الصِّدق والكذب
الأخلاق والثقافة الإسلامية
الكذب حرام بضرورة العقول والأديان، ويستفاد من القرآن الكريم والرّوايات أنّه من الذُّنوب الكبيرة، والآيات والأخبار الواردة في كبر ذنب الكذب وشدّة عقوبته ومفسدته ومضرّته كثيرة منها:
عدد الزوار: 101
قبائح الكذب
الكذب حرام بضرورة العقول والأديان، ويستفاد من القرآن الكريم والرّوايات أنّه من
الذُّنوب الكبيرة، والآيات والأخبار الواردة في كبر ذنب الكذب وشدّة عقوبته ومفسدته
ومضرّته كثيرة منها:
1- الكذب فسق:
قال تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾1، حيث عبَّر
عن الكذب بالفسوق، وأيضاً في سورة الحجرات عبَّر عن الكاذب بالفاسق: ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا
قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾2.
2- الكذب يتناقض مع الإيمان:
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ
اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾3، ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾4.
3- الكذب من علامات النفاق:
كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثٌ من كنّ فيه كان منافقاً وإن صام
وصلّى وزعم أنّه مسلم: من إذا اؤْتُمِنَ خان وإذا حَدَّثَ كذب وإذا وعد أَخْلَفَ،
إنّ الله،ـ عزّ وجلّ، قال في كتابه ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾5 وقال
﴿أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾، وفي قوله
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ
رَسُولًا نَّبِيًّ﴾"6.
4- الكذب منشأ جميع الذُّنوب:
عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل للشرِّ أقفالاً
وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشَّراب، والكذب شرّ من الشّراب"7، وعن الإمام العسكريّ
عليه السلام أنّه قال: "جعلت الخبائث كلّها في بيت وجعل مفتاحها الكذب"8.
5- الكذب سبب الخذلان الإلهيّ:
وهو سبب للحرمان من الهداية الإلهيّة كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾9، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ
مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾10.
6- الحرمان من صلاة اللّيل:
عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الرّجل ليكذب فيحرم بها صلاة اللّيل،
فإذا حرم صلاة اللّيل حُرِم بها الرِّزق"11.
7- الكذب يهلك صاحبه:
كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "اجتنبوا الكذب، وإن رأيتم فيه
النّجاة، فإنَّ فيه الهلكة"12.
8- لا يقبل رأي الكاذب:
كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الكذب مُجانِبُ الإيمان ولا رأي
لكَذوبٍ"13.
9- يسلب البهاء:
كما ورد عن النّبيّ عيسى عليه السلام قوله: "من كثر كذبه ذهب بهاؤه"14، بنحو ينفر
عنه الناس، ولأجل قبح الكذب وخطورته كان التّحذير من مصاحبة الكذّاب.
10- التحذير من مصادقة الكذّاب:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ينبغي للرَّجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذّاب،
إنّه يكذب حتّى يجيء بالصِّدق فلا يُصدَّق"15.
وعنه عليه السلام أنّه قال: "إيّاك ومصادقة الكذّاب، فإنّه كالسّراب يقرّب عليك
البعيد ويبعِّد عليك القريب"16.
هذا غيض من فيض ما ورد في قبح الكذب، ولقد عدّد المرحوم الشيخ النّوري أربعين نقطة
من خلال القرآن الكريم والأحاديث في شناعة أمر الكذب، لم نذكرها للاختصار.
الكذب بدافع المزاح والهزل
من جملة أقسام الكذب ما يكون بدافع الهزل والمزاح لغرض التَّرفيه والضحك، مثل: أن
يقال لشخص ساذج بسيط: إنّ هذا الشخص دعاك اللّيلة لوليمة أو إنّ المال الفلانيّ
أعطي لك حوالة، وأمثال ذلك.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتّى يدع الكذب
جِدَّهُ وهَزْلَهُ"17، وعن أبي ذرّ في وصية النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له:
"يا أبا ذرّ من مَلَكَ ما بين فَخِذَيْه وما بين لَحْيَيْهِ دخل الجنّة، قلت: وإنّا
لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا، فقال: وهل يكبّ النّاس على مناخرهم في النّار إلّا
حصائد ألسنتهم، إنّك لا تزال سالماً ما سكتّ فإذا تكلّمت كُتب لك أو عليك، يا أبا
ذرّ، إنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله عزّ وجلّ فيكتب له بها رضوانه يوم
القيامة، وإنّ الرّجل ليتكلّم بالكلمة في المجلس، ليضحكهم بها، فيهوى في جهنَم ما
بين السّماء والأرض، يا أبا ذرّ ويل للّذي يُحدِّث، فيكذب، ليضحك به القوم، ويل له
ويل له ويل له، يا أبا ذرّ من صمت نجا فعليك بالصّمت، ولا تَخْرجَنّ من فيك كذبة
أبداً، قلت: يا رسول الله فما توبة الرّجل الّذي يكذب متعمّداً، قال: الاستغفار
وصلوات الخمس تغسل ذلك"18.
