها سبعة أيّام أغلق
الله عنها سبعة أبواب من النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت"18.
وأخيراً: فإن الباب لا يُغلق أمام الوصايا والمواعظ القرآنية والروائية التي أرشدت
الرجل والمرأة إلى كيفية بناء الأسرة الصالحة التي يحبّها الله تعالى ورسوله
الكريم(صلى الله عليه وآله).
لذا كان لزاماً علينا العمل والسعي نحو تحقيق الأسرة النموذجية في مثل هذا المجتمع
الذي يغزوه الفساد والإنحراف من جميع الجوانب.
والحمد لله رب العالمين
* سماحة الشيخ خليل رزق.
1- سورة الروم: الآية: 21.
2- وسائل الشيعة، الحر العاملي: 20/14.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري الطبرسي: 14/155
4- بحار الأنوار،العلامة المجلسي: 100/217.
5- سورة الروم: الآية: 21
6- الكافي، الكليني: 5/232.
7- كنزل العمال،المتقي الهندي: 16/295.
8- مكارم الأخلاق، الطبرسي: 200،
9- أمالي الطوسي: 519.
10- مكارم الأخلاق: الطبرسي: 204.
11- بحار الأنوار: 100/735.
12- المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، الكاشاني: 2/70.
13- بحار الأنوار: 76/268.
14- وسائل الشيعة،الحر العاملي: 20/172.
15- سورة النساء: الآية: 19.
16- وسائل الشيعة،الحر العاملي: 20/29.
17- وسائل الشيعة،الحر العاملي: 20/164.
18- وسائل الشيعة،الحر العاملي: 20/172.