يتم التحميل...

الإيمان بالله تعالى

الأخلاق والثقافة الإسلامية

إنّ المعرفة الله عن طريق القلب هي إحساس وشعور باطنيّ وهي طريقٌ فرديٌ تماماً، ولا تقبل النَّقل للآخرين والتَّعليم والتَّعلُّم، على خلاف معرفة الله عن طريق العقل فهي ليست فرديةً وهي قابلة للتَّعليم والتَّعلُّم، ويمكن نقلها للآخرين.

عدد الزوار: 84

إنّ المعرفة الله عن طريق القلب هي إحساس وشعور باطنيّ وهي طريقٌ فرديٌ تماماً، ولا تقبل النَّقل للآخرين والتَّعليم والتَّعلُّم، على خلاف معرفة الله عن طريق العقل فهي ليست فرديةً وهي قابلة للتَّعليم والتَّعلُّم، ويمكن نقلها للآخرين.

فمعرفة الله عن طريق القلب لا يمكن إبرازها في قلب الاستدلال، وهي ليست أمراً قوليّاً بل هي أمرٌ ذوقيٌّ، وهي نوعٌ من التّجربة الباطنيّة لا يمكن نقلها للآخرين، كما أنّ المبصر لا يستطيع أن يبيِّن للأعمى اللَّون وإدراكه له ومعرفته به، وكما أنّ الإحساس بالجوع والعطش لا يقبل النَّقل للآخرين فكذلك الشَّخص الذي يستطيع أن يحسّ بالله عن طريق القلب لا يستطع أن ينقل إحساسه إلى من كان بَصَرُ قلبه أعمى.

الإيمان بالله تعالى وأنواعه

يمكن تصنيف الإيمان بالله بحسب واقع النَّاس إلى أقسام عدّة: أشار القرآن الكريم إلى بعضها، وهي:

1- الإيمان الراسخ:
وهو الإيمان الثابت الذي لا تهزُّه البلاءات والفتن: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ1.

2- الإيمان الوراثيّ التَّقليديّ:
وهو ما كان تقليداً للآباء والأجداد دون دليلٍ أو برهانٍ منطقيّ، قال تعالى: ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ2.

3- الإيمان الموسميّ:
وهو ما كان بدافع الخوف أو الطَّمع بحيث لم يتجاوز اللِّسان، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ3.

مراحل الإيمان بالله تعالى

يستفاد من الرّوايات بأنّ الإيمان بالله تعالى مرتبةٌ ـ، رفيعةٌ وخاصَّةٌ وله عدّة مراحل، فقد ورد عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الإيمان أفضل من الإسلام، وإنَّ اليقين أفضل من الإيمان، وما من شيء أعزَّ من اليقين"4.

ويمكن تقسيم المراحل بحسب الرّوايات إلى المراحل التَّالية:

1- مرحلة الإسلام:
وهو التَّصديق بالله تعالى وتوحيده قولاً ولساناً من خلال الشَّهادتين بعد المعرفة والاعتقاد بمضمون هاتين الشَّهادتين إجمالاً وهما التَّوحيد والنُّبوَّة. فعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله والتَّصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، به حُقنت الدِّماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة النَّاس"5.

2- مرحلة الإيمان:
ويعني التَّصديق والاعتقاد العقليّ بما جاء به الدِّين الإٍسلاميّ من معتقدات وتشريعات، وتجسيد ذلك بالجوارح. روي أنَّ سماعة سأل الإمام الصَّادق عليه السلام يوماً عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال عليه السلام: "إنّ الإيمان يُشارك الإسلام والإسلام لا يُشارِك الإيمان، فقلت فَصِفهُما لي فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله والتَّصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، به حقنت الدِّماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة النَّاس. والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام، وما ظهر من العمل به. والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة, إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظَّاهرِ و الإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن، وإن اجتمعا في القول والصِّفة"6.

3- مرحلة التَّقوى:
وهي المرحلة التي يكون فيها المؤمن متوقّياً من كلّ ما يبعده عن الله تعالى، فيجتنب المحرَّمات ويفعل الواجبات، وجاء في الحديث: "التَّقوى فوق الإيمان بدرجة"7. وسُئل الإمام الصَّادق عليه السلام عن تفسير التَّقوى فقال عليه السلام: "أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك"8.

