كيف نواجه الشَّيطان
الأخلاق والثقافة الإسلامية
من الأمور الَّتي تساعد على مجابهة الشَّيطان معرفة خططه، ومن خططه أنّه لا يوقع الإنسان المؤمن في المعاصي الكبيرة بخطوة واحدة وبشكل مكشوف، بل يعطيه السّموم على جرعات، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة:
عدد الزوار: 110
خطوات الشَّيطان تدريجيّة
من الأمور الَّتي تساعد على مجابهة الشَّيطان معرفة خططه، ومن خططه أنّه لا يوقع
الإنسان المؤمن في المعاصي الكبيرة بخطوة واحدة وبشكل مكشوف، بل يعطيه السّموم على
جرعات، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ فعبارة خُطُوَاتِ الشَّيطان قد تشير
إلى مسألة تربويّة دقيقة، وهي أنّ الانحرافات تدخل ساحة الإِنسان بشكل تدريجيّ، لا
دفعيّ فوريّ. فتلوُّث شابٍّ بالقمار، أو شرب الخمر، أو بالمخدّرات، يتمّ على
مراحل: فمثلاً يشترك أوّلاً متفرّجاً في جلسة من جلسات لعب الورق، ظانّاً أنّه عمل
اعتياديّ لا ضير فيه. ثمّ يشترك في اللّعب نفسه للتّرويح عن النّفس (دون ربح أو
خسارة)، أو يتناول شيئاً من المخدّرات بحجّة رفع التَّعب أو المعالجة أو أمثالها من
الحجج.
وفي الخطوة الأخرى يمارس العمل المحرّم قاصداً أنَّه يمارسه مؤقتاً. وهكذا تتوالى
الخطوات واحدة تلو الأخرى ويصبح الفرد مقامراً محترفاً أو مدمناً مريضاً. فوساوس
الشَّيطان تدفع بالفرد على هذه الصورة التّدريجيّة نحو هاوية السقوط. وليست هذه
طريقة الشَّيطان الأصليّ فحسب، بل كلّ الأجهزة الشَّيطانية تنفّذ خططها المشؤومة
على شكل "خُطُوات"، لذلك يحذّر القرآن كثيراً من اتّخاذ الخطوة الأولى على طريق
الانزلاق، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً
طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُّبِينٌ﴾1. ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ
بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾2. وعن الإمام عليّ عليه السلام:
"وَاتَّقُوا مَدَارِجَ
الشَّيطان"3.. وعنه عليه السلام: "إنّ الشَّيطان يُسَنِّي لكم طُرُقَهُ، ويريد أن
يَحُلَّ دينكم عُقدةً عُقدةً"4.
بعض أعمال الشَّيطان
للشّيطان أعمال وخطط عديدة أقسم وأخذ عهداً على نفسه أن لا يألو جهداً في تنفيذها،
متى سنحت له الظّروف وتهيّأت له الأسباب، نذكر نماذج منها:
1- يوسوس لأتبعاعه بأن يغيروا أصل الخلقة الإلهية: ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ
خَلْقَ اللّهِ﴾5، وهذه الجملة تشير إلى أنّ الله قد أوجد في فطرة الإنسان منذ خلقه،
النزعة إلى التوحيد وعبادة الواحد الأحد، بالإضافة إلى بقية الصفات والخصال الحميدة
الأخرى، ولكن وساوس الشَّيطان والانجراف وراء الأهواء والنَّزوات تبعد الإنسان عن
الطّريق المستقيم الصّحيح، وتحرفه إلى الطّرق المُعَوَجّة الشاذة. والشّاهد على هذا
القول أيضاً الآية (30) من سورة الروم، إذ تقول: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ
لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾6. ونقل عن الإمام الصَّادق عليه
السلام أنّه فسّره بأنّ القصد من التّغيير المذكور هو تغيير فطرة الإنسان وحرفها عن
التّوحيد وعن أمر الله7. وهذا الضرر الذي لا يمكن تعويضه، لأنّه يعكس للانسان
الحقائق والوقائع ويستبدل بها مجموعة من الأوهام والخرافات والوساوس الّتي تؤدّي
إلى تغيير السّعادة بالشّقاء للنّاس.
2- يأخذ من عباد الله نصيباً معيناً: ﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ
نَصِيبًا مَّفْرُوضً﴾. فالشَّيطان يعلم بعجزه عن اغواء جميع عباد الله، لأنّ من
يستسلم لإرادة الشَّيطان ويخضع له، هم فقط أولئك المنجرفون وراء الأهواء والنّزوات،
والّذين لا إيمان لهم، أو ضعاف الإيمان.