الكذب الصّغير والكبير
وينبغي أيضاً اجتناب الكذب المتعارف أنّه صغير، كما تدلّ على ذلك هذه الرّواية، كان
الإمام السّجاد عليه السلام يقول لولده: "اتّقوا الكذب الصّغير منه والكبير في كلّ
جِدٍّ وهَزْلٍ، فإنّ الرّجل إذا كذب في الصّغير اجترأ على الكبير أَما علمتم أنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما يزال العبد يَصدُق حتّى يكتبه الله
صِدّيقاً، وما يزال العبد يكذب حتّى يكتبه الله كذّابا19"ً.
الكذب على الله والرّسول والإمام
إذا كان الكذب من الكبائر، وحذّرت الرّوايات من صغيره وهزله، فكيف بالكذب على الله
تعالى، ورسوله والأئمّة، فإنَّه أسوأ مراتب الكذب، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ
لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ
لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ
الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾20.
ويقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ
وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾21.
إنّ الكذب على الله،ـ جلَّ وعلا، الّذي هو أحد أسباب اسوداد الوجه يوم القيامة، له
معان واسعة تصل حتّى ادِّعاء للإمامة والقيادة كذباً، فعن الإمام الصَّادق عليه
السلام عندما أجاب الإمام على سؤال يتعلق بتفسير هذه الآية، وقال: "من زعم أنّه
إمام وليس بإمام، قيل: وإن كان علويّاً فاطميّاً؟ قال: وإن كان علويّاً
فاطميّاً"22.
وكذلك، فإنَّ من نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى الإمام المعصوم
حديثاً مختلقاً اعتبر كاذباً على الله، لأنّهم لا ينطقون عن الهوى، لهذا فقد ورد في
حديث عن الإمام الصَّادق عليه السلام: "من تحدّث عنّا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً،
فإن صدق علينا فإنّما يصدق على الله وعلى رسوله، وإن كذب علينا، فإنّه يكذب على
الله ورسوله، لأنّا لا نقول: قال: فلان وقال فلان، إنّما نقول: قال الله وقال رسوله،
ثمّ تلا هذه الآية ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ
وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾"23.
الصّدق
بمعرفتنا لقبح الكذب نعرف حسن الصِّدق، فالصِّدق من علامات صحّة الإيمان ورأسه، كما
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "الصّدق أقوى دعائم الإيمان"24، وعنه عليه
السلام أنّه قال: "الصّدق رأس الدِّين"25.
وعنه عليه السلام أنّه قال: "الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرُّك على الكذب حيث
ينفعك"26.
وعن الإمام الصَّادق عليه السلام أنّه قال: "لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ
الرَّجل ربَّما لهج بالصَّلاة والصَّوم حتّى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق
الحديث وأداء الأمانة"27.
هذا وطريق الصّدق هو طريق الأنبياء والأولياء الربّانيّين، حيث كانوا يتجنبون كلَّ
كذب وغشِّ وخداع وحيلة في أفكارهم وأقوالهم وأعمالهم، وهذا بخلاف شياطين الإنس من
الزُّعماء والرُّؤساء والملوك الّذين ديدنهم الكذب والخداع والغشّ، وهذا من أهم
أسباب فشل المسلمين، ذلك أنَّهم اتبعوا الكاذبين وتركوا الصَّادقين، في حين أنَّ
الله تعالى أمرنا أن نكون مع الصَّادقين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾28.
* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة البقرة، الآية 197.
2- سورة الحجرات، الآية 6.
3- سورة النحل، الآية 105.
4- سورة المائدة، الآية 103.
5- سورة الأنفال، الآية 58.
6- الكافي، ج 2، ص 390-391.
7- م، ن، ص 339.
8- بحار الأنوار، ج69، ص 263، (تحقيق: البهبوديّ)
9- سورة الزمر، الآية 3.
10- سورة غافر، الآية 28.
11- بحار الأنوار، ج 69، ص 260.
12- مستدرك الوسائل، ج9، ص88.
13- مستدرك الوسائل، ج 9، ص 88.
14- الكافي، ج2، ص 341.
15- م، ن.
16- نهج البلاغة (عبده)،ج 4، ص 11.
17- بحار الأنوار، ج 69، ص 262.
18- وسائل الشيعة، ج12، ص251.
19- م، ن، ص 250.
20- سورة النحل، الآيتان 116-117.
21- سورة الزمر، الآية 60.
22- بحار الأنوار، ج7، ص176.
23- م، ن، ج7، ص159-160.
24- غرر الحكم، ص 140، الحديث (الحكمة) 4310.
25- غرر الحكم، ص 140، الحديث (الحكمة) 4309.
26- وسائل الشيعة، ج12، ص255.
27- الكافي، ج2، ص104.
28- سورة التوبة، الآية 119.