4- مرحلة اليقين:
وهي أعلى المراتب وأسماها، وهي مرحلة الإيمان القلبيّ بالله تعالى، وانكشاف الغطاء والحجاب، وتحوُّل الغيب إلى الشَّهادة. يقول الإمام عليّ عليه السلام: "لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً"9. وصرَّحت الأخبار بأفضليّة اليقين على الإيمان، وأنَّه فوق التَّقوى بدرجة، وأنّ اليقين فوق التَّقوى بدرجة, عن الإمام الرِّضا عليه السلام: "الإيمان فوق الإسلام بدرجة، والتَّقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التَّقوى بدرجة، وما قُسم في النَّاس شيء أقلُّ من اليقين"10.

كيف نقوِّي الإيمان بالله تعالى؟

لا شكّ في أنّ الإيمان بالله تعالى قابل للزِّيادة والنُّقصان، وهو خاضعٌ لجملةٍ من العوامل تؤثِّر عليه قوِّةً وضعفاً، وفيما يلي جملة من العوامل التي من شأنها تقوية الإيمان بالله وتعميقه، نذكر منها:

1- التَّفكُّر:
على المؤمن أن يتأمّل في هذا الكون ليكتشف روعة عالم الخلق، واتِّقان صنعه وتنظيمه. قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ11.

2- قراءة القرآن بتدبُّر:
القرآن الكريم يمثِّل كلمات الله الّتي تتضمّن المبادئ العالية لمعرفة الله، ولتربية الإنسان وارتباطه السَّليم بالخالق تعالى. قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ12.

3- تطبيق الأحكام الإسلاميَّة:
تعتبر الأحكام الإسلاميَّة بمثابة الغذاء للمؤمن الَّذي ينمّي لديه قوّة الإيمان بالله ويصعد بوجوده نحو الكمال الإلهي: ومن مصاديق الشَّعائر الإسلاميَّة: الصَّلاة، الصَّوم، الزَّكاة، الحجُّ، قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ13.

4- الذِّكر:
ويتمثَّل بأنواع الدُّعاء وبألفاظ التَّهليل والتَّكبير والتَّسبيح والتَّمجيد، الَّتي تقوِّي الرَّابطة القلبيَّة والمعنويَّة بالله عزَّ وجلَّ. قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ14. وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا15.

وعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "من أشدّ ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً"16.

5- ذكر الموت:
تذكّرُ الموت وحساب القبر والمراحل الَّتي سوف يواجهها الإنسان في الحياة الآخرة، وما أعدّ الله للمطيعين من نعيم وما أوعد به العاصين من عذاب، كلُّها أمور تساعد على شحذ الهمَّة واتِّخاذ القرار بالرجوع إلى الله وطاعته والانقياد لشريعته, لأن الرُّجوع لا محالة صائر إليه. قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ17.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول: "أكثروا ذكر الموت, فإنَّه هادم اللَّذات"18.

وقد أشار الإمام عليّ عليه السلام إلى ذلك بقوله: "وكفى بالموت واعظاً"19.

6- التَّواضع:
بمعنى الاستشعار المستمرّ بالضَّعف والتَّقصير أمام الله تعالى اقتداءً بسيرة أهل البيت عليهم السلام, فقد ورد في مناجاة التَّائبين عن الإمام زين العابدين عليهم السلام: "إلهي أَلْبسَتْني الخطايا ثوبَ مذَلَّتي، وجلَّلَني التَّباعُدُ مِنكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وأماتَ قلبي عظيمُ جِنايَتي، فأَحْيِه بتوبةٍ منك يا أَمَلي وبُغيَتي"20.

* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة الحجرات، الآية 15.
2- سورة الشعراء، الآية 74.
3- سورة الحجرات، الآية 14.
4- الكافي، ج 2، ص 51.
5- م.ن،ج 2، ص 25.
6- الكافي، ج2، ص25.
7- م.ن، ج 2، ص 51.
8- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 67، تحقيق الميانجيّ البهبوديّ، ط 3، بيروت لبنان، دار إحياء التراث العربيّ، 1403هـ.ق 1983، ص 285.
9- بحار الأنوار، ج 66، ص 209.
10- الكافي، ج 2، ص 51.
11- سورة فصّلت، الآية 53.
12- سورة الإسراء، الآية 9.
13- سورة فاطر، الآية 10.
14- سورة الرعد، الآية 28.
15- سورة آل عمران، الآية 41.
16- بحار الأنوار، ج 68، (تحقيق: الميانجيّ البهبوديّ)، ص 204.
17- سورة البقرة، الآيتان، 155-156.
18- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 2، ط 2، قم، مؤسَّسة آل البيت، 1414هـ.ق، ص 437.
19- أصول الكافي، ج 2، ص 275.
20- بحار الأنوار، ج 91، (تحقيق: الميانجيّ البهبوديّ)، ص 142.

2014-09-22