3- يضلّ النّاس: كما صرّح بنفسه ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ﴾.
4- يشغل أتباعه بالأمنيات العريضة وطول الأمل:
﴿وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾.
5- يدعو أتباعه إلى القيام بأعمال خرافيّة: مثل قطع أو خرق أذان الحيوانات
﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ﴾ وهذه إشارة لواحد من أقبح
الأعمال الّتي كان يرتكبها الجاهليون المشركون، حيث كانوا يقطعون أو يخرقون أذان
بعض المواشي، وكانوا يحرّمون على أنفسهم ركوبها، بل يحرّمون أيّ نوع من أنواع
الانتفاع بهذه الحيوانات.
6- يعد الشَّيطان أتباعة بالوعود الكاذبة: يستمرّ في إعطائه الوعود الكاذبة لأولئك،
ويمنّيهم الأمنيات الطوال العراض، ولكنّه لا يفعل شيئاً بالنّسبة لهؤلاء غير
الإغواء والخداع، ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ
غُرُورً﴾8.
أوصاف الشَّيطان الأساسيّة
من طبيعي أنّ الشَّيطان لا يمكنه إدخال أيّ أحد من الناس ليكون عضواً رسميّاً في
حزبه، ويقوده إلى جهنّم، فأعضاء حزبه هم الّذين يتّصفون بالصّفات المذكورة في بعض
الآيات القرآنيّة. وفيما يلي بعض هذه الصّفات:
1- الأنانيّة:
من الأمور الحسّاسة جدّاً الّتي تلفت النّظر في قضيّة طرد إبليس من رحمة الله، هو
مدى تأثير عاملَيْ الأنانيّة والغرور على سقوط وتعاسة الإنسان، إذ يمكن القول
بأنّهما من أهمّ وأخطر عوامل الانحراف. وقد تسبّبا، في لحظة واحدة، في هدم عبادة
ستّة آلاف سنة، وإنّهما كانا السّبب وراء تدنّي موجود كان في صفّ ملائكة السّماء
الكبار إلى أدنى دركات الشّقاء، حتّى أنّه استحقّ لعنة الله الأبديّة. هذه
الأنانيّة الّتي عبّر عنها أبليس بـ "أنا" بشكل صريح وواضح في القرآن الكريم حيث
حكى تعليله عدم السجود لآدم من قوله تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ
إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ
مِن طِينٍ﴾9، وفي آية أخرى ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾10.
فالأنانيّة والغرور يحجبان الحقيقة عن بصر الإنسان، فالأنانيّة مصدر الحسد، والحسد
مصدر العداوة والبغضاء، والعداوة والبغضاء سبب إراقة الدماء وارتكاب الجرائم.
الأنانيّة تدفع الإنسان إلى الاستمرار في ارتكاب الخطأ، وتحبط، في نفس الوقت، مفعول
أيّ عامل للصّحوة من الغفلة، أي: تحوّل بين ذلك العامل وبين الإنسان.
الأنانيّة والعناد يسلبان فرصة التّوبة وإصلاح الذّات من الإنسان، ويغلقان أمامه
كلّ أبواب النَّجاة، وخلاصة الأمر أنّ كلّ ما نقوله حول خطر هذه الصّفات القبيحة
والمذمومة يعدّ قليلاً.
2- الاستكبار والعصبية:
القرآن يكشف لنا أحد أهم أوصاف الشَّيطان والّتي كانت سبباً أساسيّاً لوقوعه في
المعصية، وطرده لاحقاً وهي التَّكبر على آدم ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن
تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾11.
وأمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له يذمّ إبليس (لعنه الله)، على استكباره وتركه
السجود لآدم عليه السلام، ويبيّن عليه السلام أنّه أوّل من أظهر العصبيّة وتبع
الحميّة، ويُحذِّر النّاس من سلوك طريقته قال عليه السلام: "فسجد الملائكة كلّهم
أجمعون إلا إبليس اعتَرضَتهُ الحمِيّة فافتخر على آدم بخَلْقهِ، وتَعصّبَ عليه
لأصله. فَعدُوّ الله إمام المُتعصّبين، وَسَلَفُ المستكبرين، الذي وضع أساس
العصبيّة، ونازع الله رداء الجَبْرِيّةِ، وَادَّرَعَ لباس التَّعَزُّزِ، وخلع قناعَ
التّذلُّل"12، لذلك على الإنسان المؤمن أن لا يتعصّب إلّا للحقّ والدين، ويبتعد عن
أيّ عصبيّة أخرى حتّى لو كان لأهله وإخوته وأقاربه.
3- اتّباع الهوى:
من صفات الشَّيطان اتّباع هواه، فهو يريد عبادة ربّه حسب هواه، فعن الإمام الصَّادق
عليه السلام: "أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ وعزّتك إنْ أعفيتني من
السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحد قطّ مثلها، قال الله جل جلاله: إنّي أحبّ
أن أطاع من حيث أريد"13.
وكم نرى من النّاس من يتّصف بهذه الصّفة، حيث يريد ديناً حسب ما تشتهي نفسه، لا كما
يريد ربّه، فتكون الشّريعة تابعة له لا هو تابع للشّريعة.
ما يساعد الشَّيطان على الإنسان
هناك العديد من الأمور الّتي يمكن أن تساعد على تحكّم الشَّيطان بالإنسان منها:
1- مجالسة أهل الهوى: عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"واعلمُوا أنّ يسير الرّياء
شرك، ومجالسة أهل الهوى مَنْسَاةٌ للإيمانِ، محضرة للشيطان"14.
2- الظّلم والبغي: عن الإمام عليّ عليه السلام أيضاً قال:
"فالله الله في عاجل
البغي، وآجل وخامة الظّلم، وسوء عاقبة الكبر، فإنَها مصيدة إبليس العظمى، ومكيدته
الكبرى، الّتي تُساور قلوب الرّجال مُساورة السّموم القاتلة"15.
3- الانشغال بعيوب غيره عن عيوب نفسه: عن الإمام عليّ عليه السلام:
"فمن شغل نفسه
بغير نفسه تَحَيَّرَ في الظّلمات، وارْتَبَكَ في الهلكات، وَمَدَّتْ به شياطينه في
طغيانه، وزيّنت له سيِّئَ أعماله"16.
4- الإعجاب بالنّفس وحبّ المدح: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
"وإيّاك والإعجاب
بنفسك، والثّقة بِما يعجبك منها، وحبّ الإطراء، فإنّ ذلك من أَوْثَقِ فُرَصِ
الشَّيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين"17.
5- الغضب: فعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال:
"واحذر الغضب، فإنّه جُندٌ عظيم من
جنوِ إبلِيس"18. وقال عليه السلام: "وإيّاك والغضب فإنّه طَيْرَةٌ من الشَّيطان"19.
6- الإفراط في حبّ النساء وحبّ المال وشرب الخمر:
عن الإمام عليّ عليه السلام:
"الفتن ثلاث: حبّ النساء وهو سيف الشَّيطان، وشرب الخمر وهو فخّ الشَّيطان، وحب
الدّينار والدّرهم وهو سهم الشَّيطان"20. وعنه عليه السلام قال: "إنّ الشَّيطان
يدير ابن آدم في كلّ شيء، فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته"21.
7- العداوة والبغضاء: يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾22.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة البقرة، الآية 168.
2- سورة النور، الآية 21.
3- نهج البلاغة، ج 2، ص 439، الخطبة 151.
4- م. ن، ج 1، ص 235، الخطبة 121.
5- سورة النساء، الآية 119.
6- سورة الروم، الآية 30.
7- آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 3، ص 334.
8- سورة النساء، الآية 120.
9- سورة الأعراف، الآية 12.
10- سورة ص، الآية 76.
11- سورة ص، الآية 75.
12- نهج البلاغة، ح 2، ص 138، الخطبة 192.
13- بحار الأنوار، ج 2، ص 262.
14- نهج البلاغة، ج 1، ص 150، الخطبة 86.
15- م. ن، ج 2، ص 148، الخطبة 192.
16- نهج البلاغة، ج 2، ص 51، الخطبة 157.
17- م. ن، ج 3، ص 108، من عهده إلى مالك الأشتر، الخطبة53.
18- م. ن، ج 3، ص 131، الكتاب: 7 (إلى المنذر بن الجارود).
19- م. ن، ج 3، ص 136، الكتاب: 76 (كتابه إلى أبي موسى الأشعري).
20- بحار الأنوار، ج 2، ص 107.
21- الكافي، ج 2، ص 315.
22- سورة المائدة، الآية 91.